رسالة من المنفى في الميزان

وطن _ رسالة من المنفى في الميزان الأديب العراقي عمرو بن بحر

 

ولهذه الاسباب أنت أشعر الجميع هذا الأسبوع…واسلم لاخيك عمرو)

قال الأديب عمر بن بحر في موقع \”كتاب من أجل الحرية\” العراقي: \”لا استطيع ان أقول شيئا بحقك يا أستاذ كعوش..فانت غني عن مدحي، غني عن ثنائي..وليس ثمة كلمة أستطيع قولها غير: بارك الله فيك\”.
ثم عاد وقال: \”هذا أسبوع القصائد الرائعة حقا…
والحق أقول ان هنالك خمس قصائد تفوقت على ما عداها من نصوص..واني لاقدم قصيدتك هذه على كل ما قرات لتكون هي الاولى حيث لم اجد فيها ما ينتقص من شأنها لا فنا ولا موضوعا ولا صدقا …
ففي الوقت الذي اختصرت فيه اختنا الفاضلة غربتها في صورة الحبيب الغائب نجدك تستحضر قريتك كلها وعالمك البعيد حتى مرقد عنزتك..
وفي الوقت الذي لم ترقّ فيه بعض القصائد الى ما فوق الخاطرة الادبية الجميلة وجدناك شاعرا..
وفي الوقت الذي ابتدأت فيه احدى اخواتنا قصيدتها بالتقعر وفذلكة الكلام وجدناك ثابت الخطى تدخل الى القصيدة بثقة وايمان..
وفي الوقت الذي يقول فيه احد شعرائنا قصيدته مدفوعا بدافع سياسي (وان كان شاعرا حقيقيا ) نجدك منزها عن الهوى والغرض
ولهذه الاسباب انت اشعر الجميع هذا الاسبوع واسلم لاخيك\”.

وفي نقد وتقييم شاملين للقصيدة قال بن بحر : يقف الشاعر بين عالمين، عالم الواقع وعالم الحلم، عالم يعيش فيه وهو الغربة، وعالم يحن اليه وهو الوطن..ففي الغربه يكون الليل طويلا مظلما كئيبا..وتكون حتى الجدران والزوايا باردة ينبعث منها الصقيع والقشعريرة ..اما الوطن ففيه الدفء وفيه الاهل والاصدقاء وفيه القبيلة…في الوطن كل شيء له ذكرى في حياة الشاعر حتى مرقد عنزته ومكان جلوسها ومربطها…اما في الاغتراب فليس اكثر من رقم يسعي بين الارقام..وليس اكثر من فرد يسير بين افراد لا يعرف احدهم الاخر..واذا كانت ايام الغربة طويلة فان الليل اطول من النهار والشتاء اكثر وحشة، وليس من عزاء للشاعر عن هذا الا في استعادة الذكريات واستحضار صورة المكان والزمان الذي طالما احبه:
كنتُ قبلَ الآنَ هناكْ
كنتُ هناكَ
في رُبًى بلدتي
معْ أهلِ قريتي
وفوقَ ثَرى ضيعتي
حيثُ مَجْدي ومُنْيَتي
ومَجْدُ أمجادِ عِزتي
وحين يستمرئ هذه الذكريات يدخل الى تفاصيل اكثر والى جزئيات اصغر فيقول :
كنتُ هناكَ
في ميرونتي
حيثُ دانتي…ودُرتي
وبني جِلْدَتي
وحيثُ هويتي
ومَرْقَدُ عَنْزَتي
وَوُجْهَةُ قِبْلَتي
وعندما تنتهي هذه الدفقة الشعرية اللاشعوريه من وجدانه وتاتي لحظة الوعي يشرح لنا الشاعر اسباب حنينه الى ذلك الماضي البعيد واسباب بكائه من حاضره والواقع الذي يعيش فيه قائلاً :
كنتُ قَبْلَ الآنَ هناكْ
أُعللُ النفسَ بالرجاءْ
وأنشدُ العَلاءْ
ودربيَ الطويلِ
يُعانقُ الصدى …يُعانِقُ الأصيلْ
بشوقِ العليلْ
لا صَوْتَ غَيْرَ شَدْوِ الحبيبِ
البعيدِ…القريبِ الجميلْ
ولكن حين يدرك سطوة الواقع وجبروته، وانه لا سبيل الى ان يبدا حياة اخرى، ولا وسيلة الى ان يعيش كما عاش سابقا..وانه لا اهل، ولا عشيرة، ولا قرية، ولا هواء ولا سماء كهواء ارضه وسمائها، فانه يسلم بهذا ويعلننا استسلامه فيقول:
وها أنا الآنَ هنا
لَمْ أعُدْ هناكْ
إني هنا
اَحْتَضِنُ الوسادةْ
وَألزمُ السريرَ بلا سَعَادةْ
في عالمٍ غيرَ عالمي
في بيتيَ الكبيرِ…الكبيرْ
يا ليتهُ صغيرٌ صغيرْ
وعندما استرسل الشاعر في الشرح والتفصيل جاءت القطعة التالية كصدى للقطعة السابقه..وكأنه كررها ليس إلا :
لا خَيار ولا اختيارْ
لا بُدَّ أنْ أحْتَضِنَ الوسادةَ
وَألزمَ السريرْ
وألتَهِمَ الترابَ
وأَلْثُمَ الحجرْ
وفي كِياني يَعْصِفُ الضَّمِيرُ
في خِضَمِ الضَجَةِ والضجيجْ
حيتُ يهمسُ ويهمسُ
ثمَ يَعلو صادحاً صَوْتُ المصيرِ
واخيرا وعندما بدأ يثور على غربته واغترابه، بدأ بلعن هذا العالم وسبه خالعا عليه كل اسباب القبح ونازعا عنه كل صفات الرحمه..فقال انه عالم الكروش، وعالم الفحش وعالم النقر بالدفوف..وانه عالم لا يعرف الحبيب ولا النجيب..
وبالتاكيد لسنا نعلم الى ما تنتهي اليه ثورة الشاعر على هذا العالم الغريب العجيب كما سماه..ولكني اعلم أن القصيدة كانت حقا رائعة وتستحق التقدير.
عمرو بن بحر – العراق

نص القصيدة
***********
رسالة من المنفى في الميزان
**************
صرخة ألم من غريب في بلد عجيب !!
\”إلى روحيهما الطاهرتين…أمي وأبي رحمهما الله\”

(1)
لا لا
أنا لَسْتُ هناكَ
لا…لَسْتُ هناكْ
لَمْ أعُدْ هناكْ
كُنْتُ هُناكْ
لَكِنَني الآنَ هُنا
هنا…في عالمٍ مقيتٍ
كئيبٍ حزينْ
لا رِقَةَ فيهِ ولا رأفَةَ
ولا حنينْ
**
في عالمٍ غارقٍ في الهمومِ
والوجومِ والسأمْ
يخنقه الضجرُ
مِلْؤهُ الْمَلَلْ
لا هَدَفٌ فيهِ ولا أملْ
ولا مبتدأٌ أو خَبَرْ
يضجُّ بالصراخِ
والعويلِ
والألمْ
يَزْخَرُ بالأنينْ

(2)
إنيَ الآنَ هنا
في عالمِ السرابْ
والغُرْبَةِ والغُرابْ
ألتهمُ الترابَ
وألثمُ الحَجَرْ
أطيلُ السَهَرْ
والعَزْفَ على الوترْ
وأمْدَحُ الْقَمَرْ
وأغفو على وَخْز الأبَرْ
**
والليلُ في غُرْبَتي طويلٌ
ثقيلٌ
يأكلُ النهارْ
يَمْلأهُ ظُلْمَةً وظَلامْ
يُفْقِدَهُ الوقارْ
يَلْعَنَهُ…وَيَلْعَنَهُ
يَلْعَنُ حتى ذَرَةَ التُرابِ
ويلعنُ الحجرْ
والشجرً والبشرْ

(3)
كنتُ قبلَ الآنَ هناكْ
كنتُ هناكَ
في رُبًى بلدتي
معْ أهلِ قريتي
وفوقَ ثَرى ضيعتي
حيثُ مَجْدي ومُنْيَتي
ومَجْدُ أمجادِ عِزتي
**
كنتُ هناكَ
في ميرونتي
حيثُ دانتي…ودُرتي
وبني جِلْدَتي
وحيثُ هويتي
ومَرْقَدُ عَنْزَتي
وَوُجْهَةُ قِبْلَتي

(4)
كنتُ قبلَ الآنَ هناكْ
أُعللُ النفسَ بالآمالِ
وألتمسُ الشفاءْ
وأنشدُ الهناءْ
وأعِفُ عَنْ ذرفِ الدموعِ
ونزفِ الآلمْ
وزرعِ النحيبِ
والصراخِ والعويلْ
**
كنتُ قَبْلَ الآنَ هناكْ
أُعللُ النفسَ بالرجاءْ
وأنشدُ العَلاءْ
ودربيَ الطويلِ
يُعانقُ الصدى …يُعانِقُ الأصيلْ
بشوقِ العليلْ
لا صَوْتَ غَيْرَ شَدْوِ الحبيبِ
البعيدِ…القريبِ الجميلْ

(5)
وها أنا الآنَ هنا
لَمْ أعُدْ هناكْ
إني هنا
اَحْتَضِنُ الوسادةْ
وَألزمُ السريرَ بلا سَعَادةْ
في عالمٍ غيرَ عالمي
في بيتيَ الكبيرِ…الكبيرْ
يا ليتهُ صغيرٌ صغيرْ
**
لا خَيار ولا اختيارْ
لا بُدَّ أنْ أحْتَضِنَ الوسادةَ
وَألزمَ السريرْ
وألتَهِمَ الترابَ
وأَلْثُمَ الحجرْ
وفي كِياني يَعْصِفُ الضَّمِيرُ
في خِضَمِ الضَجَةِ والضجيجْ
حيتُ يهمسُ ويهمسُ
ثمَ يَعلو صادحاً صَوْتُ المصيرِ

(6)
ها أنا الآنَ هنا يا عالم الكروشْ
يا عالمَ الطغاةِ في دنيا الفحوشْ
ويا صخب النقر على الدفوفِ
في وادي الوحوشْ
**
إنيَ الآنَ هنا….حيث أنا هنا
لكني لا لا وألفُ مِلْيونَ لا
ولا
لَنْ أَلْتَهمَ الترابَ بَعْدَ اليومِ
لا…ولَنْ أَلْثُمَ الحجرْ
**
في عالمٍ خبيثٍ مُريبٍ
غريبٍ عجيبْ
يَسْتَخِفُ بالعاقلِ
وَيَقْتَصُ مِنَ الأديبِ والنجيبِ
وَيَخْذُلُ الحبيبْ

رسالة من المنفى في الميزان

شعر: محمود كعوش

قانا في البال بقلم: محمود كعوش

قد يهمك أيضاً

تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

تابعنا

الأحدث