الرئيسية » أرشيف - تقارير » “فورين بوليسي”: الميلشيات العراقية تستخدم الحرب ضد داعش لتدمير المجتمعات العربية السنية

“فورين بوليسي”: الميلشيات العراقية تستخدم الحرب ضد داعش لتدمير المجتمعات العربية السنية

كشف تقرير نشرته مجلة “فورين بوليسي”، أمس، أن ميليشيات موالية للحكومة العراقية تستخدم الحرب ضد الدولة الإسلامية كذريعة لتدمير المجتمعات العربية السنية في أنحاء البلاد.

ونقل كاتب التقرير، الذي أعده من اربيل، عن أحد قادة البيشمركة الكردية وصفه للوضع في البلدات التي دمرتها الحرب في محافظة شمال العراق صلاح الدين: “لا يوجد أحد في هذه القرى، فقد غادرها سكانها وأصبحت كلها فارغة”.

وعلق الكاتب على هذا الوصف بالقول: هذا لم يكن صحيحا تماما، ذلك أني اتجهت مع زميلي إلى قرية Yengija – نحو 50 ميلا إلى الجنوب من كركوك التي تسيطر عليها البشمركة – وهي بلدة كانت خاضعة لسيطرة الدولة الإسلامية حتى أواخر شهر أغسطس، فوجدت الشوارع مكتظة ولكن ليس بالسكان.

إذ شاهد الكاتب رجالا بدوا وكأنهم جنود اصطفا في الشارع الرئيس للقرية، العشرات منهم، حاملين بنادق AK-47 الهجومية على أكتافهم، وكانت سيارة همفي العسكرية الأمريكية متوقفة على جانب الشارع، وبدا الأمر وكأنه عرض عسكري كان على وشك أن ينطلق.

ولكن ليس هناك شيء رسمي حول هذا الجيش. فلم يكن يحمل هؤلاء المقاتلون شارات القوات المسلحة العراقية: ففي حين كان معظمهم يرتدي ملابس عسكرية غير متطابقة، ارتدى البعض أقنعة سوداء طُبع عليها وجه هيكل عظمي.

ولم نتعرف على هؤلاء المسلحين إلا عندما شاهدنا أعلاما صفراء زاهية من نقطة التفتيش والمباني المحترقة.

كانوا جزءا من سرايا الخراساني، وهي واحدة من الميليشيات الشيعية العديدة التي تولت دور الجيش الوطني منذ أن انهارت قوات الأمن التابعة للحكومة العراقية هذا الصيف هربا من مواقعها أمام اجتياح مقاتلي الدولة الإسلامية الموصل في العراق. ولواء الخراساني هو إضافة حديثة نسبيا إلى شبكة من الميليشيات الشيعية في العراق.

لواء الخراساني هو واحد من عشرات الميليشيات التي تتحرك في أجزاء من البلاد، ويتم تزويد هذه المليشيات الشيعية بالأسلحة والمعدات من الحكومة المركزية في بغداد، وهذه الأخيرة تلقى مساعدة من التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة في حربها ضد الدولة الإسلامية.

والتعويل على الميليشيات لا يؤدي، وفقا للكاتب، إلا إلى تفاقم التوترات الطائفية القائمة في بلد عانى كثيرا من العنف الطائفي عقب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003، وبلغت ذروته في حرب أهلية دامية في 2006 و2007. واتُهمت حكومة نوري المالكي المستبدة السابقة بتأجيج نيران الطائفية.

وفي الوقت الذي لا تملك فيه الحكومة العراقية المركزية أي سلطة رسمية على الميليشيات، التي تتحرك كما لو أنها هي القانون، يرتبط بعض أبرز السياسيين في بغداد بتحالفات قوية مع ميليشيات بعينها. في أكتوبر، عين رئيس الوزراء حيدر العبادي محمد سالم الغبان، وهو عضو بارز في منظمة بدر، وهي جماعة سياسية شيعية تسيطر على واحد من أكبر وأسوأ الميلشيات المسلحة سمعة، وزيرا للداخلية.

ورغم أنها غير خاضعة للمساءلة ولا تابعة، بشكل كامل تقريبا، لأية وزارة رسمية، فإنه تم تكليف الميليشيات الشيعية من قبل الحكومة بمهمة أساسية في الحرب ضد الدولة الإسلامية.

وهنا قول كاتب التقرير: بعد ما رأيناه في قرية Yengija، كشف لنا خطورة عواقب الاعتماد على مثل هذه المجموعات.

خارج الطريق الرئيس، تم هدم حي بأكمله كانت تسكنه، حتى وقت قريب، عائلات عربية السنية، تركت بيوتها وهربت في اغسطس الماضي عندما بدأت الميليشيات تقاتل داعش في المنطقة المحيطة.

كان الدمار هائلا، وفقا للكاتب. والبيوت الوحيدة التي بقيت أضرمت فيها الميلشيات النار في محاولاتها الرامية إلى تدمير كل ما لا يمكن أن يُنهب.

وأبلغتنا الأسر التي طُردت من منازلها بأنه عندما وصلت الميليشيات دمر منازل الأسر. وقال السكان السابقين إن أولئك الذين حاولوا العودة إلى بيوتهم اتهموا بأنهم أعضاء أو متعاطفون مع الدولة الإسلامية. وبعضهم احتجز من قبل الميليشيات لعدة أيام، معصوب العينين وحقق معه وتعرض للضرب أو اختفى.

في المدينة التي تسيطر عليها قوات البيشمركة من كركوك، التقى الكاتب حمد، وهو موظف حكومي من قرية Yengija كشف أنه تسلل مرة أخرى إلى القرية متخفيا قبل أسبوعين في محاولة لجمع بعض متعلقات عائلته بعد أن أخبره جيرانه أن منزله لم يُتلف. ولكن عندما وصل، وجد منزله أُفرغ من الأشياء الثمينة، والحي الذي يسكن فيه تعرض للحرق. وقد بذلت هذه الميليشيا جهدا كبيرا لإخفاء جرائمها.

في الزاوية الخلفية للقرية، أقامت قوات البيشمركة الكردية قاعدة صغيرة تسيطر من خلاله على حي سكني صغير. ويبدو أن الهدف المشترك الوحيد بينها وبين الميليشيات الشيعية، وفقا للكاتب، كان صدَ مقاتلي الدولة الإسلامية.

ومع تركيبز لواء الخراساني جهوده على طرد السكان من العرب السنة الذين كانوا يعيشون في المدينة، وجدت القوات الكردية نفسها أقل عددا وعاجزة عن التدخل. قال قائد البيشمركة للكاتب إن الميليشيات الشيعية لن تسمح لقواته بدخول المناطق الخاضعة لسيطرتهم.

ويضيف الكاتب واصفا الوضع: ما رأيناه في بلدة Yengija لم يكن استثناء على الإطلاق، إذ خلال زيارتنا لمخيم مؤقت عند سفح التلال القريبة، التقينا عشرات العائلات النازحة من أكثر من 20 قرية ذات الأغلبية السنية داخل دائرة نصف قطرها 10 ميلا من بلدة Yengija.

وجميعهم روى قصص التدمير المنهجي للقرى، تقشعر لها الأبدان، على يد الميليشيات المدعومة من الحكومة، مصممة على منع العرب السنة من العودة. وقد تُركت مئات العائلات بلا مأوى، وتتخذ الآن المصانع المهجورة، المقابر، والسيارات والشاحنات ملاذا لها. وقد أُخرجوا من ديارهم من قبل مقاتلي داعش، ولكن منعتهم هذه الميلشيات من العودة.

وقال الكاتب إن هناك أدلة متزايدة على أن الميليشيات الشيعية في العراق تستخدم الحرب ضد مقاتلي الدولة الإسلامية كغطاء لحملة من أعمال العنف الطائفي التي تستهدف المجتمعات العربية السنية.

وقد غضت سلطات بغداد الطرف عن جرائم هذه الميليشيات، بينما تجاهلت الحكومات الأجنبية استخدام الميليشيات لمعونتها العسكرية لمواصلة حملتها ضد العرب السنة.

وإذا لم تقم الحكومة العراقية المركزية بكبح جماح الميليشيات الشيعية والإمساك بهم للمساءلة عن جرائمهم -بما في ذلك جرائم الحرب- فقد تمر بالعراق أوقات أكثر فظاعة.

ومع استعداد الميليشيات الشيعية لشن هجوم جنوبي مدينة تكريت، ذات الأغلبية السنية، وقد سيطرت عيها داعش في يونيو الماضي، يبدو من المرجح أنها سوف تخلف أشكالا مماثلة من الدمار والتشريد بعد التمكن من بسط السيطرة عليها.

ولا تزال هناك فرصة، كما يرى الكاتب، ولو صغيرة، لوقف جرائم هذه الميليشيات، ولكن ما لم تغتنم الحكومة في بغداد وحلفاؤها الأجانب هذه الفرصة لوضع حد لهذا الدمار، فإن العراق قد ينزلق إلى هاوية جديدة من جرائم العنف والانتقام الطائفي..

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.