الرئيسية » أرشيف - المجلة » تنتشر كالنار في الهشيم.. الشائعات مسدس كاتم للصوت

تنتشر كالنار في الهشيم.. الشائعات مسدس كاتم للصوت

وعد الأحمد- وطن – (خاص)

“إذا أردت أن تقتل إنساناً أطلق عليه شائعة” هذه المقولة تعبر بشكل واضح عن التأثير السلبي للشائعة على الفرد والمجتمع على حد سواء ولم يقتصر هذا التأثير على الحياة الاجتماعية والشخصية بل طال السياسة والاقتصاد والإعلام ولنا أن نتخيل فداحة هذا التأثير في عصر العولمة و”تقزيم” العالم إلى قرية كونية صغيرة . وتغذي ظاهرةَ الشائعة عواملٌ نفسية فردية إضافة إلى العوامل الاجتماعية. وإذا أخذنا بعض الشائعات التي تُطلق على أحد الأشخاص مثلاً في مجال التجارة أو في مجال التعليم أو المجال الفني نجد أن الكثير من المعلومات تتعلق بالجوانب السلوكية غير المقبولة في المجال الأخلاقي أو الشخصي. وبالنسبة للشخص المستمع لشائعة من هذا النوع يُستثار عنده نوع من الرفض أو الاشمئزاز الشعوري من تصرفات هذا الشخص أو ذاك وفي قضايا تتعلق بالجشع والغش والقسوة وحتى الجنون وغير ذلك

الدكتور النفسي حسان المالح

ويرى الدكتور حسان المالح أخصائي الطب النفسي-عضو الجمعية الدولية للطب النفسي لـ”وطن” أن “عنصر الإثارة يتكرر دائماً في الشائعات وهو يثير مشاعر المتلقي الواعية وغير الواعية وعندما ينقل الإنسان هذه الشائعة إلى غيره يظن أنه يعمل عملاً مفيداً لتوضيحه مثالب ومساوىء هذا الشخص بينما من الناحية النفسية فهو يعبر عن غضبه وإحباطاته العديدة بأن يجد هدفاً سهلاً لتوجيه غضبه وانفعالاته السلبية. وهذا- كما يوضح المالح- ما يُسمى بالإسقاط وهو يعني تحويل مشاعر الغضب والكره الداخلية إلى خارج النفس ويؤدي انحباس هذه المشاعر وعدم تفريغها إلى القلق والتوتر وغير ذلك حيث أن المطلوب من الإنسان أن يتفاعل مع ذكرياته ومشاعره ويضبطها ويتوافق مع غضبه بشكل أو بآخر دون أن يسيء إلى الآخرين”

ولكن هل هناك إمكانية للقضاء على الشائعات أو التخفيف من أضرارها النفسية والاجتماعية يقول د. المالح: “لا يمكن القضاء على الشائعات المختلفة في مختلف المجالات وما يمكن عمله هو التقليل من آثارها السيئة وهناك بعض الملاحظات التي قد تكون مفيدة في هذا السياق مثل تنمية التفكير النقدي والعلمي الذي يعتمد على التثبت من المعلومات ويشير القرآن الكريم إلى ذلك بوضوح في الآية الكريمة (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) . ولا شك أن تخفيف الصراعات النفسية والقلق بشكل عام يلعب دوراً إيجابياً حيث أن الإحباطات المتكررة والمشكلات العديدة تجعل الإنسان فريسة أكثر سهولة لتلقي المعلومات الخاطئة وتداولها.

نظام المقصلة

ورأى الكاتب السوري والمحامي “ادوار حشوة” لـ”وطن” أن الموقف القانوني من الإشاعة هو نفس الموقف العام من من أية حالة قدح أو ذم تُوجّه إلى مطلق شخص ويطالها القانون وعقوبة القدح والذم في قانون العقوبات العام-بحسب حشوة- تكون مشددة إذا تمت في محل عام أو في وسائل النشر العامة وفي هذا المجال تكون العقوبة أخف على الناشر إذا نشر في المكان نفسه الرد الوارد من الشخص المتأذي من الإشاعة ولأن الوسط الفني وسط مندمج وكثير العلاقات فإن الإشاعات ضمنه أمر متوقع ومستمر وهو قابل لضخ مثل الإشاعات وهناك مجال لتسويقها ونشرها في المجلات الفنية التي تعرف أن القارىء الذي يحب فلاناً من الممثلين يهتم كثيراً بمعرفة أدق التفاصيل عن حياته وعلاقاته  وهذا الأمر يؤدي إلى ترويج المجلات الفنية وزيادة مبيعاتها ولكن مع الزمن فالإشاعة إذا لم تكن صحيحة تفقد المجلة مصداقيتها .

ويشير المحامي حشوة إلى أن من أخطر الإشاعات هي التي تتم في الوسط السياسي لأن أجهزة القمع تلاحق بشكل فوري ودون الرجوع إلى القضاء مُصْدري الإشاعات وتعتبرهم خطراً على النظام العام فالعقوبة في إشاعات الوسط الفني مؤجلة لحكم القاضي أما في الوسط السياسي فخاضعة لنظام “المقصلة” دون انتظار أي حكم. لذلك ننصح بعدم اللجوء إلى الإشاعة السياسية في المجتمعات غير الديموقراطية .

مسدس كاتم للصوت

تعتمد بعض الصحف والمجلات الفنية على الأخبار والشائعات الفنية كمادة أساسية تسهم إلى حد كبير في ترويج وانتشار تلك الصحف والمجلات و”تعتبر الإشاعات ظاهرة غير سوية في ساحة الفن العربي تعبر عن قصور وعي لدى من يطلقها أو يسهم في ترويجها وخصوصاً أنها ترتبط بخصوصيات لا علاقة لها بما يقدمه هذا الفنان أو ذاك” كما يقول الكاتب والمخرج المسرحي فرحان بلبل ويضيف إن اغلب الشائعات في الوسط الفني للأسف تطال الحياة الاجتماعية الخاصة لهذا الكائن الذي اختار لنفسه طريقاً آخر غير ما اختاره الآخرون وتبتعد عن طبيعة ما يقدمه من فن أو إبداع أو خصوصية لتتحول الإشاعة هذه الأداة القاتلة إلى (مسدس كاتم للصوت – أو فضائحي الصوت) إذا شئت على المبدأ الذي يقول إذا أردت أن تغتال إنساناً أطلق عليه شائعة .

الكاتب والمخرج المسرحي فرحان بلبل

وأبدى الكاتب بلبل أسفه على تورط بعض الصحف ووسائل الإعلام في ترويج الإشاعة ونسج الخيوط حولها لزيادة نسبة المبيعات أو دائرة الجمهور الذي يبحث عن الإثارة- بحث المكابدة -والغريب في الأمر -كما يقول بلبل- أن يسهم الفنانون أنفسهم في إطلاق بعض الشائعات حول حياتهم إذا وجدوا أن الأضواء بدأت تنحسر عنهم أو إذا اكتشفوا أنهم قد أصبحوا في طي النسيان والشائعات من هذا النوع لا تخرج عادة عن أخبار الزواج والطلاق ليسارعوا بعد انتشارها إلى نفيها وتكذيبها من خلال عشرات الأحاديث الصحفية التي تجعلهم تحت اضواء الشهرة والاهتمام بشكل دائم .

شائعات موظفة

المخرج السينمائي السوري ريمون بطرس علق بدوره على قضية الشائعات الفنية  قائلاً: “إن الحياة الخاصة هي ملك الإنسان وحده أياً كان فناناً أو غير فنان مشهوراً أو غير مشهور وليس من حق الصحافة أن تروج شائعات حول ذلك ولا حتى حول ما يدور وراء الكواليس الفنية وفي الوسط الفني السوري لايمكن اعتبار الشائعات أمراً سائداً وكل ما تتناوله الصحف والمجلات المحلية مجرد غمز بسيط أو وخزات خفيفة لا أكثر.

المخرج السينمائي ريمون بطرس

ولكن هناك-كما يوضح بعض الصحف والمجلات الفنية العربية تسعى بشكل دائم لتغذية صفحاتها بالشائعات وأعتقد أن ذلك غير مجدٍ فالهدف الرئيسي من هذا هو الربح التجاري وزيادة المبيعات والجميع سمع بما حدث للفيلم الأمريكي (المسيح) حيث دفع منتجو الفلم أكثر من عشرة ملايين دولار للصحفيين ليهاجموا الفيلم وبعد إثارة عاصفة من النقد والهجوم تدخلت الكنيسة الأمريكية لمنع الفيلم ولكن بعد أن ربح مئة مليون دولار . وختم بطرس :”أعتقد أننا في البلاد العربية لم نصل بعد إلى هذا المستوى من الإعلام والترويج للشائعات وما يدور مجرد ثرثرة لا معنى لها حول الحياة الشخصية للفنانين والنجوم وأنا شخصياً لا أحب التعامل مع الشائعات” .

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.