الرئيسية » أرشيف - فضاء واسع » معارضة سورية واحدة..ذات رسالة خالدة

معارضة سورية واحدة..ذات رسالة خالدة

 

أين المفر أيها النظام الآثم، إن كانت معارضتنا الباسلة، عقدت حتى تاريخه، نحو ثلاثين ملتقى ومؤتمراً، التكلفة الوسطية لكل منها نحو 200 ألف دولار، وخلال شهر واحد، عقد بعض المعارضة مؤتمر القطب الديمقراطي بالقاهرة، وسيعقد بعضٌ آخر مؤتمر مدريد ثم مؤتمر أصدقاء الشعب السوري بعمان الأردن ثم مؤتمر جينيف 2 ولا سبيل لعودة المهجرين وشفاء المصابين والإفراج عن المعتقلين والقصاص من القتلة المجرمين، بل واستعادة الحقوق وعلاج التشوهات النفسية للسوريين، إلا بالمؤتمرات، وستبقى المعارضة و”أصدقاء الشعب السوري” ينهالون على النظام، بالمؤتمر تلو الآخر، حتى يعود عن غيه ويرجع إلى رشده ويعلم أن تهديم سوريا بنىً وإنساناً ومقايضة حزب الله بالعرب والاستعاضة عن العالم بإيران وروسيا، هو خطأ قاتل يستحق عليه الجلد من على منابر المؤتمرات وقاعات الندوات.
ولتوقع المعارضة النظام المافيوي في شر أعماله، وليعلم يقيناً أن لا مكان ولا موعد، بل ولا تكتل بعينه للمعارضة، كي لا يسهل الوصول إليها أو مفاوضتها، انقسمت المعارضة إلى تكتلات ومجالس وتجمعات، وفتحت الباب واسعاً، لمن يشاء ويرغب، إن على الأرض أو في المنافي والفنادق، لتأسيس تكتلات وأحزاب وجماعات وإمارات، ليعلم النظام الديكتاتوري الذي حرمنا من الديمقراطية والتعددية، أننا شعب حي وولود، تواق للتشظّي والانقسام.
 يبدو أن ثمة عُقَداً لم نكتشفها بعد في الميثلولوجيا الإغريقية، فعقدة أوديب والصراع على الأم ولو وصل الأمر لقتل الأب، ليست كل شيء في الحالة السورية، وإن طاولت رمزية” لايوس” بعض جوانب سلوكيات النظام، من إحساس وعواطف الأبناء تجاه آبائهم والرغبة في التجاوز والتخطي، ولو على جثث ودماء، وضياع جغرافيا وتشويه تاريخ، يمكن أن تقتل الأب مرتين.
 لأن عُقداً أخرى تملّكت المعارضة، ربما من شأنها أن تقتل الجميع، دون الحصول “جوسكتا” فالإقصاء والقمع والكبت الذي عانوه، دفعهم للمحاربة بالسلاح ذاته، مضافاً لها تضخمات الأنا واللهاث وراء الأضواء، ولزوم ما يلزم من نغمات التشكيك والتخوين إن اقتضت الضرورة، متناسين أنه لا يمكن تغيير الواقع بالطريقة نفسها التي آل إليها.
 لم يعد من شك أن الندب والصراخ والتشكي وتوصيف الواقع، كلها نغمات ملَّ سماعها السوري على الأرض، الذي سبق معارضته السياسية ومنحها الشرعية وحق المتاجرة، حتى بوجوده و دمه وبسوريته، بل وبات يلعن كل من أدخل مصطلحات الاسترحام إلى عالمي الحرب والسياسة، ما يعني أي شرح أو تخويف من الأزمة السورية وما يمكن أن تؤول إليه، غدا من نوافل القول والفعل، بل ويأتي بمفاعيل عكسية، فالقضية مع نظام ما عاد ليدّخر طريقة في القتل والإبادة وتغليب كرسيه وهواجسه الروحية، على وطن بكل مكوناته، باتت ببساطة “نكون أو لا نكون”.
 بل تقتضي الحاجة ساسة على مستوى المجاهدين على الأرض، سوريين غيارى على أهليهم وأعراضهم، معارضة تتعالى على عُقدها والتغني بمآثرها، معارضة تضع ما آل إليه السوريون من تشرد وإذلال وصل حدود البيع والإرتهان مكان بناء مجدها ومداواة عُقدها، معارضة تعي ما يخطط وتساعد بأنانية وغباء، وتآمر أحياناً على تنفيذه، معارضة ترقى إلى مستوى لعبة الظاهر والباطن التي غدا النظام مرجعاً بممارستها.
 لم يسمح معارضو الخارج التقليديون ولا معارضو الداخل الممنون بإعتقالهم ونضالهم، ولا حتى الرعاة والممولين، أياً من الثوريين للخروج للواجهة، حتى وإن ارتضوا مكرهين إنضواءه في تنظيم هنا، أو إغراءه بمنصب وهمي لتكتل هناك، ما أنتج معارضة مشوهة لا تختلف في ذهنيتها عن النظام الذي أجاد بلعبة شراء الزمن، إيقاعها في أفخاخ عقدها وفهمها المغلوط للديمقراطية والحريات.
 بيد أن ما يجري، أو ما يحضر له اليوم، إنما من شأنه قلب صورة الثورة وأسبابها، وتحويل قضية السوريين إلى قضية لجوء ومساعدات، قضية سيادة وتدخل، قضية دولة وإرهاب، والخيارات هاهنا ليست مفتوحة، فبين الحرب الأهلية والتقسيم، قد لا يكون من حل سوى استدامة الحرب وقتل بقية السوريين، ما يلزم المعارضة التي استمدت شهرتها وارتزاقها، بل وحتى وجودها من أطفال درعا وبيضة بانياس، أن ترقى وترتقي، لأن بواسل الجيش السوري ومناضلي العراق وغيارى حزب الله وأشاوس انطاكيا لا يفرقوا في قتلهم واغتصابهم بين أنصار الائتلاف أو المجلس الوطني، ولا بين دعاة قطب الديمقراطية أو أنصار الإمارة الإسلامية.
 إذاً، خلاصة القول: مادام النظام يراوغ بجنوحه للسلم، ولأن الحوار غدا المطلب العام وربما الملزم، ورغم مسار ومسيرة المعارضة التي تكشف بؤس التجربة من ألفها إلى يائها، قد لا بد مما لا بد منه، أي لا تخلٍّ عن الدم ولا زيادة الدم، لا الإبقاء على النظام ولا الخروج بمظهر الغر الهاوي، لا المساومة على أسباب الثورة ولا فتح المجال لوأدها، وطبعاً بين كل تلك التناقضات تكمن السياسة، ومن لا يستطعها، فليعلن تنحيه وانسحابه، عله ينال أضعف الإيمان ولا يمني السوريين بخيبة إضافية أن من ادعى القيام معه لا يختلف عمن قام عليه، ومسألة تغليب الوطنية في هذا الوقت العصيب، لا أعتقده يحتاج مؤتمرات …
عدنان عبد الرزاق

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.