الرئيسية » أرشيف - تقارير » مصر (أرض الجنرالات).. 70٪ من المناصب يحتلها العسكر

مصر (أرض الجنرالات).. 70٪ من المناصب يحتلها العسكر

برغم أنه معروف أن مصر أصبحت تحت سيطرةالجنرالات” منذ انتقالها من “الملكية” إلى “الجمهورية”، وأن هذه السيطرة استمرت “خفية” حتى بعد ثورة 25 يناير التي جاءت بأول رئيس مدني (محمد مرسي) لم يحكم سوى عام واحد، ليعود بعدها الجنرالات لحكم مصر بانقلاب عسكري، فقد سلط تقرير لموقع “ميدل إيست آي” الضوء على أن مصر منذ الانقلاب على مرسي تحولت “أكثر” إلى “أرض الجنرالات”، وباتت تحكمها نخبة من حملة رتبة “اللواء”، فالرئيس هو جنرال سابق في الجيش وحكام المحافظات هم جنرالات (لواءات) وهناك عدد كبير من العسكريين يحتلون مناصب سياسية مهمة.

وفي تقرير بعنوان: (Egypt: Land of the Generals) أي “مصر أرض الجنرالات”، أعده توم ستيفنسون لموقع ميدل إيست آي (مراقبة الشرق الأوسط) أشار إلى: “أن حضور المؤسسة العسكرية في المناصب السياسية المؤثرة قد اتسع أبعد من منصب الرئيس، وآخر مثال حصل في 18 أكتوبر، حيث تم تعيين الجنرال خالد عبد السلام أمينا عاما لمجلس النواب (البرلمان)، ويعتبر أول عسكري في تاريخ مصر يحتل هذا المنصب البرلماني ويقوم بهذا الدور”.

ويقول “ستيفنسون”، في التقرير الذي نشر الجمعة 7 نوفمبر الجاري، إن التأثير العسكري على المؤسسة السياسية يبدو بشكل واضح من خلال النظام الإقليمي وحكام المحافظات، فهناك 19 محافظا عسكريا من بين 27 محافظا، أي بنسبة 70% من محافظات البلاد يقودها اليوم شخص برتبة “لواء”، مع أن محافظتين يحتل منصب الحاكم فيهما لواء شرطة، وليس من المؤسسة العسكرية.

ويؤكد أن قائمة حكام المحافظات، الذين يتمتعون بتأثير واسع على المدن والبلدات والقرى في داخل المحافظات، تضم على الأقل اثنين من ضباط الاستخبارات العسكرية وملحقا عسكريا سابقا في السفارة المصرية في لندن، هو اللواء طارق سعد الدين محافظ الأقصر، وبالمقابل تم في معظم التعيينات التي جرت في أغسطس الماضي، عزل 11 محافظا عينهم محمد مرسي وعُين بدلا منهم جنرالات أيضا.

ويشير التقرير إلى أن: “ما لا يعرفه الكثيرون أن المحافظين غير العسكريين في المحافظات الثماني (القاهرة، الجيزة، بني سويف، كفر الشيخ، القليوبية، الفيوم، الشرقية والمنوفية) يعمل معهم جنرالات في منصب نائب المحافظ” أيضا، فمحافظ القاهرة الدكتور جلال سعيد، له ثلاثة مساعدين عسكريين، هم اللواء محمد أيمن عبد التواب واللواء أحمد صقر واللواء ياسين حسام الدين، وكان اللواء عبد التواب قائدا للقوات الخاصة.

ومحافظ الجيزة الدكتور عبد الرحمن يوسف، ورغم أنه مدني، لكن يساعده اللواء علاء الهراس واللواء أسامة الشماع واللواء محمد الشيخ نوابا له، وفي معظم محافظات مصر هناك جنرال أو جنرالان ممن يحتلون مناصب بارزة في إدارة المحافظة، ففي أهم خمس محافظات في مصر وهي القاهرة، الإسكندرية، الجيزة، الإسماعيلية والشرقية، هناك ثلاثة لواءات في كل منها ممن يحتل منصبا بارزا.

ويبلغ مجموع الجنرالات الذين يحتلون مناصب نائب للمحافظ 24، إضافة إلى 19 جنرالا يحتلون منصب المحافظ، بحسب موقع ميدل إيست أي.

ويقول البروفسور “يزيد صايغ” الباحث البارز في مركز كارنيجي الشرق الأوسط، والذي قام بأبحاث مستفيضة حول تأثير الجنرالات في مصر: “إن الإشارة للتعيينات البارزة قد تكون مضللة، لأن حجم الموجة يوجب وجود عسكريين برتب دنيا عينوا في مناصب أقل أهمية”، حيث يقول: “للجيش حضور كبير في مؤسسات الدولة منذ زمن طويل، وفي الحقيقة بدأت موجة التعيينات العسكرية قبل 25 عاما وهي في اتساع متزايد، وأن عهد مبارك شهد تعيين رجاله العسكريين في منصب الحكام أيضا”.

ويقول “صايغ”: “تم التعامل مع التعيينات كنوع من الولاء والمكافأة، فولاء العسكريين للدولة كان يعني مكافأة على هذا بالوظيفة والثروة، ولكن لا توجد أدلة واضحة على أن الضباط كانوا ناجحين وأكثر فعالية في هذه المناصب، وما حدث هو أن الضباط كونوا طبقة اجتماعية تتمتع بالامتيازات، وهو تغير اجتماعي كبير، ولا يعني أن الإدارة أصبحت أكثر فعالية”.

ويلفت صايغ أن “هناك دولا كان للجيش فيها دور كبير، مثل أميركا اللاتينية وباكستان”، و”لكن لست متأكدا إن كان الحضور العسكري في هذه الدول يشبه كثافة حضور العسكر في مصر”.

ويعتقد الكاتب أن تأثير الجنرالات في مصر ليس مقصورا على مؤسسات الحكم المحلي، فالحكومة يعمل فيها أربعة ضباط على مستوى الوزارات يحملون رتبة لواء أو أعلى، فوزير الدفاع هو الفريق أول صدقي صبحي، ووزير الإنتاج الحربي اللواء إبراهيم يونس هما ضابطان كبيران، وكذلك مساعدي وزير الدفاع الجنرال ممدوح شاهين والجنرال محمد الأعصر، خدما سابقا مساعدين لوزير الدفاع السابق محمد حسين طنطاوي.

ويذكر الموقع أنه في الوقت الذي يعتبر فيه هؤلاء في مناصب عسكرية الطابع، إلا أن الوضع ليس كذلك في حالة أمين عام مجلس الوزراء، ويحتله الآن اللواء عمر عبد المنعم.

أما البروفسور “جويل بنين” المحاضر في شؤون الشرق الأوسط في جامعة ستانفورد فيقول تعليقا على ظاهرة الجنرالات في مصر: “يلعب الجيش هذا الدور البارز في أجهزة الدولة منذ انقلاب عام 1952″، و”بالتأكيد لعب الجيش دورا أكبر من حجمه في مؤسسات الدولة، ولا أعرف إن كان هذا هو أكبر دور في كل الدول، ولكن من ناحية الشخصيات فهو كبير”.

ويلاحظ “بنين” أنه بالإضافة للدور العسكري- السياسي الذي يحتله الجنرالات في مصر، فإنهم يحتلون عددا من المناصب المدنية في الدولة، وإن كان بعضها غير ظاهر.

ويشير كاتب المقال “ستيفنسون” أيضا إلى أن منصب رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الوطني يشغله الجنرال أبو بكر الجندي، ورئيس هيئة السلامة هو طارق غانم، الذي يحمل رتبة “لواء بحري”، كما يشغل أربعة مناصب في مصلحة الموانئ عسكريون. فرئيس هيئة ميناء بور سعيد هو اللواء بحري مدحت مصطفى، وفي دمياط، اللواء بحري سامي سليمان محمود، ورئيس هيئة ميناء الإسكندرية اللواء عبد القادر درويش، أما رئيس مصلحة هيئة البحر الأحمر فهو اللواء هشام أبو سنة، ويترأس هيئة ميناء قناة السويس عضو المجلس العسكري الأعلى للقوات المسلحة، هو قائد القوات البحرية الفريق مهاب ماميش، وهو عضو مجلس إدارة بنك قناة السويس.

ويوضح الكاتب بأن مسؤولي سلطات الطرق والكباري والنقل البري يحتلّ منصب إدارتها عسكري هو الجنرال سعد الجيوشي، أما رئيس إدارة مؤسسة الإعمار التي تشرف على التخطيط والبناء فهو الجنرال محمد ناصر، فيما يترأس هيئة الرقابة الإدارية الجنرال المتقاعد محمد عمر وهبي، ونائبه أيضا جنرال متقاعد حسام رشوان.

ويشير تقرير “ميدل إيست أي” إلى أنه: “مع أن الكثير من الضباط العسكريين يحتلون هذه المناصب قبل الانقلاب العسكري والإطاحة بمحمد مرسي، وبعضهم كان في منصبه قبل ثورة يناير 2011، إلا أن حجم الجنرالات الذين يحتلون المناصب من الصعب تجاوزه”.

ويؤكد التقرير أن الأمر لا يتعلق بمؤسسات الدولة فقط، ولكن الشركات المملوكة من الحكومة، يحتلها في العادة جنرالات متقاعدون، ويحتلون مناصب بارزة كمديرين، فالرئيس الحالي للشركة المصرية القابضة للمطارات والملاحة الجوية هو الجنرال عادل عبد العزيز محجوب، فيما يعمل الجنرال أحمد عبد الحميد القمحاوي، رئيس شركة مصر للاتصالات.

ويقول الباحث في شؤون الديمقراطية في مؤسسة كارنيجي “أحمد مرسي”: “منذ مجيء السيسي حدث توسع في مجال سيطرة الجيش حتى أبعد من المستويات العليا المعروفة تاريخيا”، وأن “التأثير العسكري واضح بشكل كبير في الخطاب القومي الحماسي الحالي، الذي يقدمه داعمو النظام العسكري، وفي الهجوم على المعارضة”.

جمهورية الضباط في مصر

ولفهم سر هذا الإصرار على “عسكرة” منصب الرئاسة مرة أخرى في مصر -بانقلاب 3 يوليو 2013- وسيطرة العديد من القادة العسكريين على المناصب المدنية، من المهم أن نفهم طبيعة ما يسمى (جمهورية الضباط في مصر) التي تهيمن على مفاصل الدولة المصرية اقتصاديا وإداريا ومحليا ورقابيا وسياسيا وحجم نفوذها في مصر منذ عام 1952.

ومع أن الدكتور أنور عبد الملك سبق أن تناول هذه الظاهرة في كتابه الأشهر عن مصر، وأسماها “المجتمع العسكري”، كما تناولها الدكتور “أحمد عبد الله رزه” في كتابه (الجيش والديمقراطية في مصر)، إلا أن الدراسة التي أعدها يزيد صايغ لمؤسسة (كارنيجي) أغسطس 2012 كانت أشمل وأعمق وتناولت دور الجيش عقب ثورة 25 يناير أيضا، ما ييسر فهم أسباب انقلاب الفريق السيسي على الرئيس مرسي، وأن الهدف الأكبر هو عسكرة الرئاسة مرة أخرى ومنع خروجها من أيدي العسكر بعدما سعى الإسلاميون في البرلمان لمراجعة أنشطة الجيش العسكرية وموازنته وتدخلوا فيها.

كيف تعملقت دولة الضباط العسكرية؟

بحسب دراسة “يزيد صايغ” في “كارنيجي”: في عهد مبارك ظهرت ثلاثة عوامل دفعته إلى تعزيز جمهورية الضباط، وكان أولها خشيته من صعود أحد الشخصيات العسكرية البارزة التي يمكن أن تنافسه على الحكم، حيث أقال في عام 1989م وزير الدفاع أبا غزالة الذي كان يتمتع بشعبية قوية، ولكن مع تعيين “طنطاوي” تم استقطاب الصف الأول من قادة الجيش إلى نظام المحسوبية.

ويرجع السبب الثاني إلى تقريب قيادات الجيش منه، بعد محاولة استهدافه في العاصمة الإثيوبية أديس بابا في العام 1995م ، أما العامل الثالث الذي جعل الجيش من أكبر المستفيدين من موارد الدولة المصرية فهو حينما أعلن مبارك عن حملة كبرى لخصخصة المشاريع الاقتصادية الحكومية، وفي الحقيقة كانت لعبة كبيرة لتوزيع ثروات الدولة على ضباط الجيش تحت ذريعة الخصخصة.

وبعد عام 1991م وسعت القوات المسلحة توغلها في كل مجالات الدولة، وجرى تعيين الضباط المتقاعدين في مناصب وزارية ورئاسة هيئات حكومية وشركات مملوكة للدولة بالإضافة إلى منحهم رواتب ومكافآت كبيرة، وتسهيل سبل التجارة والتحصل على مشاريع الدولة مقابل أمر واحد وهو الولاء لنظام الرئيس الحاكم.

وكلما حاولت الأحزاب المدنية تحقيق تقدم باتجاه تحقيق إرادة الشعب عن طريق الانتخابات كانت خلايا الجيش في مؤسسات الدولة لها بالمرصاد لتفشل أي طموح للشعب المصري بالحصول على مفاتيح السلطة في وطنه ، ولهذا فوفقا لما كتبه الباحث في معهد كارنيجي؛ فإن الجمهورية المصرية الثانية “لن تقوم لها قائمة إلا بعد القضاء على جمهورية الضباط”.

وبعد فوزه في الانتخابات، تسلم الرئيس محمد مرسي منصب رئاسة الجمهورية رسميا في 30 يونيو 2012 وتسلمه القيادة من المجلس العسكري وسعي القيادة المدنية مع البرلمان المنتخب التدخل في عصب الدولة الاقتصادية للجيش، بدأ الصدام.

فالعسكر يسيطرون على ميزانية الدفاع والمساعدات العسكرية الأمريكية التي تقدر بــ1.3 مليار دولار تذهب كلها في خزانة العسكر دون رقيب أو حسيب، ومن وجهة نظر دراسة معهد كارنيجي؛ فإن الطريق لإرجاع المؤسسة العسكرية المصرية إلى حجمها الطبيعي ضمن نظام الدولة سيحتاج سنوات طويلة.

وكان نظام مبارك قد ذهب لأبعد حدود لكسب ولاء الضباط بتعيينهم في وظائف حكومية بعد تقاعدهم؛ مما يوفر لهذه الفئة الحصول على مصدرين للدخل وبمرتبات خيالية، فبالنسبة للضباط الذين يتقاعدون برتبة لواء كانوا يحصلون على مبلغ مقطوع يصل إلى (6670) دولار، ومعاش تقاعد شهري يصل إلى (500) دولار، وجاء حصولهم على رواتب شهرية تتراوح بين (16670 إلى 166670) دولار، حافزا قويا على استمرار ولائهم .

امتيازات اقتصادية

وتقول دارسة “كارنيجي” إنه يوجد في وزارة المالية مكتب خاص للتدقيق في حسابات القوات المسلحة والهيئات التابعة لها، ولا تخضع بياناته لأي سلطة ولا حتى البرلمان المصري، وينفق جزء كبير من العوائد على بدلات الضباط ومساكنهم أويتم صرفه لتحسين مستويات المعيشة لديهم، ويوجد 150 شركة مملوكة للدولة في مصر يديرها ويستفيد من إيراداتها دولة الضباط، ويبلغ رواتب الضباط المتقاعدين العاملين في إدارات تلك الشركات ما بين 100 ألف إلى 500 ألف جنيه شهريا إلى جانب بدلات شهرية لا تقل عن 10 آلاف جنيه.

عادل القاضي – التقرير

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.