إف بي آي: التخطيط لمجزرة كاليفورنيا سبق ظهور “داعش”

كشفت لائحة الاتهام، التي قدمها مكتب التحقيقات الفدرالية الأميركي، (إف بي آي)، إلى محكمة فيدرالية في مدينة ريفر سايدز وسط كاليفورنيا، ضد المواطن الأميركي، إنريك ماركيز، أن فكرة تنفيذ عملية إرهابية اختمرت في ذهن المنفذ منذ عام 2011، أي قبل ثلاثة أعوام من الظهور الكبير لتنظيم “الدولة الإسلامية”، (داعش)، في صيف 2014.

وبموجب الاشتباه في اشتراكه في مساعدة المنفذ المفترض لجريمة سان برناردينو، أعلنت المباحث الفيدرالية في لوس أنجلوس، أن فريقا من عناصره اعتقل ماركيز، أمس الخميس، على ذمة القضية وأحاله المكتب إلى المحاكمة، ليكون بذلك المشتبه فيه الوحيد الذي لا يزال على قيد الحياة من المتورطين المفترضين في المؤامرة.

وكان المتهمان الرئيسيان، أميركي المولد فاروق رضوان سعيد وزوجته الباكستانية تافشين مالك، قد قتلا برصاص رجال الشرطة في وقت لاحق على مقتل 14 أميركيا من زملاء فاروق في مركز للخدمات الاجتماعية في المدينة، خلال المجزرة المنسوب له ارتكابها.

وتبين من لائحة الاتهام، التي حصل “العربي الجديد” على النص الكامل لها، أن الشريك المفترض للمتهم الرئيسي هو أميركي أبيض، اعتنق الإسلام على يد صديقه وجاره فاروق عام 2007، وتأثر بعد إسلامه بالداعية الأميركي اليمني، أنور العولقي، وليس بتنظيم داعش، حسب ما أدلى به من اعترافات.

كما ورد في لائحة الاتهام أن الجارين المتآمرين تعود صداقتهما إلى أكثر من ثماني سنوات، وكانا قد تزاملا كطالبين في إحدى الكليات الجامعية بولاية كاليفورنيا، والتي يقول إف بي آي إنهما خططا لاحقا لتفجيرها وقتل أكبر عدد من طلابها، لكنهما لم يقدما على تنفيذ الخطة، مثلما أحجما عن تنفيذ مؤامرة أخرى لإطلاق النار على العائدين بسياراتهم من وسط مدينة لوس أنجلوس، في ذروة ازدحام الطريق الرئيسي المستهدف.

وحسب اعتراف منسوب للمتهم أمام محققي مكتب التحقيقات الفيدرالي، فإنه وصديقه فاروق استهواهما ما أقدم عليه الطبيب الأميركي الفلسطيني المجند في الجيش الأميركي، نضال حسن، عام 2009، عندما أطلق النار من سلاح آلي على زملاء له من الجنود الأميركيين في قاعدة فورت هود بولاية تكساس، فقتل 13 منهم وأصاب 30 آخرين.

وجاء في إقراره، أن “تجربة نضال حسن فتحت أعينهما على إمكانية تكرارها مثلما فتحت أعينهما على أشرطة أنور العولقي ومجلة (إنسباير)، التي كان يصدرها العولقي قبل مقتله، وتضمنت في بعض أعدادها إرشادات حول طرق صنع المتفجرات بأدوات المطبخ ومركبات يسهل شراؤها من الأسواق”.

لكن المحقق الرئيسي، جويل أندرسون، الذي كلفه إف بي آي بتمثيل الحكومة الفيدرالية خلال المحاكمة، اعترف هو الآخر في سياق إفادته المكتوبة للمحكمة بغياب التمثيل القانوني للمتهم في أثناء التحقيق معه، مبررا ذلك بأن المتهم تنازل عن هذا الحق خطيا بعد إشعاره بحقوقه القانونية، وعلى رأسها الامتناع عن الإدلاء بأية معلومات أو اختيار محام للاسترشاد برأيه قبل الرد على أسئلة المحققين.

وكان واضحا من سياق التحقيق أن المتهم كان واقعا تحت وهم أنه مجرد شاهد لا متهم، حيث كان يعود إلى منزله بعد كل جلسة تحقيق مطولة تجري معه، ولم يوضع رهن الاعتقال إلا بعد مرور أسبوعين من وقوع الجريمة.

ورغم أن المتهم اعترف بأن شراء قطعتي السلاح، اللتين استخدمتا في تنفيذ الجريمة، حسب اعتقاد الإف بي آي، تم باسمه وبمعرفته بحكم العلاقة التي تربطه بالمنفذ، إلا أن المحقق الرئيسي اعترف بدوره، بأن الشراء كان قد تم قبل فترة طويلة، وأن الجهة التي يعمل معها المتهم بدوام يومي قدمت أشرطة مصورة، استخدمت كأدلة لإثبات وجود المتهم في عمله، بعيداً عن مكان الجريمة من السابعة صباحا حتى الثالثة عصرا يوم التنفيذ.

واحتاط المحقق لنفسه بحق التراجع عن تبرئة المتهم من المشاركة الفعلية في الجريمة، بأن أشار إلى وجود فجوة في شريط المراقبة بين الثانية عشرة والواحدة ظهرا، كانت فترة استراحة الغداء المعتادة، في تلميح من المحققين إلى احتمال أن يكون المتهم قد غادر في أثناء استراحته للمشاركة في إطلاق النار ثم عاد لاستئناف دوامه.

ومن المتوقع أن تحظى هذه الجزئية بنقاش مستفيض في أثناء سير المحاكمة لاحقا. كما يتوقع أن يضطر مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركية خلال جلسات المحاكمة إلى الكشف عن كثير من المعلومات المصنفة في خانة السرية، وذلك لحاجته إلى تعزيز موقفه بالأدلة والمعلومات، فضلا عن أن المحكمة تملك صلاحيات واسعة في طلب المزيد من الإيضاحات المتعلقة بالقضية بغض النظر عن حساسيتها أو درجة سريتها.

ومن التهم الجانبية، التي أشهرها مكتب التحقيقات الفيدرالية في وجه المتهم أنه خدع سلطات الهجرة بزواج مزيف من إحدى قريبات فاروق. ورغم أن أسرة فاروق من أصول باكستانية إلا أن المرأة التي تفيد وثائق القضية بأن المتهم ماركيز تزوج بها زواجا صوريا، هي روسية الجنسية، وأختها متزوجة بشقيق فاروق.

كما تفيد وثائق الاتهام بأن ماركيز اتصل في اليوم التالي لمجزرة كاليفورنيا بهاتف الطوارئ (911)، وحسب تفريغ التسجيل المتضمن للحوار الذي دار بينه وبين موظفة الطوارئ، فإنه أراد الابلاغ عن رغبته في الانتحار، بعد أن علم بالمجزرة، قائلا إن منفذها الذي أطلق عليه شتائم في منتهى البذاءة، استخدم سلاحاً مسجلاً باسمه، وتعود ملكيته إليه وكان أول من تفوه باسم المنفذ وعلاقته به.

وعندما جرى نقله إلى المستشفى، أثبتت أقواله، التي أكدتها فحوصات الدم، أن المتهم تعاطى كميات كبيرة من مشروب كحولي، وهو أمر يتناقض مع سلوك معتنق حديث للإسلام متهم بالتطرف الإسلامي ومتأثر بأنور العولقي.

واشنطن- منير الماوري (العربي الجديد)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى