الرئيسية » تحرر الكلام » كأن لم يسمر بمكة سامرٌ”1″!

كأن لم يسمر بمكة سامرٌ”1″!

ما بالك يا هذا تتحير وأنت مازلتَ في بداية الليل، وهو إن كنتَ  لا تدري أو تتذكر في نهايات أكتوبر بالغ الطول، ما بالك كلما رأيتَ نافذة تعلقتْ عيناك بالشعاع الخارج عنها.. ثم لا تتقدم إليها أتخاف النظر؟ مجرد “طرح” البصر عبرها، كل ليلة يبدأ ليلك منذ صلاة العشاء، بعدها تروح تطرح عن نفسك فكرة مكالمة ما تبقى من قليل الأصدقاء، أعرف إنك تشتكي إليَّ كل ليلة.. أن لم يعد لديك هاهنا من أصدقاء من الأساس، وإن علاج روحك الذي اكتشفتَه قبل العشرين في المنيا لما ذهبتَ إلى طبيب شاب في “أبي هلال” شاكياً من تورم ركبتك إلى الحد المُتجاوز للطبيعي لدرجة يصعب معها أن يصمد البنطال في قدمك، فلما رآك قال على البداهة:

ـ هل آتي بمنشار وأنشر لك جزء القدم الإضافي في ركبتك؟! .. يا سيدي هذا ليس طبّاً ولم تروه كتب أو مراجع أو حتى بشرٌ .. هذا كتمان شديد، أوصيك بطرح شباك الفضفضة كل وقت وحين .. خذ لك من كل مدينة رفيق .. ولكن اجعله بكل شارع، إن استطعتَ فخذ من كل طريق وشارع بصديق لكيلا تتورم أعضاؤك ثم تخذلك أو تتساقط ..

لم يعد هذا الدواء بنافع هنا، الكل مشغول في شأن “يغنيه” .. ولو كان مزيفاً، أعرف إنك تشكو إليّ.. هاهنا.. إنك جربتَ الدواء والترياق الذي ربما ظننتَه ناجحاً وناجعاً، وأوصى به بعض “المأمفونين” من المعارف، وما كل الذين أعرفهم ليس بمأفون.. قالوا لي:

ـ عش الحياة في الغربة هنا أو الخليج او حتى القاهرة  .. فأنت في كل الأحيان يا صاحبي غريب، لن تجد “عبد النبي” المكوجي، الكواء، كبر يا “محمد” عبد النبي، لم يعد ذلك الذي يتهلل ببدنه الربعة، المتوسط بين الطول والقصر، لما يراك، فيرقص لثانية غريبة مغادرة على “واحدة ونصف”، ثم يعود متزناً يهتف:

ـ ليس لديك مذاكرة اليوم نحن في الصيف يا سيدنا.. ستؤنس وحدتي ونسمع معاً خطاب السيد الرئيس..!

علمك “عبد النبي” إن الشارع له بروتكول مثل ذلك الخاص بكتاب المدرسة، وكنتَ في ميّعة الصبا ما تزال متذمراً لا تعرف سبباً لعدم إكمال إنسان مثل هذا لتعليمه وبقائه يُقدس البقاء خلف “رف” خشبي بينه وبين الشارع يشير إليك:

ـ هذا بائع المخدرات المختفي في ثوب بقال، وهذا المُخبر المختفي في ثوب زبون الجزار، وهذا الشحاذ يدير مكتباً للمخابرات من البلد المجاور، وهذه المرأة تؤجر بيتها للطلاب بخدمات ليس لها نظير ..!

كنتَ تنظر إلى كلماته بروح المتشكك .. المتخوف من يوم تصحو فيه من نومك فتجد نفسك “عبد “رب” النبي لكن بمثل جلبابه “اللبني” وغربته العلمية عن كل ما ومَنْ حوله ..

في كل مدينة وحي ذهبتَ إليه من بعد “مطارداً” نائلاً الشرف المُقدسَ منذ فهم السادة القدامى كلماتك على النحو المتشكك في أول التسعينيات .. وحتى اليوم، منذ المُطاردة الأولى في جوف الصعيد الأوسط.. وانت المٌطارد الأوحد لدى نفسك على الأقل، دار “….” التي كنتَ من النافذة تشاهد أفلام الفيديو الماكرة المُراوغة .. ولم تكن تفهم كيف أخطأ البطل مع ال…. ولماذا يتم إلزامه بها؟ المقهى الذي كان غرفة من بيت وفُتِح على الغرباء، السوق البعيد الذي كان يمتد ايام زيارات الأحباء الفلاحين، الحلاق والمنادي وصاحب مكبر الصوت، المكيرفون، الوحيد في البلدة، وهو صاحل الموسى الحاد لإجراء جراحة بسبب لا سبب له سوى المخاوف من عدم النظافة الشكلية للصغار اليوم لما يكبروا، المخبز خلف هذه المنطقة تماماً، الوقوف عليه بحسب مزاج صاحبه والمضي من أمامه غير مأمون الجانب بسبب متشرديّ الصبية الذين يخطفون حتى لقمة العيش الحاف ..

كل هذه المفردات صارت وطناً محنطاً مع التاريخ، واستسلمتَ إلى “نفايات” الذاكرة، ولكنك من بعد تلصص على “المفردات” في كل مكان تُطرد إليه أو تضطر، تُعاين دار السينما، وإن لم يمكنك الذهاب إليها، وتشتاق أمسيات سينما ميامي وبالاس بالمنيا قرب ميدان المحطة، والليال الطويلة مع الوحدة، ترتب لشراء الخبز بهدوء، تراقب السوبر ماركت الوحيد، تعرف مكان المقهى للأزمات.. ضياع المفتاح .. غضب مفاجىء لأصحاب الشقة الأصليين عليك، أو نوبات تفتيش مهاجرة عادتْ، باعة الفول والطعمية في مصر وطن مقدس، المكتبة خلف الشارع الرئيسي أكثر من مُهمة ومتى تغلق أبوابها؟ سؤالك الأزلي، المواصلات وهل تمر بسكنك الرئيسي، البائع الذي طالما أغمضتَ عينيك عن زيادته في الأسعار، وطالما أخذت منه كل “الفكة” التي لديه في نهاية اليوم، وأفرغت كراتين “المقرمشات” على يديك من لديه، ربما عن غير حاجة حقيقية، الرجل الذي اشتريت منه فارغاً لزجاجتين للمياه الغازية لإصراره إنهما تابعتان لشركتين رغم تمام علمك إنه واهم، الراجل الذي ما قصرتَ في السؤال عنه كلما مررتَ به والسؤال عن صحته .. حتى استساغ إيقافك إن لم تفعل وسؤالك:

ـ أنت بدأتْ تتكبر ولا إيه .. أنت ما بتسلمش زي الأول ليه؟!

الرجل الذي تتثاقل في النطق أمامه لا لشىء إلا لإنه “معافاً” في لسانه ..وإن أردتَ الشراء من محل لنصف الجملة فعلتَها بعد أن يغلق محله الصغير .. هو بعينه عم …”قفشك” في مواصلة تمر ببيتك، أقصد بأقرب نقطة قريبة منه .. فلما رآك في زيارة خاصة خاطفة للشقة نادى على المخبر قائلاً بصوت كافِ لزلزلة شريان القلب منك:

ـ أهوه كان هربان وجاي شوية .. ده واحد من سوابق القلق .. !

رغم إنك دفعتَ له التذكرة في المرة الوحيدة التي ركب فيها معك وكانت المواصلة من أغلى المواصلات في مصر ..!

ومع ذلك “تحن” إليه .. وإلى تشردك في جوف حارة من قلب حارة من قلب شارع فرعي .. ونصيحة الأسطى “محمد النجار” الأكثر من صديق على مدار خمسة عشر عاماً كان فيها نعم الآخ والجار والرفيق:

ـ لا تخرجون جميعاً باللاب توب من البيت .. فرقة وراء بعضها بالكمبيوترات الناس فاكراكم بتطبعوا فلوس ..!

الناس الذين كانوا يعلمون أن الدور الاول من البيت تم استئجاره لضم الملابس “الكانتو” إليه لإعادة توزيعها عليهم .. لا عليك الناس دائماً ما ينسون.. وقد كان الأمس لك .. وصار اليوم لغيرك وهم مع مَنْ غلب، طبع المصريين منذ فتح بلدهم “عمرو بن العاص” وقيل إنه أرسل الوصف لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب .. رضي الله عنهما، وأنت هنا ظل مطارد .. أثراً بعد عين .. لإنك أردتَ الكرامة لهم!

ولنا عودة..إن كان في العمر بقية..

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.