الرئيسية » تحرر الكلام » أواحدة أم أربع؟

أواحدة أم أربع؟

أواحدة أم أربع؟
أ.د‏. ‬حسيب شحادة
جامعة هلسنكي

عند التطرّق إلى العالم العربي‏ ‬من أية زاوية كانت،‏ ‬اجتماعية أو ثقافية أو سياسية أو اقتصادية،‏ ‬فلا بدّ‏ ‬من التأكيد على موضوع المرأة،‏ ‬تلك‏ "‬الرئة المعطلة‏" ‬كما سمّاها الشيخ خالد محمد خالد في‏ ‬منتصف القرن العشرين‏. ‬بعبارة وجيزة،‏ ‬يتنفّس العالم العربي‏ ‬برئة واحدة وهي‏ ‬غير معافاة بالتمام والكمال‏. ‬إنه لمن العجيب الغريب والمؤلم حقّاً‏ ‬أن نجد حتى في‏ ‬القرن الحادي‏ ‬والعشرين مجتمعا إنسانيا كالمجتمع العربي،‏ ‬يقبل أن‏ ‬يكون نصفه تقريبا مهمشّا كليّاً‏ ‬إن لم‏ ‬يكن‏ ‬غائبا وقاصرا ودونيا‏. ‬هذه الحقيقة تدخُل في‏ ‬لبّ‏ ‬ماهية وضعية المجتمعات العربية كافةً‏ ‬مع فوارق طفيفة هنا وهناك في‏ ‬شتّى الأقطار العربية‏. ‬للأسف الشديد،‏ ‬ما زال دور المرأة العربية في‏ ‬الحياة‏ ‬يتلخّص ويتقزّم في‏ ‬الغالب الأعمّ‏ ‬في‏ ‬كونها زوجة وأمّ‏ ‬خصبة وناقلة للتقاليد،‏ ‬ومن الضروري‏ ‬والهام جدا التركيز على دور المرأة كمربية وعاملة منتجة،‏ ‬وهذا‏ ‬يعني‏ ‬بالطبع إعادة النظر جذريا وشموليا بقضية القضايا‏: ‬التربية العلمية الخلاقة والتفكير الحرّ‏ ‬الصريح والبنّاء‏.

‬كان الفيلسوف الإغريقي‏ ‬أفلاطون‏ (Πλάτων = واسع الأفق، ٤٢٧-٣٤٧ ‬ق.م‏.) ‬قد نادى باستغلال طاقة المرأة في‏ ‬الانتاج‏. بدون مثل هذه العملية التربوية بعيدة المدى همّا وزمنا،‏ ‬فإن تلك الذهنية المبنية على‎ ‬الرياء والكذب والازدواجية،‏ ‬ستبقى سيّدة الموقف في‏ ‬المجتمعات العربية‏. ‬من الظواهر الشائعة في‏ ‬العالم العربي‏ ‬وجود حوالي‏ ٥٤‬٪‏ ‬من الفتيات اللواتي‏ ‬تتراوح أعمارهن ما بين الخامسة عشرة والتاسعة عشرة متزوجات‏. ‬بكلمات بسيطة وبالعربي‏ ‬الفصيح،‏ ‬كما‏ ‬يقال،‏ ‬معنى ذلك أن نصف أمّهات العرب،‏ ‬ومن المفروض أن‏ ‬يصبحن مربيات الأجيال الصاعدة،‏ ‬بناة المستقبل،‏ ‬هنّ‏ ‬في‏ ‬الواقع شبه أميّات إن لم‏ ‬يكنّ‏ ‬أميّات بالكامل‏. ‬وما زالت المرأة العربية من حيث حقوقُ‏ ‬الانسان تأتي‏ ‬في‏ ‬المرتبة الأخيرة ضمن كافة نساء العالم الثالث‏. ‬ويشار إلى أن نسبة النساء العربيات العاملات بأجر هي،‏ ‬على ما‏ ‬يبدو،‏ ‬أدنى نسبة في‏ ‬العالم،‏ ‬في‏ ‬حين أن معدّل الولادات لديهن هو الأعلى‏. ‬مما لا‏ ‬يخفى على المطلعين على التاريخ العربي‏ ‬أن المرأة في‏ ‬صدر الإسلام مثلا كانت تلعب دورا هاما بجانب الرجل في‏ ‬السلم وفي‏ ‬الحرب فسمية أمّ‏ ‬عمّار بن‏ ‬ياسر،‏ ‬المسلمة السابعة،‏ ‬كانت أول شهيدة في‏ ‬الإسلام،‏ ‬وأمّ‏ ‬كلثوم كانت أول امرأة هاجرت مع الرسول إلى المدينة،‏ ‬وصفية بنت عبد المطلب شاركت في‏ ‬معركة الخندق كما شاركت نسيبة بنت كعب في‏ ‬معركة أُحُد،‏ ‬وأم المؤمنين،‏ ‬عائشة،‏ ‬طلبت من النبي‏ ‬محمد الجهاد فأجابها الحجّ‏ ‬هو جهادُك‏. ‬    
من اللافت للنظر حقاً‏ ‬أنّ‏ ‬الشرع الديني‏ ‬لا‏ ‬يتطرّق لعمر معين لزواج الانثى وذلك بناء على سيرة النبي‏ ‬محمد،‏ ‬الذي‏ ‬تزوج عائشة وهي‏ ‬في‏ ‬السادسة من عمرها،‏ ‬ودخل فيها وهي‏ ‬في‏ ‬التاسعة‏. ‬من الملاحظ أنّ‏ ‬الفلسفة العربية الإسلامية في‏ ‬القرون الوسطى،‏ ‬لا سيما تلك السياسية،‏ ‬قد اعتمدت على‏ "‬الجمهورية‏" ‬لأفلاطون في‏ ‬حين أن الفلسفة المسيحية قد ارتكزت على‏ "‬السياسة‏" ‬لأرسطو ولم تعرف‏ "‬الجمهورية‏" ‬حتى عصر النهضة الأوروبية‏ ‬(renaissance)‏. ‬وعليه فإن الارتكاز على مصادرَ‏ ‬إغريقية مختلفة،‏ ‬قد أثرت جذريا على النظرة إلى المرأة في‏ ‬الإسلام،‏ ‬ومن ثم اليهودية من جهة وفي‏ ‬المسيحية من جهة أخرى‏. ‬ومن الأمثال الجلية لتأثير موقف أفلاطون الداعي‏ ‬إلى المساواة بين الذكر والأنثى ما‏ ‬يجده المطلع في‏ "‬آراء أهل المدينة الفاضلة‏" ‬لأبي‏ ‬نصر محمد الفارابي‏ (٨٧٣-٩٥٠) ‬الملقب بـ‏ "‬المعلم الثاني‏" ‬بعد أرسطو‏. ‬وفي‏ ‬كتابه هذا‏ ‬يحذو الفارابي‏ ‬حذو أستاذه أفلاطون في‏ ‬انحصار الفرق بين الرجل والمرأة في‏ ‬الجانب البيولوجي‏ ‬فحسب،‏ ‬أما في‏ ‬المجالات الأخرى مثل القدرة العقلية فالجنسان متساويان‏. ‬لا ريب البتة أن رأيا كهذا في‏ ‬القرون الوسطى كان راديكاليا إلى أبعد الحدود ومنقطع النظير‏. ‬وكان الفيلسوف العربي‏ ‬أبو الوليد محمد بن أحمد ابن رشد المعروف في‏ ‬الغرب بالاسم‏ ‬(Avérroès)‏ (١١٢٦-١١٩٨) ‬قد تعرض لهذه المساواة في‏ ‬شرحة لجمهورية أفلاطون وعبّر عن رأيه القائل بأن الفاقة التي‏ ‬كانت تصيب الدول في‏ ‬عصره ناتجةٌ‏ ‬عن‏ ‬غياب المرأة في‏ ‬ميدان العمل والانتاج،‏ ‬وما أقرب ذلك الأمس البعيد بالحاضر القريب في‏ ‬بلاد العرب‏. ‬

في‏ ‬معظم البلدان الإسلامية يوجد تحديد لسن الزواج لدى الذكور،‏ ‬سن الثامنة عشرة في‏ ‬حين أن الوضع بالنسبة للفتيات مختلف،‏ ‬ففي‏ ‬تونس والمغرب والجزائر الحدّ‏ ‬الأدنى هو الخامسة عشرة،‏ ‬وفي‏ ‬مصر السادسة عشرة وفي‏ ‬سوريا والأردن السابعة عشرة‏. ‬ويشار إلى أن هذا التحديد العمري،‏ ‬لا‏ ‬يعني‏ ‬بأن الدول المعنية تعمل جاهدة في‏ ‬ترشيده وتعميمه وتطبيقه‏. ‬بعبارة وجيزة،‏ ‬وهذا لبّ‏ ‬الموضوع ومكمن الداء العضال،‏ ‬القانون موجود حبر على ورق في‏ ‬جلّ‏ ‬الحالات،‏ ‬أما تطبيقه فحدّث ولا حرج‏. في‏ ‬النصف الآخر،‏ ‬القوّام على النساء،‏ ‬ما زال هو أيضا بعيدا جدّا عن التحرر الفكري‏ ‬والاجتماعي‏ ‬المطلوب وهكذا تتفاقم المعضلة وتتأزّم ولا مندوحة من تحرير ذاك وتلك معا إذا ما أريد لهذا المجتمع أن‏ ‬يستعد للعب دور فعّال في‏ ‬الحضارة العالمية التي‏ ‬لا تعرف الحدود في‏ ‬عصر العولمة القاسي‏ ‬هذا‏. ‬
    حين كُتب للإسلام النصر والغلبة في‏ ‬شبه جزيرة العرب في‏ ‬القرن السابع للميلاد،‏ ‬وقبل انتشاره الواسع من المحيط الأطلسي‏ ‬إلى الخليج العربي،‏ ‬تمخّضت هذه العقيدة الجديدة عن إصلاحات تصبّ‏ ‬في‏ ‬مجملها ولبّها في‏ ‬وضعية المرأة‏. ‬ففي‏ ‬الجاهلية،‏ ‬كما هو معروف،‏ ‬كانت المرأة بمثابة السلعة تشترى وتباع ولا تقييد لعدد الزوجات وللزوج حرية الطلاق متى شاء وأخيرا وليس آخرآ كانت ظاهرة وأد البنات الرضّع سائدة ذوداً‏ ‬عما سمّي‏ ‬بالسمعة الطيبة والشرف‏.
    وفي‏ ‬سورة النساء المكية المعروفة أيضا بعنوان‏ "‬سورة النساء الكبرى‏" ‬الكثير من الأحكام الشرعية،‏ ‬كما في‏ ‬السور المدنية،‏ ‬وتعالج هذه السورة‏ ‬،كما‏ ‬يدل اسمها على ذلك،‏ ‬في‏ ‬آياتها الستّ‏ ‬والسبعين بعد المائة جوانبَ‏ ‬ذات بال بشأن المرأة والحياة الاجتماعية‏. ‬أما‏ "‬سورة النساء الصغرى‏" ‬فهي‏ ‬سورة‏ "‬الطلاق‏" ‬ومن المعروف أنه حيث ما ذكر‏ "‬يأيّها الذين آمنوا‏" ‬فالسورة مدنية وأما العبارة‏ "‬يأيّها الناس"؛ فقد وردت في‏ ‬السور المكّية والمدنية على حدّ‏ ‬سواء‏. ‬وهناك من‏ ‬يرى في‏ ‬قضية تعدد الزوجات انتقاصاً‏ ‬لحقّ‏ ‬المرأة إذ أنه من قبيل المستحيلات أن‏ ‬يعدل الزوج بين أكثرَ‏ ‬من زوجة وقد ورد في‏ ‬القرآن الكريم‏ "‬وإن خِفتم ألا تُقسطوا في‏ ‬اليتامى فانكحوا ما طابَ‏ ‬لكم منَ‏ ‬النساء مثنى وثُلاثَ‏ ‬ورُباعَ‏ ‬فإن خِفْتُم ألا تَعْدِلوا فواحدةً‏ ‬أو ما ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا‏" (‬النساء،‏ ‬الآية ‏٣ ‬وينظر الآيتين ‏١٢٩‬،‏ ١٣٥ ‬وسورة المائدة آية ‏٨ ). ‬وقد قالت عائشة،‏ ‬أم المؤمنين،‏ ‬إن الآية قد نزلت في‏ ‬أولياء اليتامى الذين‏ ‬يتزوجون من اليتيمات الحسناوات اللواتي‏ ‬تحت كنفهم دون دفع المهر المناسب‏. ‬والمعنى حسب تفسير الطبري‏ ‬مثلا هو،‏ ‬إذا كان هناك شك وخوف في‏ ‬عدم توخي‏ ‬العدل في‏ ‬اليتيمات فينبغي‏ ‬الاحتراز وتوخي‏ ‬العدل بين الزوجات وإلا فلا بد من الاقتصار على زوجة واحدة أو نكاح الإماء لملك اليمين‏. ‬بعبارة أخرى،‏ ‬ترمي‏ ‬هذه الآية إلى إقامة القسط والعدل من جانب الزوج إزاء زوجته و"ذلك أدنى ألا تَعولوا‏" ‬بمعنى أن الاكتفاء بزوجة واحدة أو على ملك اليمين أقرب إلى العدل وعدم الظلم والجور بحق الزوجات‏. ‬والفعل المجرّد‏ "‬عول‏" ‬في‏ ‬الآية المذكورة قريب في‏ ‬معناه من الفعل‏ "‬غول‏" ‬وهو كما في‏ ‬اللغة العبرية،‏ ‬في‏ ‬لغة العهد القديم وفي‏ ‬لغة المشناة أي‏ ‬التوراة الشفوية،‏ ‬يعنى الظلم والجور1‏. ‬هنالك من‏ ‬يذهب إلى أن معنى الآية الآنفة هو،‏ ‬في‏ ‬حالة وجود أي‏ ‬خطر أو شك في‏ ‬أن الزوج سيستولي‏ ‬على مال اليتيمات بسبب كثرة حاجاته لكثرة بني‏ ‬بيته فعندها لا تتزوجوا إلا اثنتين أو ثلاثا أو أربعا وقيل إنّ‏ ‬الرجل آنذاك كان‏ ‬يتزوج العشر من النساء أو أكثر‏. ‬وإذا صح هذا التفسير فلا مانع هنا من الاقتران بأكثرَ‏ ‬من أربع نساء كما ورد في‏ ‬الشرع الإسلامي‏ ‬استنادا على هذه الآية‏. ‬ويبدو أن الرقم أربعة جاء للدلالة على القلة إذ أن أكل مال اليتامى حرام ولدرء ذلك لا بدّ‏ ‬من الزواج بواحدة أو الزواج من الجاريات‏. ‬كما وهناك من‏ ‬يذهب إلى أن المقصود هنا أنهم كانوا‏ ‬يتزوجون من اليتيمات بغية الاستيلاء على أموالهن إذا كنّ‏ ‬ثريّات أو بسبب جمالهن وتعددت الزوجات لدرجة بات معها من المستحيل إعالتهن وتلبية حاجياتهن الحياتية ولذلك ورد التحذير بعدم الإكثار منهن‏. ‬وهناك كالزمخشري‏ ‬من‏ ‬يرى أن استخدام اسم الموصول‏ "‬ما‏" ‬بدلا من‏ "‬مَنْ‏" ‬لأن الإناث من العقلاء بمنزلة‏ ‬غير العقلاء مثل‏ "‬وما ملكت أيمانكم‏". ‬والواو في‏ "‬مثنى وثلاث ورباع‏" ‬ليست للعطف أي‏ ‬تسع نساء بل للتخيير بين الاثنتين والثلاث والأربع‏. ‬
قد‏ ‬يقال،‏ ‬إن ظاهرة تعدد الزوجات،‏ ‬كانت في‏ ‬فترة تاريخية معينة ضرورية في‏ ‬ظروف معينة للحفاظ على التوازن في‏ ‬المجتمع بين الجنسين‏. ‬ومن الأمثلة الجيدة على اختلال التوازن بين الذكور والإناث ما خلفته الحرب العالمية الثانية في‏ ‬ألمانيا حيث بلغ‏ ‬تعداد الإناث أضعاف عدد الذكور‏. ‬ويرى الكثير من المسلمين أن مسألة تعدد الزوجات أفضل من المخادنة أو الزواج العرفي‏ ‬في‏ ‬الغرب‏.‬
ورد أيضا في‏ ‬نفس السورة الآية ‏٤٣ "‬الرجال قوّامون على النساء بما فضّل الله بعضَهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظاتٌ‏ ‬للغيب بما حَفِظ الله والتي‏ ‬تخافون نُشوزَهنّ‏ ‬فعظوهن واهجروهن في‏ ‬المضاجع واضربوهن فإن أطَعْنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إنّ‏ ‬الله كان عليّا كبيرا‏". ‬وهذا معناه،‏ ‬أن الرجال هم المفضلون لرجاحة عقلهم وهم ذوو الأمر والنهي‏ ‬والإرشاد والإنفاق،‏ ‬همُ‏ ‬الولاة والنساء الرعية صنفان،‏ ‬صالحات مطيعات وأخريات عاصيات متمردات،‏ ‬ويتحتم على الزوج إصلاح الاعوجاج بالكلمة الحسنة والموعظة فالهجران فالضرب وفي‏ ‬نهاية المطاف الله هو الولي‏ ‬وهو العلي‏ ‬القدير‏. ‬والضرب كما ورد في‏ ‬الحديث أحد سبل إصلاح نشوز المرأة وعصيانها وهذا أخف وطأةً‏ ‬من الطلاق وكما قيل‏ "‬وعند ذكر العمى‏ ‬يُستحسن العَوَر‏". ‬وهناك من أضاف في‏ ‬التفسير أن المقصود من الضرب ذلك الضرب‏ ‬غير المبرّح والله أعلم‏. ‬
    بخصوص مسألة تعدّد الزوجات،‏ ‬يمكن القول إنه وفق الشرع السني‏ ‬التقليدي‏ ‬يحقّ‏ ‬للرجل أن‏ ‬يتزوج حتى أربع نساء وبعض الفرق الشيعية تسمح لمؤمنيها ما‏ ‬يرغبون فيه من الزوجات المؤقتة ولا نعني‏ ‬هنا المحظيات‏. ‬وعلى ضوء بعض الاحصائيات،‏ ‬فإن حوالي‏ ١٠٪‏ ‬من الزيجات في‏ ‬العالم العربي‏ ‬تعددية‏. ‬وفي‏ ‬العصر الراهن أضحى تعدد الزوجات ظاهرة طبقية،‏ ‬فالأغنياء قادرون على ذلك أما الفقراء فيزداد فقرهم والأثرياء‏ ‬يزداد‏ ‬غناهم‏. ‬ومن الجلي‏ ‬أن انحسار ظاهرة التعددية جاء نتيجة مباشرة للحالة المادية أكثر منه نتيجة لتشريعات إصلاحية حديثة‏. ‬وفي‏ ‬بعض الدول العربية كلبنان ومصر والمغرب لا وجود لتحريم مباشر لتعدد الزوجات،‏ ‬ولكن بوسع المرأة أن تجعل الأمر‏ ‬غير ممكن وذلك بواسطة إدراج بند بذلك في‏ ‬عقد الزواج‏. ‬وفي‏ ‬المغرب،‏ ‬على سبيل المثال،‏ ‬يكتفي‏ ‬القانون بالإشارة إلى وجوب معاملة الرجل لزوجاته بالعدل والمساواة ولكن لا‏ ‬يشرح ويفصّل ويضع المعايير الملزمة إلخ‏. ‬وكان أنور السادات في‏ ‬مصر قد نادى،‏ ‬كما‏ ‬يتذكر البعض،‏ ‬مكتفيا بإعلان‏ "‬الحرب ضد التعدد‏" ‬وبقيت كلمات دون أية إجراءات عملية على أرض الواقع،‏ ‬وشتّان ما بين القول والعمل ولا بدّ‏ ‬من وضع آليات واضحة ومدروسة للتطبيق‏. ‬
إن تغيير الذهنية والموقف إزاء التحديث والتغيير في‏ ‬بعض العادات والتقاليد لا‏ ‬يتحققان إلا من الداخل،‏ ‬من التعليم والتثقيف المبرمج والمنفتح أمام الآخر رغم الاختلاف‏. ‬إن الرأي‏ ‬القائل إن المرأة لا تخرج إلا لثلاث،‏ ‬لبيت زوجها أو لحج بيت الله الحرام أو لتدفن لا‏ ‬يتمشى والحياة في‏ ‬العصر الراهن‏. ‬من الواضح أن الرجوع إلى الأصول لا‏ ‬يتمشى عادة مع التحديث وهو في‏ ‬واقع الأمر التمغرب والسؤال الكبير الذي‏ ‬يطرح نفسه بإلحاح هو‏: ‬كيف‏ ‬يتمّ‏ ‬ذلك دون ضياع الهوية والأخلاق النبيلة في‏ ‬المجتمعات العربية؟ ومن البدهي‏ ‬القول أن استعمال منتجات الغرب العلمية من المذياع والمرناة وحتى التقنية الحديثة المتطورة في‏ ‬مجالات الحياة المختلفة والإنترنت الخ‏. ‬كل ذلك وغيره لا‏ ‬يجعل من المستهلك رجلا عصريا حديثا في‏ ‬تفكيره ونظرته للحياة وعلاقته مع زوجته أولاً‏ ‬ومع الآخرين ثانياً‏. ‬هذا بطبيعة ‬الحال لا‏ ‬يعني‏ ‬بأن الغرب الحديث والمتقدم صناعيا وتقنيا لا‏ ‬يعاني‏ ‬من مشاكل وأزمات اجتماعية وأخلاقية‏. ‬وكردّ‏ ‬لهذا الغزو التقني‏ ‬والثقافي‏ ‬الهائل والسريع،‏ ‬يشهد المرء انبعاثا أصوليا في‏ ‬العديد من الحالات حتى في‏ ‬صفوف الجنس اللطيف‏. ‬
    احتلت المرأة في‏ ‬الجاهلية مكانة مرموقة،‏ ‬فكانت سرَّ‏ ‬سعادة الرجل ومستهل قصيدته‏. ‬وكما قال المتنبي‏ "‬إذا‏  ‬قيل شعر فالنسيب المقدم‏". ‬وكان للمرأة الحق في‏ ‬اختيار شريك حياتها وكانت تشترك في‏ ‬سوق عكاظ وتنشد الشعر بجانب الرجل‏. ‬ومن الأمثال العربية‏ "‬خير النساء البَرْزة الحيية وشرهن الخبأة الطُّلعة‏" ‬أي‏ ‬أحسن النساء من تختلط بالناس محافظة على عفتها وحيائها وأسوأهن تلك التي‏ ‬تتظاهر بالتستر إلا أنها في‏ ‬واقع الأمر لا تفوّت الفرصة للبصبصة على الآخرين‏. ‬وقال عمرو ابن كلثوم
إذا لم نحمهن فلا بقينا                لشيء بعدهن ولا حيينا

من جهة أخرى لا‏ ‬يخلو الأدب العربي‏ ‬من جوانبَ سلبية إزاء المرأة،‏ ‬ففي‏ ‬كتاب الإمتاع والمـؤانسة لأبي‏ ‬حيان،‏ ‬ورد بأن أسنان الرجل اثنتان وثلاثون سنا في‏ ‬حين أن أسنان المرأة ثلاثون‏. ‬ومن المؤلفين القدامى الذين تطرّقوا في‏ ‬مؤلفاتهم للمرأة‏ ‬يمكن الإشارة إلى الشافعي‏ ‬وابن الكلبي‏ ‬واسحق الموصلي‏ ‬والمدائني‏ ‬وابن قتيبة والجاحظ وكلهم من القرن التاسع،‏ ‬ثم الطبري‏ ‬وابو الفرج الاصبهاني‏ ‬من القرن العاشر،‏ ‬وابن منقذ والجوزي‏ ‬من القرن الثاني‏ ‬عشر‏. ‬وعلى الانسان أن‏ ‬يختار ما‏ ‬يراه مناسبا ومفيدا له ولمجتمعه في‏ ‬الحاضر وفي‏ ‬المستقبل‏!‬
    

—-
1    ‏ ‬أنظر القاموس الحديث في‏ ‬كلمات القرآن،‏ ‬تفسير وبيان لفضيلة‏  ‬الأستاذ الشيخ حسنين محمد مخلوف مفتى الديار المصرية السابق وعضو جماعة كبار العلماء‏. ‬دار الجليل للطباعة والنشر،‏ ‬عكا،‏ ١٩٦٨‬،‏ ‬ص‏.٥٩  ‬والمعنى الآخر‏ "‬لا تكثروا عيالكم"؛ المفردات فى‏ ‬غريب القرأن تأليف أبى القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى‏ (٥٠٢ هجرية‏) ‬تحقيق وضبط محمد سيد كيلاني،‏ ‬بيروت،‏ ‬د‏. ‬ت‏.‬،‏ ‬ص‏. ٣٥٤.‬

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.