الرئيسية » أرشيف - تقارير » العقاب الجماعي للفلسطينيين: تقوده إسرائيل وتفرضه مصر وتقره السعودية

العقاب الجماعي للفلسطينيين: تقوده إسرائيل وتفرضه مصر وتقره السعودية

فلننس لحظة تصريحات باراك أوباما وديفيد كاميرون الخجولة. متى سيجرؤ الحكام العرب على رفع صوتهم ضد القصف الإسرائيلي لغزة؟ «إنني لم أر أبدا وضعا مثل ذلك، حيث لديك الكثير من الدول العربية تقبل بالموت والدمار في غزة وضرب حماس»، يقول الدبلوماسي الأميركي السابق آرون ديفيد مِلر، الذي كان مستشارا للرئيسين كلينتن وبوش لشؤون الشرق الأوسط، وقال لصحيفة نيويورك تايمز في 30 يوليو/تموز الماضي: إن صمتهم (الحكام العرب) المدوي «يصم الآذان».

لكن صمتهم ليس أسوأ جزء في الموقف. بل تواطؤهم هو الأسوأ. خذ العقاب الجماعي ضد 1.8 مليون نسمة في غزة والذي يسمى «الحصار». يتبجح المسؤولون الإسرائيليين أمام نظرائهم الأمريكيين بأنهم يريدون «إبقاء اقتصاد غزة على حافة الانهيار دون دفعه تماما نحو الحافة»، لكنهم لم يتمكنوا من حصار غزة سبع سنوات دون مساعدة.

تذكر: إسرائيل تسيطر فقط على ثلاثة جوانب من قطاع غزة. من يسيطر على الجانب الرابع؟ مصر الفخورة، التي تسمي نفسها «قلب العالم العربي»: من قائد القوات الجوية الماريشال حسني مبارك إلى الجنرال عبد الفتاح السيسي، كانت جمهورية مصر العربية متواطئا قويًا في خنق إسرائيل لغزة. الرئيس الإخواني السابق، محمد مرسي، كان على استعداد للنظر في تخفيف الحصار بين عامي 2012 و2013، لكن السيسي، «المنتخب» رئيسا للبلاد في مايو/أيار هذا العام بعد انقلاب عسكري، هو العدو اللدود لجماعة الإخوان وحماس التابعة لها.

في الأشهر الأخيرة، أغلقت الطغمة العسكرية الحاكمة في القاهرة حدودها مع غزة، ودمرت معظم الأنفاق التي كانت شرايين الحياة لسكانها، وسمحت لمجرد 140 جريحا فلسطينيا بالعبور إلى مصر عبر معبر رفح – المنفذ الوحيد للخروج من قطاع غزة الذي يسيطر عليه الإسرائيليون. بالتالي، الحصار المفروض على غزة جريمة إسرائيلية مصرية مشتركة.

انظر أيضا في موقف السعودية. «الهجوم على غزة بمرسوم ملكي سعودي»، يقول العنوان الرئيس على مدونة هفنغتن بوست يوم 20 يوليو/تموز بقلم المراسل الصحافي المخضرم ديفيد هيرست، الذي قال إن «المسؤولين في الموساد والمخابرات السعودية يلتقون بانتظام … وهم متفقون كاليد في قفازها ضد إيران».

في أول أغسطس/آب الجاري، أصدر الملك عبد الله عاهل السعودية بيانًا يشجب عمليات القتل في غزة باعتبارها «مذبحة جماعية» لكن البيان بشكل ملائم، كما أشارت وكالة أسوشيتد برس، «لم يصل حد إدانة إسرائيل مباشرة» و«لم يطالب باتخاذ أي إجراء محدد ضد إسرائيل». في الوقت نفسه، زعم مفتي المملكة السعودية عبد العزيز آل الشيخ أن المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين «مجرد ترهات وأعمال غوغائية لن تساعد الفلسطينيين».

ثم هناك سوريا. ربما أشاد عضو مجلس العموم المحترم، جورج غالاوي، بالطاغية السوري بشار الأسد مرة واحدة باعتباره «آخر حاكم عربي» بسبب استعداد الأخير افتراضا للوقوف بوجه إسرائيل، لكن قوات الأمن الوحشية التابعة للأسد قصفت وحاصرت مخيم اللاجئين الفلسطينيين في اليرموك على مشارف دمشق. ووفقا لمنظمة العفو الدولية، ارتكبت القوات السورية «جرائم حرب كاستخدام سلاح تجويع المدنيين»، وألجأت سكان المخيم إلى «أكل القطط والكلاب».

بقية الدول العربية ليس لديها سجلات أفضل بكثير. في لبنان هناك 400 ألف لاجئ فلسطيني ونيف يقبعون في مخيمات اللاجئين حيث يعيشون ظروفا لا تقل عن كونها مروعة. فهم بالقانون يُمنعون من العمل بالقطاع العام أو استخدام المرافق الحكومية الطبية والتعليمية وممنوعون أيضا من شراء العقارات.

في الأردن، الأردنيون من الضفة الشرقية أو «الشرق أردنيون» يمقتون الأغلبية الفلسطينية ذات الأصول من «الضفة الغربية»، بما فيهم الملكة رانيا. في الكويت في 1991، بعد حرب الخليج الأولى، اضطر أكثر من 200 ألف فلسطيني للنزوح من الكويت عقابا على دعم ياسر عرفات لصدام حسين عقب غزو الأخير للكويت. وقد ورد أن حوالي أربعة آلاف فلسطيني قتلوا في هجمات انتقامية.

هناك جذور عميقة لهذه الخيانة العربية للقضية الفلسطينية. في كتابه الصادر سنة 1988، التواطؤ عبر الأردن، وصف المؤرخ الإسرائيلي البريطاني آفي شلايم كيف أن عبد الله بن الحسين ملك (ما كان حينئذ) مملكة شرق الأردن عمل مع الإسرائيليين، من وراء الكواليس، لمنع الفلسطينيين من إقامة دولتهم في 1948.

«كانت فلسطين هي القضية المهيمنة على جدول أعمال الجامعة العربية منذ ولادتها في 1945»، كما أخبرني شلايم الذي هو حاليا أستاذ كرسي العلاقات الدولية بجامعة أكسفورد. «لكن لم يتم ترجمة الالتزام الأيديولوجي بقضية فلسطين إلى دعم فعال». «لذا يتعين على المرء أن يميز بين الإنشاء الخطابي والمستوى العملي للسياسة الخارجية العربية».

اليوم، معظم قادة العالم العربي غير المنتخبين، من جنرالات شمال أفريقيا إلى ملوك وأمراء نفط الخليج، يرون في الإخوان المسلمين ورفاق مسيرتهم مثل حماس تهديدا لحكمهم يفوق تهديد الجيش الإسرائيلي. فقط إمارة قطر تحتفظ بعلاقات وثيقة بجماعة الإخوان المسلمين بمصر وحماس بغزة؛ وسيكون الطغاة والدكتاتوريات في المنطقة مسرورين لرؤية الإسرائيليين يوجهون ضربة قاصمة للإسلاميين السنة بغزة – وللإسلاميين الشيعة بإيران، لنفس الأمر.

فلنكن واضحين: الحقيقة المزعجة هي أن العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني في غزة مسعى متعدد الأطراف بحد ذاته: تقوده إسرائيل، وتفرضه مصر، وتقره السعودية.

يا لبؤس الفلسطينيين! أرضهم تحتلها الدولة اليهودية؛ وقضيتهم تخلت عنها الدول العربية.

مهدي حسن – نيوستيتسمان
ترجمة: الخليج الجديد

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.