الرئيسية » تحرر الكلام »  كأن لم يسمر بمكة سامر “3 ـ3”!

 كأن لم يسمر بمكة سامر “3 ـ3”!

تقول له ودموعها ملىء المآقي والأجفان والخدود بحسب القصيدة الشهيرة القديمة:

ـ ألم نكن أهل هذا المكان وخاصته الدارين، العالمين، المُلمين، بكل ركن فيه، وكل ناصية، وأهل كل دار، أحزانهم، فيض ألمهم وكيف العلاج والطريق إليه؟

قال، وعيناه تتحسسان مواضع قدمه، والألم يشق منه الوجدان، بل يقفز حواليه يميناً ويساراً، وهو يحاول التمييز بين أمرين هل نطقه أفضل أم صمته؟ هل لو نطق ربما جاء يوم يندم فيه على نطقه هذا، أم إنه ليس أصعب من موقفه هذا:

ـ نحن كنا ملء هذا البلد، نبض تكوينه، وضوء نهاء، وألق وبريق ليله، فضلنا لا ينساه القاصي والداني، ولإننا كنا في بقعة من أطهر بقاع الأرض .. في مكة أم القاهرة، ليسا بمتساويين، لكنا كنا عذاب النفوس، متألقيّ الشعور، فلكأن كل بقعة طاهرة في الأرض تستحق أن تُشرق عليها شمس للصلاة كانت لنا، أما ما حدث فإن غباء في التكوين لدينا وافق خيانة مع بعض الذين تحالفنا معهم ضد أنفسنا، تحالفنا مع الذين بيدهم السلاح، أولئك الذين خانوا الغادر الأكبر الذي مثّل دور رئيس لبلادنا، مبارك، أولئك الذين خانوه من أجل أن يأخذوا مكانه ظننا إنهم يخلصون لنا، وأخذ الأغبياء القرار، ووافقهم من آسف المُجموع، ولما تقول لهم ذلك قرار كان مأساة وما زال يقولون لك: وما البديل؟

كأننا حُكِم علينا على الدوام أن نحيا، نُسمى نعيش، ونحن نفعل لنقارن سيئاً بأسوأ ليس إلا، أين هي الحياة التي تساوي تحسين اختيارات الحياة؟ وهل جعلكم الله لعمارة الأرض كي تتمتعوا بأسوأ الاختيارات؟

كان هناك اختيار أفضل، ساقتكم أقداركم ضده.. وكأننا إذ نُسلّمُ بأقدارنا لا نملك إلا الموافقة على اختيارات لم تكن موفقة ومن ثم الاستمرار فيها؟ كان من الممكن أن تعتزلوا أمر الرئاسة من الأساس، أن تدركوا أن شعباً أغلب أهله من أهلنا بل كل أهله أهلنا، مهما فعلوا، والمقصود الأطهار منهم بالطبع، إنهم إن استطاعوا أخذ ساتر لكان أفضل لهم، وعدم التمادي في الأوهام بحكم شعب على قواعد ظالمة من نظام مبارك الفاسد، والبقاء في حماية أغلبية شعب لا تعرف من “الديمقراطية” ولا عنها إلا لقمة العيش، لو إنهم استوعبوا لاستطاعوا الاحتفاظ بقواهم وكوادرهم لأبعد مدى؟ أما إنك إذا قلتَ لهم ذلك اليوم .. لقالوا لك:

ـ ولماذا تذكرنا بصفحة ظَلمنا العالم كله لأجلها؟!

فإذا قلت لهم إن الغباء أن تعطي عدوك السهم الذي يمزق به كبدك، وإنك إذ تفعل تسر العدو .. وتُهين الإنسان بداخلك .. وفي أرض الله التي خلقها لتعميرها بحس وإدراك وفطنة.. لا الارتماء خلف تدبير ومكر كل داهية ظالم، إذا قلت لهم ليس انسحابكم من الميدان وترك مصر للطغاة يمرحوا ويرتعوا فيها هو السبيل .. قالوا لك باختصار:

ـ لا نريد الاستماع ولم يكن في الإمكان أفضل مما فعلنا ..!

ولكن أين الغد منكم ومن مخططاتكم؟

أين منكم الحفاظ على ما تبقى من مقدراتكم؟

زاغتْ الأبصار منهم وحدثوك عن ماضي صراع الحق مع الباطل، وهو صراع “تقف” وراءه مُسلمة: إن الدنيا ستظل زاخرة به، وإن نصر الله مع أهل الحق ما رتبوا ودبروا لأخذ حقوقهم من الطغاة، ولكن إن لم يكن لدى الأخيار قوة يستعينون بها على نزال الطغاة ففيما الإصرار على القتال إذن؟

ذاب القلم من تكرار إن انسحاب خالد بن الوليد، رضي الله عنه، من معركة “مؤتة” لم يكن هزيمة بل يُدرسُ في الاكاديميات العسكرية حتى اليوم، وإن الرسول، صلى الله عليه وسلم، أشاد به، وإنكم إن كنتم قادة بالفعل وضحيتم فإن القيادة مسئولية لا تقتضي إفناء بقية مقدراتكم دون هدف معروف .. أو طريق مرسوم بدقة، وإن الغد بهذه الطريقة يظل طريقاً مجهولاً ما زللتم في التيّه..

أما في انفراد ووحدة الذي قدّر الله أن ينحاز إلى أقرب الفريقين إلى الحق، فترى العجب، استتب الأمر لدى البعض على هزيمة الجمع، ولم يعد يهمهم انتقال خطوة من موقعهم، هؤلاء تجار الأزمات، الخونة، المندسين، وبعض البسطاء، تحالف البعض مع البعض الآخر، دون سابق معرفة لكن لأن أمراض النفوس تتشابه، هؤلاء يزينون الموقف الراهن للشرفاء، وما أكثر الأخيرون وهم حصب الأرض وعمادها .. ولكنهم يفتقدون التفكير خارج الدائرة المغلقة والانفلات من بين “ضروس” هؤلاء، واحدهم يبقى آمناً ساكناً مطمئناً بين أهل وولد ومغانم، وقد يتحدث باسم الثوار، بل يصل إليه بعض المال المخصص لهم فيتولى نهب جزء منه.. ثم يعطي شروطاً تناسبه لتوزيع الباقي من تحقيق مغانم، والأمر يتجاوزه لأفراد من أسرته أحياناً ..

في المنتصف تتضاعف همومك بل “تتعملق” أهؤلاء يمثلون أحداً؟

المندس الذي يدعي إنه ضحية ويتحالف مع السابق ويطالبان برفع السلاح .. من أين جاءا؟ وكيف قادتهما الخطوات إلى هذا الصف؟

هؤلاء الذين يراهنون على مصالح شخصة بالغة التفاهة والضآلة تجاه طوفان الدم، هؤلاء الذين يُحسبون على الصف والأخير منهم برىء، وهم يُميتون الشعور بالحياة في قلوب أناس لطالما تمنوا نقاء الصف السائر إلى الله ..!

رجل بسيط جاء إلى هنا .. وقبل مماته بأيام سألوه:

ـ وأنت ليس لك معاناة بمصر لماذا تركتْ الأهل والديار والمال وغادرتْ؟

فقال:

ـ لأن الظلم هناك سيزيد..

ثم ما لبث الرجل أن مات بعدها بأسابيع..!

لو يعرف هؤلاء الذين ينالون دولاراً على حساب دم شهيد مقدار إجرامهم ..؟

لو يعرف الذين ينتزعون “….” غير سويّة مقدار جريمتهم في حق أنفسهم وبلدهم ومن قبل ربهم ..؟

لو يعرف أولئك كم يسيرون بالجراح إلى الخلف .. فيعيدون وضع السكين فيها بعد انتهاء النزف؟!

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.