الرئيسية » أرشيف - فضاء واسع » زواج المتعة بين مصر وإيران… حلال أم حرام؟ (1)

زواج المتعة بين مصر وإيران… حلال أم حرام؟ (1)

 

إذا كان زواج المتعة كعلاقة اجتماعية وإنسانية محرم لدى أهل السنة دينيًا واجتماعيًا وخلقيًا لما فيه من مفاسد على الفرد والمجتمع واختلاط في الأنساب وإهانة للمرأة.. إلا أنه حلال لدى الشيعة طبقًا لقاعدة أصولية بمذهبهم وهي أن المصلحة تعلو "النص المقدس" وتتخطى حدوده مادام ذلك يحقق المصلحة للشيعة!! على عكس مفهوم أهل السنة لمبدأ المصلحة فهي وإن كانت أحد مرتكزات التشريع في الفقه الإسلامي عند أهل السنة إلا أنها لا تخالف نص محكم في الكتاب أو السنة. 
وهذا المفهوم الشيعي لمبدأ المصلحة هو السر في تغير مواقف إيران الشيعية من الشيء إلى نقيضه وعدم وجود ثوابت أو قواعد أخلاقية تحكم العلاقة بين إيران وغيرها من الدول.. فكل شيء جائز مادام في ذلك مصلحة دون أي اعتبار لأي قاعدة أخلاقية أو دينية، مثل زواج المتعة. 
ربما تكون هذه المقدمة مدخلًا جيدًا يجب أخذها في الاعتبار عند مناقشة العلاقات المصرية الإيرانية بعد ثورة 25 يناير  
 فمن الثابت أن مصر الثورة  تسعى سعيًا حثيثًا لاستعادة دورها وريادتها وزعامتها للأمة العربية.. وهذا يتطلب منها أولًا وقبل كل شيء إعادة التوازن لعلاقاتها الخارجية مع دول المنطقة أولًا والعالم ثانيًا وتقديمها لمتطلبات أمنها القومي والعربي على ما سواهما.  
وقد بدت معالم هذا التوجه لمصر الثورة في موقفها الصلب من الهجوم الصهيوني الأخير على غزة وعندما هاجم الرئيس مرسي النظام السوري ومطالبته بالرحيل فكان ذلك تأكيدًا على استقلالية القرار المصري ومؤشرًا حقيقيًا على اتجاه مصر لاستعادة مقعد الريادة في منطقة الشرق الأوسط.  
في هذا الإطار يمكن فهم المساعي الحالية لعودة العلاقة بين مصر وإيران… إلا أن الجدل الدائر الآن في الساحة المصرية عن هذه العلاقة ما بين مؤيد ومعارض.. يستدعي منا توضيح بعض الأمور التي بها يمكن حسم هذا الجدل!! 
بادئ ذي بدء لا يمكن إنكار أن إيران الدولة قوة إقليمية كبيرة بشريًا واقتصاديًا وعسكريًا ذا موقع جيواستراتيجي بالغ الأهمية… ومن ثم فهي لاعب رئيسي في كل أحداث المنطقة خاصة السياسية والاقتصادية… وبالتالي لا تملك مصر الدولة الطامحة في استعادة دورها وريادتها وزعامتها للأمة العربية تجاهلها بل عليها أن تتعامل معها سياسياً واقتصادياً للأسباب التالية: 
أولًا: من الناحية السياسية 
هناك العديد من الملفات الشائكة التي لها علاقة مباشرة بالأمن القومي المصري والعربي خاصة مع دول الخليج العربي … لا يمكن حلها أو احتواؤها إلا بالتواصل السياسي بين مصر الثورة … وإيران الدولة… لعل أهمها : 
1- مشاكل إيران الحدودية مع دول الخليج خاصة الإمارات بشأن الجزر الثلاث طنب الكبري والصغري وأبو موسى… وتهديد إيران المستمر بإغلاق مضيق هرمز الممر الرئيس لعبور بترول دول الخليج  إلى الخارج…وتحكم إيران في الملف العراقي ودعمها لسفاح سوريا وحزب الله في لبنان وانعكاس ذلك على القضية الفلسطينية…  
2- التركيبة السكانية الحرجة في دول الخليج فعدد سكان إيران حوالي 75 مليون نسمة وتسعى للوصول إلى 200 مليون نسمه خلال الأعوام القادمة!! بينما عدد سكان دول الخليج مجتمعة (مواطنون ومقيمون)  حوالي 47 مليون نسمة… ووفقًا لبعض الإحصائيات فإن نسبة الشيعة في البحرين تصل إلى حوالي 60% وفي الكويت 30% وفي قطر 10% وفي السعودية 5%  وفي الإمارات 15% وفي عمان 3% وفي اليمن 30%… وإذا علمنا أن ولاء الشيعة يكون لمراجعهم الشيعية في إيران وليس لدولهم… ندرك مدى حجم المشكلة الديمغرافية في الخليج العربي وأن تفجيرها سيكون لصالح إيران مما يهدد الأمن القومي العربي. 
3- قوة إيران العسكرية المتصاعدة عددًا وعدة يومًا بعد يوم إذ تبلغ قواتها العسكرية 545 ألف جندي غير الاحتياط، وتشير التقارير إلى أنها على وشك امتلاك أسلحة نووية بعد أن امتلكت الصواريخ البعيدة والمتوسطة المدى والغواصات الحربية والأسلحة الكيمياوية والجرثومية… مما يجعلها أكبر قوة عسكرية في الخليج بعد تدمير الجيش العراقي …  
هذا وغيره كثير يجعل من استيعاب إيران والتعامل معها ضرورة استراتيجية لحماية الأمن القومي المصري والعربي وسلامة وأمن المنطقة. 
 
ثانيًا: من الناحية الاقتصادية 
لا ينكر أحد أن مصر الثورة الآن يُشن عليها حربًا اقتصادية لمصادرة إرادتها السياسية وإفشال ثورتها… فبسبب النهب المنظم والمستمر لثروات مصر منذ ما يقرب من 60 سنة مضت… أصبح الدين المحلي حوالي 1.380 مليار جنيه والدين الخارجي حوالي 40 مليار دولار وارتفع معدل البطالة إلى حوالي 12.6 % إضافة إلى الانخفاض المستمر في قيمة الجنيه وانعكاسات كل ذلك على أسعار السلع ومعيشة الناس… لذا فمصر في أمس الحاجة لأي استثمارات اقتصادية جديدة من الشرق أو الغرب… وإذا كانت الدول الخليجية – رغم تهديد إيران المباشر لأمنها القومي- لها علاقات سياسية واقتصادية متميزة مع إيران بل إن التبادل التجاري بين هذه الدول وإيران يزيد علي 200 مليار دولار!!! والعجيب في هذا السياق أن الإمارات، التي تعد مشكلة الجزر التابعة لها والتي تحتلها إيران، هي نفسها الشريك التجاري العربي الأول لإيران!! 
فمن غير المعقول إذًا أن تطالب دول الخليج مصر بقطع أو تحجيم علاقاتها مع إيران…. في الوقت الذي يرفض أغلب هذه الدول مد يده بالمساعدة لدعم الاقتصاد المصري بل إن بعضها يتدخل مباشرة في الشأن الداخلي المصري ويعمل جاهدًا على إفشال النظام الحالي !!! 
إذًا فمن الطبيعي أن تتجه مصر إلى فتح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي مع إيران وكل الدول التي ترغب في ذلك للخروج من أزمتها الاقتصادية الخانقة التي تهدد ثورتها.  
ومن المعروف أن العلاقات الاقتصادية بين مصر وإيران لم تنقطع ولم تتوقف علي الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية، فالتبادل التجاري خلال الأعوام الماضية وصل إلي نحو 331 مليون دولار وفقًا لتقرير هيئة الاستثمار المصرية!! وهذه الاستثمارات مرشحة للتضاعف، حال عودة العلاقات بين البلدين، وفق تصريحات الرئيس الإيراني بأن إيران ستتجه بكل ثقلها للاستثمار في مصر…   
وتأكيدًا على ذلك ما ذكره وزير السياحة المصري هشام زعزوع من أن العائد الاقتصادي لـ 200 ألف سائح إيراني سيبلغ نحو 252 مليون دولار سنويًا… بالإضافة إلى موافقة الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة لمستثمرين إيرانيين على إقامة 3 مشروعات في محافظات بني سويف والمنيا وسوهاج على مساحة3 ملايين متر مربع، بقيمة إجمالية حوالي 5 مليارات دولار في صورة مشروعات صناعية وتجارية… والتي ستساهم بشكل مباشر في توفير العملة الصعبة وتحسين أوضاع سوق العمل وإنعاش حركة الاستثمارات… فمصر هي بوابة إيران إلى إفريقيا وإيران هي بوابة مصر لآسيا الوسطى. 
وتأسيسًا على ما تقدم فإن زواج المتعة بين مصر وإيران من الناحية السياسية والاقتصادية حلال بل واجب!!! لأنه من الضروري تدعيم واستمرار علاقة مصر بإيران كأحد متطلبات تحقيق الأمن القومي المصري والعربي خاصة لدول الخليج…وللاستفادة مما يمكن أن تحققه هذه العلاقة من مكاسب اقتصادية للطرفين، لأن مصر القوية وبما لديها من رصيد دبلوماسي متراكم مع إيران تستطيع أن تكون رمانة الميزان لتحقيق مصالح دول المنطقة كلها. 
بيد أن هذه العلاقة على أهميتها وضرورتها… تثير الكثير من الجدل والمخاوف المشروعة لدى الكثير من القوى الإسلامية والأحزاب المصرية… إذا تم تناولها من الزاوية الدينية المذهبية.. لأن علاقة مصر السُنية بإيران الشيعية لن تستقيم بل ستجلب معها الكثير من الفتن والقلاقل…لأن إيران الدولة بعد الثورة الخمينية1979م سخرت ووضعت كل أدواتها وقوتها في خدمة نشر المذهب الشيعي الذي يصطدم في أصوله مع مذهب أهل السنة… الأمر الذي تسبب في إثارة الكثير من الفتن والقلاقل في كل مكان تواجد فيه الشيعة… يكفي دليلًا على ذلك ما حدث ويحدث في العراق والبحرين وسوريا… ومن ثم فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح. 
في ضوء ما سبق… فهل يمكن ضبط العلاقة بين مصر السنية وإيران الشيعية بما يحقق مصلحة مصر وإيران السياسية والاقتصادية ويحفظ متطلبات الأمن القومي المصري والعربي؟ 
هذا ما سنجيب عليه في المقال القادم بإذن الله تعالى. 
حفظ الله مصر وشعبها وألهمنا الرشد والصواب 
عصام عبد العزيز
مدير تحرير صحيفة فجر الحرية 

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.