الرئيسية » تقارير » معهد واشنطن: رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد يعد انتصاراً لحركة (فتح)

معهد واشنطن: رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد يعد انتصاراً لحركة (فتح)

في بداية هذا الأسبوع، كلف الرئيس الفلسطيني محمود عباس الأستاذ الجامعي رامي حمد الله بتشكيل حكومة جديدة خلفاً لتلك التي ترأسها الاقتصادي المحترم دولياً سلام فياض، الذي استقال من منصبه في نيسان/أبريل. إن حداثة حمد الله بالسياسة، تجعله يفتقد ذلك القدر من الاستقلالية في السلطة الذي يتمتع به فياض، الأمر الذي من المرجح أن يسمح لعباس وحركة «فتح» الحاكمة بالتمتع بمزيد من السيطرة على الكثير من تحركاته. غير أن بُعده عن الأضواء قد يساعده أيضاً في الاحتذاء حذو المبادرات الاقتصادية والأمنية لسلفه في ظل وجود عوائق سياسية أقل من تلك القائمة أمام حكومة فياض.
 
نصر لـ  حركة «فتح»
 
عمل حمد الله، المولود في مدينة طولكرم بالضفة الغربية في عام 1958، رئيساً لـ "جامعة النجاح الوطنية" في نابلس منذ عام 1998. وهو عالم لغويات في اختصاصه، وكان قد حصل على شهادة الدكتوراه من "جامعة لانكستر" في بريطانيا. ولم يشترك حمد الله حتى الآن في الحياة السياسية داخل السلطة الفلسطينية على الرغم من أنه ترأس في وقت سابق البورصة الفلسطينية وشغل منصب الأمين العام لـ "لجنة الانتخابات المركزية في السلطة الفلسطينية" منذ عام 2005.
 
ويبدو أن عباس قد اختاره بسبب صحيفته البيضاء في المجال السياسي.  وكونه بعيداً عن الساحة السياسية فإن حمد الله لا يمتلك أعداء سياسيين، بيد أنه يفتقر أيضاً إلى قاعدة شعبية، لذا فمن غير المرجح أن يسلك مساراً مستقلاً عن الرئيس عباس. ووفقاً لذلك، فمن الواضح أن تعيينه يبدو انتصاراَ لحركة «فتح» الحاكمة بقيادة عباس التي واجهت بعض الصعوبات جراء استقلالية فياض التي كانت تتزايد يوماً بعد يوم وتداعياتها على مرحلة ما بعد خلافة عباس.
 
وكما هو الحال بالنسبة لحمد الله، اعتُبِر فياض من التكنوقراط عند توليه منصبه في عام 2007. بيد أن الأربعة عشر عاماً التي قضاها في "صندوق النقد الدولي" أتاحت [له الفصة لإقامة] علاقات دولية جيدة على كافة المستويات وأن عمله في وظيفته السابقة كوزير للمالية في السلطة الفلسطينية قد عززت بشكل كبير من سمعته كأحد الإصلاحيين الاقتصاديين. ومنذ ذلك الوقت، أشار فياض بشكل علني أنه سيرشح نفسه للرئاسة في الانتخابات المقبلة. والآن وبعد أن تخلى عن دور الرجل الثاني برحيله عن رئاسة الوزارة، يمكن للمرء أن يتخيل أن فياض سيصبح أكثر صوتاً وصخباً في الدعوة لإجراء انتخابات جديدة.
 
وتشير مسألة تعيين رجل يفتقر إلى سمعة دولية وقاعدة شعبية داخلية مقارنة بتلك التي يتمتع بها فياض إلى أن عباس ودائرته المقربة سيكونون قادرين على إحكام سيطرتهم على رئاسة الوزراء. وفي الوقت نفسه إذا اختار عباس عضواً من "اللجنة المركزية لحركة «فتح»" أو من "المجلس الثوري"– شخص يتمتع بالإمكانية لأن يخلفه كرئيس — فإنه بذلك يبتعد على الأرجح عن بعض اللاعبين على الساحة الفلسطينية. ويعتبر حمد الله بمثابة الخيار الوسط وذلك على النحو التالي: من غير المرجح أن يعارض «فتح»، كما أنه غير مرتبط بـ «حماس»، لذا فلا يمكن للولايات المتحدة وإسرائيل أن يعترضا عليه على هذه الأسس.
 
وعلاوة على ذلك، فمن خلال قيام عباس بتعيين أكاديمي، قد يعتقد رئيس السلطة الفلسطينية أنه يمكن أن ينجو من الإدعاءات الخاصة باتّباعه لنظام المحسوبية في اختياراته. وفي وقت سابق، تكهن بعض المراقبين الغربيين أن عباس سيعين مساعده في الشؤون الاقتصادية محمد مصطفى لكي يحل محل فياض الذي رأوه أنه إشارة إلى نظام المحسوبية الاقتصادية (ولكن دون توجيه اتهامات محددة ضد مصطفى). ومع ذلك، ففي الوقت الحالي، وردت بعض التقارير أن عباس يخطط لتعيين مصطفى كنائب جديد لرئيس الوزراء، مشيرة إلى أنه يريد أن يضع مراقبة وثيقة على حمد الله، في الوقت الذي يتفادى فيه مثل هذه الانتقادات.
 
وعلى الرغم من عدم وجود أي إشارة علنية في واشنطن حول موضوع تعيين حمد الله وتقييم [قابلياته وأعماله السابقة]، إلا أن مسألة التوقيت تبدو لافتة للنظر. فعندما استقال فياض في 13 نيسان/أبريل، لم يبدو عباس في عجلة من أمره بوجه خاص لتعيين من يحل محله. وبدلاً من ذلك، جاء القرار بعد أيام قليلة من اجتماع "المنتدى الاقتصادي العالمي" في الأردن في 26 أيار/مايو، والذي أعلن فيه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري — عندما كان عباس واقفاً إلى جانبه — أن الولايات المتحدة ستتزعم خطة تنموية اقتصادية بقيمة 4 مليارات دولار من أجل السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية.
 
عدم تحقيق مصالحة بين «فتح» و «حماس»
 
في عام 2011، التزم عباس بتعيين رئيس وزراء جديد بالاشتراك مع «حماس» كجزء من اتفاق المصالحة المبدئي مع "حركة المقاومة الإسلامية". وعندما أكدت الأطراف مجدداً على رغبتها في المصالحة العام الماضي، أشارت أن عباس نفسه سيكون رئيس الوزراء المقبل. بيد أنه على الرغم من مرور عامين من المباحثات، إلا أن المفاوضات بين «فتح» و «حماس» قد تعثرت ويعتبر تعيين حمد الله إشارة إلى أن المصالحة لن تحدث في أي وقت قريب.
 
وفي الواقع، وبدلاً من الموافقة بشكل مشترك على قرار التعيين، أعلنت «حماس» رفضها له. فقد قال المتحدث الرسمي باسم حركة «حماس» فوزي برهوم "كان ينبغي على عباس تنفيذ المصالحة [الاتفاق]،" واصفاً قرار الرئيس أحادي الجانب بتصعيد حمد الله بأنه "غير شرعي". بيد أنه من الصعب على «حماس» أن تعتبر حمد الله مسؤولاً عن تعطل المصالحة. ففي شباط/فبراير 2013، أقامت "لجنة الانتخابات المركزية" — تحت رئاسة حمد الله — 257 مركزاً لتسجيل الناخبين في غزة للمساعدة في بدء الانتخابات الوطنية، التي لم تُجرى منذ الانتخابات البرلمانية عام 2006.
 
الاختبارات التي تنتظر حمد الله
 
في المرحلة القادمة سيركز المانحون الدوليون على تقدم رئيس الوزراء الجديد في ثلاث مجالات رئيسية: شفافية الميزانية، والإدارة الرشيدة للاقتصاد، واستمرار التعاون الأمني مع إسرائيل. وفيما يتعلق بالمسألة الأولى فإن الاختبار الجوهري يكمن فيما إذا كان حمد الله سيواصل الإعلان عن بنود ميزانية السلطة الفلسطينية، وهو النهج المميز الذي اتبعه فياض لتحسين الإدارة والوصول إلى الحوكمة الرشيدة. ومن خلال قيام فياض بوضع الحساب الرئيسي للسلطة الفلسطينية تحت المراقبة الدولية، فإن رئيس الوزراء المستقيل قد جعل من المستحيل من الناحية العملية انحراف مسار المساعدات. فإذا اتخذ حمد الله مساراً مختلفاً، فإن أوروبا وواشنطن سيضطران إلى تخفيض إسهاماتهما.
 
كما اكتشف فياض أن حالة المد والجزر التي اتسمت بها مفاوضات السلام قد أثرت على جهوده الرامية لاستقرار الميزانية وإضفاء الصفة الاحترافية عليها. إن محاولة عباس أحادية الجانب للحصول على العضوية في الأمم المتحدة في عامي 2011 و 2012 قد عطلت كل من المساعدات الأمريكية ونقل إسرائيل للإيرادات الضريبية التي تحصلها بالنيابة عن الفلسطينيين. ونتيجة لذلك، كان على السلطة الفلسطينية الاقتطاع من الرواتب الشهرية لـ 150,000  من موظفيها، كما أن قيادة «فتح» قد جعلت من فياض كبش فداء رغم معارضته الشديدة لتوجه عباس إلى الأمم المتحدة.
 
ويعتبر الملف الاقتصادي إحدى القضايا الرئيسية الأخرى. وبفضل الاستراتيجية التي يتبعها فياض إلى حد كبير والمتمثلة بمهاجمة العجز في الميزانية والتركيز على مشروعات البنية التحتية، فقد سجل "الناتج المحلي الإجمالي" في الضفة الغربية نمواً بمعدل 11 في المائة في عامي 2010-2011 — وفقاً لـ "لجنة الاتصال المخصصة"، التي تنسق مساعدات المانحين.  ومع ذلك انخفض هذا الرقم إلى 6 في المائة في عام 2012، في الوقت الذي زاد العجز في الميزانية وزادت نسبة البطالة خاصة بين الشباب. وعلى الرغم من استئناف المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة وقيام إسرائيل بتسليم الإيرادات الضريبية، يبدو من غير الواضح كيف سيعيد حمد الله النمو الاقتصادي للمستويات السابقة. وعلى وجه الخصوص، سيكون من الشيق رؤية ما إذا كان سيستطيع تكرار النجاح الإقليمي الذي حققه في جمع الأموال عندما كان مسؤولاً عن إحدى الجامعات، حيث أفادت التقارير أنه كان قد جمع ما قدره 300 مليون دولار، أغلبها من الدول العربية.
 
وبالنسبة للتعاون الأمني مع إسرائيل، عُرف فياض بالتزامه بهذه الأنشطة كوسيلة لتحسين الوضع الأمني والقانوني داخل الضفة الغربية. وعلى وجه التحديد، ركز فياض على تعزيز الخدمات الأمنية، وإضفاء الطابع المؤسسي على التعاون مع الخدمات الإسرائيلية، ومتابعة نشطاء «حماس» المتورطين في البنية التحتية للإرهاب في الضفة الغربية. وقد فضل عباس هذه التعاون أيضاً إلا أنه غالباً ما كان يسافر إلى الخارج تاركاً إدارة هذه المسألة لفياض والمسؤولين المعنيين. وعلى الرغم من أن التواصل والتنسيق الأمني بين الإسرائيليين والفلسطينيين يبدو الآن أمراً روتينياً ولا يتطلب نفس المستوي من التدخل كما كان الحال في الأيام الأولى من ولاية فياض، فمع ذلك يتساءل المراقبون ما إذا كان التزام حمد الله بهذه المسألة سيضاهي سلفه أم لا.
 
وفي هذا الصدد هناك أسباب تدعو إلى التفاؤل. فعلى الرغم من أن "جامعة النجاح" قد قدمت عدداً من الانتحاريين خلال الانتفاضة الثانية (2000-2004)، إلا أن حمد الله قد أدان علنياً وبشكل قاطع تلك الهجمات مصرحاً: "أن الغالبية العظمى من الطلاب والمدرسين في هذه المؤسسة ضد قتل أي نفس بشرية. إنها من الفظاعة بمكان أن تقدم على قتل طفل برئ، سواء في فلسطين أو في إسرائيل أو في أي مكان آخر." وفي ذلك الوقت، ألقى اللوم على التطرف المتزايد إلى عدم إحراز تقدم نحو تحقيق عملية السلام.
 
الخاتمة
 
يبدو أن عباس قد عثر على رئيس الوزراء الذي سيعمل تبعاً لمكتب الرئيس. إن هذا الأمر بالإضافة إلى عدم وجود أعداء سياسيين لحمد الله قد يساعد رئيس الوزراء الجديد على تحقيق النجاح في هذا المنصب. وعلى الرغم من أن حمد الله لا يتوقع أن يحافظ على  شعور الاستقلالية التي كان يتمتع بها فياض، فإنه لا شك سيكون محل نقد وتحليل من جانب المانحين وفقاً للمعايير المالية والاقتصادية والأمنية التي وضعها سلفه. كما أنه من السهل قياس هذه المعايير، لذا ينبغي على المجتمع الدولي أن يعرف قريباً ما إذا كان رئيس الوزراء الجديد سيسير على طريق فياض أو سيتخلى عنه.
 
 
 
ديفيد ماكوفسكي هو زميل زيغلر المميز ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.