وطن- أجرت صحيفة “تليجراف” البريطانية تحقيقا مهما كشف عن حقيقة ظهور تنظيم “داعش” بشكل مفاجئ في ليبيا وخاصة بمدينة سرت التي ينتمي إليها العقيد الراحل معمر القذافي.
والتقطت الصحيفة عدداً من الصور من داخل المدينة التي شهدت مقتله والتي أصبحت الآن أول موطئ قدم لتنظيم “داعش” في ليبيا، أظهرت انتشار أعلام التنظيم في عدة مبان ومركز المؤتمرات المعروف بـ”أواجادوجو”الذي أقامه القذافي لاستقبال الوفود الأجنبية والذي أصبح الآن المقر الرئيسي للتنظيم.
وأظهر التحقيق كيف تحولت مجموعة صغيرة من مقاتلي “داعش” القادمين من الخارج إلى قوة تسيطر على أراض تبعد مئات الأميال عن سواحل إيطاليا.
والتقت الصحيفة بشخص سمى نفسه “ميلاد” من سكان المدينة رفض الإفصاح عن هويته الحقيقية خوفا من أي رد فعل انتقامي ضده، أشار إلى أن مسلحي “داعش” عندما وصلوا إلى المدينة كان عددهم صغير لكن انضم إليهم كثير من السكان المحليين بعد ذلك معتبرين إياهم الطريقة الوحيدة للحصول على سلطة بعد رحيل حكم القذافي.
وذكرت الصحيفة أن معظم شرق سرت الآن في يد “داعش”، مشيرة إلى أن المدينة ساخطة على حكام ما بعد القذافي بعد قصف قوات حلف شمال الأطلسي لها عام 2011م وتدمير منازلها وسرقة محتوياتها.
وتحدث “ميلاد” عن أن الغالبية العظمى من سكان سرت مع القذافي، حيث حاولوا بعد الحرب أن ينأوا بأنفسهم عن ليبيا الجديدة ويعيشوا حياتهم بشكل طبيعي.
وأشارت الصحيفة إلى أن جماعة أنصار الشريعة ملأت الفراغ في السلطة بالمدينة في ظل عدم وجود جيش وطني أو شرطة أو أي قوة مسلحة أخرى، خاصة في ظل رفض المدينة لكل أشكال السلطات الثورية، مضيفة أن معظم أنصار الشريعة من المقاتلين الليبيين وكثير منهم من درنة.
وذكرت أنه وعلى الرغم من اتهام أنصار الشريعة بقتل السفير الأمريكي في بنغازي عام 2012م إلا أن كثير من الليبيين مازالوا ينظرون إليهم باعتبارهم قوة إيجابية.
ونقلت عن “ميلاد” أنه عندما وصلت أنصار الشريعة إلى سرت لم يكونوا عدوانيين وكسبوا قلوب السكان بأعمالهم الخيرية ودخلوا في تحالف بعد ذلك مع قوات فجر ليبيا التي تسيطر على العاصمة “طرابلس” بعد انقسام الحكومة الثورية في أغسطس الماضي.
وأشارت الصحيفة إلى أنه عندما جاءت مجموعة صغيرة من مقاتلي “داعش” الأجانب من مصر وتونس وسوريا والجزائر وأماكن أخرى إلى سرت بدءوا في استهداف الأجانب ومنهم مصريين ثم استعرضوا قوتهم بمواكب سيارات أمام مقر “أنصار الشريعة” بالمندينة، حيث أعلن كثير منهم ترحيبهم بمسلحي “داعش” وولاءهم لأبو بكر البغدادي زعيم التنظيم.
وأضافت أن “داعش” عملت بجد لاستقطاب المؤيدين للقذافي، كما فعل في العراق عندما تمكن من السيطرة على “الموصل” بعد كسب البعثيين المؤيدين للرئيس العراقي الراحل صدام حسين وضمهم إلى صفوف التنظيم للانتقام ممن أسقطوا حكمه.
ونقلت عن أحد القادة العسكريين لقوات فجر ليبيا أن ما حدث من قبل “داعش” في العراق هو ما يحدث الآن في ليبيا، فعندما وصلوا إلى لبيبا كانوا ضعافا جدا لكنهم أخبروا كل من قاتلوا مع القذافي بأنهم إذا تابوا عن مساعدتهم إياه وأعلنوا الولاء للبغدادي فبإمكانهم الانضمام للتنظيم.
وأضاف أنه يعرف رجالا مع “داعش” في سرت قاتلوا بجانب القذافي عام 2011م.
ونقلت عن ضابط في الشرطة العسكرية وعضو باللجنة الأمنية في سرت أن كثير من الموالين للقذافي وليسوا من الأصوليين انضموا لداعش لأنهم شعروا بأن التنظيم يوفر لهم الحماية حتى لا يعتقلوا أو يتعرضوا لأذى من قبل من يحكمون ليبيا الآن.
إف بي آي: التخطيط لمجزرة كاليفورنيا سبق ظهور “داعش
وذكرت الصحيفة أن أحد أمراء “داعش” في سرت يدعى حسين كرامه وهو أحد أقارب إسماعيل كرامه المسؤول البارز في أجهزة مخابرات القذافي والذي يحاكم الآن في مصراته.
وأشارت الصحيفة إلى أن الدبلوماسيين الغربيين مازالوا يرون في “فجر ليبيا” الأمل في طرد المتشددين من هناك، حيث ينتمي معظم مسلحي القوة إلى مدينة مصراتة التجارية المعروفة بتفسيرها غير العنيف للدين الإسلامي.
وأضافت أنه مع ذلك لا يعترف كثير من قادة “فجر ليبيا” بوجود “داعش” ويعتبرون التنظيم مجرد موالين لنظام القذافي يرغبون في استعادة السلطة.
وتحدثت الصحيفة عن وجود بعض الجهود للتفاوض سراً مع قادة قبائل سرت للحصول منهم على تعهدات بعدم الانتقام إذا قتل أي من أعضاء القبائل المنتمين لـ”داعش”.
ونقلت عن ممثل لفجر ليبيا في مفاوضات الأمم المتحدة بالمغرب أن السبيل الوحيد للقضاء على “داعش” يكون عبر تشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل على استقرار ليبيا، وأن القضاء على “داعش” عسكريا غير ممكن، وهو الأمر الذي وافقت عليه الصحيفة، لكنها اعتبرت أن ذلك يوحي بأن القتل على يد “داعش” سيستمر دون عقاب حتى هذه اللحظة في وقت يقوي فيه التنظيم سلطته.