الرئيسية » تحرر الكلام » أزمة وألم .. هل من أمل في الأفق؟

أزمة وألم .. هل من أمل في الأفق؟

ألا جازى الله كل الذين يستحقون المجازاة ممن أوصلوا مصر إلى هذا النفق غير المسبوق في تاريخها..

ومع التسليم الكامل بأن هناك من العسكر ومن السياسيين الذين ناصروهم مجرمين يستحقون توكيل الأمر إلى الله فيهم ليجزيهم على نهر الدماء الذي سال و ما يزال يسيل، إلا أن المرء ليعجب من مقدار الغباء الذي أوصل الملايين في قلب العروبة والإسلام “مصر” إلى هذا المصير البالغ المرارة.. فإن مرتكبي الجرائم يواجههم على النقيض تماماً مرتكبي أخطاء مصيرية بشعة بحسن نية ..

الصحابة الكرام، رضوان الله عليهم، تنازعوا على السلطة، وكان خلافهم قد وصل إلى حد الحرب بالسيوف، على النحو المعروف في التاريخ الإسلامي من فتنة عصم الله منها أيدينا ..ونسأله تعالى عصمة قلوبنا وألستنا وأقلامنا منها، ولكن الشاهد في الأمر ومنه إن السادة من جماعة الإخوان المسلمين، ممن نتمنى على الله أن يفرج كرب المخلصين منهم، ويبعد عن الصف غير المخلصين والمندسين بخاصة من المستفيدين من استمرار الوضع الحالي من تجار المحن والخبثاء ..السادة من الإخوان المسلمين من آسف أنساقوا إلى مخطط جهنمي للزج بهم بكامل طاقاته إلى معترك الرئاسة، وهو الأمر الذي قال به قبل المعمعة بسنة كاملة أحد أبرز مخلصي قادتهم، ففي منتصف عام 2011م قال البطل، حفظه الله وفك أسره، الدكتور محمد البلتاجي أشعر بأن أمراً ما يحاك على مستوى عالمي للإخوان للزج بهم في دوامة الرئاسة، ولله دره من رجل صدق قول الشاعر العربي القديم فيه:

لم أكن من جناتها شهد الله .. وإني بحرها اليوم صالٍ!

ما كان أجدر المخلصين من الإخوان المسلمين في مصر في الأول من أبريل 2012م أن يعلنوا على لسان رئيس حزب الحرية والعدالة آنذاك “ترفعهم” عن أمر الرئاسة ليظلوا رقم اثنين فقط في مصر، فإن هبطوا صاروا رقم ثلاثة .. وإن ارتقوا صاروا في مواضعهم .. أقدار الله نافذة .. ولكنهم حينها إن ارتقوا كانوا سيظلون في مواضعهم .. ولكن لله في خلقه شئون ..

أتابع مثلي مثل غيري الخلافات التي تطفو على سطح الجماعة اليوم بخاصة من قبل القيادات، وأعرف بصفة خاصة جزءً يخص عدداً محدوداً جداً منهم لا أحب البوح به، وإن كانت دهشتي لا تنقضي من عمق الفتنة والمحنة الحالية التي أفرزت تصرفات بالغة العجب والغرابة .. لم تخطر على ذهن مخلص من قبل، أتابع الخلافات المتبطنة أي التي لا يتم البوح، وما يظهر منها على السطح وأرى الأمر في نقطتين اثنتين:

أما الأولى: فإن المنهج الذي وضعه الإمام الشهيد حسن البنا، رحمه الله، لم يكن فيه من الأصل محاولة ثورة وإنما محاولة إصلاح للمجتمع من أدنى إلى أعلى من المنظومة المعروفة المتدرجة: “البيت .. الشارع .. الحي .. المدينة ” .. وبالتالي فمنذ عهد الإمام الشهيد وحتى يومنا لم تتم تدريب كوادر سياسية .. على أدنى نحو .. وبكثافة لخوض انتخابات على أعلى مستوى ثم حكم مصر، ودع عنك المحاولات التي بذلها الإمام نفسه لدخول البرلمان، ودخول عدد من الإخوان البرلمان .. فإنما هي محاولات لا يقاس عليها لمحدوديتها..

كان الأساس قبل النزول لمعترك الرئاسة وعقب محاولة الثورة .. أي في فبراير 2011م أن تكون هناك محاولة مخلصة من قبل قيادات الإخوان لاحتواء الموقف والوقوف وقفة مخلصة مع “المنهج” فإن ما وضعه الإمام الشهيد، مع الاحترام، ليس قرآناً لا يطرأ التعديل أو التغيير عليه، ولو أن الجماعة فعلت وألتزمت الحذر وغلبت إرادة الحفاظ على الأفراد قبل الجماعة اعتقد إنه كان يمكن تقليل الخسائر الحالية بقدر كبير .. ولكن الجميع من آسف شديد انساق مع الاحداث دون تدقيق ..

أما الأمر الثاني هنا .. فإنه لأسباب تخص عدم وجود كوادر لها دراية بالسياسة الفعلية وآلياتها فإن الجماعة لم تدرك الأخطار المحدقة بها أثناء عام حكمها، وحدث الإنقلاب ..فيما قبله بأيام قليلة يقول قيادي بارز من مثل الدكتور عصام العريان، إن الإنقلاب ليس له وجود إلا في عقل الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل، فك الله سجنهما وعجل فرجهما، لم تنتبه قيادات الجماعة للإنقلاب إلا قبيل حدوثه حقيقة على أرض الواقع ..

ومن آسف لعدم وجود نهج لمقاومة الإنقلاب تردت الأمور أكثر منذ 3 من يوليو 2013 وحتى اليوم، وأضاعت قيادات الإخوان فرصاً ذهبية لحلحلة الامور في مصر .. وكانت قلة الخبرة السياسية وانتشار خطاب المحنة وعلو سقف الآمال، بل آسف الاستماع والإمعان في الإنشغال بألاعيب مخابراتية يلقيها إليها الإنقلابيون لتملأ شاشاتهم المحدودة .. وتنشر عبر كلماتهم على صفحات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية .. والنتيجة لقاء تم في الخارجية الأمريكية بين عدد من قادة الإخوان للإجابة عن سؤال واحد:

ـ هل من تصور لديكم ..!

واعتقد إن الإجابة التي كانت بلا لم تتغير حتى اليوم ..

إن الأزمة ليست في طلب الصمت من كل الذين ينبرون لمحاولة تصحيح نهج الجماعة، والقول بكون رفيقاً بإخوانك، فإنه لما يموت قرابة عشرة آلاف شهيد، ويسجن أضعاف أضعاف هذا الرقم، ويصاب مثلهم، ويطارد ويهجر عن وطنه وعمله وماله ومن قبل أهله قرابة قرابة المليون، وتستمر معاناة ملايين أخرى بلا أمل، وتمر سنتان وأكثر من شهرين على فيض الألم هذا بلا أمل يلوح في الأفق.. كحل لهذه المأساة المكتملة الأركان التي تلف العالم العربي الإسلامي.. بل العالم كله بسبب اختناق مميت في أفق السياسة في مصر .. وتنتشر أقوال من مثل صفرية المعركة، وضرورة القصاص التام بلا ىليات لتحقيق ذلك من الأساس.. وفي النهاية لا يملك الصف كله آلية مجرد زحزحة الموقف . .فإن الأمر يزداد مأساوية .. ويبشر بنهاية مفزعة، اللهم إن لم تتدارك الرحمة والاستبصار القادة الذين شاركوا في المأساة وما يزالون ليتنحوا عن المشهد .. ليستطيع آخرون التصرف لوقف المأساة الحقيقية الجارية على أرض بلد يكاد يتم شقه نصفين ..والمسئولين في الطرف الآخر من الإخوان يطاردون الأحلام ..

إن الأزمة الحقيقية ليست سياسية ولا غير هذا ..بل أزمة رؤية مفتقدة من الأساس .. ومسيرة خلفتْ مئات الآلاف من الضحايا دون خطة واضحة سوى انتظار نصر إلهي.. يستحقه الصف لكن لما يعمل عقله .. ويتجرد من حكم الاهواء والعاطفة ..

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.