الرئيسية » أرشيف - تقارير » تقرير أمريكي: إيران والبحرين: استغاثة كاذبة أم خطر محدق؟

تقرير أمريكي: إيران والبحرين: استغاثة كاذبة أم خطر محدق؟

في الخامس من أيار/مايو – في ما أصبح حدثاً نموذجياً على نحو متزايد في البحرين – قام عدة أشخاص بإلقاء قنابل مولوتوف على مركزٍ للشرطة في المنامة، مما أدى إلى إلحاق أضرار بواجهات المحلات إلا أنه لم يُسفر عن وقوع إصابات. وقد اشتدت حدة هذه الأحداث على مدى الأشهر القليلة الماضية في القرى الشيعية المحيطة بالعاصمة، المنامة – ففي آذار/مارس، قُتل ثلاثة من ضباط الشرطة كنتيجة لوقوع تفجير في الديه؛ وفي الشهر الماضي، أصيب ضابط بانفجار آخر في نفس القرية؛ وبعد أيام من ذلك، ألقيت قنبلة حارقة على سيارة تابعة للشرطة في مدينة حمد.

 

وفي كثير من الحالات، كان أفرادٌ من الأغلبية الشيعية في البحرين متورطين في مثل هذه الهجمات. وقد ألقى النظام الملكي السني في الجزيرة باللائمة على نظام إيران الشيعي لدعمه العنف وتقويضه حكمها. في الوقت نفسه، يشعر المسؤولون الأمريكيون بمخاوفهم الخاصة من دعم طهران للأعمال الإرهابية في البحرين، لا سيما وأن وزارة الخارجية الأمريكية – في تقريرها السنوي الأخير لمكافحة الإرهاب – ألقت الضوء على شحنة حديثة من الأسلحة الإيرانية المتوجهة إلى الجزيرة. إلا أن المنامة تعاني من مشكلة في المصداقية نظراً إلى الاستجابة القاسية التي جابهت بها الاحتجاجات السلمية على مدى السنوات الثلاث الماضية، الأمر الذي يجعل من الصعب للغاية تقييم مدى ضلوع طهران في دعم العنف بصورة نشطة.

 

ثغرة في المصداقية

 

منذ شباط/فبراير 2011 تجتاح الاضطرابات المتدنية المستوى المملكة مع نزول المحتجين السلميين إلى الشوارع في سياق “الربيع العربي”. وقد قامت حكومة آل خليفة بقمع المظاهرات بالعنف، حتى أنها حكمت على الأطباء والممرضين الذين عالجوا المتظاهرين الجرحى بالسجن لفترات تتراوح بين خمسة أعوام وعشرين عاماً بتهم تتعلق بالإرهاب. ومع أن هذه التهم كانت ملفّقة، سرعان ما بدت بعض التهم الموجهة ضد مشتبهين آخرين شرعيةً حين تحولت الاحتجاجات السلمية إلى فوراتٍ من العنف.

 

ومن المؤسف أنّ المنامة مسؤولة إلى حدٍ كبير عن تعتيم الخط الفاصل بين الاحتجاج السياسي والعنف. فقد وضعت الحكومة «حزب الله» وعدّة جماعات شيعية عنيفة على لائحة الإرهاب، مصرة على أن إيران تقف وراء العنف. إلا أن إجراءاتها العشوائية الصارمة دفعت البعض إلى اعتبار المزاعم حول رعاية إيران لهذه الأعمال مجرد حرب دعائية هدفها تشويه أي تحدٍّ يعترض النظام الملكي.

 

ومع ذلك، لا يمكن الإنكار أن الاعتداءات المتدنية المستوى تواصل اكتساح المملكة بوتيرة متصاعدة. وفي حين يتعذر ربط كل حدث مماثل بطهران، برزت تقارير تفيد عن وجود بصمة إيرانية في مسرح هذه الحوادث. وبوجه الخصوص بيّنت حادثة القبض على قارب سريع من العراق كان ينقل أسلحة ومتفجرات إيرانية في كانون الأول/ديسمبر 2013 أنه لا يمكن استبعاد المخاوف من التدخل الإيراني في البحرين بلا تفكير. ونظراً إلى تاريخ طهران في إثارة العنف على الجزيرة، يجدر فعلاً التحقيق بدقة في هذه المخاوف.

 

السياق التاريخي

 

لطالما اتهمت المنامة، شأنها شأن حكومات دول الخليج العربي الأخرى، إيران بالتحريض على الفتنة ودعم المسلحين الذين يعارضون النظام الملكي. فالبحرين تحديداً تعتبر حالة دقيقة حيث أن الأسرة الحاكمة سنيةٌ وتحكم شعباً ذو غالبية شيعية في جزيرة صغيرة ترتبط بجسر إلى المملكة العربية السعودية وتقع على بعد 124 كيلومتر فقط عبر الخليج من إيران. وتساهم التركيبة السكانية والجغرافية منذ زمنٍ بعيد في اشتداد حساسية المنامة تجاه التدخل الإيراني المحتمل؛ كما أن عدم الاستقرار في السنوات القليلة الماضية، لم يؤدي سوى إلى تأكيد المخاوف التي يعود تاريخها إلى بداية ثمانينيات القرن الماضي.

 

وفي أعقاب الثورة الإسلامية عام 1979، بدأت إيران برعاية الأعمال الإرهابية في العديد من البلدان كوسيلة لتصدير ثورتها وتعزيز مصالحها الاستراتيجية. ويشير تقريرٌ صادر عن “وكالة الاستخبارات المركزية” الأمريكية حول الإرهاب المدعوم من طهران إلى أن البحرين كانت “مستهدفة بمؤامرة إرهابية” عام 1987، إلا أن النسخة التي رُفع عنها التصنيف من التقرير لم تشمل تفاصيل عن هذه الحادثة. وفي تقريرٍ صدر في تموز/يوليو 1988، حذّرت “الوكالة” من أن المصالح الأمريكية في البحرين والكويت تشكل “أهدافاً مؤاتية ومناسبة” للهجمات التي ترعاها إيران، نظراً إلى علاقة كل بلد مع واشنطن واتساع قاعدة المغتربين الإيرانيين فيها. وأوضحت “الوكالة” في تقريرٍ آخر لذلك العام:

 

على الرغم من أن بعض الأعمال الإرهابية التي ارتكبها الشيعة لم تحدث بإذنٍ صريح من طهران، إلا أن طهران تشجع مثل هذه الأعمال من حيث المبدأ ويمكنها أن تدعو هؤلاء المتطرفين إلى شن عمليات إرهابية. وتشمل الفصائل المدعومة من إيران، “المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق”، و “منظمة الثورة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية”، و “الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين”، و “حزب الدعوة الإسلامي”، الذي لديه فروع في البحرين والكويت ولبنان.

 

وأشارت “الوكالة” أيضاً إلى أنه غالباً ما استعانت إيران بخبرة «حزب الله اللبناني» من أجل تدريب مجندين من السعودية والكويت والبحرين. وبحلول أواخر الثمانينات من القرن الماضي، بات لـ «حزب الله» عدة فروع نشطة تعمل في مختلف دول الخليج – ووفقاً لـ “وكالة المخابرات المركزية”، كانت تلك الفروع “تستلهم أفكارها من عناصر في الحكومة الايرانية وتحصل منها على دعمها وتخضع لتوجيهاتها”.

 

أما في البحرين، فتدعم طهران منذ زمن بعيد فروع التنظيمات الشيعية المقاتلة مثل «حزب الله» و”حزب الدعوة”. وفي عام 1986، باشرت المنامة بالقضاء على «حزب الله البحريني»؛ وبعد عامٍ على ذلك قامت بتوقيف ومحاكمة تسعة وخمسين متهماً من أعضائه. لكن هذه الجماعة كانت لا تزال بمنأى عن الهزيمة – ففي آذار/مارس 1997، أوقفت أجهزة الاستخبارات الكويتية ثلاثة عشر بحرينياً وعراقيَيْن اثنيْن في مدينة الكويت، كانوا يعملون في ذلك الوقت تحت اسم «حزب الله الخليج». وكشفت المراسلات التي ضبطت في منازلهم أن لديهم اتصالات مع أشخاص في دمشق – سوريا، وقم – إيران، وأنهم كانوا يجمعون الأموال لإرسالها إلى البحرين. ووفقاً لمسؤولين كويتيين، أظهرت الأدلة أيضاً أن الخلية كانت تعمل تحت إشراف “وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية”. وعلى كل حال، من الواضح أن «حزب الله البحريني» كان يعمل مع العناصر الشيعية المسلحة في جميع أنحاء الخليج.

 

وعلى الرغم من النجاح في تفكيك هذه الجماعة بحلول عام 1997، بقي مسؤولو الاستخبارات في المنامة متخوفين في ذلك الحين من أن يكون “العديد من كبار قادة” «حزب الله البحريني»، بمن فيهم “ثلاثة من أعضاء المجلس العسكري”، قد تجنبوا الاعتقال وربما “يحاولون لمّ الشمل وتنفيذ أعمال ذات صلة بأنشطة «حزب الله»”. ووفقاً لـ “وكالة الاستخبارات المركزية”، فإن “أحد كبار قادة الجماعة”، محمد حبيب منصور الصفاف، زُعم أنه يدير ملجأً سرياً في الكويت كان بمثابة “نقطة عبور رئيسية بين البحرين ولبنان”؛ وأشارت “الوكالة” أيضاً إلى أنه “عمل في تهريب الأسلحة وربما لا يزال يشارك في الأنشطة المتعلقة بالإرهاب”. بالإضافة إلى ذلك، ذكرت “الوكالة” أن عضو المجلس العسكري لـ «حزب الله البحريني»، عادل الشعلة، الذي فر من الجزيرة، قد يكون مرتبطاً بـ «حزب الله السعودي» المسؤول عن تفجير “أبراج الخبر” عام 1996. ونقلاً عن لسان المسؤولين البحرينيين، يحتمل أن يكون سبعة وثلاثين عضواً معروفاً آخر من الجماعة قد فرّ إلى إيران أو لبنان. إن علاقاتهم المحتملة بإيران، ناهيك عن اسم «حزب الله الخليج» الذي اعتمدته خلية الكويت، قد دفع المحللين في “وكالة الاستخبارات المركزية” إلى الاستنتاج في تقرير في أيار/مايو 1997 بأن “طهران ربما تعمل على تشكيل خلية جديدة لـ «حزب الله» من أجل التصدي للحكومة البحرينية”.

 

الجيل القادم من “المقاومة” في البحرين؟

 

بعد أن بدأت المنامة بقمع الاحتجاجات الشعبية عام 2011، نظمّت العديد من الجماعات الشيعية المقاتلة نفسها لمجابهة حكومة آل خليفة. وإلى جانب تنظيم «حزب الله البحريني» المعروف، تعدّ ثلاث من هذه الجماعات مثيرة للقلق بشكل خاص، وهي:

 

·         “سرايا الأشتر”، مدرجة كجماعة ارهابية من قبل المنامة، وكانت قد أصدرت أول بيان لها في نيسان/أبريل 2013؛ ومنذ ذلك الحين تبنّت عشرين تفجيراً ضد أفراد قوات الأمن. ووفقاً للمحلل فيليب سميث، أعلنت مسؤوليتها عن التفجير الذي وقع في 3 آذار/مارس والذي أسفر عن مقتل ثلاثة من رجال الشرطة، من بينهم ضابط إماراتي كان تابعاً للقوات التي نشرتها السعودية والإمارات ابتداءً من عام 2011 لمساعدة السلطات البحرينية في الحفاظ على النظام.

 

 ·    “سرايا المقاومة الشعبية”، ادعت أيضاً مسؤوليتها عن الهجوم الذي وقع في الثالث من آذار/مارس وأُدرجت فيما بعد كجماعة إرهابية. وتقوم بتنفيذ العمليات منذ آب/أغسطس 2012 كما أنها مرتبطة علنياً بـ “ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير” – وهي جماعة احتجاج مناهضة [للحكومة]. ووفقاً لسميث، تدّعي “سرايا المقاومة الشعبية” أنها تمارس “الجهاد ضد آل خليفة الكفار” وتصف مقاتليها على أنهم جهاديين. وقد فجّرت حتى الآن عبوتان ناسفتان في مركز تجاري بحريني (وأصدرت بياناً – مقدماً – للتحذير من الانفجار) ؛ وأفادت التقارير أنها تستخدم أيضاً قنابل لاستهداف “البنك الوطني” في البلاد، ومحطة للكهرباء. بالإضافة إلى ذلك، تدّعي الجماعة أنها استخدمت سيارات ملغومة في العاصمة لاستهداف المطار وقوى الأمن الداخلي، وأنها فجرت عبوة ناسفة بالقرب من القاعدة البحرية الأمريكية في البحرين، التي هي بمثابة مقر الأسطول الخامس.

 

·         “سرايا المختار”، ظهرت في أيلول/سبتمبر 2013، وتبنت عدداً من الهجمات ضد قوات الأمن البحرينية، بما في ذلك الهجمات بالعبوات الناسفة الخام، على الرغم من أن المنامة لم تدرجها بعد كمنظمة إرهابية. ووفقاً لسميث، تحافظ الجماعة على حضور قوي على شبكة الإنترنت وهي الفصيلة الشيعية الوحيدة في البحرين التي تتبنى علناً أهدافاً إقليمية وتعتبر النزاع القائم في الجزيرة جزءاً من صراعٍ أكبر مع النظام الملكي السعودي – وهذا ادعاء مهم نظراً للاضطرابات الشيعية الجارية في المنطقة الشرقية المجاورة في المملكة العربية السعودية.

 

إن المدى التي تلقت فيه هذه الجماعات الدعم من إيران يبقى موضوع نقاش، لكن التقارير تشير على الأقل إلى مستوىً معين من الدعم الإيراني للحركات القتالية الشيعية في البحرين. فعلى سبيل المثال، استشهدت إحدى الرويات التي نشرها ديفيد إغناتيوس في صحيفة واشنطن بوست عام 2011 نقلاً عن مسؤول سعودي الذي صرّح أن غلام شكوري – الذي شارك في مؤامرة إيرانية لاغتيال السفير السعودي في واشنطن عام 2011 كما ذكرت التقارير – كان “ضابط بارز في «فيلق القدس» وساهم في تنظيم المحتجين الشيعة المتشددين في البحرين.” وعلى وجه التحديد، التقى شكوري وإيرانيين آخرين مع رجل الدين الشيعي البحريني المتطرف حسن مشيمع خلال رحلة توقف فيها في بيروت في شباط/فبراير 2011، “عندما كان مشيمع في طريق عودته إلى بلاده لقيادة الاحتجاجات في البحرين”.

 

شحنة الأسلحة الإيرانية

 

في 30 كانون الأول/ديسمبر 2013، اعترضت قوات خفر السواحل البحرينية زورقاً سريعاً من العراق محمّلاً بأسلحة ومتفجرات معدة للمتطرفين الشيعة في البحرين. ومن بين المواد المصادرة كانت هناك 50 قنبلة إيرانية الصنع وما يقرب من 300 عبوة ناسفة مكتوب عليها “صُنعت في سوريا”. وفي استجوابهم، “اعترف المشتبه بهم أنهم تلقوا تدريباً شبه عسكري في إيران”، وفقاً لـ “تقارير البلدان الخاصة بالإرهاب” الصادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية. وفي خبر لاحق نشرته قناة “بي بي سي”، وصف أحد الدبلوماسيين الغربيين الحادثة بأنها “أكبر عملية لمصادرة الأسلحة في سياق مكافحة الإرهاب خلال عامين”، وقال “كان يجري اتخاذها على محمل الجد من قبل الحكومات الغربية”. إن مثل هذا التدقيق والتمحيص لن يكون مفاجئاً نظراً لأن السلطات اليمنية كانت قد اعترضت شحنة مماثلة في كانون الثاني/يناير، كان قد شارك فيها أيضاً متهمون اعترفوا بتلقيهم تدريبات عسكرية في إيران.

 

وبعد فترة وجيزة من الاستيلاء على القارب، داهم مسؤولون بحرينيون مخازن الأسلحة المشتبه بها، وكشفوا “كمية ضخمة من المتفجرات ” إلى جانب صواعق تفجير تجارية صُنعت في سوريا، وبنادق، ومواد لصنع القنابل، وأكثر من ذلك. وبدورها أدت المداهمات إلى إلقاء القبض على سبعة عشر شخصاً، بمن فيهم شخص سعودي الجنسية، ويُقال أنها كشفت أدلة عن الدعم الخارجي للمسلحين البحرينيين.

 

الخاتمة

 

بما أن الحكومة البحرينية أطلقت استغاثة كاذبة أكثر من مرة – عندما وصفت المتظاهرين والمعالجين الطبيين المتخصصين بـ “الإرهابيين”- وألقت مسؤولية حدوث الاضطرابات الداخلية مراراً وتكراراً على إيران – فقد أحدثت ثغرةً في مصداقيتها لا يمكن التغلب عليها بسهولة. فالطريقة القاسية التي تعاملت بها المنامة مع كل من المحتجين المسالمين والمعتدين العنيفين دفعت المحللين إلى التساؤل عن مدى مصداقية الأدلة المختلفة التي قيل إنها ضُبطت في كانون الأول/ديسمبر. وفي المرحلة القادمة، ستحتاج الحكومة البحرينية إلى إظهار التزامٍ أوضح بسيادة القانون، وإلى التمييز بين المتظاهرين والإرهابيين والتعامل مع كل جهة على هذا الأساس. فعند ذلك فقط سيكون شركاؤها الأجانب قادرين على إجراء تقييم فعال للأدلة الجديدة حول الدعم الإيراني للمتشددين المحليين.

 

 

 

ماثيو ليفيت هو زميل “فورمر- ويكسلر” ومدير برنامج ستاين للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن. وأحدث كتبه هو “«حزب الله»: البصمة العالمية الواضحة لـ «حزب الله» اللبناني”.

 

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.