الرئيسية » أرشيف - تقارير » مذبحة البراميل المتفجرة: تجربة طبيب ميداني سوري

مذبحة البراميل المتفجرة: تجربة طبيب ميداني سوري

وطن- كان مروان على طاولة العمليات عندما انطفأت الأضواء. أشعلت كشاف الرأس الذي أرتديه تحسبًا لمثل هذه الحالات، إلا أنه كان يومض مشيرًا إلى انخفاض شحن بطاريته.

سحبت الممرضة إلى يساري هاتفها الجوال من جيبها، وهو ما خلق الضوء الوحيد المتوفر في هذا القبو حالك السواد. وجاء الآخرون في الغرفة مع هواتفهم بعدها، وسطعت الأجهزة منتجةً من الضوء ما كان كافيًا بالنسبة لي لإنهاء إصلاح جسم الصبي الصغير.

وكان مروان قد وصل إلى المستشفى الميداني الذي أعمل فيه، والذي تم بناؤه تحت الأرض لتجنب القصف، بعد أن فقد والدته وأخته وساقيه في انفجار برميل متفجر أواخر العام الماضي. وخلال تعافيه بعد الجراحة، سألني مروان بصوت خجول: “هل سأتمكن من الذهاب إلى المدرسة بعد الآن؟”.

وفي حادث آخر، بعد أسبوعين، عملنا بجد للمساعدة في علاج رجل أصيب بكسر حاد في الساق. ولقد حملناه مع اثنين من المرضى الآخرين إلى سيارة إسعاف لنقلهم في رحلة لمدة 90 دقيقة إلى الحدود التركية؛ حيث يمكنهم الحصول على رعاية أفضل وفي ظروف أكثر أمنًا.

“الديلي تليجراف”: إذا أردتم كسر رأس الأسد عليكم بهذا الإجراء فقط وسيرضخ سريعا

وبمجرد انطلاقهم، سقط برميل متفجر آخر بجوار سيارة الإسعاف، وكان المسعف هو الناجي الوحيد.

وبعد أربع سنوات من الحرب في سوريا، باتت مثل هذه القصص شائعة جدًا. أنا طبيب جراح أعمل في حلب، وهي مدينة في شمال غرب البلاد ما زالت المعارضة المسلحة تسيطر عليها جزئيًا، على الرغم من أنها معرضة لضغوط متزايدة من قبل القوات الحكومية السورية. ولقد شهدت وقوع هجمات لا حصر لها مثل هذا الهجوم، التي لا زالت تؤثر على مرضاي، ومدينتي ووطني القابع في حالة خراب.

وتقدر الأمم المتحدة أن نحو 220 ألفًا من زملائي السوريين لقوا حتفهم خلال هذا النزاع. وأعتقد أن العدد الحقيقي للقتلى قد يكون ضعفي ذلك. فبعد ضرب البرميل المتفجر، يكون إحصاء عدد الضحايا بشكل دقيق أمرًا مستحيلًا تقريبًا، ويكون العديد من الجثث قد أصبحت تحت الأنقاض، ولا يمكن إخراجها.

ولا يشمل رقم الأمم المتحدة أيضًا مئات الآلاف من السوريين الذين “اختفوا”. والبعض منهم قد يكون في السجن، ولكننا نتوقع بأن الكثير منهم قتلوا. وقد قالت لنا الحكومة إن أحد أقاربي، وهو صيدلي، قد مات. إلا أن عائلته لم تتلق جثته.

وبينما يتركز انتباه العالم على الفظائع التي ترتكبها الدولة الإسلامية في أجزاء أخرى من بلدي، يشكل الإرهاب اليومي للبراميل المتفجرة التهديد الأكبر بالنسبة لنا. ونفي الرئيس السوري بشار الأسد استخدام نظامه لهذه الأسلحة هو حلقة جوفاء، لأننا نعيش في إعصار من البراميل المتفجرة التي يتم إسقاطها من قبل قواته.

وهذه البراميل هي عبارة عن براميل نفط قديمة، مملوءة بما يصل إلى نصف طن من المتفجرات والمسامير والبنزين وحتى الكلور أو المواد الكيميائية الأخرى. تسقط من علو مرتفع فوق المناطق المكتظة بالسكان، وهي لا ترحم وعشوائية في تدميرها.

وتكتيك النظام المفضل هو إسقاط عدة براميل تباعًا من أجل قتل أو تشويه السوريين العاديين الذين جاؤوا لمساعدة ضحايا الهجوم الأول. والمحظوظون، مثلي، الذين تجنبوا الموت حتى الآن، معرضون للإرهاب اليومي والخوف من وابل البراميل المنقولة عبر الهليكوبتر.

ولم يحالف الحظ العديد من زملائي. وقد وثقت منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان نحو 233 من الهجمات على المرافق الطبية، وأكثر من 97 % من الـ 600 مهني صحي الذين قتلوا لقوا حتفهم في هجمات تقودها الحكومة.

وقد وثقت هيومن رايتس ووتش أكثر من 1000 من المواقع التي تعرضت لهجمات بالبراميل المتفجرة في حلب في العام التالي لإصدار مجلس الأمن القرار 2139، والذي دعا إلى وضع حد لاستخدام هذه الأسلحة في المناطق المأهولة بالسكان. وكان مجلس الأمن، بما في ذلك الولايات المتحدة، قد تعهد باتخاذ “خطوات أخرى” إذا لم يحدث ذلك.

ورغم ذلك، مازالت المروحيات تأتي لتتسبب بالذعر في كل مرة. وتستمر البراميل المتفجرة بالهطول على بيوتنا، وعلى مدارسنا، وعلى مستشفياتنا، وغالبًا بمعدل يصل إلى 50 برميلًا في اليوم الواحد.

لماذا علي البقاء هنا؟ لأنه سيكون من الغريب ألا أفعل ذلك. هذه بلدي، والناس يقتلون كل يوم، وهذا واجبي.

وقد حققت الحكومة مؤخرًا بعض التقدم في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة حول حلب، وهو ما يرفع من شبح الحصار الذي سيكون له عواقب مدمرة. إذا ما حدث ذلك؛ سيتم قطع وصول المساعدات الإنسانية والطبية الصغيرة عنا.

ومن شأن تجدد اعتداء الحكومة على المدينة أن يضع عشرات آخرون من مثل مروان على طاولة العمليات الخاصة بي، وسوف يمنعنا من الحصول على المعدات التي نحتاج إليها لإنقاذ حياتهم.

أنا طبيب ومنقذ إنساني، ولست رجلًا عسكريًا، ولا أستطيع أن أقول كيف ينبغي للمجتمع الدولي حماية المدنيين. كل ما أعرفه فقط هو أن القصف يجب أن يتوقف بجميع الوسائل اللازمة، وأن المجزرة يجب أن تنتهي، وأن المدنيين بحاجة إلى منطقة محمية يشعرون بالأمان فيها للمضي في حياتهم اليومية. ويجب محاسبة الحكومة السورية على جرائم الحرب التي ترتكبها يوميًا باستخدام البراميل لقتل المدنيين، واستهداف المستشفيات والمدارس.

يجب على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي أن ينظرا إلى ما وراء معالجة مشكلة الدولة الإسلامية وحدها، أو مجرد تقديم المساعدة الإنسانية. وفي الوقت الذي نعمل فيه نحو حل سياسي للصراع، يحتاج المدنيون الآن إلى حماية، وهذا يتطلب قيادة أمريكية جادة.

طبيب سوري مجهول – نيويورك تايمز (التقرير)

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.