الرئيسية » تحرر الكلام » مصر والأمة ..وخوف الاعتياد..!

مصر والأمة ..وخوف الاعتياد..!

“تبدأ الكارثة حينما ينظر المحيطون بها إلى تصاعدها وكأنه أمر عادي ..لا يستحق التوقف أمامه لا الاهتمام به”، مقولة كان يحلو للراحل الكاتب عبد الوهاب مطاوع ترديدها، وهي تقفز إلى ذهن صاحب هذه الكلمات كلما نظر في أحوالنا، فهل بدأتْ المأساة منذ أيام كانت نشرات الأخبار تذيع فيها مشاهد القتل واستشهاد إخواننا الفلسطينين فيما نحن نواصل تناول طعامنا وطقوس حياتنا في هدوء؟ أو لما حزنا على اجتياح أمريكا لبغداد والعراق في 2003م ثم ابتلعنا أحزاننا؟ أو لما بدأ بشار الأسد وعصابته في أكل سوريا قطعة وراء الأخرى؟ ونحن نهمس في آذان بعضنا البعض:

ـ ماذا نفعل وقد وهبنا الله في مصر “جيشاً” يحبنا!

وكانت النبرة في 2011م “موضة” من التغني بأمجاد الجيش الذي “حمى” الثورة، وقد تعب مؤرخونا الصغار على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي في البحث عن الرجل.. الهاتف الصائح الأول.. بجملة:

ـ الجيش والشعب أيد واحدة..

وقد كانت تتردد في ميدان التحرير بقسوة مفرطة فيما طرف من قادة الإخوان يتصدى لتبرير أفعال الجيش التي كانت واضحة تشي وتفضح محاولات إلتهام الثورة .. فيما هم يدافعون ويُمنون أنفسهم بانتقال سلمي كامل مستمر للسلطة..

أم إننا كأمة العروبة اعتدنا الاعتياد فيما لا يُعتادُ عليه.. لما صارت بغداد والعراق مسرحاً للذبح والتقطيع ونحن نمصمص شفاهنا، وفي النهاية لم تعد لدينا فلسطين واحدها .. بل بلاد عربية وإسلامية أخرى ..تمت استباحتها من قبل أبنائها، وقادة ورؤساء وكبراء لا هم لهم سوى تحقيق المخطط الاحتلالي فيها، فلم يعد الأخير يتعب نفسه بالاحتلال والتصدي للمقاومة، فاستخدام “الريموت كنترول” لتدمير دول ومحاولة الإجهاز على حضارة مرشحة لخلافته في حكم العالم أولى، والأمر لا يكلفه كثيراً، وإذا حاولت بعض الدول الانتفاض على المخطط والثورة تم لجمّها بالمدفع والدبابة، والطائرة والرصاص، وبصندوق الانتخابات أحيانًا، والخلاصة نحيا في سجن كبير مع اختلاف الأسماء.. وقمة المأساة أن يُقالَ إن ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي هو صناعة أمريكية خالصة للقضاء على أي أمل في إصلاح حال الأمة، والكلمات الأخيرة تصدر عن قيادات اليوم من عينة القيادات التي رددتْ من قبل الجيش والشعب أيد واحدة ولاحظ تقديم الجيش على الشعب!

“1”

كان الأسبوع الماضي بامتياز أسبوع صرف الانتباه عن البلايا والمصائب التي أحاطت بمصر، وبالتالي تعطل فرج الأمة العربية والإسلامية كلها، فقد كانت مصر وما زالت قلب الأمة النابض، ولعله من المفيد هنا تذكر إن العام الذي حكم فيه الرئيس محمد مرسي كان أقل الأعوام حوادث إرهابية في العالم، ذلك إن الشعوب المقهورة شعرتْ إن هناك أملاً في حراك ديمقراطي يكف لها مجرد الحياة لا العزة والكرامة، فإنما شعوب كثيرة في العالم تحيا اليوم وكأنها ليست بشراً، الطعام والملبس والمسكن والعلاج حلم حياتي عزيز لا ينالونه ولا يكفون عن السعي عنه طوال الحياة، واعتياد الحياة بهذه الطريقة جزء كبير من أزمة أولئك، وتعود العالم على “التصنيف”، فالأول منه يحيا والثاني تتحقق له أسباب الحياة.. والثالث في القمامة .. وأغلب دول وطننا العربي الإسلامي تنتمي إلى العالم الثالث!

“3”

ذهب عبد الفتاح السيسي قائد الإنقلاب العسكري في مصر إلى اليابان، خبر عادي، الزيارة الخارجية رقم 19 له، مع إنه يحمل في داخله تناقضات لا حصر لها فقل مثلاً الذئب يزور القمر، أو الحيّة والثعبان يذهبان إلى الشمس، شبه الإنسان الذي يمثل التخلف والإرهاب يزور دولة قائمة على العدالة واحترام الإنسان، وترجمة الجمل الماضية ان يقول امبراطور اليابان، وهو هناك أعلى من البشر، قال الامبراطور إنه مصاب بنزلة برد تمنعه من لقاء السيسي، عبث كعبث ذهاب الأخير نفسه إلى اليابان، ودع عنك كلمات السيسي في خطابه “لقد جئت إليكم..”، و”السلام عليكم تحية الإسلام”، فهما متلازمتان للرئيس الراحل أنور السادات قالهما في الكنيست الإسرائيلي في زيارته الشهيرة عام 1978م، وما يزال السيسي يحلم أن يكون السادات، ثم دع عنك شرحه لتعاليم الإسلام، والأمن في مصر المكفول للأجنبي، وكأنه يُقر ألا أمن لمواطن، دع عنك كل هذا فإن خطاب وزيارة السيسي لليابان لم تستطع صرف أنظار العالم لا مصر عن خطابه الأربعاء قبل الماضي فيما اسماه إعلام الإنقلاب خطة مصر المستدامة 2013.

“4”

المدعو توفيق عكاشة يتم ضربه بالحذاء تحت قبة البرلمان الأحد الماضي، والنائب البرلماني المخضرم كمال أحمد يعرض الحذاء الذي ضربه به للبيع، وعكاشة يقول إنه ضُربَ بسبب زيارة السفير الإسرائيلي له في بيته.. مع إن السيسي يتصل يومياً برئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، ومصر وقعت اتفاقية اسمها كامب ديفيد خاصة بالتطبيع معها، وقال محللون إنه جاء وقت تفعيل الاتفاقية، وقالوا بل إن النظام على طريقة “بص العصفورة” يصرف النظر عن بلايا خطاب السيسي وتخلف الأخيرة العقلي، ويكفيه “أنا لو أن أبيع نفسي لبعتها”، و”أنتوا مين”، “يا مصريين ما تسمعوش كلام حد غيري أنا لا بكذب ولا بألف ولا أدور”، وبقية دلائل العته التي فاقت كل خيال، والأكثر من الخيال إن السيسي يحكم، وإن مثل كلماته و”اشتغالاته” تمر بالمصريين وكأنها أمور عادية..والجميع يمضغ الكلمات ويمضي في طريقه ويسمع قصة القبض على ممثلة تدير شبكة للدعارة، وصورة لأحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق بعد تبرئته مباشرة مع المحامي الذي دافع عنه، ووكيل النيابة ممثل الإدعاء.. والقاضي الذي حكم عليه، ومع فداحة جريمة الصورة إلا إنها بقية الاشتغالة.. كما هي صور وزير العدل “أحمد الزند” مع “غادة إبراهيم” المتهمة بقضية الدعارة .. والصورة سابقة للاتهام لكن تبعث علامات استفهام تكمل مسلسل صرف الانتباه .. ولعل من ذلك قول غادة إنها كانت تدير شبكة الدعارة حباً في مصر ونقوده كانت تذهب لصندوق تحيا مصر!

“5”

أين معتقلو سجن العقرب من كل ذلك، أين قول حسن السوهاجي، مساعد وزير الداخلية لقطاع مصلحة السجون، إن معه بطاقة بيضاء للتعامل مع المُضربين عن الطعام بالعقرب احتجاجاً على سوء المعاملة من تكدير والمبالغة زائريهم وصولاً لقتل المضربين .. يضربون عن الطعام فيتم قتلهم؟ أين هو ملف آخر الشهداء في العقرب والسجون المصرية؟ أين من ذاكرتنا اعتماد الولايات المتحدة الأمريكية إلغاء بند احترام حقوق الإنسان من شروط منح المعونة السنوية لمصر، وهو يمنحها 150 مليون دولار وقد كان شرط للحصول عليها واجباً حتى في عهد مبارك؟ أين أهالي المعتقلين بعد المعتقلين من ذاكرتنا، أين زوجات الشهداء وأحوالهن؟ أين أبناءهم منا جميعاً؟

في الصف الثوري وبين جنبات الإخوان أخلص الذين في مصر .. ومع هذا لديهم الذين يستبيحون المال العام في وقت المحنة هذا بأعصاب باردة، وفي الصف منهم من يكذب ويتعرض بالتخوين للذين يشيرون عليهم ببعض من ملامح طريق الخروج من الأزمة ..

الاثنين الماضي كانت “الاشتغالات” على آخرها، والعصفورة تتحرك من غصن إلى آخر آخذة بنظر المصريين والعالم الذي يشاهد المأساة فيها بلا ضمير، وكان من بينها زيارة الدكتور سعد الدين إبراهيم مدير مركز ابن خالدون لاستطنبول، وزيارته للدكتور أيمن نور بعد جراحة أجراها الأخير، شفاه الله ، ووجود الدكتور محمود حسين أمين عام جماعة الإخوان، والتصريحات المتضادة حول محورين هل رأى إبراهيم حسين؟ نفى أيمن نور، وأثبت إبراهيم، واعتمد حسين نفي نور، ثم قيل بل رآه وجلس إليه وسأله عن أمر مبادرته، أي سعد الدين إبراهيم للمصالحة مع الإخوان، والكلام الأخير لإبراهيم، مما فهم منه إنه تجديد خفي لطلب الصلح، وهو ما بادر حسين لإخراج تصريح منفصل لنفيه..!

أما الملحوظتان اللتان لدي فأولهما ولماذا يعتبر الدكتور محمود حسين كون هناك نقطة وصل مع الإنقلابيين سواء عبر الدكتور سعد الدين إبراهيم جريمة؟ والأصل إنه في اعتى النزاعات العالمية يكون محور التفاوض موجوداً على الخط، وما من حرب في الوجود لم تنته بالتفاوض، بل إن إصرار الدكتور، مع احترامي لشخص الجميع، الإصرار على النفي لا يخرج لدي عن أمر من اثنين إما إن الدكتور حسين لا يدرك عمق المأساة التي تذيّب الصف الإخواني والثائر كله، أو إنه يصدر النفي والاءات المعروفة، مع الاحترام وتكراره، لمجرد صرف الانتباه عن مفاوضات حقيقية .. وهو ما لا أتبناه على إطلاقه، ولكن مبادرة الدكتور أيمن نور بالنفي تشير إلى إن هناك أموراً خلف الأمور ..

أتمنى أن يستفيد الطرف الثوري بخاصة الإخوان من قسوة اللحظة استفادة تلهمهم إنهم لو قبلوا محاولات للتقارب دولية بداية من سبتمبر 2013م، وتصريح خاص لشخصية رفيعة محسوبة على غير الإخوان، وهو في مصر فلست في حل من ذكر اسمه، من إن دولة كبرى عربية طلبت إليه جس نبض الإخوان لمحاولة السعي في صلح في مايو 2014م وهو ما رفضه الإخوان .. ولكنهم عادوا فتحايلوا عليه بعدها بسنة .. وكان استعداده الشخصي للتدخل قد فتر عوضاً عمن يتواصل معهم!

أم إننا اعتدنا كأمة بوجه عام وكمصريين بوجه خاص الأزمات ومفرداتها حتى لو كانت تقطر دماَ..مثلما اعتدنا شغل أنفسنا بما يشغلنا عن قضايانا الحقيقية بسفاسف الأمور؟!

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.