الرئيسية » أرشيف - فضاء واسع » فلسطين‮.. ‬ماذا‮ ‬تبقى‮ ‬منها؟

فلسطين‮.. ‬ماذا‮ ‬تبقى‮ ‬منها؟

 

وضعوا فلسطين على طاولة المزاد العلني، وبدون أدنى تردد، بدأ البيع، قطعة في الشمال وقطعة من الجنوب وجزء من الوسط وقضمة من البحر، والوحش الصهيوني لا يشبع والبائعون أو بالمصطلح الجزائري "البياعون" متساهلون في البيع ومتسامحون في الثمن..
 
كانت تسمى فلسطين.. مدينة يافا عروسها وحيفا لؤلؤتها والكرمل شاهدها والجليل يجللها بكبرياء أسطوري وسهل بئر السبع يزودها بقمح شهي يعجب الزراع.. فلسطين كانت تطل على البحار الثلاثة وتربط بلاد الشام بمصر والحجاز.. هذه فلسطين التي عاشها آباؤنا وعرفها التاريخ منذ ولد.. هي الآن بعد سنوات النكبة ضفة نهر الأردن الغربية وقطاع غزة.. وحتى هذه فلسطين الجديدة أصبحت كبيرة على البياعين فذهبوا إلى السيد الأمريكي يمنحونه بعضا منها كي يثبتوا حسن نواياهم في العلاقة الحميمة مع الإسرائيليين.
 
 وللأسف، لم يقف الأمر عند حدود السياسة، بل اخترق الشر المقولات الثقافية، وليس أدل على ذلك من جعل شاطئ دير البلح، وهو بقطاع غزة شاطئ فلسطين الجميل في كتب الدراسة التلمذية.. وأصبحت فلسطين، حسب تعريفات كثير من القانونيين في التشريع الفلسطيني الجديد، هي المناطق‮ ‬التي‮ ‬تخضع‮ ‬للسلطة‮ ‬الفلسطينية‮.‬
 
حتى فلسطين هذه أصبحت كبيرة في نظر البياعين.. فاجتمع وفد الجامعة العربية برئاسة قطر حول مائدة في البيت الأبيض يبلغ الأمريكان استعداده للتنازل عن الأراضي التي تشغلها المستوطنات مقابل أراض من أرض فلسطين.
 
يقول البياعون والمهزومون والمحرضون على المذلة والانكسار إنكم لا تقبلون بالقليل فستحرمون من كل شيء.. وكما رفضتم مقترحات بورقيبة في 1979 وأضعتم فرصة أن تكون الضفة وغزة بيدكم، وكما رفضتم الحكم الذاتي بموجب اتفاقيات كامب ديفد المصرية، وكما رفضتم مبادرة روجرز من‮ ‬قبل،‮ ‬فكان‮ ‬لكم‮ ‬الخسران‮ ‬وفقدان‮ ‬كل‮ ‬شيء‮.. ‬هذا‮ ‬المروج‮ ‬الآن‮ ‬في‮ ‬الجلسات‮ ‬والمداولات‮ ‬وهو‮ ‬لا‮ ‬يأخذ‮ ‬بعين‮ ‬الاعتبار‮ ‬حقائق‮ ‬الجغرافيا‮ ‬والتاريخ‮ ‬ومستقبل‮ ‬الأمة‮.‬
 
الذي يفهمه البياعون أن بقاء إسرائيل ضمانة حقيقية لتركيع المنطقة وإنهاء دور الأقاليم العربية والإسلامية.. وهذا يعني أنه لا بد من القضاء على الكيان الصهيوني كمعادل طبيعي لتحرير المنطقة العربية والوطن الإسلامي من عوامل الاستنزاف والتخويف.
 
البياعون المتجرئون على تقديم التنازلات يعرفون أن هزيمتهم واندحارهم يبدأ من صمود الأمة ضد المشروع الصهيوني.. أنهم توابع للمشروع الاستعماري يرحلون برحيله، أنهم أول الهاربين وليس لهم إلا أن يقاتلوا في خنادقه ويحاصروا بكيدهم وخستهم كل صوت حر شريف.
 
فلسطين باقية كما هي، وشعبها في ازدياد، وشرفاء العرب والمسلمين وأحرار العالم يقفون في صف متراص بقلوب طاهرة وأرواح مشرقة دفاعا عن أرض السلام والإنسان ضد الجريمة والعنصرية الممثلة في الكيان الصهيوني. ولن يكون ما أصاب الأمة من كيد الكائدين إلا أذى.. لن ترحل الأمة‮ ‬ولن‮ ‬تتبخر‮ ‬فلسطين‮.‬
 
صالح عوض

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.