الرئيسية » أرشيف - فضاء واسع » التصفيق الحار… والمعارضة الجائعة التي تحلم بسوق الخبز!

التصفيق الحار… والمعارضة الجائعة التي تحلم بسوق الخبز!

 

لا أتذكر تحديداً ملابسات قرار نقل القداس في الأعياد المسيحية، من المقر البابوي بالهواء مباشرة، عبر التلفزيون الرسمي للبلاد. ومن المؤكد أن هذا كان بعد تصرف نال من القوم، فجاء النقل على سبيل الترضية، ولهذا فقد حرمت منه الكنائس الأخرى، وقد شاهدت قداساً سابقاً للكنيسة الإنجيلية، لكن بثه على الهواء مباشرة، كان عبر قناة ‘النيل الثقافية’، وهي قناة محدودة التأثير، سبق لي اعتذرت عن الظهور على شاشتها، وأنا المحاصر،عندما كان الرائد متقاعد صفوت الشريف وزيراً للإعلام، حتى لا أكون سبباً في متاعب قد تلحق بالداعين، ثم قبلت في وقت لاحق، وفوجئت بأنه لا حس ولا خبر، فلا أحد أوذي بسببي، ولا أحد شاهدني من الأصل!
التمييز واقع في مصر، ليس لصالح الأغلبية في مواجهة الأقليات، لكن عندما تكون هناك منح من السلطة للأقلية، فيفوز بها الفصيل الغالب، فيكون نقل قداس الكنيسة الأرثوذكسية عبر القناة الأولى والفضائية المصرية، في حين أن الكنيسة الإنجيلية وربما الكاثوليكية، ينقل قداسها عبر قناة ‘النيل الثقافية’، وأحد المعدين بها وجد حلاً لتكرار اعتذار البعض عن المشاركة في برامجها، يتمثل في خطف ضيوف القنوات الأخرى، في لحظة دخولهم مبنى ماسبيرو، وأحياناً يكون الخطف على حين غرة!
لقد شاهد صاحبنا ضيفاً يسأل عن أستوديو قناة ‘النيل للأخبار’، وكان واضحاً أن ضيف برنامج ‘النيل الثقافية’ الذي سيبث بعد قليل قد خذله، فما كان من المعد إلا أن تصرف على طريقته، بأن أشار للسائل على أستوديو قناته، بأنه الخاص بالنيل للأخبار، وقد نسي الضيف إغلاق هاتفه الجوال، ففوجئ باتصال ممن دعاه، ودهش فرد عليه غير منتبه بأنه على الهواء، وأخبره بأنه الآن في الأستوديو، ليكتشف انه مختطف، وغادر غاضباً.
كثير من منح النظام البائد للأقباط كانت بعد أحداث تكون الأجهزة الأمنية متورطة فيها، فعندما ثار القوم ضد ما نشر في إحدى الصحف الخاصة، القريبة من هذه الأجهزة، عن قضية الراهب المشلوح، الذي التقطت له صور في أوضاع مخلة، داخل الكنيسة مع احدى السيدات، وكان معلوماً أن ضابطاً بجهاز امن الدولة هو من سرب هذه الصور للصحيفة، فقد أجزل الحكم لهم العطاء حتى يرضوا.
عقب أحداث انفجار كنيسة القديسين بمحافظة الإسكندرية، والتي لم يتم إلى الآن التوصل إلى الجناة فيها، قرر أهل الحكم تمكين الكنيسة الأرثوذكسية من تعديل قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين وفق معتقداتها هي، وهناك خلاف تاريخي بين الكنائس الثلاث حول الأسباب الموجبة للطلاق، وهذا الخلاف يعطل هذا التعديل، لكن الثورة قامت، وكان القوم قد هموا بما لم ينالوا.
وعلي ذكر أحداث القديسين، نذكر أن فضيلة شيخ الأزهر الحالي الدكتور أحمد الطيب كان قد ذهب إلى الكاتدرائية على رأس وفد يضم المفتي ووزير الأوقاف لتقديم العزاء في القتلى في هذه الأحداث، لكن الشباب القبطي الغاضب حاول الاعتداء عليهم، وقد حدث تطور في قداس عيد القيامة المجيد هذا العام تمثل في الحفاوة البالغة التي قوبل بها الشيخ فعندما ذكر اسمه، وهو الحاضر بين المهنئين، كان التصفيق حاداً وحاراً.
في قداس سابق كان التصفيق الحار من حظ ونصيب جمال مبارك والسفير الأمريكي بالقاهرة، وكانت رسالة لا تخطئ العين دلالتها، وفي عيد القيامة في العام الماضي، استنكر الشباب المتحمس استقبال الكنيسة لممثلين من المجلس العسكري الحاكم حينئذ، فقد وقعت أحداث ماسبيرو، عندما تظاهر الشباب المسيحي أمام مبنى التلفزيون، وهم يتهمون العسكر بالاعتداء عليهم، وكانت رسالة التلفزيون المصري تحريضية بامتياز، ودفعت الثمن الأداة المستخدمة في ذلك وهي المذيعة رشا مجدي، مع أنها كانت ‘عبدة المأمور’ والمأمور، المحرض، الذي هو وزير الإعلام أسامة هيكل، ذهب إلى الكنيسة هذا العام مهنئاً البابا بالعيد، ورشا ممنوعة من الظهور التلفزيوني، ككبش فداء.
 
سقوط العسكر
قبل أحداث ماسبيرو وبعدها، كان الشباب القبطي يهتف بسقوط حكم العسكر، لكن بعد أحداث كنيسة ‘الخصوص’ مؤخراً، كانت هناك دعوة للزحف من الكاتدرائية إلى مقر وزارة الدفاع لدعوة الجيش للانقلاب على حكم الإخوان، وعندما ذُكر اسم الفريق عبد الفتاح السيسي من بين المهنئين بعيد القيامة، قوبل هذا بتصفيق حار، فلأن الجائع يحلم بسوق الخبز، فهناك من يبشرون الآن بانقلاب عسكري يطيح بالرئيس وجماعته، ويلقي بهم في السجون، ومن بين قوى المعارضة من بات يحلم بذلك في يقظته ومنامه.
التصفيق الحار لشيخ الأزهر في الكاتدرائية هذا العام، يأتي في هذا السياق، فقد تم ترويج أكذوبة مفادها أن الإخوان يخططون لإقالة الشيخ ومن ثم نفرت المعارضة خفافاً وثقالاً، وغدت خماصاً وبطاناً، دفاعاً عن الشيخ الذي يتعرض لمؤامرة من الإخوان تستهدف الإطاحة به، وتعيين الشيخ عبد الرحمن البر، مفتي الجماعة بدلاً منه.
ويلاحظ أن قوى ثورية خرجت تدافع عن الشيخ الذي عينه في موقعه الرئيس المخلوع، والذي كان عضواً في لجنة السياسات بالحزب الحاكم، لصاحبها جمال مبارك، وعندما عين شيخاً ورأى كثيرون أنه ليس لائقاً أن يستمر في عضويته في هذه اللجنة سيئة الصيت، وطالبوه بالاستقالة حفاظاً على قيمة الموقع، قال إنه لن يستقيل حتى يعود الرئيس، الذي كان يعالج بالخارج، ويطلب منه ذلك. وكان تمسكه مستفزاً، وكاشفاً عن الولاء الكامل للرجل لمن عينه.
حملة الدفاع عن شيخ الأزهر كانت بعد أن تعرض طلاب الأزهر لحالات تسمم في مطعم المدينة الجامعية، وخرجوا في مظاهرات تندد بالإدارة، ووقفت برامج ‘التوك شو’ على خط النار فالإخوان يقفون وراء هؤلاء الطلاب لأنهم يريدون استغلال ما حدث لإقالة الشيخ، وانطلق الموجهون السياسيون في هذه البرامج يحذرون من الاقتراب من مقام شيخ الأزهر، حتى لميس الحديدي، خرجت الضوضاء من حنجرتها لتدافع عن الشيخ، على نحو ظننت أنها يمكن أن تفجر نفسها دفاعاً عن الأزهر كمؤسسة تدافع عن وسطية الإسلام، ولأول مرة اكتشف أنها مشغولة بمثل هذه القضايا الكبرى.
تنتقل من قناة إلى قناة، فتجد المذيعين والمذيعات وقد تحولوا إلى مشاريع شهداء في وجه من يريدون بشيخ الأزهر سوءا وهم الإخوان.. وبدا الجميع في حالة سكر بيّن، فالدستور الإخواني هو الذي حصن موقع شيخ الأزهر من الإقالة، والدستور الإخواني هو من أخرج الشيخ من الحظر السياسي الذي تقرر أن يشمل أعضاء لجنة السياسات المتهمة بإفساد الحياة السياسية.
المشكلة كلها في الإخوان، والشيخ مظهر شاهين الذي منع من إلقاء خطبة الجمعة بميدان التحرير مؤخراً، على يد الشباب الثوري، صار هو رمز الإسلام الأول لمجرد أن وزير الأوقاف في حكومة الإخوان قرر نقله من مسجد عمر مكرم، إلى مسجد آخر عقاباً له على تحويل المنبر إلى ساحة للصراع الحزبي.
الشيخ مظهر عندما منع بقرار من الشباب، كان يدافع عن الرئيس مرسي في مواجهة معارضيه، ولم يهتم بدفاعه الإخوان، فهم يتمتعون بضيق أفق يمنعهم من الالتقاء مع أي شخص ليس من شيعتهم، ومع أي إنسان يتمتع بالاستقلال ولو في حده الأدنى. وانقلب الشيخ شاهين، وهو في انقلابه، وجد الكنيسة غاضبة على الحكم الإخواني، فذهب إلى هناك، وكان من الذين حظوا بالتصفيق الحاد في قداس عيد القيامة المنقول على الهواء مباشرة.
والشيخ مظهر صار من المدافعين عن شيخ الأزهر بالتبعية، لأنه في مواجهة الإخوان، وعلى قناة ‘المحور’ ومع صديقنا سيد علي، سعى لمجاملة المسيحيين لأنهم غاضبون على الحكم الإخواني، فقال انه يخشى على الأزهر من علماء يكفرون المسيحيين، أما الأنبا مرقس فكان واضحاً ومحدداً في هذا البرنامج عندما قال: ‘من لا يؤمن بنا فهو كافر.. ونحن كافرون بما أمر به الإسلاميون.. وكلنا مؤمنين بعقيدة وكافرين بما سواها’.
 
ساعة حرة
الخروج من ضوضاء فضائيات ‘الإزعاج الأزلي’ كان لازماً لنشاهد حواراً راقياً على قناة ‘الحرة’ بين الدكتور عبد البر ‘مفتي الإخوان’ والدكتور مأمون فندي، وكان البرنامج هو ‘ساعة حرة’، والمحاور هو حسين جرادي، ولعل مأمون فوجئ برقي مناظره، وكان يظن أنه سيفاجأ بشخص على غرار شباب الجماعة أعضاء اللجان الالكترونية، الذين ما أن يطالعوا رأيا على مواقع التواصل ضد الحكم الإخواني حتى يسلخوا الكاتب بألسنة حداد، ذات مرة علق احدهم: ‘ومن المعروف أن هذا من الفلول’، وقلت لا بأس، الصيت ولا الغنى، فلو كنت من الفلول لكان لي برنامج على ‘سي بي سي’ وراتب لميس لمن لا يعلم، في الشهر، كراتب مذيعة محترفة كجمانة نمور في العام وبقناة بحجم ‘الجزيرة’، قبل أن تستقيل منها.
ولنضع النقاط فوق الحروف، فان شخصاً مثل باسم يوسف لم يستدع للعمل في القناة لأنه من الفلول، ولكن لأن رسالة القناة الآن تستهدف الحكم الإخواني، وليس كل من يقف ضد الإخوان من الفلول، فالحكم الإخواني لم ينتصر للثورة، ولم يؤسس لدولة جديدة في مصر قائمة على العدل، ومن الطبيعي أن يكون هناك من هم ضده من منطلقات ثورية، لكن ليس بالركون إلى الثورة المضادة.
كان من الممكن أن يكون مأمون فندي أكثر حدة، وهي لازمة في المناظرات، لو كان من يقف في الناحية الأخرى هو الدكتور عصام العريان، وهو شخص صار حاداً ويستخدم العنف اللفظي مع معارضيه، منذ أن تملكه شعور جارف بأنهم لن يغلبوا بعد اليوم من قلة، وذلك بعد نتائج الانتخابات البرلمانية الماضية، وبعد أن أصبح الإخوان هم حكام البلاد.
عبد الرحمن البر قال إن جماعته لا تنافس الأزهر على المرجعية، فمرجعية الإسلام السني للأزهر وليست للإخوان، فذكرني بمقابلة غسان بن جدو، مع شيخ الأزهر الراحل الشيخ محمد طنطاوي، التي أذاعتها قناة ‘الجزيرة’، قبل أن يؤسس بن جدو ‘الميادين’.
بن جدو قال لشيخ الأزهر الراحل وهو شخص حاد الطباع: باعتباركم مرجعية لأهل السنة.. فرد عليه بلا مبالاته المعروفة: من قال لك هذا؟.. أنا لست مرجعية لأحد.. كل واحد مرجعية لنفسه.
فندي قال إن الأزهر هو القشة التي قصمت ظهر البعير في معركة سيطرة الإخوان على روح مصر، ولكن عندما قال الشيخ البري ما قاله عن المرجعية التي هي للأزهر كان موضوع البرنامج قد بدأ في التبلور، وهنا قال حسين جرادي: انتم تريدون اخونة الأزهر والسيطرة عليه لأنه المرجعية. وتحدث البري عن علاقتهم الطيبة بالشيخ الطيب.
بعد هذه الضجة الإعلامية، والتي اكتملت بالتصفيق الحاد، أصدرت مشيخة الأزهر بياناً أكدت فيه ان الشيخ وجميع أعضاء هيئة كبار العلماء يحوزون على احترام كل المسؤولين في الدولة، وطالب البيان من القوى السياسية أن تتوقف عن الزج بالأزهر في عملية الاستقطاب السياسي حتى يتمكن من أداء رسالته.
وبعد هذا بيومين قرأت عن زيارة المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي ووفد من التيار الشعبي للمشيخة، في زيارة وصفت بالتضامنية مع شيخ الأزهر. مع أن الفيلم انتهى.. وبرامج ‘التوك شو’ لم تعد تدافع عن الأزهر والإسلام الوسطي!
وآخر حلقة في هذا المسلسل كانت لتحليل البعد الاستراتيجي والميتافيزيقي للتصفيق الحار لشيخ الأزهر في قداس عيد القيامة المجيد.
سليم عزوز
صحافي من مصر

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.