الرئيسية » تقارير » عبد الفتاح سعيد يكشف لـ”وطن”: في المرناقية تَتَمنَّى أن تَرتقي إلى مستَوى الحيوان في المعامَلَة

عبد الفتاح سعيد يكشف لـ”وطن”: في المرناقية تَتَمنَّى أن تَرتقي إلى مستَوى الحيوان في المعامَلَة

“خاص- وطن”- حاوره شمس الدين النقار- بعد أن حاورت صحيفة “وطن” في تونس عديد الشخصيات السياسيّة والنخبويّة (رئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي والقيادي المستقيل من حزب نداء تونس لزهر العكرمي والنائب في البرلمان أحمد الصديق والمفكرة ألفة يوسف والدكتور سامي الجلولي) في حوارات كلاسيكيّة، كان الحوار مع أستاذ الرياضيات والمدوّن التونسي عبد الفتّاح سعيّد مختلفا تماما عن الحوارات السابقة وذلك لما كشفه الرّجل المسجون ظلما لـ 6 أشهر من تفاصيل وحقائق فظيعة عن ظروف الإعتقال والإحتجاز في واحد من أسوأ السجون التونسية سمعة ألا وهو سجن المرناقيّة.

 

الأستاذ عبد الفتاح سعيّد الّذي اعتقل في سجن المرناقيّة بالعاصمة بسبب تعليقه على فيديو للقناة الفرنسيّة “FRANCE2” مشكّكا في حقيقة العمليّة الإرهابيّة الّتي استهدفت نزل “الإمبريال” بسوسة في شهر يونيو الماضي، فتح ملفّ سجن المرناقيّة على مصراعيه في حواره مع “وطن”.

 

وقال “سعيّد” إنّ “في المرناقية تَتَمنَّى أن تَرتقي إلى مستَوى الحيوان في المعامَلَة .في المرناقية تتمنى الموت .سمعت أكثر من مرة سجينا يُعبِّر عن رغبته في الانسلاخ من الجنسية التونسية ، ويستفسر عن الإجراءات اللازمة لذلك.”

 

كذلك تحدّث الأستاذ عبد الفتاح سعيّد عن جملة من الملفّات الأخرى حول الأوضاع داخل سجن المرناقيّة بالإضافة إلى ظروف اعتقاله وملابسات إيقافه والتّهم الموجّهة إليه وحقائق أخرى حول العلاقة بين المساجين السلفيين ومساجين الحق العام وحقيقة الدمغجة والإستقطاب الّذي تحدّثت عنه بعض وسائل الإعلام التونسية…

 

وهذا نصّ الحوار

ما هي الأسباب الحقيقيّة لاعتقال عبد الفتاح سعيّد هل هي تعليقاته المشكّكة في هجوم سوسة أم الصورة الكاريكاتوريّة لرئيس الحكومة الحبيب الصيد؟

السبب الرئيسيّ هو التشكيك في الرواية الرسميّة حول هجوم سوسة ،

والانتشار المهول للفيديو القنبلة ،

لولا انتشاره الكبير ما كُنت اعتُقِلت ،

محتَوَى الفيديو بَدَا معقولا وأجاب عن تساؤل رئيسي : لماذا بدا سيف الدين الرزقي هادئا ؟

البعض قال : أقنعوه بأنه سيشارك في كاميرا خفية لمعرفة ردّ فعل السياح حين رؤية مُسَلَّح داخل النزل “المنتجع” ،

والبعض قال : لقد تعاطَى حبوبا مُخَدِّرَة ،

الفيديو جاء بفكرة جديدة : لقد كان سيف الدين الرزقي بصدد تنفيذ عملية بيضاء روتينيَّة ، تَعَوَّدَ عليها بتعليمات من قيادات أمنية سياحية ، وهذه الفكرة اعتَمَدَت على فيديو من فرانس2 وبرنامج مبعوث خاصّ .

كما اتهموني بِنشر أخبار مزيَّفة ، واتهام قيادات أمنية ، واعتبروه اتهاما دون دليل ، كما اعتبروه تستُّرا على جريمة إرهابية ، التهمة الأولى طويلة جدا ، لا أحفظُها كاملة ، فصُنِّفْتُ على ضوء ذلك إرهابيا داخل السجن ، فَتَسَبَّبَ لي ذلك في تضييقات كثيرة .

 

كيف تمّت معاملتك فور اعتقالك وكيف تعاملت معك الوحدة المختصّة في جرائم الإرهاب أثناء التحقيق معك؟

فور اعتقالي أمْدَدْتُهم بتقرير الرنين المغناطيسي حول حالة عمودي الفقري قائلا لهم حرفيا : تْمِسُّوني مَسَّة وحْدة نُخرج مشلول ، فَلَمْ يلمسوني البتّة ، لا في القرجاني ولا في بوشوشة ، ولا في السجن .

كانوا يسألون ، وكنت أجيب ، وأصْرَرْت على أنه لا يمكن لهجوم سوسة أن ينجح دون تواطؤ أمنيّ ، كما ذكرتُهم بشهادات الشهود الذين يؤكدون وجود قَتَلَة آخرين ، ولم أتَرَاجع .

 

هل تتّهم جهات ما بأنّها كانت السّبب وراء اعتقالك والزجّ بك في السجن طيلة 6 أشهر ظلما؟

نعم ، أتَّهِم الأمنيين الذين تواطؤوا في جريمة سوسة ، والنقابات الأمنية ، بأنهم كانوا وراء الإصرار على اعتقالي ( وليد زروق ذَكَرَني بالإسم ) ، كما بلغني مِن مصدر موثوق جدا بأن قياديا سياسيا معروفا كان وراء الإصرار على اعتقالي .

 

لماذا تمّ الحكم عليك بعدم سماع الدّعوى في حين كانت التهم الموجّهة إليك خطيرة؟

بعد إصدار أحد قُضاة التحقيق بطاقة إيداع بالسجن ضد عناصر من الأمن السياحي على خلفيَّة هجوم سوسة ، كان استمرار حبسي يُعتَبر فضيحة ، إذْ لم يعُد هناك مبرر لاستمرار حبسي ، فقد اتَّضَح أن ما قلتُه صحيح .

إضافة لهذا فقد ساندتني أطراف كثيرة : نقابة الصحافيين ، منظمة العفو الدولية ، جمعية ( مختلفون وتونس تجمعنا ) ، وقفات احتجاجية أمام المسرح البلدي وخارج تونس ، محامون ، بعض الصُّحف تكلَّمت عني ، عدد كبير من صفحات الفايسبوك تضامَن معي …..

ولا بد مِن التذكير هنا بالغياب الكُلي لنقابة التعليم الثانوي ، التي تساندك إن كنت تنتمي لتيار سياسي مُعيّن ، وتتجاهلُك إن لم تكُن كذلك ،

سانَدَتْ سابقا أستاذا سرق مواضيع الباكالوريا ثم سرَّبَها للتلاميذ ،

كما ساندَتْ سابقا أستاذا تَحَرَّشَ بتلميذاته ،

لأنهما ينتميان لتيار سياسي مُحَدّد ،

أما أنا فتجاهلتني ،

نفس الشيء بالنسبة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان التي أصدَرت منذ أسابيع بيانا تطالب فيه بإطلاق سراح عصام الدردوري الذي سرَّب وثائق أمنية ، وساندَت شبابا مارسوا اللواط ،

واكتفَت في حالتي بزيارتي في السجن دون أثر إيجابي على حالتي داخل السجن.

 

هل كنت تعتقد أنّ مجرّد تشكيكك في هجوم سوسة الإرهابي وصورة كاريكاتوريّة كانت كفيلة بالزّجّ بك في السجن بعد ثورة 14 يناير؟

كنت متخوفا ، وبقيت مترددا : هل أنشر بهويتي الحقيقية ، أم على صفحة أخرى بهوية مجهولة ؟

قلت في نفسي : هل نتنكر في زمن المخلوع ونواصل التنكُّر بعد الثورة ؟

فأخذْت قراري بنشره بهويتي كاملة .

زادت مخاوفي حين تَسارع عددُ مشاهدِيه ، عشرات فمئات فآلاف فمئات الآلاف ، فنزَّله البعض على حواسيبهم ، ثم نشروه بأسماء جديدة ، فأصبح عدد مشاهديه بالملايين .

غير أن ما جرى لي يعتَبر مهزلة ، فكيف لدولة تملك أسطولا من الفضائيات والإعلاميين والإذاعات والصحف ، كلُّهم يردِّدون الرواية الرسمية ، كيف لها أن ترتعد مِن مواطن لا يملك إلا صفحة فايسبوك يتيمة !!!

هذا يعني أن الرواية الرسمية ( شادّة بالسكوتش ) ، وتشكو من الهشاشة ، ولم تُقنع الناس .

حتى أن أحد مُحققي القرجاني قال لي حرفيا : أُخْتي صَدَّقت روايَتَكَ .

وفي النهاية ، وقعت إقالة كل محققي القرجاني !

ما الّذي تعنيه عندما قلت في إحدى تدويناتك.. دَخَلَ الأمْنِيُّون المُتَّهمون بالوقوف وراء جريمة سوسة سجن المرناقية، فخرجت أنا منه بعدم سماع الدعوى؟

كنا داخل السجن في المُجمَّع أ الجناح 1 الغرفة 3 ، كنا نتابع شريط الأنباء ، وكان الهدوء مستتبا كالعادة مع الأخبار بأمر من الكَبْران ( الأخبار شيء مُقدس يُفرَض معها الصمت ) وفجأة سمعْتُ خبرا نزل علَيَّ كهدية مِن السماء : إيداع عناصر من الأمن السياحي بالسجن على خلفية هجوم سوسة ، فكانت فرحتي لا توصَف ، فاحتضنت سجينا صديقا كان بجواري ، وقال لي كثيرون : آش ما زلت تعمل توة في الحبس ؟ يعني لم يعد هناك مبرر لبقائي في السجن ، فكلامي لم يكن أخبارا مُزيَّفة ، فها قد اتضح أنها أخبار صحيحة ، وكان لا بُدَّ مِن خروجي .

 

كيف كانت ردّة فعلك عندما دخلت إلى سجن المرناقيّة سيّء السمعة؟

مرارة كبيرة جدا ، ألَم كبير جدا ، تفكير في هذه الدنيا وسرعة انقلابها ، قبْل يوم من اعتقالي كان في محفظتي عقد عمل في قَطَر ، اجتزت الامتحانات واللقاء مع اللجنة بنجاح ، واتصلَت بي مدرسة معاذ بن جبل بالدوحة للتأكًّد ، كان من المفتَرض أن أسافر للدوحة بعد أيام ، فانقلب كل شيء رأسا على عقِب .

كنت سأكون في قَطر فإذا بي في سجن المرناقية !

لا شيء في هذه الظروف يمكن أن يُثبِّتَك إلا القرآن !

كنت أتسلح بقوله تعالى :

وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ .

 

كان منظر غلْق الباب مؤلما جدا ، اكتظاظ شديد ، يصيب المرءَ بمرض الأعصاب ، تعيش مع أناس لم تَختَرهم ، أنام بجوار قاتِل عن اليمين وشاب قام ببراكاج عن شمالي ، قد يذهبان ليأتي مستهلك مخدرات أو مَن نفَّذ بْراكاج !

لماذا يُفرض عَلَيَّ أن أعاشر أشخاصا لم أختَرهم !

ما كتبته في تدويناتك عن الأوضاع في سجن المرناقيّة تؤكّد أنّ انتهاكات حقوق الإنسان في تونس بعد 14 يناير في ازدياد كبير؟

في المرناقية تَتَمنَّى أن تَرتقي إلى مستَوى الحيوان في المعامَلَة .

في المرناقية تتمنى الموت .

سمعت أكثر من مرة سجينا يُعبِّر عن رغبته في الانسلاخ من الجنسية التونسية ، ويستفسر عن الإجراءات اللازمة لذلك .

يحدثونك عن حقوق الطفل ،

ورغم ذلك يُحرم الطفل من لمسة من أبيه السجين لسنوات ،

يُحرَم مِن قُبلة ، مِن ضمّة ! لماذا هذا التوحّش ؟

يرى أباه من وراء الزجاج !

هل نعاقب السجين أم أبناءه !

في سجون أوروبا يلتقي السجين مباشرة بأقاربه وحتى أصدقائه ولا وجود لهذا الحاجز بين السجين وأهله .

في سجون أوروبا يُسمَح بلقاء خاص بين السجين وزوجته ،

وهنا تبقى زوجة بدون لقاء مع زوجها السجين ، تبقى 5 سنوات بدون معاشرة!

هل هذا معقول ؟

هل نعاقب السجين أم نعاقب زوجَتَه ؟

ألستم تتكلمون يوميا عن حقوق المرأة ؟

تحدّثت كذلك عن جملة من الإعتداءات على المساجين من قبل أعوان السجون، هل تعرّضت لأيّ اعتداء لفظي أو بدني؟

لا ، ولكن حين نسمع يوميا صوت الصفعات تنهال على خدود المساجين لأتفه الأسباب ، فهذا تعذيب للبقية واعتداء عليهم ،

كما أنني أعتبر إبقائي ستة أشهر و20 يوما في غرفة ضيقة ( 90 م2) تعُجُّ بالمُدخنين ، أعتبره اعتداء بدنيا ، بل محاولة قتْل ،

وأعتبر رفضَ معالجتي مِن ألم في الصدر بسبب الاستحمام بالماء البارد ، أعتبره كذلك اعتداء بدنيا ،

وأعتبر عدم تمتُّع السّجين بـ4 أمتار مربَّعة على الأقل يتحرك فيها ، اعتداء بدنيا ،

وأعتبر حرمان السجين من رؤية اللون الأخضر ، حرمانه مِن رؤية النبات والشجر ، باستثناء يوم الزيارة ، أعتبر ذلك جريمة كبيرة .

 

كيف كانت الوجبات الغذائيّة الّتي تقدّم للمساجين في سجن المرناقيّة؟

نعتمد أساسا على الأكل الذي تجْلبه العائلة ، وعندما ينتهي نلتفت إلى أكل السجن ، وهو رديء باستثناء مرقة الخضرة والكسكسي ( مقبولة ) .

كذلك نطلب من السجن شراء مأكولات كالحليب والبسكوي والشامية والجبن والكايك (Buvette)… ولكن كثيرا ما يغيب بعضها ، وهناك تلاعب في هذا الموضوع ضحاياه المساجين ( يطول شرحه ).

 

هل يمنع المساجين من أداء الصّلاة جماعة ومن أداء صلاة الجمعة في السجن؟

لا جماعة ولا جُمعة ،

هذه يُسمح بها في إسرائيل ،

أما في سجن المرناقية فلا ،

هكذا يرى مديره العسكري ،

يرى أن ( الإصلاح) يكون بمَنْع صلاة الجماعة ، ومعاقبة مَن فكر في أداء ركعتين في جوف الليل ، فيُعَنَّف ويَدْخل السّيلون ويُفَرْقَع ( يُنقَل من الغرفة ، وهذا مؤلم جدا )

 

لو تحدّثنا عن الأوضاع داخل غرف السجن وعن علاقة مساجين الحقّ العامّ بمساجين الرّأي؟

العلاقة عادية داخل الغرفة بين مختلف المساجين ، قد يتعاونون اليوم ، ويتخاصمون غدا .

الأوضاع مزرية جدا ، وتزداد مأساوية صيفا .

الاكتظاظ الشديد أكبر المشاكل لأنه يُحَوِّل حياتَك إلى جحيم ، فالانتقال نحو الحنفية أو بيت الراحة يتم وكأنك تتنقل داخل سوق مزدحم ، الوضوء ، بيت الراحة ، غسل الملابس ، غسل الماعون …كله يتم بمعاناة واصطفاف وانتظار .

هذا الاكتظاظ يمكن حلُّه ولكن لا تريد الإدارة ،

فهناك أجنحة مغلَقة ، وهناك غرف فيها عدد قليل من المساجين يمكنها تقبُّل المزيد .

من بين المآسي الأخرى : الهواء المُلوَّث بسبب السجائر ،

الآريا الضيقة ، آريا بدون بيت راحة ، بدون اخضرار ، بدون شْريطة ( حبل الغسيل ) ، المساجين يصنعونه بأيديهم ويُسبب مناوشات ، وكثيرا ما تسقط الملابس على الأرض فَتَتَّسِخ .

 

آريا “ساحة السجن” لا تخرج إليها إلا مرة واحد يومي السبت والأحد ! لماذا ؟

قد لا تخرج لها أبدا إذا نزل المطر وتبقى في غرفتك 24 أو 48 ساعة إن لزم الأمر ! في حين أن الحل موجود ، فحَوْل الملعب المُعشّب ( الذي لا نراه إلا يوم الزيارة ) هناك مكان مُغطَّى يمكن أن يحتضننا حتى لو نزل المطر .

هناك الحساب المقرف ، كل صباح وكل مساء ، والويل لِمن لم يكن جاهزا .

هناك صعوبة الحصول على الدواء ،

ولكن بعلب السجائر يمكنك تجاوز الصعوبات !

هناك ظروف صعبة لأداء الصلاة ،

كما أنه ليس هناك أي مجهود لتحسين مستوى السجين علميا أو دينيا .

المرناقية قتْل بطيء للإنسان .

 

تحدّثت عن وجود سجناء سلفيّين في المرناقيّة، كيف هي العلاقة بين السلفيين وبين مساجين الحقّ العامّ وهل صحيح أنّ هناك استقطاب ودمغجة لهؤلاء؟

عادية ، يقترضون مِن بعضهم ، كانوا يأكلون مجتمعين قبل أن يصدر قرار بأن لا يأكل سجين الحق العام مع السلفي ، وتحدث مناوشات عادية مثل التي تحدث بين مساجين الحق العام .

ليست هناك دمغجة ، وتحْدُث نقاشات حول مسائل دينية عادية.

 

لماذا دائما ما تذكر أسماء بعض المعتقلين “ظلما” في سجن المرناقيّة وتطالب بفتح ملفّاتهم ومحاكمتهم لأنّهم أبرياء؟

لأن أوضاعَهم مزرية حقا ، ولأنني متأكّد من براءة الكثيرين ممن يُتَّهمون بالإرهاب ، لقد خالطتهم بحثا عن الحقيقة ، وسألتهم كحاكم تحقيق ، أريد معرفة الحقيقة ، فشعرت أن الأمن تَلَقَّى الأمر بأن يقذف في السجن بكل من تُشتمُّ منه رائحة الإرهاب ، وشَعُرت حتى لو لم يكن إرهابيا ، وقضية محمد أمين القبلي تؤكد أن هناك تعذيبا لِحَمْل الموقوف على الاعتراف بجريمة لم يرتكِبها ، وأؤكد لكم أن هناك كثيرين مثل محمد أمين القبلي ،

وأعيد مرة أخرى : أطْلعوا الشعب على قضية أنيس اللطيف من عوسجة ، والعجوز عبد الله هلالي من جندوبة ، ليعرف الشعب حجم الظلم .

ومثلهم كثير .

 

أيضا كيف هي العلاقة والمعاملة بين السلفيين وبين أعوان السجون؟

الأعوان يسيؤون معامَلَتَهم منذ أول يوم ،

إذ يأتوننا وآثار التعنيف باديَةً على وجوهِهم وملابِسِهِم ،

ويتواصل استفزازهم لأتفه الأسباب ،

حتى أن أحدَهم وهو شخص مؤدَّب جدا متخلق جدا ،

صُفِع بسلسلة طويلة من الصفعات لمُجرد أنه كان يحُكُّ قلوب الزيتون على الأرض ليُكَوِّنَ منها مسبَحةً !

عِلما أنه موقوف وليس محكوما ، وقد يخرج بعدم سماع الدعوى !

ما هي أنواع الكتب الممنوعة داخل السجن وهل من السهل دخول المصاحف والكتب غير الدينيّة إلى داخل السجن؟

المصحف لا يُرفَض ،

ونشكرُ إدارة سجن المرناقية على هذه المزيَّة !

الكُتُب العِلمية ( رياضيات ، مناجد ، إعلامية …) اِنْسَ ، نجوم السماء أقرب إليك !

فهل هذا معقول ؟

كما أن المكتبة موجودة وغير مُفَعَّلَة .

يجب أن يُسمح للسجين أن يخرج بنفسه للمكتبة ،

لا أن تأتيه الكتب منها ( كما كان يُفعَل قديما )

ويجب السماح بدخول الكُتب العِلمية ،

غير أن هناك مشكلا وهو : أين سأضع الكتب لو سُمح لها بالدخول ؟

في ظل هذا الاكتظاظ لن يكون ذلك مفيدًا .

 

لماذا وجّهت نقدا لاذعا للرابطة التونسية لحقوق الإنسان؟

زارتني دون تغيير ملموس لوضعيتي ،

كما أن أول سؤال طرحته عَلَيَّ : ما هو تَوَجُّهُك السياسي ؟

كما أنها لم تُصدر بيانا خاصة وأنني أدخل في خانة حرية التعبير ، ولا يُعقَل أن أصَنّف كإرهابي ، في حين أنها تسارع لمساندة قوم لوط الذين ألقي عليهم القبض في مبيت رقادة يمارسون الفاحشة ، تساندُهم لأنهم سُجنوا بـ3 سنوات سجنا ، وقد أثمر تَدَخُّلها تراجُع الحُكم إلى خطية بـ500 د !!!

 

يعني ، فيديو على الفايسبوك أخطر من جريمة أخلاقية كاللواط ؟

كما أنها تسارع إلى مسانَدة النقابي الأمني عصام الدردوري رغم أنه ارتكب جريمة تسريب وثائق سرية تمس من سرية التحقيقات في جريمة باردو .

وهذا يؤكد أنها تعتمد الولاء السياسي في المسانَدة .

 

هل زارتك أيّ منظّمات حقوقيّة أخرى على غرار الرابطة أثناء فترة اعتقالك؟

نعم ، جمعية السجناء السياسيين ، مُمَثَّلَة في السيّدة سعيدة العكرمي

 

كيف تعاملت وسائل الإعلام التونسية مع قضيّتك منذ اعتقالك إلى حين الإفراج عنك؟

مقالات صغيرة في بعض الصحف مثل الشّروق أو الضّمير ، وقيل لي أنّ قناة الزيتونة تحدثت عني ، ولا أملك معلومات دقيقة بما أنني كنت بالسجن .

 

قلت في إحدى تدويناتك إنّك سترفع قضيّة، فبمن تحديدا؟

في الذين حرموني مِن عقْد عمَل في قَطَر ،

في الذين يقِفون وراء الأوضاع المزرية في سجن المرناقية ،

الذين أجبروني على استنشاق الهواء المُلوَّث بدُخان السَّجائر ،

وأجبروني على المُكوث في اكتظاظ شديد ، مع الأمراض الجلدية ، مع البق والحشرات

 

هل تواصل معك المسؤولون في تونس بعد خروجك للتثبّت من الروايات الّتي سردتها حول الأوضاع في السجون؟

لا ، بل بادرت أنا بالكتابة على الفايسبوك لفضح الأوضاع المزرية ،

ثم اتصلت بي إحدى الصحف وَنَشَرَتْ لي مقالا حول السجن ،

كما أوْدَعْتُ بمكتب الضبط بوزارة العدل 4 ورقات فيها اقتراحات عاجلة ، وأخرى آجلة لتخفيف الأوضاع بسجن المرناقية .

كما اسْتُدْعِيتُ لمواكبة لقاء لمنظمة Dignity للتَّوقِّي من التعذيب ،

واستُدْعيت من طرف منظمة العفو الدولية ، فرع قليبية ، للإدلاء بشهادتي .

 

من وجهة نظرك، هل تعتبر أنّ هذا الإهمال والتقصير والقتل البطيء والتعذيب المُمَنْهج في تونس هو سياسة دولة؟

في الحقيقة لا أعرف ،

ولكن حين ترى أطرافا كثيرة تكلَّمت عن الأوضاع في السجون ، صحف ، برامج تلفزية ، منظمات ، دون تغيير يُذْكر ، فحينها تشُك أن أطرافا في الدولة تريد استمرار هذه الأوضاع المزرية .

ولكن في نفس الوقت ، إذا كان الأمر كذلك ، لماذا تقرر تونس عقد شراكة مع أوروبا لتحسين ظروف المساجين ؟

ولكن ، هل يَتَطَلَّب تحسين ظروف المساجين شراكة مع إسبانيا وألمانيا ؟

هناك خطوات سهلة ، لا تتطلب الملايين ، تُحسّن حياة المساجين .

لا نطلب رفاهية ولا نزلا 5 نجوم ، نريد حياة إنسانية .

ملاحظة : الظروف الصعبة في السجن ، والتضييق المُبالَغ فيه ، تفتح الباب على مصراعيه لخدمات تستفيد منه أطراف ما ، بل تُثري منه ، وهذا يقوله كثير من المساجين والكبرانات خاصة وهُم أعلَم بخفايا الأمور .

كثيرون يقولون : ثمة دولاب كبير متاع فلوس .

 

ما هي أكثر اللحظات العالقة بذهنك أثناء تجربتك في سجن المرناقيّة؟

صفْعُ سجين لمُجرَّد أنه كان يقضي حاجة بشرية أثناء الحساب ( تعداد العون للمساجين )

معاناة صديقي ( ك – أ ) الذي تَوَرَّم عضوه التناسلي ، وأنا ألحّ عليه في الاتصال بهم ، وهو يقول بأنهم سيرفضون

أعشاش البق في غرفة العبور .

جحافل الحشرات ( القْرَلّو ) التي كنت أراها فوقي فَتَعَوَّدت على رؤيتِها .

صعوبة النوم في أربعة ( التربيع ، أي ، أربعة مساجين فوق فراشَيْن )

 

كيف دخلت السجن وكيف خرجت منه، صحّيّا وذهنيّا وفكريّا؟

( جات باللطف ) ،

ألَم بالصَّدْر بسبب الاستحمام بالماء البارد ،

أخذت أدوية ، اختفى الألم ، ولكنه عاد منذ أيام

حرَمُوني مِن الكتب العلمية ( منجد أنقليزي أنقليزي، وكتاب رياضيات ) فأضاعوا مني أوقاتا ثمينة

أضاعوا مني عقد عمل بقَطَر ،

عذَّبوا أمِّي نفسيا ، وكذلك زوجتي وأبنائي .

ولكن أعتبر نفسي محظوظا أمام مساجين آخرين ، فهناك من مرض بالأعصاب بسبب الأوضاع داخل السجن ( س- ش ) ،

هناك من تَوَرَّمَ عِضْوُه التناسلي ، ولم يحركوا ساكنا ، وانفجر الوَرَم ، فحملوه في نهاية الأمر إلى المستشفى ، وبعد عودته لم يُسَلِّموه المُضادّ الحيوي الذي أمر به طبيب المستشفى ،

هناك من جاء من سجن الناظور للتداوي ، ولكن حين رأى الأوضاع ندم ندما شديدا ، وقال أن البقاء مع المرض في الناظور أفضل من القدوم إلى المرناقية .

 

بعد كلّ ما تحدّثت عنه ما هو تعليقك على تسمية المنظومة السجنيّة بـ”السجون والإصلاح”؟

التسمية الصحيحة هي :

السجون والانتقام ،

السجون والتشَفِّي

السجون والإهمال

السجون والتّجهيل

السجون والأمراض

السجون والقتْل البطيء

هل في السجن مظاليم؟

90 بالمائة ممن هم في السجن ضحايا وليسوا “مجرمين”.

وقد عبَّرتُ عن ذلك في أغنية أنجزتُها عن سجن المرناقية :

لو وُزِّعت ثرواتنا توزيعا عادلا ،

ولو استرجعنا ثرواتِنا من أيدي الشركات العملاقة ،

سَيَتَرَاجَع عدد اللصوص ،

لو كان هناك عدْل ،

ما سرق رجال أعمال آلاف المليارات ،

ولأُنجِزَتْ مشاريع اقتصادية تُقلص البطالة فَيَتَقلص تَبَعًا لذلك الإجرام كالسرقة والتدليس .

وَلَتَزَوَّجَ الشباب ، فيتراجع الاغتصاب والزِّنَى .

إن الأيادي إذا لم تجِد في الخير عَملا الْتَمَسَت في المعصية أعمالا .

 

هل لديك أيّ رسالة ما تريد توجيهها؟

الأوضاع في سجن المرناقية كارثية ،

وتزداد فظاعتُها صيفا ،

فإضافة للضيق والازدحام والحرارة وتَلف الأكل فوْر وصوله مِن الأهل بسبب الحرارة ، فإن كثيرا من المحاكم تَتَوقف عن العمل بسبب الراحة القضائية ، فَيَتَوَقَّف تبعًا لذلك خروج الموقوفين مِن السجن ، ولكنَّ قُدُومَ مساجينَ جُدُد لا يَتَوَقَّف ! وهذا يزيد مِن تعكير الأوضاع ،

فالرجاء من السيد وزير العدل التدخّل العاجل لتخفيف معاناة المساجين وخاصة صيفا .

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.