تصعيد في التحريض الإسرائيلي ضد بشارة والحركة الوطنية

لا يترك جنون العنصرية والفاشية الإسرائيلية، الذي يلبس لبوس التحليل الأكاديمي والاستشراقي من “خبراء ومحللين” للشؤون العربية، فرصة للتحريض ضد المفكر العربي الفلسطيني الدكتور عزمي بشارة، وضد الحركة الوطنية الفلسطينية في الداخل، ويظنها سانحة إلا ومارس كل أنواع التحريض الدموي ضدهما، لكنه هذه المرة يحمل “بصمات جهات سياسية عليا في إسرائيل”.

فقد انطلقت موجة التحريض الجديدة من على صفحات صحيفة “يسرائيل هيوم”، المقرّبة من ديوان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، والتي جرى العرف في إسرائيل على القول إنها تأتمر بتعليماته وتوجيهاته في فتح الملفات المختلفة.

واعتمدت الصحيفة في تحريضها على تقديرات وتحليلات لمحاضِرة في  جامعة حيفا، تدعى رونيت مرزان، ادعت أن المفكر بشارة وحزبه يقفان وراء انتفاضة القدس.

وكانت مرزان نفسها أطلقت أواسط هذا الأسبوع في مقابلة مع الإذاعة العبرية “ريشت بيت”، شرارة التحريض ضد بشارة وأمين عام التجمع الوطني الديمقراطي، عوض عبد الفتاح، واتهامهما بأنهما دعيا وبصورة علنية للانتفاضة ومساندتها، متطرقة في هذا السياق إلى مقالات لعوض عبد الفتاح بهذا الخصوص، ناهيك عن السعي للربط بين التجمع الوطني وبين الحركة الإسلامية، فقد عادت لتطل عبر تقرير لمراسل الصحيفة للشؤون العربية نداف شرغاي، باعتبارها خبيرة بشؤون المجتمع الفلسطيني في الداخل.

ومع أن تقاليد الصحافة الإسرائيلية لا تقوم في ملاحقها الأسبوعية على أخذ رأي خبير تمت استضافته في وسيلة إعلام ثانية، إلا أن ذلك لم يمنع صحيفة يسرائيل هيوم من ترديد تصريحات مرزان، وتخصيص مساحة كبيرة لها في عدد الجمعة. وقد اختار نداف شرغاي لتمويه وطمس مصادر التحريض ضد المفكر بشارة والحركة الوطنية التي تشير دلائل كثيرة إلى أنها تأتي من ديوان نتنياهو والمقربين منه، العودة للاعتماد على صفة رونيت مرزان كأكاديمية ومختصة في “المجتمع الفلسطيني” في محاولة لإلباس التحريض ضد بشارة “مصداقية وعمق أكاديميين”.

ونقل شرغاي عنها أنها تكشف عن تعاون غير معلن ومعروف بدرجة أقل بين الحركة الإسلامية برئاسة الشيخ رائد صلاح مع “النائب السابق” عزمي بشارة، الذي اتهمته حكومة  إسرائيل بالتعاون مع حزب الله والتجسس لصالحه من جهة، والتعاون بين صلاح وحركته وحزب التجمع من جهة ثانية.

وهي العبارات المخففة عملياً للتحريض ضد التجمع وضد الحركة الإسلامية ومحاولات الإيهام “الأكاديمي” بخطورة الفكر الذي يحمله بشارة، والذي تمكّن من فرضه وترجمته سياسياً عبر أداء برلماني فرض تحديات لم تستطع إسرائيل مواجهتها، فسعت لتلفيق التهم له والزج به في السجن، على خلفية تحديه للفكر الصهيوني نظرية وممارسة، إلا أنه تمكن من الخروج إلى منفاه القسري قبل “هندسة” محاكمة صورية معروفة النتائج من قبل الحكومة الإسرائيلية.

ولا يغيب التفكير الاستشراقي الكولونيالي عن نداف شرغاي عندما يكرر وصف مرزان للمفكر بشارة إمعاناً في التحريض عليه بأنه “وُلد أصلا كمسيحي كاثوليكي، يأخذ القومية العربية ليدمجها ويربطها بالإسلام. عروبة وإسلام متطرف وعند الدمج بينهما تحصل على قوة سياسية مضاعفة”، تقول مرزان لنداف شرغاي وتضيف أن الهدف من هذه القوة المضاعفة هو “طرد الحكم الصهيوني الكولونيالي والدفع باتجاه فكرة الدولة الواحدة، هنا ينضم رائد صلاح ليقول دولة خلافة إسلامية”.

وتتبع مرزان في تصريحاتها لنداف شرغاي في صحيفة يسرائيل هيوم، خطاً منهجياً ومثابراً في التحريض على المفكر عزمي بشارة، لا تحيد عنه منذ الصيف الماضي، حيث ادعت، في أكثر من مناسبة، أن بشارة كان يقدم النصائح أيضاً لرئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، خالد مشعل، في قطر، في كيفية إدارة المقاومة الفلسطينية لنشاطها الدولي والدبلوماسي واستثمار الصمود الفلسطيني لجهة اتفاق وقف إطلاق نار يكرس إنجازات المقاومة على الأرض، وهو ما عرف يومها بالمبادرة التركية ـ القطرية، التي حرّض النظام المصري ضدها، تماماً مثلما حرضت أجهزته الأمنية يومها ضد المفكر عزمي بشارة.

وقد انبرت يومها رونيت مرزان للتحريض على بشارة والقول بأنه صاحب التأثير الأكبر في بلورة المبادرة، وحث حماس على التمسك بها، وأنه المستشار الأعلى لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد، وكرس تحريضها هذا “وجودها” خبيرة في شأن الحركة الوطنية الفلسطينية في الداخل، في مختلف البرامج في الإذاعة والتلفزيون على حد سواء.

وما يزيد الأمر غرابة، أو يفضح كون التحريض ضد بشارة موجهاً من جهات إسرائيلية عليا، هو تلقف محرر الشؤون العربية في القناة الأولى، عوديد غرانوت، هو الآخر تصريحات و”تقديرات” مرزان ليكرر في البرنامج الأسبوعي للقناة الأولى، أن التجمع الوطني الديمقراطي كان الحزب الوحيد من أحزاب الداخل الفلسطيني في رفض إرجاء الزيارة للمسجد الأقصى مع أن هذا لم يكن سراً (راجع ما نشرناه في “العربي الجديد” الجمعة بهذا الخصوص)، مضيفاً في البرنامج أن رفض التجمع لإرجاء الزيارة جاء عندما قبلت الحركة الإسلامية بذلك.

لكن هذا الانفلات في التحريض الإعلامي ضد الحركة الوطنية في الداخل الفلسطيني وضد المفكر العربي عزمي بشارة، لم يأت من فراغ ولا من جهد “أكاديمي” بقدر ما يتضح يوماً بعد يوم أنه متابعة وسعي لتكريس التحريض الذي قاده أخيراً نتنياهو في خطابه أمام الكنيست يوم الاثنين الماضي، وبالاسم ضد النائبة حنين زعبي، والنائب باسل غطاس، فيما سبقه أعضاء كنيست في مناسبات مختلفة بمطالبة حنين زعبي وتهديدها بالطرد من الوطن، وإتباعها بالمفكر بشارة الذي خرج للمنفى القسري عام 2007 بعد محاولات الاحتلال تلفيق تهم أمنية له لاعتقاله وكسر شوكة الحركة الوطنية.

وتشير موجة التحريض الجديدة في الوقت نفسه، إلى أن إسرائيل معنية رغم “انفلات” مؤقت ومحسوب لنتنياهو ضد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، إلى محاولة نقل اتهاماتها بالمسؤولية عن انتفاضة القدس ليس فقط عن الاحتلال، بل وحتى عن السلطة الفلسطينية والتركيز على حركة “حماس”، والحركة الإسلامية، وحزب التجمع الوطني الديمقراطي، الذي اتهمه نتنياهو، بشكل فضح جهله بما يحدث في صفوف الداخل الفلسطيني، بأنه حزب شيوعي. وتركز المؤسسة الإسرائيلية في تحريضها الثابت ضد الحركة الوطنية في الداخل على أن التجمع، هو الحزب الذي أسسه وقاده المفكر العربي عزمي بشارة، ولا تخلو مشادة في الكنيست بين نواب التجمع الوطني الديمقراطي (جمال زحالقة وحنين زعبي وباسل غطاس) من تصريحات وتحريض دموي ضد بشارة .

نضال محمد وتد (العربي الجديد)

قد يهمك أيضاً

تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

تابعنا

الأحدث