الرئيسية » أرشيف - فضاء واسع » فك الارتباط وانعكاساته على الربيع الأردني

فك الارتباط وانعكاساته على الربيع الأردني

بقيت الجدلية القانونية والمواقف السياسية الدولية والعربية قائمة منذ ما يزيد عن ثلاثة وستون عاما  حول توحد  الضفتين  " الأردن والضفة الغربية "عام 1950 وإعلان فك الارتباط عام 1988   وما  ترتب عليه من نتائج سياسية وأثار قانونية وانعكاسات جدلية حول شرعيته أثاره على الربيع   الأردني .
 
(1)
 
أ – الوحدة 
انجلى الانتداب البريطاني في 14من مايو 1948 عن فلسطين وتم إعلان الدولة اليهودية بذات اليوم بعد منتصف الليل بعدها اندفعت جيوش ست دول عربية مع جيش التحرير الفلسطيني   لتخليص فلسطين من العصابات اليهودية  ورفض لقرار الأمم المتحدة رقم 181 والذي أُصدر بتاريخ 29 نوفمبر 1947بتقسيم  فلسطين  إلى دولتين دولة يهودية تقوم على مساحة 56 % ودولة  فلسطينية  تقوم على 43 % من  دولة  فلسطين  التاريخية و1%  مدينة  القدس توضع  تحت إشراف دولي .
 اندلعت الحرب  ومنيت الجيوش العربية بهزيمة منكرة لعدم تكافؤ القوة القتالية ، انتهت الحرب وتم  تثبت الهدنة  الثانية وأوقف إطلاق النار بقرار من الأمم المتحدة ،كان لانسحاب القوات العراقية من شمال فلسطين وتسليمها للجيش الأردني، وانسحاب القوات المصرية من بيت لحم والخليل في نهاية الحرب قد أفضى إلى وجود الضفة الغربية كلها تحت الإدارة العسكرية للجيش الأردني .
 تهجر على اثر الحرب ما  يزيد عن 400,000 فلسطيني من المناطق المحتلة إلى داخل الضفة  الغربية والضفة  الشرقية ، و في 11/12/1948 صدر قرار194من الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي جاء في الفقرة 11 منه بأن الجمعية العامة "تقرر وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وكذلك عن كل فقدان أو خسارة أو ضرر للممتلكات بحيث يعود الشيء إلى أصله" .
ولم يكن ذلك القرارله صفة الإلزام القانونية كون الأمم المتحدة تصدر قرارات غير ملزمة فحازت  إسرائيل على جزء  كبير من الأراضي الفلسطينية يزيد عن النسبة 56% المحددة في قرار  التقسيم  الشهير وأفرغت معظم الأراضي من سكانها الأصليين،.
تنادت الزعامات الفلسطينية في مؤتمر أريحا وطالبت بالوحدة بين "الضفتين " الضفة الغربية  التي  استطاع الجيش الأردني أن يحتفظ  بها  وتمثل 22% من أراضي الدولة الفلسطينية والضفة  الشرقية الأردن ، بتاريخ 24/4/1950 صدر قرارا إداريا غير مقنن بالوحدة وأصبح  كل  فلسطيني يقيم في الضفة الغربية أقامة طبيعية أردني الجنسية، أجريت على اثر هذا القرار انتخابات برلمانية بواقع عشرين مقعد عن كل من الضفتين بمجلس مكون من 40  نائب وعرض  القرار على المجلس المنتخب فتم الموافقة عليه بالإجماع باستثناء عضوين ممثلين للضفة الشرقية اعترضا عليه ،.
قرار واجه  معارضة من جامعة الدول العربية التي أصدرت قرارها في نفس العام بـ " المملكة الأردنية الهاشمية تـعـلـن أن ضـم الجزء الفلسطيني إليها، إنـمـا هـو إجـراء اقتضته الضرورات العملية، وإنها تحتفظ بـهـذا الـجـزء وديـعـة تحت يـدهـا، علـى أن يكـون تــابــعــا للتسوية النهائية لقضية فلسطين عـنـد تحرير أجزائها الأخرى بكيانها الـذي كانت عليه قـبـل العدوان، وعلـى أن تقبل فـي شأنه ما تقرره دول الجامعة الأخرى" .
ترافقا موقف جامعة الدول العربية مع صمت دولي من الوحدة إذ لم  يعترف بالوحدة على  المستوى الدولي إلا باكستان وانجلترا.
استمرت الوحدة  بين الضفتين وسارت بشكل غير مستقر اعترضها بعض العوارض التي أثرت  عليها بشكل كبير .
عارضت منظمة التحرير الفلسطينية –ا لتي تاسست عام  1964-  بشكل غير مباشر على الوحدة  كما عارضت حركة فتح التي تأسست عام  1965 بعدها على الوحدة.
معارضة دفعت الأردن لسحب اعترافه بمنظمة التحرير الفلسطينية  والتي كانت  ترى  أن الوحدة بين الضفتين تؤثر على تمثيلها  للمكون  الفلسطيني ، كما  أن حركة فتح  سعت أن يكون لها سلطة على فلسطيني الأردن مثل ما كان لها سلطة على فلسطيني سوريا ولبنان والعراق وقطاع غزة إضافة  .
إضافة إلى وجود علاقة  خشنة  بين الحاج أمين الحسيني والأردن الرسمي ودخول الأردن في حلف بغداد الذي فجر الضفتين بالمظاهرات . 
بقي الجدل بين الأردن والفصائل الفلسطينية حول هذا الموضوع حتى عام 1967 وهزيمة حزيران بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر.
ب- فك  الارتباط
جاءت الوحدة برغبة شعبية وبحاجة  فرضتها  حرب 1948 ، لكنها وحدة كانت تفتقر إلى الاعتراف  العربي والدولي ، جعل منها وحدة هشة قصم ظهرها هزيمة  حزيران  عام  1967 وما ترتب  عليها  من احتلال القوات الإسرائيلية كافة مساحات الضفة الغربية وغزة وسيناء وأجزاء من الأردن  والجولان السوري .
 صدر قرار مجلس الأمن رقم 237 في 14 حزيران (يونيو) 1967 ليؤكد من جديد أيضاً "حق الفلسطينيين ، غير القابل للتصرف في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي شردوا منها واقتلعوا منها، وقرر إعادتهم " .
 حاول الأردن الرسمي التوسط  لدى الغرب لمحاولة إعادة  الضفة الغربية  إلى المملكة لكنه لم   يحقق  شيء في  هذا  المضمار ، استمر  الوضع  على  هذا  الحال  حتى  صدور  قرار في  مؤتمر جامعة  الدول  العربية في الرباط بتاريخ 26/10/1974 والذي جاءت نتائجه بإجماع الدول العربية التي كانت ترغب في أن تكون منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني 
اسقط في يد الأردن الرسمي وبقي الأردن محجما ومماطلا في إعلان فك الارتباط بعد قمة الرباط حتى تاريخ 31/7/1988 إعلان تم بموجب "قرار إداري" دون موافقة مجلس النواب عليه والذي تم  حله قبل قرار فك الارتباط  في ذات العام 
 جاء الإعلان بعد خروج استطلاعات الرأي تابعة للفصائل الفلسطينية وقت ذاك والتي  أشارت إلى أن 2.5% فقط من فلسطينيي الضفة كانوا يؤيدون استمرار الوحدة بين  الضفتين  ، 
إضافة لرغبة منظمة التحرير الفلسطينية بفك الارتباط ، وضغط الدول العربية المجتمعة في مؤتمر القمة العربية باعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطينيين .
إضافة إلى العدائية  بين الأردن الرسمي والفصائل الفلسطينية المبنية على خلفية  الصراع المسلح الذي دار بين الجيش والفصائل الفلسطينية عام 1970 .
 ورغبة الأردن في محاولة  النأي بالنفس والابتعاد عن لظى الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي اندلعت  في 8/12/1987وما يترتب على تأخير فك الارتباط  من مسؤوليات اتجاه الشعب في الضفة  الغربية بعد اندلاع  الانتفاضة .
(2)
تشابك قانوني
 بعد هزيمة حزيران وخروج القوات الأردنية من الضفة الغربية بدأت الأمور تتعقد قانونيا وتطفو على  السطح  بشكل  ملح .
 اعترفت إسرائيل بالوحدة بين الضفتين ضمنيا واستخدمت سياسة الجسور المفتوحة ، فعمد ت وزارة  الداخلية الأردنية بقيادة احمد عبيدات من عام  1983 للتعامل مع الواقع القائم باستحداث نظام  البطاقات الملونة فتم إعادة صياغة أوضاع المقيمين في الأردن من أبناء  فلسطين على هذا الشكل
 حملة جواز سفر برقم وطني أردني " يكون حامله أردني كامل المواطنة ويتمتع  بكافة الحقوق  السياسية "، أعطي هذا الجواز لمن لجأوا إلى الأردن بعد  حرب 1948 .
حملة جواز سفر برقم وطني أردني ويحملون البطاقات الصفراء ويتمتعون بكافة حقوق المواطنة والحقوق السياسية الأردنية ، وهم فلسطيني الضفة الغربية المقيم في الأردن ولديهم تصريح لم شمل أو حق إقامة في الضفة الغربية بموجب إحصاء إسرائيل بعد حرب حزيران عام 1967، يستخدمون البطاقة الصفراء عند سفرهم بين الضفة الغربية والأردن.
 حملة البطاقات الخضراء، من أبناء قطاع غزة و الضفة الغربية ولا يحملون الرقم الوطني ولا يتمتعون بأي من الحقوق السياسية بعضهم يقيم إقامة عمل  أو إقامة دراسة أو إقامة زيارة .
كما أن قرار الوحدة وقرار فك الارتباط جاء قرارين إداريان، حصل  في الوحدة على موافقة مجلس النواب المنتخب في الضفتين ولم  يعرض في الانفصال على المجلس ،كما ان قرار الوحدة وفك الارتباط جاءا غير متضمنين في نصوص الدستور .  
قانون الجنسية الأردني يمنع ازدواج الجنسيات العربية ، مما يثير جدلية قانونية حول جنسية حملة البطاقات الصفراء إذا  ما  تم  تكييف  البطاقة  الصفراء  وحق  المواطنة   الفلسطيني   كـ جنسية  فلسطينية .
مؤخرا تم تضمين التعديلات الدستورية في عام 2011  نص المادة مادة 42 "لا يلي منصب الوزارة وما في حكمها إلا أردني لا يحمل جنسية دولة أخرى"، نصا يمنع من يحمل جنسية أجنبية تولي أي مناصب سيادية " نواب  واعيان   ورؤساء  وزراء ووزراء ".
دخل التعقيد القانوني أوجه باعتراف الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية بصفة مراقب وما  يترتب عليه من أثار قانونية باستحالة  الرجوع عن قرار فك الارتباط  الصادر 1988 إلا بالذهاب  إلى النظام الفدرالي ومصادقة مجلس نواب في الدولتين على ذلك أو استفتاء على ذلك الشعبين  وهذا غير متوفر في الوقت الراهن .
 
 
 
 
 
3- انقسام  الحراك
لا زال قرار فك الارتباط  يلقي بظلاله على الحياة السياسية الأردنية وتجلى ذلك بشكل واضح في  الربيع  العربي الذي كان له صيغة مختلفة  تماما في الأردن ، صيغة لم تتجاوز مربع المطالبة بإصلاح النظام وذلك لطبيعة التركيبة الديمغرافية  الناتجة عن  قرار الوحدة وفك الارتباط.
 يسعى النظام في الأردن إلى التعتيم على التركيبة الديمغرافية ليستفيد من التناقض الموجود في  ظل غياب المعلومة ، وليبقى شبح الوطن البديل يخيف ويسيطر على عقول الجميع، ويبقى النظام الحاكم يمثل القاسم المشترك الذي يجمع عليه الجميع والذي بدوره يؤكد القناعة للكل بأنه يحمي الجميع  من الجميع في ظل التعمية المقصودة في التركيبة والديمغرافية.
جميع أطياف المعارضة تجمع على فساد السلطة الحاكمة وسوء إدارتها  وسياساتها  التي تكاد تذهب  في البلد  إلى أعماق  المجهول سياسيا واقتصاديا ،.لكن المعارضة  تعيش حالة  انقسام حقيقية  حول موضوع فك الارتباط ، جزء من المعارضة يضع على سلم أولوياته دسترة فك الارتباط قبل الذهاب إلى أي عملية إصلاحية ، فيما يرى آخرون أن قرار فك الارتباط  قرار غير دستوري يجب إلغاؤه والعودة إلى وحدة الضفتين وترى انه من المصلحة تأجيل حسم تلك المسائل إلى ما بعد كسر إرادة الحرس القديم في السيطرة على مقاليد الدولة  وتدشين عهد الإصلاح.
كل هذا ترك خلافا قانونيا وسجالا سياسيا حول الوضع القانوني للمواطنين من حملة البطاقات الصفراء إذ انقسم التيار الإصلاحي والحراك الأردني على نفسه فيما يخص  مكان هذه  الفئة في  المستقبل السياسي الأردني  .
يبدو أن الحراك الأردني أصبح  أمام  موقف حقيقي  للإجابة على كثير  من  الأسئلة  المؤجلة   التي  تحتاج  إلى حسم  وتقديم رؤية واضحة تجيب عن كل  تساؤلات المرحلة  القادمة وأهمها  موقفه من  فك  الارتباط  وكيفية التعامل مع وأثاره  ، إجابات تهدأ خوف جميع  شرائح  المجتمع ومكوناته ، و تحدد الرؤية المستقبلية  لشكل  الدولة  ونظامها  وحماية  حق  المواطنين  ومكتسباتهم وتحصين الأردن من شبح الوطن البديل، الهروب للعموميات والعبارات  المطاطة والعزف بمزمار قديم يصعب أن  تلتف  حوله الجماهير وتجلس لسماعه. 
 
المحامي محمد العودات

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.