الرئيسية » أرشيف - فضاء واسع » مصر من الميدان الى الديوان ..كيف ومتى !

مصر من الميدان الى الديوان ..كيف ومتى !

 

السؤال الأهم في معادلة تغيير نظام الحكم ؟ عندما يثبت الواقع المصري الأن أن مسألة إسقاط النظام ليست بالأمر العسير ، ليس هذا فقط ولكن بتميز واضح بصورة مقبولة – لدى غالبيتنا – يقف عند حدود إسقاط النظام ولا يتعداها لينال من الدولة . مهما إختلفنا حول أهداف ودوافع من شاركوا علي مدار عامين ونصف في الأحداث السياسية المتلاحقة والمتنوعة – منذ 25 يناير 2011 وحتى 30 يونيو 2013 – بين ما هو حراك ثوري يعتمد بالأساس علي التمسك بالميدان لإحساسة بعجز من هرولوا ليعتلوا مناصب الديوان عن تحقيق مطالب وتطلعات الميدان ، وبين رغبات ملحة لبناء مؤسسات الدولة بصلاحياتها الدستورية لم يكتب لها النجاح رغم ما يثار ممن سلكوا هذا المسار لتبرير أو تسبيب فشلهم ، فلا يستطيع أحد منا إنكار عودتنا مره ثانية للمربع صفر ، أو الإختلاف حول كون ما حدث نجاح نسبي لمن تبنوا المنهج الثوري وأيضا فشل نسبي لمن سلكوا المسار المؤسسي السلطوى ، ويصبح السؤال الأهم هو :

هل نستطيع أن نحدد سوياً كيف نتحول من الميدان إلي الديوان بصورة تمكنا جميعاً من وضع أسس وقواعد نظام لإدارة الدولة الحديثة القادرة علي تحقيق تطلعاتنا في واقع مطمئن ومستقبل أفضل ؟ وقبل أن نخوض كعادتنا في نقاش جدلي للإجابة علي هذا السؤال علينا أن نقر بأن هناك الكثير من الخبرات التى إكتسبتها الإنسانية من خلال مرور العديد من الدول في التاريخ القريب والمعاصر بمثل هذه المرحلة التي نمر بها الأن وهناك من تمكن من إجتياز مرحلة تحولة ونجح في الإنطلاق بالفعل نحو مستقبل أفضل ، فلا داعى للجدل حول إيجاد الأليات . وعلينا أن نقر بواقعنا علي حالة –

ربما يتعجب البعض من مطالبتي بإقرار للواقع ويتساءل هل الواقع بحاجة لإقرار؟ – نعم علينا أن نقر بالواقع وما به من تناقضات غريبة ألم ننخرط جميعاً في نظرية المؤامرة عندما واجهنا صعوبات في التعامل مع الأحداث طبقاً لمواقعنا ووجهات نظرنا أو الأيدولوجيات التي إنطلقنا منها وفي ذات الوقت رفضنا لجوء الأخر لتبرير مواقفه طبقاً لذات النظرية " لا أتطرق هنا لإثبات أو نفي مؤامرة أو نقد النظريه " . أليس واقعنا أننا عدنا للمربع صفر بعد عامين ونصف من الحراك السياسي المتنوع والمحتدم ، ولم يستطع الثوريون أن يحوزوا سلطة ولم يحقق من حازوا السلطة تطلعات ومطالب الثورة ، وتختلف وجهات نظرنا حول الأسباب التى أدت بنا إلي ذلك ويتبادل الأطراف الإتهامات دون أن نرى دراسة علمية واضحة من المراكز البحثية المتخصصة لتحليل ماحدث خلال الفترة للوقوف علي الأسباب الجذرية ،

ويضاف على غياب الأسلوب العلمي الإندفاع الغير مدروس الذى يؤدى بنا لتكرر بعض التصرفات وكأننا لم نتعلم من أخطاء الماضى القريب أو كأننا نتجاهل أو نجهل مساحات من الواقع مهما اتفقنا معها أواختلفنا فهي بالتأكيد جزء أصيل ومؤثر في واقعنا وما يزيد الأمور بلبة هو الغياب الواضح لألية الرقابة الذاتية عن فكر ومنهج معظم المتعرضين للشأن العام وعدم حيادية الرقابة المتبادلة فيما بيننا لإنزلقنا جميعاً في منافسة سياسية سلبية لا تمكنا من المضى قدماً في مناخ تعددي يكون قبول الأخر فيه من قناعاتنا وثوابتنا وتنوع روافده من عوامل ثراء فياضة .

 

ألم تتحول معظم حوارتنا إلي عراك غير مجدى إنشغلنا جميعاً أثنائه بسرد سلبيات بعضنا البعض دون أن يقف كل منا مع نفسة ليراجع أدائه وما شابه من أخطاء ليصحح مساره من أجل التحسين المستمر وتحقيق نتائج أفضل ، مراجعة واعية تتم طبقاً للمعايير العلمية وبناءاً علي الثوابت التي توصلت إليها الإنسانية ودون تشويها بإنكار لخطأ أو تناقض مع مبدأ . ألا يفترض الكثير منا في معظم الأحيان حالة للهروب خلالها من الواجبات المفروضه علينا تجاه بعضنا البعض وتجاه واقعنا الذى نرفضه ولا نتحمل أعباء تحسينة ، أو ظناً منا أن تجاوز بعض المراحل يجب أن يحدث تلقائياً ، أو ربما لشطط البعض وذهابه لخيبة الفكر التي تشيطن الأخر .

هناك الكثير من الشواهد التى تدلل علي إنكارنا لواقعنا وعدم إعترافنا به وإذا تأمل أى منا ما يدور في كل مكان يستطيع أن يميز بسهولة نماذج متعدده لهذا الإنكار ، وأختم تأملي الشخصي في هذا الشأن بظاهرة إنكارنا لغياب ثقافة التخصص وإختلاط الأمر علينا فيما بين الحقوق وما يجب أن تتمتع به من مساواه تجاه الجميع وبين الواجبات و الأدوار التى هي مسئولية ويجب أن تقوم علي التخصص والخبرة وما يصاحب هذا الخلط من تشوه مخل يرغب البعض من خلاله تفسير وتحديد الحقوق الفردية خارج القواعد والسمات الإجتماعية لمجتمع الشعب وبعيداً عن الإطار الحافظ لسيادة الدولة . كل ما سبق يعطي مؤشر علي حاجتنا أفراد وجماعات لضبط بعض المفاهيم وإكتساب المزيد من الخبرات قبل الخوض في الشأن العام مقرين بواقعنا الذى ننكره ومتحملين لمسئوليتنا تجاه أنفسنا ومجتمعنا .

هذا الإقرار بالواقع الذى أنادى به هو الخطوة الأولى التى تمكنا من معرفة أخطائنا بصورة علمية نصحح بناءاً عليها الصورة الذهنية التى يتبناها كل منا لنرى بعضنا البعض في الصورة الذهنية الجديدة بإنصاف وبقبول يمكنا من القيام بتحليل علمي نقف فيه علي الأسباب الجذرية التى أدت لفشلنا في الماضي القريب والبعيد ونتعاون من خلاله علي وضع الضوابط التي تساعدنا علي إيقاف انزلقنا نحو هوة الفشل وتجنبنا تكرار الأخطاء, إقرار يمكنا من نصرة بعضنا البعض ظالمين أو مظلومين دون جور علي حق أو إخلال بواجب .

 

وأظن أن الإجابة علي السؤال الأهم هل نستطيع أن نحدد سوياً كيف نتحول من الميدان إلي الديوان بصورة تمكنا جميعاً من وضع أسس وقواعد نظام لإدارة الدولة الحديثة القادرة علي تحقيق تطلعاتنا في واقع مطمئن ومستقبل أفضل ؟ بعد ما سبق ستكون نعم ولكن عندما ندرك معني الدولة ومعني نظم الحكم وطرق وأليات وخبرات إدارة التغيير من خلال الجميع ومن أجل الجميع، ونحن علي إستعداد صادق ومخلص لتحمل أعباء واجبتنا في هذه المهمة الصعبة والشاقة في ظل ما يمر به العالم من تغييرات جوهرية تجعلنا نؤثر ونتأثر بما يحدث حولنا دون إغراق في نظرية مؤامرة ننشغل بالنقاش والجدل حولها لدرجة تجعلنا غافلين عن الخطوه الأهم وهي بناء النظام القادر علي مواجه كافة الصعوبات والعقبات التى تواجه الوطن نتيجة غباء أو تأمر أو نقص موارد .

الإجابة أكيد ستكون نعم ليس درباً من تفائل عاطفي ، ولكن إدراكاً لحقيقة أن الشعب الذى استطاع أن يتفوق علي نفسة ويثبت مقدرته علي الإتيان بالجديد في تاريخ الثورات الشعبية من حيث الكم والكيف لهو الأقدر علي الإثبات لكل أنظمة الحكم العالمية أنه سيهدى عما قريب للإنسانية نموذج نظام حكم يعبر عن تطلعات البشرية في حكومات مخلصة وواضحة وإيجابية تساعد شعوبها علي النهوض لإضافة المزيد من الخبرات والخدمات التى تساعد الإنسانية علي تجاوز المشاكل التى خلفتها أنظمة الحكم التآمرية.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.