رجل غني، رجل فقير والقاضي – قصّة أخلاقية

وطن – عاش فيما مضى رجل فقير يدعى أحمد؛ عمل بنشاط وجدّ للحصول على لقمة العيش، وكان راضيًا وقانعا وممنونا عمّا كان يجني. كان له جار ثري اسمه فريد وكان بخيلا بقدر ثرائه. لم يسعد قط عندما كان يرى الآخرين ولا سيما جاره الفقير أحمد سُعداء. دأب فريد دائما على تنغيص حياة أحمد.

ذات يوم، أقام فريد وليمة في بيته، أمر خدّامه بطهي طعام فاخر. نكهةُ ما أعدّ مما لذّ وطاب فاحت وساقتها الريح  إلى كل الجوار. لم يأبه فريد بالطبع بدعوة جاره الفقير أحمد بل كان يتلصلص من شرفته على ساحة داره.  أصيب فريد بالقنوط والحيرة لما رأى أحمد الفقير جالسا يتمتع بشذا ما يصله من مطبخه. كاد قلب فريد يتوقّف عن النبض مصدوما.

ماذا، فكّر ’’كيف يجرؤ ذلك المعوز على استنشاق نكهة مطبخي؟ إنه مطبخي! نكهة الطعام الذي طهي بمالي! يا له من وغد! كيف يجرؤ؟ سأجعله يدفع ثمن ذلك! سأقدّمه للقاضي طالبا العدالة‘‘!

سار فريد إلى بيت أحمد وهو يغلي غيظا وبدون أية تحية صرخ على جاره: ’’إنك لصّ، حرامي، وغد! كيف تجرؤ على اختلاس مما في ؟’‘

أحمد المسكين لم يع، بأية سرقة يتّهمه فريد. وبدون أي توضيح جرّ فريد جاره إلى القاضي. انتشر الخبر كانتشار النار في الهشيم وتجمّع جمهور غفير ليرى ماذا سيكون الحُكم. وقف فريد أمام القاضي وعرض قضيته بصوت عالٍ ورنان.

’’يا سيادة القاضي، إن هذا الرجُل وبكل وقاحة كان يجلس في ساحة بيته الخلفية وبدون أدنى جهد يتمتّع بنكهة الطعام الزكية المنبعثة من مطبخي. إنّي أطالبه بدفع مبلغ من المال مقابل تمتّعه ذلك على حسابي. يا سيدي، كنتَ دومًا عادلا وإنّي على يقين بأنك ستحكم بالعدل في هذه القضية‘‘.

القاضي كان حقّا محترما، بارعا، وعادلا. إنه أصغى بهدوء – الصدمة التي ارتسمت على وجهه تحوّلت رويدا رويدا إلى طرفة عين. الآن التفت إلى أحمد وسأله: ’’هل هذه التهمة صحيحة؟ هل تمتّعت على حسابه‘‘؟ ”نعم  أيها القاضي، ما كان في اليد من حيلة’‘.

’’يا أحمد عليك أن تدفع لفريد مقابلَ ما تمتّعت به. قرّرت المحكمة أن تحضرا إلى هنا غدا في نفس الوقت؛ بمشيئة الله سنقيم العدل‘‘.

ألقى فريد على أحمدَ نظرةَ ازدراء وخرج وابتسامة النصر على شفتيه. أحمد المسكين كان مرتبكا، وعندما همّ بالانصراف اقتاده القاضي إلى ركن ما وهمس شيئا ما في أذنه. استنار وجه أحمد وأسرع قافلا إلى منزله.

قاض مصري يستقيل ويوجه رسالة إلى وزير “اللاعدل” أحمد الزند: أفوض أمري إلى الله

في اليوم التالي كانت قاعة المحكمة تغصّ بالناس. كل سكّان المدينة الذين يعرفون خصال فريد الدنية وطبيعة أحمد البريئة كانوا متلهفين لمعرفة حلّ المشكلة. وقف الجاران أمام القاضي. أحمد حمل صندوقا كبيرا. توهّج وجه فريد عند رؤيته صندوق نقود أحمد. هذا هو كل ما لديّ من مال يا سيادة القاضي! ’’حسنا، هُزّ الآن الصندوق ليعلم جميعنا يقينا أن فيه نقودا‘‘، أمر القاضي. هزّ أحمد صندوق النقود بحيوية وسمعت جلبة مجلجلة.

التفت القاضي إلى فريد:’’آه، يا فريد أليس الصوت بهيجا‘‘؟ ’’نعم، نعم، يا سيادة القاضي‘‘، ردّ فريد.

أمر القاضي أحمد بهزّ الصندوق ثانية ففعل. ثم سأل القاضي فريدا: ’’ألا تشعر بالسعادة لسماعك صوت هذه النقود الكثيرة‘‘؟ لمعت عينا فريد وهتف ’’أجل،  يا سعادة القاضي، إن صوت تلك النقود تغمرني بالمتعة القصوى‘‘، وحالا همّ بانتزاع صندوق المال من أحمد.

’’إياك أن تلمسه‘‘!  قالها القاضي ’’أحمد قد سدّد الدين بالكامل. بالضبط كما أن نكهة طعامك قد أسعدته هكذا صوت نقوده أدخل البهجة إلى قلبك. دُفع لك بنفس العملة، أقيم العدل‘‘.

دوّى التصفيق الحادّ في قاعة المحكمة تقديرا على حصافة القاضي المتقدة. تابع القاضي بصوته الشرس ’’على فريد أن يدفع لأحمدَ مائة قطعة نقد ذهبية عقابًا على مضايقته لجاره وتعكير صفو سلام منزله‘‘.

عاد أحمد إلى البيت سعيدا ورجع فريد إلى داره بحكمة أكبر.

قد يهمك أيضاً

تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

تابعنا

الأحدث