الرئيسية » أرشيف - فضاء واسع » الانقلاب العسكري.. والأربعة المبشرون بروتانا!

الانقلاب العسكري.. والأربعة المبشرون بروتانا!

 

تشاهد الفضائيات في مصر، فتقف على أنها تعاني شُحاً مُطاعاً، فأقل من عشرين شخصاً يتنقلون بين الاستوديوهات طوال الليل، وحتى اشراقة يوم جديد، لدرجة أن البرامج التلفزيونية صارت شبيهة بالمقررات الدراسية، وعندما يقرر مقدمو البرامج ‘ تحدي الملل’، فإنهم يستضيفون أنفسهم، فتذهب إلى هذه القناة فتجد شخصاً يعمل مذيعاً، وفي القناة الأخرى تجده يشتغل ضيفاً، ومعتز بالله عبد الفتاح، كان ضيفاً ذات يوم مع عماد أديب على ‘سي بي سي’ محللاً، وفي البرنامج التالي على ذات القناة شاهدته مذيعاً ومحاوراً.
برنامج ‘ساعة مصرية’ على ‘روتانا’، يحتفي بأربعة أشخاص، كمقرر دراسي يومي، وعندما قرر مقدم البرنامج تامر أمين الحصول على إجازة أسبوعية، قام باختيار احد ضيوفه من دون الأربعة مذيعاً، وهو يجلس على ‘دكة الاحتياط’، كغيره، لمواجهة أي احتمالات واردة باعتذار احد الأربعة المبشرين بروتانا، وقبل ساعات من كتابة هذه السطور، شاهدت الضيف المذيع، وقد جاء بطاقم من الضيوف خاصاً به، ليس من بينهم واحداً من الأربعة المقررين علينا بقرار من وزير المعارف!
يمثل الإخوان في برنامج تامر، النجم الفضائي الجديد السابح في الملكوت، هاني صلاح الدين، ومشاهدته مرة في الشهر تكفي لإحداث حالة من التشبع لديك، والتي قد توردك مورد التهلكة بدوافع الاكتئاب، ومؤخراً أسندوا إليه بالإضافة إلى كونه ضيفاً مستديماً على مائدة ‘روتانا’، وغيرها، مسؤولية الإدارة في ‘مصر 25′، فضائية الإخوان الفاشلة، التي إذا جلس أمامها باسم يوسف يوماً واحداً في كل شهر، لأنجز من خلالها فقط برنامجه لأربع حلقات، ولوجد فيها تنويعاً يغنيه عن التكرار، ومشكلة برنامج باسم يوسف أنه صار أسيراً لموضوع واحد هو السخرية من الدكتور محمد مرسي، وهو أمر يكفي لإصابة المشاهد بالتخمة، تماماً كما يحدث له عندما يشاهد هاني صلاح الدين!
الحلقات الأفضل في برنامج باسم هي تلك التي كان يعلق فيها على كلام مقدمي الفضائيات، ومن عماد أديب إلى لميس الحديدي التي كان يستخدمها فزاعة للأطفال في البيوت.. وللكبار أيضاً. وفي طفولتنا المعذبة كانوا يهددوننا بالعسكري إن لم ننم، وفي هذه الأيام فان التهديد يكون بلميس، لكن باسم صار صديقاً لهؤلاء، وفي الأسبوع الماضي حاورته المذكورة، وبعد ربع ساعة شعرت أن المخزون الاستراتيجي من الأوكسجين في منطقة الشرق الأوسط نضب.
وقد سبق لها أن أوقفت برنامجها في ‘سي بي سي’ احتجاجاً على تعرض باسم لها، لكن باسم الآن صار متوافقاً معها بدون اتفاق فهو يهاجم الرئيس، كما تفعل هي، وهي كلما تذكرت اسم محمد مرسي، ذهبت بوجدانها إلى الأيام الخوالي، عندما كانت تعمل في البلاط، وكانت فخورة بأنها مسؤولة الدعاية بحملة المخلوع، وقد منوا عليها ببرنامج في تلفزيون الريادة الإعلامية.
خيبة الإخوان
‘مصر 25′، خيبة الإخوان الثقيلة، ويعمل بها اثنان من مقدمي البرامج، عندما تشاهدهما، فانك لن تجد نفسك بحاجة للذهاب إلى ‘موجة كوميدي’، الأول هو محمد العمدة، الذي اخبرنا بأنه ظل يرضع من ثدي أمه ست سنوات، والثاني هو الاختراع الإعلامي الجديد، الذي يطلق عليه باسم ‘خميس′، ليذكرنا بخميس أبو العافية الذي كان يراسل التلفزيون المصري من تل أبيب، وكنت تشعر أن قطعاً أسمنتية محشورة في أنفه، وسرعان ما اصطحب فنانو الكوميديا طريقته في الحديث إلى المسرح الساخر!
هاني صلاح الدين، بالإضافة إلى كونه ضيفاً مستديماً في ‘ساعة مصرية’، ومسؤولا إدارياً بقناة الإخوان، فانه يقدم برنامجاً على هذه القناة، وهو مع هذا يظل الليل كله يسبح في الفضاء اللامتناهي، والإخوان لديهم ندرة في الكفاءات، ويعتبرون هاني اكتشافاً شبيهاً باكتشاف البرتغاليين لرأس الرجاء الصالح، واكتشاف جمال مبارك لجهاد عودة، ولأنه كذلك فلا نستبعد إذا وجدناهم قد اسندوا إليه رئاسة مجلس مدينة أرمنت، وموقع رئيس مجلس إدارة مصنع عسل نجع حمادي.
الغريب، انه والحال كذلك، فان هناك من يتحدثون عن الاخونة، و أن مهمة صلاح عبد المقصود في وزارة الإعلام هي أخونتها. فمن أين يأتي بالناس التي تشغل المواقع؟.. ومثلي لا يخاف من استعانة الجماعة بكوادرها، فما أخشاهم هم ‘المؤلفة قلوبهم’، وهؤلاء هم من بالغوا في إثبات الولاء، حتى حولوا بعض الصحف القومية إلى منشورات تصدر من حزب ‘الحرية والعدالة’.
زميلنا مجدي الجلاد من هذه المقررات الإعلامية، فهو يعمل مذيعاً وضيفاً على مدار الساعة، وهو وحده آية تذكرنا بالحديث القدسي ‘وعزتي وجلالي لأرزقن من لا حيلة له حتى يتعجب من ذلك أصحاب الحيل’، فليس فيه من المواصفات القياسية للمذيع ومع هذا فهو مذيع وضيف، ومن السابحين ليلاً في الفضاء اللامتناهي، وذات ليلة وجدته يسبح مع معتز الدمرداش، وكانت ليلة ليلاء، كما قال الشاعر، الذي لا يحضرني اسمه الآن.
الفريق السيسي وزير الدفاع المصري، كان قد قطع قول كل خطيب، وأوقف حالة ‘الشحتفة’ التي عمت البلاد، من المطالبين بنزول الجيش وانقلابه على السلطة وشحن الإخوان إلى المعتقلات كما فعل عبد الناصر، الذي يتم استدعاؤه هذه الأيام من كافة الأطراف، فخصوم الجماعة يستدعونه عندما يتمنون التخلص منهم كما فعل ناصر، والمناصرون للإخوان يتذكرونه عندما يدعون لمذبحة للقضاة كتلك التي فعلها عبد الناصر.
وزير الدفاع قال إن القوات المسلحة تحترم الشرعية، وأن التغيير يكون عبر الصندوق الانتخابي، وحذر من فكرة استدعاء الجيش!
كيد النساء
لكي أضع القارئ غير المتابع في الصورة، فهناك أصوات ترتفع في مصر تطالب الجيش بإحداث انقلاب عسكري، وتخليص البلاد من حكم الإخوان، حتى أولئك الذين هتفوا معنا قبل الثورة وبعدها بسقوط حكم العسكر، فالأمور صارت محكومة بنظرية ‘كيد النساء’.. حوالينا لا علينا.
وقد اختلطت أصوات الثورة بأصوات من يمثلون الثورة المضادة، وهناك من راهنوا عندما كان الحكم ثنائياً على المجلس العسكري وتقربوا إليه بالنوافل، واتخذوا موقفاً عدائياً من الرئيس باعتباره الخيار الضعيف، وبنو كل مشاريعهم المستقبلية على هذا القرب، وكان المجلس طوال عام ونصف العام من حكمه، يستدعي خبرة النظام البائد في التعامل مع الأحبة والأنصار من خلال ‘رشات جريئة’ عليهم، لكن الإخوان لديهم أزمة الجائع النهم، فهم طامعون في كل المواقع، أما الفتات المتناثر فيشترط فيمن يتحصل عليه من خارج التنظيم أن يكون خاضعاً خضوع العبد المطيع لسيده، ويشترط فيه أن يكون فاقداً للكاريزما، وفي حالة ‘انسحاق عذري’.
كلنا لم نتوقع أن يفعل مرسي ما فعل، بإنهاء زمن العسكر بعد ستين عاماً من الحكم العضوض، وإقالة المشير ورئيس أركانه، في حركة أفقدت المحيطين بهما اتزانهم، فعقدت الدهشة ألسنتهم، وظنوا أنها القاضية، ثم فوجئوا ببعض قوى المعارضة المنتمية للثورة، تطالب بتدخل العسكر، فانضموا إليهم، وكان معهم إعلام الثورة المضادة يروج للأمر ويصوره على أنه قاب قوسين أو ادني من التحقق!
ولم يكن في الأفق ما يشير إلى أن هناك انقلاباً وشيكاً سيقع، لكنهم نسجوا القصص وحلقوا في الخيال، وكنت تستمع إلى كلمات واضحة، من قيادات عسكرية، لا تشير إلى ما يتخيلون، فيندفعون للشرح والتحليل والغوص فيما وراء الكلمات والبحار، وتحميلها غير ما تحتمل ليؤكدوا أن الانقلاب قادم لا ريب فيه.
الثورة المضادة دخلت في قصة التبشير بالانقلاب بكل ثقلها، بما تملكه من أدوات إعلامية، وبرامج ‘التوك الشو’ التابعة لهؤلاء كانت تظل الليل كله تبشر به، ووجدت القوى المدنية المنتمية للثورة بشكل أو بآخر في إعلام الفلول عوناً استراتيجياً، وللأسف فان بعض القوى لا تمانع في حضور ‘الناتو’ رأساً لإسقاط حكم الإخوان، وفي حضور الاحتلال، فالغل يعمي ويصم، والذين قدموا أنفسهم سابقاً على أنهم من الدعاة للدولة المدنية، صاروا الآن لا يمانعون في أن يكون لدينا حكم عسكري مقابل أن يغادر الإخوان.
قبل عدة شهور أعلن احد القيادات بالجيش وهو العميد أسامة الجمال في حضور الفريق عبد الفتاح السيسي أن الجيش لن ينقلب على الشرعية، فلطمت مذيعة قناة ‘التحرير’ اللطمة الأولى وأقامت مناحة كبرى، وسرعان ما نسينا هذا وتم التبشير من جديد بانقلاب عسكري وشيك، والذي بدأ بكذبة صدقها من أطلقوها وعاشوا الوهم، فلما ران على قلوبهم لم يجد وزير الدفاع مناصاً من أن يعلن رأيه قاطعاً، كحد السيف، فخيم عليهم الإحساس بخيبة الأمل.
معتز الدمرداش، استدعى لبرنامجه المحلل الاستراتيجي العملاق مجدي الجلاد، الذي لم تكن حالته تتحمل مزيداً من الانتظار إلى حين ظهوره في برنامجه على محطة ‘سي بي سي’، فجاء ليؤكد ان تصريح السيسي ‘صادم’، وأنه ‘مصدوم’، وكانت مناحة عظيمة، فيها ‘صادم’ و ‘مصدوم’ وبينهما مجدي، ولا تقل هذه المناحة عن تلك التي نصبتها رولا خرسا حرم عبد اللطيف المناوي، مسؤول التبشير السابق بجمال مبارك.
هذه عائلة مبتلاة حقاً، فقد كان البعل قريباً من الباب العالي، وتمكن في أيام الثورة من أن يفتح خطاً مع المجلس العسكري، لدرجة أن الثوار كانوا يطالبون بإقالته من منصبه كرئيس لقطاع الأخبار بالتلفزيون، بسبب قيادته لحملة تشويه الثورة والثوار، وفي مواجهة هذه الحماية، جرى حصار مكتبه واقتحامه والاعتداء عليه، فضمن له العسكر خروجاً آمناً إلى لندن.
كانت عائلة المناوي ستكون في حال غير الحال لو أن مبارك الابن حكم، لكن حكم العسكر كان بديلاً مريحاً لها، وإذا كان القوم فشلوا في إبقاء رب العائلة في موقعه بسبب زخم الثورة، فان عودة العسكر بعد الانقلاب الذي تم التبشير به، لن يواجه بممانعة تحول دون أن يستكمل المناوي مسيرته الوظيفية وبدون معارضة، لكن عندما قال الفريق السيسي ما قال اسقط في يد السيدة حرمه، وبدت ملامحها غريبة وهي تستنكر ما قاله، واستمرت في رسالتها التحريضية، فالجيش ‘اتبهدل’ على يد الإخوان، والسيسي قال الحل عند الشعب. وبدا كلام الرجل يحتاج إلى مذكرة تفسيرية، مع أنه في الدول الديمقراطية فان الشعوب هي صاحبة السيادة.
عندما ينفعل المرء فانه يكون خارج مناط التكليف، وقد انفعلت رولا خرسا، فانفعلت لانفعالها بالعدوى، وقالت إن الفريق قال ‘لا تنتظروا الجيش’. وتساءلت في براءة ‘طازجة’ لم تتعرض لعوامل التعرية: ‘من ننتظر إذن’؟!.. ووجدتني أقول وانا في الحالة سالفة الذكر: ‘انتظري عبد اللطيف’.
ومع كل هذا فان ما يشفع لرولا خرسا أنها مقدمة برنامج وفقط، وفي أيام العز كانت تقدم برنامجين، ولم أشاهدها ضيفة، ومحللة إستراتيجية، مثل فرق المحللين الجدد الذين يمثلون مقررات إعلامية في زمن الشح والندرة.
أرض جو
ـ الحكم القضائي بإدانة الإخواني عصام العريان لصالح المذيعة جيهان منصور نشر في الصفحات الأولى بالصحف.. وحكم إدانة المذيعة بتهمة سب العريان نشر في صفحات الحوادث منزوياً لا تقع عليه العين بسهولة.. حظوظ؟
سليم عزوز
صحافي من مصر

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.