الرئيسية » أرشيف - فضاء واسع » مقاتلو حزب الله يستعرضون أمام قبر حافظ الأسد

مقاتلو حزب الله يستعرضون أمام قبر حافظ الأسد

خلال تشييع الرئيس السوري السابق حافظ الأسد في مدينته القرداحة صيف العام 2000 لم يكتف الأمين العام لحزب الله اللبناني بالقيام بواجب العزاء  المعتاد، بل إنه جلب نخبة من مقاتليه الذين قدموا عرضاً واستعراضاً أمام قبر الأسد الأب، فيما كان نصر الله والأسد الابن يتابعان بشيء من التحدي والزهو.
 
لعل تلك الحادثة كانت أشبه بعهد الولاء الذي قطعه نصر الله على نفسه ومقاتليه بالاستمرار مع الأسد، وقد ازداد تأكيد نصر الله على ولائه لعائلة الأسد في أثناء الحراك اللبناني الشعبي الذي أعقب اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري والذي أشارت أصابع الاتهام إلى تورط النظام الأمني السوري بتلك الحادثة، ما دفع اللبنانيين للتوحد على ضرورة إنهاء ثلاثين عاماً من الوجود العسكري السوري في لبنان، وهذا ما حدث، إلا أن حزب الله لم يخالف التوقع المأمول منه، وربما الأوامر الموجهة له من طهران فأقام احتفالاً كبيراً ليشكر فيه حسب تعبيره "التضحيات السورية" لأجل لبنان، وحمل المشاركون في ذلك الاحتفال والذي أقيم يوم الثامن من آذار عام 2005 لافتات تحيي "التضحيات" و "البطولات" إلى آخره.
 
بالمقابل فإن نظام الأسد بدا ممتناً لهذا الموقف سواء من قبل نصر الله أم من قبل الآخرين، واتخذهم "ذريعة" ليثبت أن اللبنانيين جميعاً شاكرون لما فعله "السوريون" لأجل لبنان. واعتبر نصر الله والآخرين أبطالاً في وجه مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تتصدى له سوريا ومن معها بكل قوة.وحين شنت إسرائيل هجومها صيف العام 2006 على لبنان بعد قيام عناصر حزب الله بخطف اثنين من جنودها، تصدر نصر الله المشهد السوري ربما أكثر من اللبناني، وصار ببساطة البطل، وانساق الإعلام السوري بكل ما أوتي لإثبات بطولته، وتصدرت صوره الساحة السورية إلى جانب صور الأسدين الأب والابن وعبارات نهج المقاومة، والصمود، إلى آخره، ومرة أخرى تتوطد العلاقة بين الطرفين الحزب والدولة، في مسعى منهما للخروج من عزلة بدأت ملامحها بالتشكل مع اكتشاف عبثية ما قام به الحزب، وقيامه بجر لبنان إلى حرب هو في غنى عنها، وخلافاً لرأي الأغلبية في لبنان والكثير من الدول العربية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ومصر فإن نظام دمشق اعتبر تلك الحرب ضرورة، لتحطيم "أسطورة" الجيش الإسرائيلي، دون الأخذ بعين الاعتبار الكم الهائل من الدمار الذي جرته على لبنان.
 
بعد "حرب تموز" انسحب نصر الله من المشهد، وتحول من زعيم حاضر، إلى شاشة متنقلة، يوجه خطاباته من أماكن سرية، وكان الإعلام السوري يحتفي أيما احتفاء بتلك الخطابات، إلى أن وقعت حادثة اغتيال القيادي في الحزب "عماد مغنية" لتهدد بوقوع قطيعة بين نظام الأسد والحزب المدلل، فقد اغتيل "مغنية" في دمشق، وفي المربع الأمني فيها تحديداً، لكن وكما جرت العادة في جميع حوادث الاغتيال السابقة فإن أصابع الاتهام اتجهت مباشرة إلى إسرائيل، دون أي تحقيق حقيقي، وتدخلت طهران وسيطاً بين دمشق وحزب الله الذي بدأ قبل ذلك الزمن محاولته الهيمنة على الساحة السياسية في لبنان، ورفض أي نوع من أنواع التفاهم على موضوع السلاح والذي شكل ولا يزال حجر عثرة في دفع أي عملية سياسية في لبنان إلى الأمام، ولعل "أفعال التشبيح" التي قام بها أعضاء حزب الله في بيروت وسواها من المدن اللبنانية، وحادثة "القمصان السود" الذين قاموا بالاعتداء على بعض وسائل الإعلام اللبنانية، تشكل دليلاً واضحاً على كيفية تعاطي حزب الله مع الداخل اللبناني وفق مبدأ "أنا ولا أحد سواي".
 
ومع بداية الثورة الشعبية المطالبة بإسقاط نظام الأسد في سوريا، اتخذ حزب الله، وكما كان متوقعاً موقف الداعم لنظام الأسد، ومنذ الأيام الأولى لتلك الثورة أشارت المعلومات إلى أن الحزب يشارك بمقاتليه في قمع الثورة، ومرة أخرى برز ما يسمى بـ "القمصان السود" على الساحة، لكن هذه المرة في سوريا وليس في لبنان، وبالمقابل فإن القوى الوطنية اللبنانية، وعلى اختلاف توجهاتها أعلنت تأييدها للثورة ووقوفها إلى جانب الشعب السوري في سعيه لنيل الحرية، فلا أحد مثل اللبنانيين يعلم ماهية النظام السوري، لكن مشاركة حزب الله ظلت حبراً على ورق، رغم الشهادات الكثيرة التي قدمها ناشطون ومعتقلون سابقون، إلى أن أثبت الحزب بالدليل القاطع أنه تجاوز الحدود ودخل سوريا فعلاً، وأن مقاتليه يشاركون فعلياً في المعارك الدائرة في مختلف المناطق السورية، وأعلن الأمين العام لحزب الله ذلك الأمر مفتخراً، متذرعاً بحماية "المقدسات الشيعية" في سوريا، والتي يخشى نصر الله ومن خلفه إيران أن يقوم الثوار السوريون بالاعتداء عليها، وهذا ما لم يقع في أي منطقة من المناطق، ولم يستطع النظام رغم سعيه الدائم لوصم الثورة بالطائفية أن يقدم دليلاً ولو صغيراً على قيام الثوار بالإساءة إلى أي من المزارات الشيعية، أو المقامات، لكن انغماس حزب الله وتورطه، والذي كان مرحباً به من قبل نظام دمشق، كان يجب أن يجد مسوّغاً، وليس ثمة تبرير يمكن تقديمه سوى المقامات الشيعية، والتي لم تمس بل إن قاطني منطقة السيدة زينب التي قال نصر الله إن مقاتليه ذهبوا للدفاع عن المقام الذي فيها هم في غالبيتهم من السنة وليسوا من الشيعة، ولم تسجل أي حادثة اعتداء أو إساءة إن خلال الثورة أو قبلها.
 
ومع ازدياد أعداد قتلى الحزب الذين يتم تشييعهم لقيامهم بواجبات قتالية في مختلف المناطق اللبنانية كان لابد لنصر الله أن يبحث عن ذريعة جديدة، فكانت القرى الشيعية المحاذية للحدود اللبنانية خير ذريعة، وهكذا بات "المقاومون" الذين تم إعدادهم "لمواجهة" العدو الإسرائيلي متورطين أكثر فأكثر في المعارك الدائرة في الجارة سوريا بين الثوار من جهة ومقاتلي النظام مع "مقاومي حزب الله طبعاً في الجهة الأخرى.
 
عام 2005 وعقب اغتيال الصحفي اللبناني اللامع جبران تويني والذي أشارت أصابع الاتهام إلى وقوف النظام السوري وأعوانه اللبنانيين وراء هذه الحادثة سألت جيزيل خوري الراحل غسان تويني عن السؤال الذي يود أن يطرحه على حسن نصر الله في حال أتيح له الالتقاء به، فقال تويني: أريد أن أسأله أما زال راغباً في إقامة دولته الشيعية في لبنان؟
 
ولعل استعادة هذه الإجابة فيها الكثير من الإجابات عما يفعله مقاتلو "حزب المقاومة" في سوريا، ولماذا يصر نصر الله على جر لبنان إلى معركة سيخرج الجميع منها خاسراً؟
 
ولعل الغارات الإسرائيلية الأخيرة على مواقع عسكرية سورية، وزوبعة الصراخ التي أعقبتها سواء من طرف نصر الله أم من طرف النظام في دمشق، تطيح بعيداً بورقة التوت التي كانت تستر مفردة الممانعة، وتضع الأمور في سياقها الطبيعي، فالممانعة و المقاومة تصلح للاستهلاك الإعلامي، لكنها لا تصلح أبداً للتطبيق على أرض الواقع في حال استمر السوريون في طلب حريتهم وتحررهم من منظومة الكذب التي لا تنتهي.
ثائر الزعزوع

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.