الرئيسية » الهدهد » بعيون أمريكية: التجربة الديمقراطية التونسية بعد خمس سنوات على انطلاقها

بعيون أمريكية: التجربة الديمقراطية التونسية بعد خمس سنوات على انطلاقها

وطن (خاص) كتبت الباحثة الأمريكية المختصة في شؤون الشرق الأوسط في معهد واشنطن “سارة فوير” مقالا تحليليا بعنوان “التجربة الديمقراطية التونسية بعد خمس سنوات على انطلاقها” سلّطت فيه الضوء على مسار الثورة التونسية بعد 5 سنوات من هروب الرئيس السابق زين العابدين بن علي.

وقالت الباحثة إنه “ومن بين الدول التي تشهد اضطرابات منذ عام 2011، لا تزال تونس البلد الوحيد الذي يسلك طريق الديمقراطية. ولم يكن هذا الطريق سهلاً دائماً، وتواجه البلاد عقبات اقتصادية وسياسية وأمنية ملحوظة في طريقها نحو ترسيخ الديمقراطية بالكامل. ولكن بعد خمس سنوات من انطلاقها، قطعت التجربة التونسية في الديمقراطية أشواطاً كبيرة وتبقى جديرة بالإستثمار الأمريكي.”

وأرجعت “فوير” أسباب احتفال تونس بهذه الثورة بفضل تميّزها بالإنتقال السلمي للسلطة بعيداً عن الإستبداد على نحو لافت للنظر، لا سيما عند مقارنته بحالات ليبيا ومصر وسوريا واليمن وذلك لاتخاذ السلطات في ربيع 2011 قرارا يقضي بعدم منع أعضاء الحزب الحاكم السابق من المشاركة في الحياة السياسية وهو ما يعني استبعاد ما يقرب من مليون مواطن (من أصل 11 مليون نسمة) من العملية السياسية، مذكّرة في الوقت نفسه بما حصل في بلدان أخرى حيث أدت جهود عقابية مماثلة لإقصاء عناصر من أنظمة ما قبل “الربيع العربي”، بغض النظر عن مبرراتها، إلى نتائج كارثية في كلّ من ليبيا ومصر، وبالتالي ربما جنبت تونس نفسها اضطرابات اجتماعية كبيرة من خلال عدم السير في هذا الإتجاه.”

وأشارت الباحثة في معهد واشنطن وهو أحد معاهد الفكر التي تؤثر في السياسات الأمريكية إلى الواقعية التي ميّزت السلوك السياسي للأطراف الفاعلة المهيمنة ما بعد الثورة ضاربة أمثلة على غرار قرار حزب “النهضة” الإسلامي وحزبين علمانيين بتشكيل ائتلاف حاكم بعد الإنتخابات البرلمانية الحرة والنزيهة الأولى في البلاد في تشرين الأول/أكتوبر 2011، وكذلك رضوخ حزب “النهضة” في النهاية لأولئك اللذين عارضوا مقترحاته بإدراج الشريعة في الدستور وتجريم التجديف ، عادت الأيديولوجية إلى المقعد الخلفي عندما انضم حزب “نداء تونس” المناهض للإسلاميين والتابع للرئيس التونسي الباجي قائد السبسي إلى ائتلاف مع حزب “النهضة” في أعقاب الانتخابات البرلمانية عام 2014.

وأكّدت “سارة فوير” أنه بقدر ما ساهمت مثل هذه القرارات في الحفاظ على استقرار عملية الانتقال، إلا أنها لم تكن من دون ثمن، حيث أدى خيار الحكم إلى جانب حزب “النهضة” إلى تأجيج التوتر مع حزب “نداء تونس”، مما عكس جزئياً خلافاً حول ما إذا كان يجب العمل مع الإسلاميين على الإطلاق وهو ما أدّى إلى نزاعات داخلية ضمن حزب “نداء تونس” وإلى سلسلة استقالات في صفوف الحزب في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي ومجدداً في الأسبوع الماضي، مما خفّض من مجموع مقاعده وجعل مجدداً حزب “النهضة” أكبر حزب في البرلمان، بـ 69 مقعداً.”

وفي سياق تعليقها على الأزمة السياسية التي مرّت بها البلاد عام 2013، ذكّرت الباحثة الأمريكية بدور منظمات المجتمع المدني في المراحل التي كان فيها الإجماع بعيد المنال، حيث بقيت تلك المنظمات الناشطة في تونس مصدراً أساسياً للضغط، حرصاً على وفاء الطبقة السياسية بوعودها الديمقراطية خاصّة وأنّه وفي تشرين الأول/أكتوبر الماضي، منحت “لجنة نوبل” “جائزة السلام” لعام 2015 لأربع منظمات من المجتمع المدني التونسي تقديراً لوساطتها الناجحة في حلّ الخلافات السياسية التي هددت بإفشال عملية الإنتقال الديمقراطي قبل عامين، حيث لعبت هذه المنظمات دوراً هامّا في المكاسب المؤكدة التي حققتها البلاد في ما يتعلق بالحرية منذ الإنتفاضة.”

هذه الإيجابيات التي ذكرتها “فوير” في مقالها في معهد واشنطن لم تمنعها من إبداء تخوفها من المستقبل خاصة أنّ إحياء الذكرى قد تمّ في ظل ضائقة اقتصادية مستمرة، وانعدام استقرار سياسي متنامٍ، وتهديدات أمنية متواصلة، وعملية انتقال اقتصادية أكثر كآبة بالنسبة لعدد كبير من التونسيين، خصوصاً الذين يعيشون في المناطق الداخلية المهملة بشكل مزمن، حيث لم تؤدِ الإنتفاضة إلى تحسن اقتصادي كبير، بل جعلت الأوضاع أكثر سوءاً في بعض الحالات ومن ذلك المحافظات التي انطلقت منها التظاهرات، التي بلغت فيها نسبة البطالة ما يقارب 25 بالمائة وبلغت 40 بالمائة في صفوف الشباب، كما ازداد التهريب عبر الحدود الليبية والجزائرية، ويعود ذلك جزئياً إلى أن الدولة ما زالت مترددة في قمع التهريب خشية حرمان المواطنين من هذا الدخل، بالرغم من أن طرق التهريب هذه لا تُستخدم فقط لنقل البضائع مثل الزيت والطعام، بل أيضاً لتهريب الأسلحة والإرهابيين.”

وأعادت الكاتبة التذكير بأنّ تونس تواجه أيضاً تهديدات أمنية مستمرة، من بينها الآثار الناجمة عن الحرب الأهلية الليبية وخلايا إرهابية يتم الكشف عنها محلياً بشكل روتيني واحتمال عودة حوالي 6000 تونسي من سوريا والعراق من الممكن أن يكونوا قد أُلحقوا بركب التطرف، وهم يشكلون أكبر مجموعة من المقاتلين الأجانب في تلك النزاعات مشدّدة في الوقت نفسه على أن قطاع الأمن في البلد يستغرق إصلاحه وقتاً طويلاً وبما أن المرحلة الانتقالية في تونس تجري في حي شديد الاضطراب، فإن بطء وتيرة الإصلاح يخلق ضغطاً إضافياً.”

وفي ختام مقالها التحليلي أكّدت “فوير” على دور الولايات المتحدة الأميريكية في دعم ورعاية التجربة التونسية وذلك أنه وبالإضافة إلى المساعدات الثنائية، لا بد من إيلاء المزيد من الإهتمام لمصادر انعدام الاستقرار الإقليمية التي تهدد التجربة الديمقراطية التونسية وذلك بتدخّل القيادة الأمريكية في احتواء النزاع الليبي وحله في النهاية، بالإضافة إلى مراقبة التطورات في الجزائر عن كثب، حيث أن أزمة الخلافة المحدقة والاقتصاد المتردي والاضطرابات الاجتماعية المستمرة هناك قد تُغرق أكبر دولة أفريقية في حالة من الفوضى، الأمر الذي يترك تداعيات أمنية واضحة على تونس وكذلك تقديم المزيد من الدعم للحلفاء الأوروبيين والتنسيق معهم بصورة أكبر خاصة وأنهم يواجهون صعوبة كبرى في إدارة أزمة اللاجئين المتعاظمة وإعادة بناء اقتصاداتهم، التي تعتمد تونس عليها إلى حد كبير لتحقيق ازدهارها.”

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.