الرئيسية » تحرر الكلام » الثورات العربية وتهاوي الاقتصادات المنهوبة

الثورات العربية وتهاوي الاقتصادات المنهوبة

الثابت منهجياً وأكاديمياً أن الاقتصادات في دول الثورات العربية كانت تعاني من اختلالات جوهرية قبل قيام الثورات ، كما أن الثورات قد أدت إلى تعميق تلك الاختلالات ودفعت بالاقتصادات إلى حالة الأزمة المستحكمة لما قبل التهاوي ، ما هيأ فرصة سانحة أمام مؤسسات التمويل الدولية والقوى الكبرى للتدخل لمساندة تلك الاقتصادات وإخراجها من أزماتها بنية صادقة أو بنية التآمر وجرها مرة أخرى إلى التبعية .

أولاً : الاقتصادات العربية قبل قيام الثورات :

الاقتصادات العربية هي اقتصادات متخلفة تعاني من الكثير من الإختلالات منذ أزمان طويلة ، ولم تتمكن هذه الاقتصادات من النهوض بعد حصول دولها على الاستقلال عن السيطرة الأوروبية أو الإنقلاب على النظم التقليدية ، ويمكن تحديد خصائص الاقتصادات العربية في عجالة على النحو التالي :

أ : الطبيعة الريعية : الاقتصادات العربية في معظمها اقتصادات ريعية تعتمد على الموارد الريعية الطبيعية في صورتها المباشرة البسيطة غير المخلّقة وغير المصنّعة ، ومن ثم فهي اقتصادات بدائية تحددت مهمتها في إنتاج المواد الأولية (الخام) وتخصصت في ذلك ، ولم يُقدّر لها الانفلات من هذه البوتقة التي وضعت نفسها فيها ، وكان من شأن ذلك أن يؤثر على قابليتها للتقدم والنهوض .

ب : واحدية مصدر الدخل : ارتبط بالخاصية السابقة خاصية أخرى هي خاصية المصدر الواحد للدخل ، إذ أن تخصص الاقتصادات العربية في إنتاج المواد الأولية ذات الطبيعة الريعية حرمها من تنويع قاعدتها الاقتصادية ، وحتم عليها الاعتماد على مصدر واحد للدخل وهو إنتاج وتسويق تلك المواد الأولية ، ومن ثم تعرضت تلك الاقتصادات لمخاطر أهمها : نضوب المادة الأولية مصدر الدخل ، وتأثر المادة الأولية التي يعتمد عليها الاقتصاد في دخله بتقلبات الأسعار العالمية التي يصبح معها دخل الدولة عرضة للتقلب تبعاً لذلك .

ت : غياب التخطيط الاقتصادي : التخطيط الاقتصادي جديد على الاقتصادات العربية ، وقلة هي تلك الاقتصادات التي أخذت بالتخطيط ، وحتى الدول التي أخذت بالتخطيط أخذت به حديثاً ، ولم تتمكن من التحرر بشكل كامل من الخاصيتين السابقتين ، وهما الريعية وواحدية مصدر الدخل .

يضاف إلى ذلك ارتباط التخطيط الاقتصادي بالرؤية السياسية للدولة أو للنظام السياسي ، ما جعل التخطيط الاقتصادي مقيد ويدور في فلك النظام السياسي ورؤياه الأيديولوجية ، التي كثيراً ما تتعارض بل ربما تتصادم مع أصول وقواعد التخطيط الاقتصادي ، التي تتسم بالمنهجية والعلمية .

ث : فشل خطط التنمية : الخاصية الرابعة التي اتسمت بها الاقتصادات العربية هي فشل معظم خطط التنمية التي نفذتها الدول العربية بعد حصولها عل الاستقلال السياسي عن السيطرة الأوروبية ، وأسباب ذلك عديدة وكذلك مظاهره ونتائجه ، ولم تستطع تلك الدول البحث بجدية وموضوعية وإصرار في التحديات وإعادة المحاولة.

ج : التبعية : الاقتصادات العربية ـ كما سبق التنويه ـ هي اقتصادات تابعة تاريخياً وموضوعياً ومنهجياً للاقتصادات الأوروبية ، حيث أن ارتباطها بالاقتصادات الأوروبية تم منذ الاحتلال الأوروبي للدول العربية وظل حتى الآن ، كما أن ذلك الارتباط تم من خلال العلاقة العضوية التكميلية التي يصعب فصم عراها ، فلو تخلى الاقتصاد الأوروبي عن الاقتصاد العربي المرتبط به ربما تعرض الاقتصاد الأخير للانهيار ، ثم إن ذلك الارتباط هو ارتباط مخطط ومدروس ، ومن ثم أصبح من الصعب التحلل من ذلك الارتباط .

ح : مسئولية النظم السياسية عن الإخفاق الاقتصادي : النظم السياسية العربية نتيجة جهلها تتعامل مع النظم الاقتصادية على أنها تابعة لها ، ولا تدرك أن الاقتصاد له استقلاليته من حيث التخطيط والآليات والأهداف .

إن الحاكم العربي ونظامه السياسي يعتبر اقتصاد الدولة ملكاً له يتصرف فيه كيف يشاء ، ويخضعه لرؤيته ورغباته ، ويذهب به إلى حيث النفوذ السياسي الدولي ، ليس هذا فقط ، بل يذهب به كذلك إلى حيث التوجه الأيديوليوجي الذي يستقر عليه ، إشتراكياً كان أم رأسمالياً ، ومن ثم فقد الاقتصاد العربي إستقلاليته .

ثانياً : تأثير الثورات العربية على الاقتصادات :

لقد هبت الثورات العربية على الاقتصادات العربية وهي على هذه الحالة ، فازدادت حالتها سوءً ، ويمكن الإشارة إلى آثار الثورات على الاقتصادات العربية فيما يلي :

أ : إرتباك وتوقف بعض القطاعات الاقتصادية : اختلف حجم الارتباك والتوقف في قطاعات اقتصادات دول الثورات العربية من دولة إلى أخرى ، بل ومن فترة زمنية إلى أخرى ، فالثورة التونسية عطلت معظم قطاعات الاقتصاد التونسي ، وكانت نتنائج ذلك واضحة ، والثورة المصرية أعاقت حركة أكثر من قطاع من قطاعات الاقتصاد المصري مثل السياحة والصناعة وحتى الزراعة ، والثورة اليمنية عطلت كل قطاعات الاقتصاد اليمني تقريباً ، والثورة الليبية أوقفت حركة الاقتصاد الليبي بالكامل ، وأخيراً يعاني الاقتصاد السوري معاناة مميتة من جراء الثورة السورية .

وتجلت نتائج إرتباك وتوقف معظم قطاعات الاقتصادات العربية في توقف نمو تلك الاقتصادات أو انخفاضه إلى أدنى درجة ، وفي ارتفاع معدلات البطالة بشكل خطير ، وانخفاض القوة الشرائية للعملات الوطنية ، وتدني احتياطات اقتصادات الثورات العربية من العملات الأجنبية .

ب : توقف خطط التنمية المتواضعة : توصف خطط التنمية في معظم الدول العربية بالضعف والهشاشة ، وهذه الخطط التي تبدو متواضعة قد زادتها الثورات العربية سوءً ، إذ أدت إلى توقفها تماماً ، وتحتاج هذه الخطط إلى وقت طويل وإعادة تخطيط وتوفير موارد مالية لاستئناف تفعيلها ، هذا في الوقت الذي تعاني فيه دول الثورات العربية من شحة في تلك الموارد المالية ، وعليه فارتباك خطط التنمية وتحريكها من وضعية التوقف يحتاج إلى مزيد من الوقت والجهد الذي ينبغي أن يجمع بين البناء السياسي والاقتصادي والإداري .

ت : توقف معظم المشاريع الإنمائية : ترتب على ما تقدم توقف معظم المشاريع الإنمائية التي كانت موضع تنفيذ في كافة القطاعات الإنتاجية والخدمية ، نتيجة الارتباك الذي عم كافة إدارات الدولة ، وكانت أكثر الدول تأثراً في هذا الصدد على التوالي ليبيا ثم اليمن ثم سوريا ثم تونس وكان أقل الدول تأثراً فيما يتعلق بتوقف مشاريع التنمية هي مصر.

ث : زيادة معدلات البطالة : منذ بدء الثورات العربية تسارعت معدلات البطالة في تلك الدول في التزايد ، ووقف وراء ذلك أسباب عديدة : منها انصراف وتفرغ قطاع كبير من أفراد المجتمع للأعمال الثورية وتركهم لأعمالهم ، ومنها توقف خطط التنمية ، ومنها توقف معظم المشاريع ، ومنها أخيراً توقف المشاريع والشركات الأجنبية في دول الثورات .

ج : تخريب مضادات الثورة لبعض القطاعات والمشاريع والمنشآت : لقد قامت الثورة المضادة في كافة دول الثورات العربية بحركة تخريب لم يسبق لها مثيل للكثير من القطاعات والمشاريع والمنشآت ، حدث ذلك بشكل واضح ومؤثر في ليبيا ثم في تونس ثم اليمن ثم سوريا وأخيراً في مصر ، ولم يقتصر التخريب في معظم الأحوال على تدمير تلك الفعاليات الاقتصادية ، بل شمل التعطيل والإيقاف .

ح : توقف حركة الاستثمارات الأجنبية ورؤوس الأموال : مع حالة عدم الاستقرار التي صاحبت الثورات العربية بشكل متعمد من مضادات الثورة ، توقفت بشكل كامل حركة الاستثمارات الأجنبية التي ترد إلى الاقتصادات العربية ، والتي هي في أمس الحاجة إليها ، لكي تخرجها من ضائقتها من قلة الموارد ، وقد كانت ليبيا أقل الدول معاناة من قلة الموارد ، أما بقية الدول وهي مصر وتونس واليمن وسوريا ، فكانت معاناتها من توقف حركة الاستثمارات واحدة .

خ : تهريب الأموال إلى خارج البلاد : منذ عقود عدة والاقتصادات العربية تتعرض لعملية نهب لم تحدث في العالم ، ومع قيام الثورات العربية حدثت عملية أخرى مكملة ، وهي تهريب أموال طائلة ، كان يملكها رجال الأعمال والمتنفذون ورجال الدولة والمنتفعون ، وأموال أخرى كانت تحت أيدي موظفين في الدولة ، وكان لذلك أثره الواضح على اقتصادات الثورات العربية ، والذي تجلى في انعدام السيولة ، وارتفاع نسبة التضخم ، وقلة الاحتياطي من العملات الأجنبية .

د : إنعدام الثقة في قدرات الاقتصادات الوطنية : لقد أفضت التداعيات والإفرازات التي ترتبت على الثورات العربية إلى انعدام ثقة اقتصاداتها في القدرة على الحركة والنشاط والنهوض ، حيث اتضح أن تلك الاقتصادات تحتاج إلى وسائط دعم متعددة ومتنوعة وعلى درجة عالية من القوة .

ذ : غياب الفعاليات والخبرات الاقتصادية الوطنية : في النهاية تعرضت الاقتصادات العربية بعد قيام الثورات إلى حالة مؤثرة على كياناتها وهي افتقاد الفعاليات والخبرات الاقتصادية الوطنية المخلصة والجادة التي يمكن أن تشيع جواً من الثقة وتقود تلك الاقتصادات في المرحلة الإنتقالية ، وتصيغ استراتيجيات مرحلة بناء الاقتصادات الوطنية الناهضة.

ثالثاً : موقف مؤسسات التمويل الدولية والقوى الكبرى من أزمة الاقتصادات العربية :

إن الوضعية التي وصلت إليها اقتصادات دول الثورات العربية قدمت فرصة سانحة لمؤسسات التمويل الدولية والقوى الكبرى لكي تتدخل لمساندة تلك الثورات ، وبالفعل حدث ذلك التدخل في أشكال مختلفة ، نوضحها فيما يلي :

أ : دعم مؤسات التمويل الدولية لاقتصادات دول الثورات العربية : منذ أن تمكنت الثورات العربية من تغيير الواقع الذي كان قائماً قبل نشوبها وشروعها في تشكيل واقع جديد ، بدأت مؤسسات التمويل الدولية في التحاور مع الحكومات الإنتقالية في دول الثورات العربية من أجل تحديد الآلية التي تمكنها من دعم تلك الدول ، ويمكن متابعة العلاقات بين الطرفين على النحو التالي :

(1) مصر : منذ منتصف عام 2011م وبعد سقوط رمز النظام في الحادي عشر من فبراير بادر صندوق النقد الدولي بالدخول في جولة مفاوضات مع مصر من أجل إقراضها حتى تتمكن من تجاوز أزمتها في المرحلة الإنتقالية ، وانتهت جولة المفاوضات إلى تقديم عرض من الصندوق ، بقيمة 3,2 مليار دولار ، في مارس 2012م .

ولنا عدة ملاحظات حول جولة المفاوضات بين مصر وصندوق النقد الدولي تركزت على  الآتي :

*إن مبادرة صندوق النقد الدولي بالتفاوض مع مصر ، وإصرار الصندوق على إنجاح جولة المفاوضات ، يبرهن على توقعات الصندوق لمستقبل الاقتصاد المصري ، ويبرهن كذلك على رغبة الصندوق في الاطلاع على بواطن الاقتصاد المصري من خلال مراقبته عن كثب .

*إن صندوق النقد الدولي يكتل خلفه القوى الكبرى ، ومن ثم يمكن لتلك الدول أن تقف على تطورات الاقتصاد المصري في المرحلة المقبلة عن طريق خبراء الصندوق الذين سيعملون في مصر في إطار عمليات التمويل .

*لقد شاء صندوق النقد الدولي والقوى الكبرى التي يقوم على رؤوس أموالها أن يكون سباقاً في دعم اقتصاد أكبر دولة عربية وأهم دول الثورات العربية ، ومن شأن هذا أن يحسّن من صورة مؤسسات التمويل الدولية والدول الغربية في رؤية شعوب الثورات العربية .

وما أكد على إصرار صندوق النقد الدولي على الدخول مع مصر في شراكة اقتصادية قرار الصندوق بدعم مصر بعد انتخابات الرئاسة المصرية ، ثم مواصلة عملية الدعم بعد الاستقرار السياسي وترسيخ أركان النظام المصري ، إلا أن كل ذلك قد انهار تماماً بعد الانقلاب العسكري في 3/7/2013م ، ولم يعد أي ذكر لهذه المسألة في أجواء الاضطرابات وعدم الاستقرار داخل البلاد .

(2) تونس : الملاحظ أن تونس بعد الثورة لم تلق الاهتمام المتوقع من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير ، وقد نرجع ذلك إلى وصول التيار الإسلامي إلى سدة الحكم في تونس ، وما يتطلبه ذلك من تأني وتمهل للاتفاق والتوافق مع الإسلاميين ، في حين انصب اهتمام الفعاليات الاقتصادية التونسية على المعونات أكثر من قروض مؤسسات التمويل .

إلا أن تونس قد تلقت عرضاً من البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية ، الذي أنشأ صندوقاً بـ مليار يورو لدعم اقتصادات دول الثورات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ، بتاريخ 20 / 5 / 2012م ، وعلى أثر ذلك تدارس الطرفان إمكانات الشراكة ، ومن الواضح أن الدول الأوربية وبصفة خاصة فرنسا تدعم بقوة تلك الشراكة وتدعم كذلك الاقتصاد التونسي ، وقد تلقت تونس منذ شهور قليلة قرضاً من صندوق النقد الدولي تجاوز المائة مليون دولار .

(3) اليمن : تعتبر اليمن أهم دول الثورات العربية مدعاة لاهتمام مؤسسات التمويل الدولية ، نظراً لظروف المجتمع اليمني التي تستدعي المساعدة فعلاً ، كما تتضمنها مبادئ مؤسسات التمويل الدولية ، ونظراً لوضع اليمن السياسي في صراعه مع تنظيم القاعدة ، ونظراً لدعم دول الخليج العربي التي شجعت مؤسسات التمويل الدولية على الاهتمام باليمن ، والصراع الدموي من أجل الشرعية وضد الحوثيين وصالح وأنصاره ، فهناك تجهيزات وتدابير من صندوق النقد الدولي للمساعدة في إعادة الإعمار عفب انتهاء القتال .

 فقد وافق صندوق النقد الدولي بتاريخ 5/4/2012م على قرض لليمن بقيمة 93,7 مليون دولار.

كما وافق البنك الدولي للإنشاء والتعمير بتاريخ 20/5/2012م على منح اليمن نصف مليار يورو لدعم مشاريع التنمية.

ب : معونات القوى الكبرى لدعم اقتصادات دول الثورات العربية : بالإضافة إلى مجهودات مؤسسات التمويل الدولية ثمة المساعي المبذولة من القوى الكبرى من أجل مساندة اقتصادات دول الثورات العربية ، والواضح أن الطرفين قد التقيا حول هدف واحد ، وهو التواجد داخل دول الثورات والتحكم في اقتصاداتها ، ويمكن تفصيل مساعي القوى الكبرى التي تجلت في المعونات الاقتصادية على النحو التالي :

(1) المعونات الأميركية لاقتصادات دول الثورات العربية : كانت الولايات المتحدة سباقة إلى مد يد العون المادي المبكر لاقتصادات دول الثورات العربية من خلال سياسة منهجية للمعونات الأميركية ، ويمكن تسجيل جملة حقائق على النحو التالي :

* أن الولايات المتحدة هي الدولة الأولى في العالم التي أولت الثورات العربية اهتماماً اقتصادياً عكسته المعونات التي قدمتها لتلك الثورات من أجل تجاوز الأزمات الاقتصادية التي نجمت عنها ، ولكن لا يمكن تجاهل ما يقف وراءها من أهداف سياسية .

* أن ثمة إهتماماً ملحوظاً باليمن بدا من خلال حجم المعونات الأميركية ، وهو يعكس طبيعة العلاقات السياسية بين الولايات المتحدة واليمن ، حيث تعتبر الولايات المتحدة اليمن قاعدة متقدمة لمحاربة تنظيم القاعدة والإرهاب الديني في منطقة الشرق الأوسط ، يرتبط بذلك أن جزءً كبيراً من المعونات الأميركية لليمن موجه لهذا الغرض.

* أن مصر تحتل موقعاً متقدماً في ترتيب الدول التي تتلقى المعونات الأميركية ، ليس بسبب الثورة المصرية ، ولكن لدور مصر في حماية المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط ، والسؤال المطروح أمام الإدارة الأميركية وحكومة الثورة المصرية هو كيف سيتم تكييف العلاقات بين الدولتين لتحقيق أهداف كلٍ منهما التي لم تعد متناقضة بعد الانقلاب العسكري في 3/7/3013م ، وهل سيتم توظيف المعونات من أجل القضاء على التناقض وتوطيد علاقات الدولتين .

* المعونات الأميركية لتونس خلال وبعد الثورة أصبحت مجردة من الهدف السياسي ، والمعونات لليبيا فنية ، لأن ليبيا ليست في احتياج مادي لتلك المعونات ، والمعونات لسورية إنسانية وغير مباشرة وشحيحة .

(2) معونات الاتحاد الأوروبي لاقتصادات دول الثورات العربية : كان الاتحاد الأوروبي هو التكتل الثاني بعد الولايات المتحدة الذي قدّم معونات اقتصادية للثورات العربية ، وذلك يعكس العلاقة المتميزة بين الطرفين ، والرامية إلى احتواء الأنظمة الجديدة ، ويمكن تسجيل الملاحظتين التاليتين :

* أن هدف الاتحاد الأوروبي من وراء معوناته لدول الثورات العربية هي مساعدة اقتصاداتها على تجاوز أزماتها ، وهذا يعني أن تلك المعونات ليست معونات من أجل تأسيس استراتيجية اقتصادية مستدامة .

* أن مصر واليمن هي أوفر دول الثورات العربية حظاً من معونات الاتحاد الأوروبي ، وربما يقف وراء ذلك خصوصية العلاقات بين الطرفين ، بالإضافة إلى حاجة الدولتين الملحة لهذه المعونات .

(3) المعونات اليابانية لاقتصادات دول الثورات العربية : وكان لليابان أيضاً إسهام مهم في المعونات التي قدمت لاقتصادات دول الثورات العربية من أجل مساعدتها على تجاوز أزماتها ، وعلى المعونات اليابانية نلاحظ :

* لا تزال مصر تحصد أكبر نصيب من المعونات الدولية بالمقارنة بدول الثورات العربية الأخرى ، وهكذا كان نصيبها من المعونات اليابانية .

* احتلت تونس المرتبة الثانية في الحصول على المعونات اليابانية بعد مصر متقدمة على اليمن .

(4) المعونات العربية [قطر ـ السعودية ـ الإمارات ـ الكويت] لاقتصادات دول الثورات العربية : ظهرت مجموعة من الدول العربية اتفقت ضمنياً على تشكيل ما يشبه الرابطة لمنح المعونات لدول الثورات العربية لمساعدتها على تجاوز أزماتها الاقتصادية ، وهي جميعاً من دول الخليج العربي وأغناها، وقد سجلنا الملاحظات التالية على المعونات العربية :

* أن هذه المعونات هي المعونات التي تسلمتها فعلاً دول الثورات العربية ، وذلك كما أعلنه الطرفان .

* أن المعونات التي وصلت إلى ليبيا هي معونات فنية وليست مبالغ مالية ، حيث لا تحتاج ليبيا إلى المعونة المالية .

* أن المعونات التي وصلت إلى سورية من دول الخليج غير مباشرة ، وتمت عبر مؤسسات دولية إنسانية على غرار منظمة الصليب الأحمر للإغاثة العالمية ومنظمات إغاثية عالمية أخرى .

* في مؤتمر أصدقاء اليمن الذي عقد في 23/5/ 2012م ، قررت الدول المانحة للمعونات والتبرعات منح اليمن 5 مليار دولار.

* كذلك قررت السعودية منح اليمن 3 مليار دولار ، لبدء خطة بناء الاقتصاد اليمني بعد نقل السلطة والشروع في بناء الدولة الجديدة ، كما قررت كل من قطر والإمارات العربية منح اليمن معونة مالية لم تحددا قيمتها بشكل دقيق ، ولكن الحرب على الحوثيين وصالح وأنصاره قد غيرت الكثير من ملامح خطة مساعدة اليمن إقتصادياً وربما أرجأتها تماماً .

* أيضاً قررت السعودية منح مصر 3 مليار دولار لمساعدة الاقتصاد المصري على ترسيخ خطة التنمية المستدامة ، وكذلك قررت قطر اعتماد صندوق خاص لنفس الغرض ، وأعلنت مصادر قطرية عن مبالغ مالية متباينة ، ولكنها لا تقل عن 2 مليار دولار ، ثم تولّت السعودية والإمارات والكويت تمويل الإنقلاب العسكري في مصر وتحملت السعودية العبء الأكبر في ذلك فقدمت ما يقرب من 14 مليار دولار ، ثم تكفلت الإمارات بمبالغ غير محددة على سبيل الدقة وكذلك الكويت .

رابعاً : نجاعة الحلول المقدمة من مؤسسات التمويل والقوى الكبرى :

في هذه الجزئية نسجل الملاحظات الختامية لمدى نجاعة الحلول التي تقدمها مؤسسات التمويل الدولية والدول منفردة في انقاذ اقتصادات دول الثورات العربية ، وبصفة خاصة أن تصحيح مسارات تلك الاقتصادات سيساهم بدور كبير ومؤثر في بناء الدولة المدنية العصرية والنظام السياسي الكفء والفعال .

أ : المعونات لتجاوز الأزمة وليست للتنمية المستدامة : إن أول ما يمكن أن نسجله على سلوك القوى الكبرى من أجل تمكين اقتصادات الثورات العربية من تجاوز أزماتها ، هو أن ذلك السلوك وما يتضمنه من إجراءات خاصة بدعم تلك الاقتصادات مادياً عن طريق مؤسسات التمويل الدولية أو عن طريق المعونات هي تدابير لتجاوز أزمة عارضة ومؤقتة ، وليست تدابير لتأسيس خطط لتنمية مستدامة .

إلا أنه يلاحظ أن الإجراءات التي أشرنا إليها لتجاوز أزمات الاقتصادات العربية ، يمكن أن تكون مدخلاً لمرحلة جديدة من تاريخ تلك الاقتصادات ، تلعب فيها قروض مؤسسات التمويل الدولية ومعونات القوى الكبرى دوراً مؤثراً في مسيرة ومستقبل تلك الاقتصادات ، ومن ثم التحكم فيها .

ب : أزمة الاقتصادات العربية مرتبطة بالاستقرار السياسي : إن أزمات الاقتصادات العربية لا تقتصر على توفير الدعم المادي ، بل تتوقف بشكل أساس على الاستقرار السياسي والشروع في بناء الدولة الحديثة ، وعليه فإن مساعدات ومعونات الدول الكبرى ليست كافية وحدها لمساعدة الاقتصادات العربية على تجاوز أزماتها ، وعليه فيتوجب على الدول الكبرى أن تساهم في ترسيخ الاستقرار السياسي في دول الثورات العربية ، ويتوجب عليها كذلك تهيئة الظروف للإسراع ببناء الدولة الحديثة ، ومن شأن هذا وذاك أن يطلق يد الدول الكبرى في دول الثورات العربية بشكل متزامن ومتماهي مع المرحلة الإنتقالية ، وطبيعي أن يتحول ذلك إلى نفوذ راسخ في المرحلة التالية .

ت : دراسات المؤسسات المالية غير منهجية : إنطلاقاً من فجائية الثورات العربية ، لم تتمكن مؤسسات التمويل الدولية وكذا الدول الكبرى من دراسة وتحليل واقع أزمات الاقتصادات العربية إبان وعقب الثورات ، ومن ثم فهي لم تقرر العلاج المناسب لأزمات تلك الاقتصادات بشكل دقيق وموضوعي ، والدليل على ذلك استمرار وتواصل تلك الأزمات ، وتأخر المرحلة الإنتقالية ، وتخبط المؤسسات الاقتصادية الدولية في توصيف حالات الاقتصادات العربية وفي وصف العلاج لتلك الاقتصادات .

إن التقارير التي صدرت من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي عن الاقتصادات العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن لم تتسم بالدقة والموضوعية والتوقع العلمي المنهجي ، وهي لذلك لم تلق قبولاً ورضاءً من الجهات صاحبة الاختصاص في الدول المذكورة ، فمثلاً هناك مؤسسات أكاديمية وبحثية اقتصادية في كلٍ من مصر وتونس تحفظت على تقارير صندوق النقد الدولي ووصفتها بعدم الدقة .

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.