تقنيات المعلومات المتقدمة كشفت عن الحياة في اليمن

وطن _ أحدثت تقنيات المعلومات المتقدمة ثورةً في الطريقة التي يعمل بها العالم وكيفية إدراك الناس لتلك الثورة. هناك كميات هائلة من المعلومات معروفة باسم “البيانات الكبيرة” يتم تجميعها وتداولها بشكل يومي؛ حيث تسجل مجموعة من السلوكيات البشرية والتفاعلات على مستوى غير مسبوق من التفاصيل. وتعد سجلات المكالمات أحد أشكال تلك البيانات، والتي تسمح للباحثين بتعقب حجم حركة الاتصالات وتوقيتها ومكان المكالمات، بينما تحافظ على عدم ذكر أسماء المشتركين وخصوصية المحتوى. وإلى جانب القدرات المتزايدة لأجهزة الكومبيوتر، فإن تلك البيانات ألقت الضوء على كثير من الأسئلة الهامة في دول العالم المتقدمة في مجالات تشمل التسويق والرعاية الصحية والتخطيط العمراني والسياسات البيئية.

يمكن أن تساعدنا  تقنيات المعلومات المتقدمة   في فهم المناطق العنيفة في العالم النامي التي لا يمكن الوصول إليها إلى حد كبير. في الوقت الذي لا يزال فيه اليمن شديد التقلب، على سبيل المثال، البيانات التعريفية لهواتف الجوال ليمنيين مجهولين من 2010 حتى 2013 والتي تشتمل على أكثر من عشرة ملايين من المستخدمين وعدة ملايين من المكالمات توضح لنا أنماط الحياة اليومية في اليمن، وكذلك الاحتفالات والممارسات الدينية والمشاركة في السياسات وردود الفعل على أعمال العنف.

وعلى الرغم من أن نسبة اليمنيين الذين بإمكانهم استخدام الإنترنت تبلغ 20% فقط؛ إلّا أنّ ما يقرب من 80% منهم، حوالي 21.3 مليونًا من عدد السكان الذي يقدّر بحوالي 26.7 مليون نسمة، يستخدمون الهواتف المحمولة، وكما هو مبين في الخريطة الحرارية، تتركز معظم أنشطة المكالمات في قلب العاصمة صنعاء، المكتظة بالسكان ومدن عدن والحديدة والمكلا وتعز (اللون الأزرق للمناطق ذات الكثافة السكانية الأعلى)، وهناك أيضًا نشاط كبير في غرب البلاد، الأمر الذي لا يثير الدهشة؛ لأنّ الشرق به مساحات شاسعة من الصحراء غير مأهولة بالسكّان.

عمانتل تختبر بنجاح شبكة 5G المحسنة .. هكذا سيستفيد منها العُمانيون

نظرة على متوسط استخدام الجوال أثناء أيام الأسبوع تشير بوضوح أنّ اليمنيين يبدؤون في إجراء المكالمات مباشرة بعد الصلاة الأولى في اليوم (صلاة الفجر)، وتزداد أنشطة الاتصال في ساعات الصباح حتى وقت الغداء تقريبًا، في الوقت الذي تذهب فيه الغالبية العظمى من اليمنيين إلى السوق لشراء القات، وهو عشب أخضر يشتهر بخصائص منشط آمفيتامين، (تشير التقديرات إلى أن أكثر من 90% من الرجال اليمنيين يتناولون القات بانتظام)، ويقل حجم المكالمات أثناء جلسات تناول القات اليومية، والتي تستمر من ثلاث إلى أربع ساعات بعد الغداء، يتبعها بعد ذلك ارتفاع في المكالمات بين السادسة والتاسعة مساءً. وتبدأ عطلة نهاية الأسبوع في اليمن يوم الجمعة، وتشهد تغيّرًا كبيرًا في أنماط المكالمات على مدار أيام الأسبوع مباشرة بعد الظهيرة، أثناء صلاة الجمعة، وهذه هي الجلسة الأكثر حضورًا في الأسبوع وتشتمل على خطبة يلقيها إمام ديني تتبعها صلاة جماعية.

لا يلتقط استخدام الهاتف المحمول السلوكيات اليومية فقط، لكنه يلتقط أيضًا السلوكيات أثناء الأعياد الدينية مثل شهر رمضان المبارك، وهو فترة من التنقية والتأمل الذاتي للمسلمين حول العالم، واليمنيون المتدينون يمتنعون عن جميع أشكال الطعام والشراب منذ شروق الشمس حتى غروبها، ويتم الإفطار كل يوم عند الغروب بتناول الوجبات سواء مع الأسرة أو في اللقاءات الجماعية، وتتبع وجبة المساء (الإفطار) جلسات السمر الاجتماعية حتى وجبة الصباح الباكر (السحور) قبل صلاة الفجر، والتي تشير إلى بداية يوم جديد من الصيام. كما يتم اقتطاع ساعات العمل خلال شهر رمضان ويميل الناس إلى السهر في الليل والنوم في أثناء النهار، وينعكس هذا التقلب في أنشطة الليل والنهار على نشاط المكالمات مع وجود تراجع ملحوظ في المكالمات أثناء وجبة الإفطار عند غروب الشمس تليها زيادة لاحقة في المكالمات في الليل.

شهد اليمن مجموعة كبيرة من حوادث العنف والاضطرابات السياسية التي عصفت بالبلاد في السنوات الأخيرة، بدءًا من هجمات تنظيم القاعدة حتى إسقاط طائرات بدون طيار وثورات الربيع العربي والآن الحملة الجوية السعودية. يمكن لأنماط المكالمات التقاط الأنشطة السياسية أو العنيفة عند حدوثها مباشرة، على سبيل المثال، كانت هناك زيادة كبيرة في عدد المكالمات المحلية في أعقاب هجوم ليلي شنّته طائرة بدون طيار يوم الجمعة 14 أكتوبر عام 2011، في محافظة شبوة، وقد أسفر هذا الهجوم عن مصرع إبراهيم البنا، رئيس قطاع الإعلام في تنظيم القاعدة بشبه جزيرة العرب، وثمانية آخرين. ويمكن الكشف عن عدة غارات إضافية لطائرات بدون طيار من خلال الطفرات الكبيرة في حجم المكالمات المحلية في وقت الهجوم، بما في ذلك هجوم في يوم 5 مايو عام 2011، في الجهوة أسفر عن مصرع شقيقين تابعين لتنظيم القاعدة، وفي 10 مايو عام 2012، وقع هجوم آخر أسفر عن مقتل ثمانية من مسلحي تنظيم القاعدة في جعار، وهجوم آخر في 25 مايو عام 2010 في وادي عبيدة أسفر عن مصرع اثنين من المسلحين وحوالي من أربعة إلى ستة مدنيين.

ونظرًا لأنّ تقنيات المعلومات المتقدمة وسجلات بيانات المكالمات يتم تحديد موقعها جغرافيًا؛ يمكن للباحثين أيضًا دراستها لتقييم تنقل المستخدمين. وهذا يمكن أن يكون أداة مفيدة للغابة لتحديد الاحتجاجات والفعاليات الأخرى التي يوجد بها حشد ملحوظ. في يوم الجمعة 3 يونيو عام 2011، على سبيل المثال، وهو اليوم الذي تعرض فيه الرئيس علي عبد الله صالح لهجوم في القصر الرئاسي بالتوازي مع الربيع اليمني، ازداد عدد الأشخاص بالقرب من القصر في وقت الحادث، وتم التقاط فعاليات احتجاجية أخرى مرتبطة بالربيع العربي اليمني عن طريق مستويات عالية من تنقل المستخدمين، بما في ذلك سلسلة احتجاجات يوم الجمعة في عام 2011، عندما تجمع المحتجون في ميدان جامعة صنعاء وتجمع مؤيدو النظام في ميدان التحرير بصنعاء.

كما تعكس سجلات المكالمات في السنوات الأخيرة علاقات اليمن مع جيرانها المهمين مثل السعودية وإيران. علاقة اليمن بالسعودية علاقة وثيقة وطويلة الأمد، وبعيدًا عن تقاسم الحدود واللغة، يعيش عمال يمنيون مهاجرون تقدر نسبتهم بحوالي مليون شخص في السعودية ويرسلون إلى بلدهم حوالي 1.4 مليون دولار من التحويلات سنويًا. لا توجد مثل هذه العلاقات مع إيران؛ ولذا فليس من المستغرب أنه كما هو مبين في الرسم البياني، أن عدد المكالمات الهاتفية بين اليمن والسعودية وعدد الأشخاص الذين يقومون بمثل تلك المكالمات يزيد بشكل كبير عن عدد المكالمات بين اليمن وإيران.

ومنذ ما يقرب من ثلاثة أشهر من بدء الحملة الجوية التي تقودها السعودية في اليمن، زعم الحوثيون -جماعة شيعية فرضت نفوذها من محافظة صعدة الشمالية في سبتمبر من هذا العام على مساحات شاسعة من البلاد وأجبروا الرئيس عبد ربه منصور هادي على الخروج إلى منفاه بالسعودية- أنهم يقاتلون الحكومة الفاسدة وتزايد تطرف المسلمين السُنة في اليمن. وفي الوقت نفسه، تصوّر الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية الحوثيين على أنهم وكلاء لإيران وتطالب بانسحابهم من المدن اليمنية الكبرى التي يسيطرون عليها.

ولا تظهر سجلات المكالمات من مدينة صعدة الشمالية معقل الحوثيين على مدار ثلاث سنوات قبل التوسع الحوثي في أرجاء اليمن، أية اتصالات قوية مع إيران، في حدود أقل من 500 مكالمة من وإلى إيران في تلك الفترة بالمقارنة بحوالي 5 ملايين مكالمة من وإلى السعودية.

في الواقع، كما هو مبين في الخريطة الحرارية، فإنّ معظم المكالمات من وإلى إيران حدثت في أكبر المدن اليمنية كصنعاء وتعز وعدن وتبدو ضئيلة جدًا بالمقارنة مع الاتصالات من وإلى السعودية.

تبين هذه الرسوم البيانية أن الدين هو محور الحياة اليومية بالنسبة لليمنيين وأن لطقوس تناول القات تأثيرًا ملحوظًا على كثير من الناس، وتشير أيضًا إلى أن اليمنيين مهتمون بالسياسة؛ نظرًا للحشد الهائل أثناء ثورات الربيع العربي ويردون على هجمات الطائرات بدون طيار في وقتها. وعلى الرغم من تورط إيران المزعوم في الصراع الحالي، لكنّ سجلات المكالمات تشير إلى أن السعودية لا تزال تلعب دورًا كبيرًا في حياة اليمنيين.

ومن خلال هذه البيانات عالية الدقة، تزداد فرص تحسين السياسة الاجتماعية والاقتصادية وحتى العسكرية؛ فعلى سبيل المثال، توفر معرفة التوقيت والجغرافيا وشراهة تناول القات الأساس التجريبي لصانعي السياسات المهتمين بالشأن اليمني للبدء في تقليص تلك الممارسات التي تشكل عبئًا اقتصاديًا. وتوفر نفس البيانات نظرة ثاقبة عن التأثير المحلي لغارات الطائرات بدون طيار، بما في ذلك مسار ومدى الهجوم.

سيكون من الصعب جمع معلومات موثوقة بشأن قضايا حساسة مثل تلك القضايا باستخدام الاستطلاعات والتقارير الإعلامية حتى في بيئة متساهلة سياسيًا. في بلد مثل اليمن، حيث الفقر والحروب، التحدي كبير للغاية، ومن خلال البيانات الكبيرة وخاصة سجلات الهاتف الجوال، أصبح لدينا القدرة على التغلب على تلك الحواجز المعلوماتية وتحسين فهمنا إلى حد كبير لأكثر مناطق العالم اضطرابًا.

فورين أفيرز – التقرير

الجارديان: هكذا شلت الغارات السعودية الحياة المدنية في اليمن

قد يهمك أيضاً

تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

تابعنا

الأحدث