الرئيسية » أرشيف - فضاء واسع » الفتنة.. ومرسي.. وحديث الأصابع!

الفتنة.. ومرسي.. وحديث الأصابع!

 

في الصعيد يقال تعبيراً عن حرية الموقف والتصرف: ‘إصبعي ليس تحت ضرس أحد’..
أنا قلت ‘إصبع’؟!..ياللهول، فحديث الأصبع صار نكتة الموسم بعد حديث الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية عن الأصابع الثلاثة، الذي قال إنها تعبث في مصر، وفي رواية أخرى أربعة، وتحول الأمر إلى مادة للسخرية من الرئيس، خدمت كثيراً باسم يوسف في برنامجه ‘البرنامج’ على قناة ‘سي بي سي’، لاسيما أن الرئيس تحدث بعامية، والفصحى كانت ستخفف من حجم الفكاهة في الموضوع، لأن الأمر كان سيمثل اشتقاقاً من عبارة ‘الأصابع الخفية’، وان كان أحد لم يعد يتقبل التحذير بالإصبع، وقد انتقل باللواء محسن الفنجري، عضو المجلس العسكري الحاكم فيما مضى من أعلى عليين إلى أسفل سافلين.
الفنجري كان في ليلة تنحي حسني مبارك قد ألقى بيان المجلس، ثم حيا شهداء الثورة تحية عسكرية، أدخلته التاريخ، وتم تعليق صوره في ميدان التحرير وغيره من ميادين النضال، حتى كاد يتحول إلى أيقونة للثورة، لكنه كما دخل التاريخ خرج منه عندما أسفر عن سبابته محذراً فيما بعد.
الخبثاء، ولست منهم فأنا رجل طيب كالرئيس محمد مرسي، قالوا إن الدفع بمحسن الفنجري في بيان تحذيري استخدم فيه إصبعه، كان مقصوداً من زملاء له في المجلس العسكري، ليقضوا على شعبيته غير المبررة بين صفوف الثوار، مع أنه لم يفعل أكثر من إلقاء بيان تلفزيوني متفق عليه، بما في ذلك التحية العسكرية للشهداء، فنال هو الشرف، وكانوا هم بدونه من الذين هتفت ضدهم الجماهير باعتبارهم يمثلون حكم العسكر، فكان القرار بإحراقه سياسياً، ومن خلال التحذير بالإصبع، ولم يكن الرجل هنا وهناك سوي مؤد لمهمة تم تكليفه بها.
الرئيس مرسي ربما نسي أن إصبعا مشهراً قضى على شعبية اللواء الفنجري، فجاء يكرر الخطأ ليصبح مادة خصبة للجالسين له على ‘الساقطة واللاقطة’، وليصول باسم يوسف ويجول، ومرسي بحكم طبيعة شخصيته ليس من الذين يهددون فيعمل الناس حساباً لتهديداتهم، لكنه واقع تحت ضغوط أنصاره، الذين ضجوا بصبره على من يهددون حكمه، وبعض شباب الإخوان يوشك أن ينفجر من صبر مرسي الذي يشبه صبر أيوب، لكن الرئيس عندما جاء يكحلها أعماها، وفجر براكين الكوميديا من شعب تعد السخرية جزءاً من أسلحته في الأيام القحط كالتي نعيشها الآن، بشكل جعلني لأول مرة أندم لأنني لم أهاجر في شبابي ولو إلى النمسا، ولو حدث لكان زماني أحمل الجنسية النمساوية، ورامي لكح قال في برنامج تلفزيوني إن الدكتور محمد البرادعي نمساوي قديم.. وبالمناسبة ما هي القيمة الدفترية للجنسية النمساوية لكي يحصل عليها البرادعي؟!
السمع والطاعة
ما علينا، فإصبعي، ولا مؤاخذة يا قراء، ليس تحت ضرس أحد، وليس في يد الإخوان من دنيا أريدها، وما في أيديهم لست مؤهلاً للحصول عليه، فعطاء الحكم الإخواني لا يكون إلا لبشر بعينهم، مؤهلين لأن يسمعوا ويطيعوا، وأنا أريد أن أُسمع وأن أًطاع، وان سر الإخواني مني شيئاً ساءته أشياء، ولا يوجد نظام حكم يتحمل كاتبا حرا، جواز سفره ليس مرهوناً لدى الكفيل، ولو كان خادم الحرمين الشريفين.
ولقد فوجئت بحملة الفضائيات ضد أهل الحكم في مصر، بعد أحداث الفتنة الطائفية في قرية ‘الخصوص’، وكانت السهام كلها موجه للرئاسة، وبشكل يوحي كما لو كانت الفتنة هي نتاج مشكلة ضد المسيحيين تسبب فيها الرئيس محمد مرسي شخصياً، وقد تجاوزت الفضائيات سبب الأزمة، وقامت بإشعال الموقف، لعلها تنجح في مهمتها في إسقاط النظام، تنفيذاً لرغبات مكبوتة للكفيل السعودي، الذي ينصب مناحة على عهد مبارك!
الفضائيات نفسها نصبت ‘مناحة عظمى’ لأن الحكم الإخواني يشعل الفتنة الطائفية، وإذا بالإعلام الغربي يسير في نفس الطريق، على نحو جعلني أتشكك في سلامة قواي العقلية، وظننت أن ما اعتقدته من أسباب للازمة، قد ألقى به الشيطان في رأسي، واعتقدت أنني أصبت بما أصيب به شخص تعرفت عليه مؤخراً، حيث أخبرني أن ذاكرته مسحت، فلم يعد يتذكر إلا الأحداث القريبة وانه خضع للعلاج فعاد إليه ما مُسح، عندها صرخت فيه: لماذا؟.. ماذا في ماضيك يسرك أن تتذكره؟!
بالسؤال تبين أن الأمر بدأ كما هي العادة من مستصغر الشرر، صبي مسيحي رسم صلباناً على معهد أزهري، فقامت القيامة، وكعادة ما يحدث في السنوات الأخيرة دعا المسيحيون إلى مظاهرات أمام المقر البابوي، وقيل إن المتظاهرين تعرضوا للاعتداء في حضور الشرطة، إذن فلتعلق الفضائيات التهمة في رقبة مرسي، وبعض مقدمي البرامج في هذه الفضائيات، إذا أطيح بكعب حذاء أحدهم لكان السبب هو الرئيس الفاشل، وعليه ينبغي الدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة فربما ينجح الفريق احمد شفيق، فيعودون إلى زمن حماية مباحث امن الدولة من جديد، وبعضهم صنيعة أجهزة الأمن في العهد البائد وفي الأيام الخوالي، ويا حبذا لو جرى انقلاب عسكري انتصاراً لكعب الحذاء الطائر.
المضحك في الأمر أن الفضائيات نجحت في أن تمحو ذاكرة بعض المتظاهرين الذين قالوا إنهم سيتحركون في اتجاه وزارة الدفاع للدعوة بعودة المجلس العسكري للحكم، ولا أدري ما الذي منع مسيرة الخير من أن تصل إلى مبتغاها؟، والغريب أن القوم سبق لهم أن اتهموا المجلس العسكري بالمسؤولية عن أحداث ماسبيرو، وسحق المتظاهرين المسيحيين!
الإخوان ليست لديهم أزمة مع المسيحيين، أزمتهم في الواقع معنا نحن، ولماذا نسينا الثورة المضادة التي تعمل بهمة ونشاط في الأيام الأخيرة من أن تكون وراء الاعتداء على المتظاهرين؟!.. أما موقف الشرطة فمنذ قيام الثورة وهي تستهويها لعبة المتفرج، ولماذا تم الصمت على موقفها أمام قصر الاتحادية في مواجهة من سعوا لاقتحامه، وفي أحداث المقطم عندما جرى القتل على الهوية، ويجري تحميل النظام تهمة تقاعسها عن الإمساك بالجناة في أحداث الكاتدرائية؟!
من سحل الإخوان في المقطم هو من اعتدى على المتظاهرين أمام المقر البابوي، ومن يضبطني متلبسا بعطية اخوانية: علبة سمن، أو زجاجة زيت، أو كيلو سكر، أو باكو شاي، أو رئاسة مجلس مدينة أرمنت، فليحاسبني.
الفقي والمخلوع
الدكتور مصطفى الفقي، المدير السابق لمكتب الرئيس المخلوع للمعلومات، ليس حكاءً، لكن لأنه يتحدث عن جانب ليس معروفاً لنا من حياة المخلوع على قناة ‘النهار’، فقد كنت أشد الرحال إليه، كلما سنحت الفرصة، لعلي أجد على النار هديا!
في الأسبوع الماضي، شاهدته مع مذيعة ‘النهار’ القادمة من ‘النيل للأخبار’ دعاء جاد الحق، إذ كانت في الدقائق الأخيرة من حوارها معه، يبدو أنها متعهدة حوارات، مع جماعة ‘الحكي’ في القناة، وهي مهنة جديدة في الفضائيات المصرية. ودعاء تحاور عادل حمودة، وحياة الدرديري تحاور صاحب ‘الفراعين’، الذي يصر على أن ملكية القناة ليست له ولكن للست الوالدة.
ربما سعى الفقي لتقليد محمد حسنين هيكل، وبعد حزمة من الحلقات في برنامجه ‘تجربة حياة’، كان يخضع لحوار، ينتقل به من الماضي الذي يتحدث فيه، إلى الحاضر الذي يبدو أنه يهرب منه، وقد كتبت مرة أنه عندما يصل إلى مرحلة حسني سيكون عهده هو العهد البائد، فقامت الثورة، ولم يغادر عهد عبد الناصر، وتوقف البرنامج.
الجاذبية في برنامج مصطفى الفقي ترجع للمعلومات التي يذكرها، وليس لطريقته في الحكي، وان جاءت مع موسيقي جنائزية، تصاحبه طوال الحلقة، وهو يفسد معلوماته بحرصه، فهو في وضع لا يحسد عليه، فلا يريد أن يبدو كما لو كان قد انقلب على مبارك بعد إسقاط حكمه، كما أنه يحرص على التأكيد على أن مبارك كان في المرحلة التي عمل معه فيها عظيماً، وكأنه بمجرد أن غادر الفقي القصر الرئاسي معزولاً، غادرت معه صفة العظمة، وبدا مبارك على النحو الذي عرفناه.
وهناك مشكلة أخرى ترجع إلى طبيعة شخصية الفقي، فهو مثال للموظف المطيع، لدرجة أنه خرج من القصر، وظل حتى النزع الأخير حريصاً على أن يكون قريباً من أهل الحكم، امتثالاً للحكمة الشهيرة: ‘إذا فاتك الميري تمرغ في ترابه’، ولهذا وافق على أن يدخل البرلمان بالتعيين، وأن يكون مجرد ‘وكيل للجنة’ فيه، للدقة واحد من وكيلين، الآخر هو رامي لكح، وذلك قبل تمثيل أصحاب القرار به عندما ادخلوه الانتخابات في دائرة الإخواني جمال حشمت، ليدخل البرلمان يحيط به التزوير من كل جانب، ولدرجة أن من أمنوا بأنه مفكر كانوا في دهشة من أمره، إذ كيف يقبل عضوية مجلس الشعب بهذه الطريقة المهينة؟.. ولا بأس فقد أذل الحرص أعناق الرجال!.
لا يفسد المعلومات التي يرويها مصطفى الفقي سوى تحليله لها، بشكل يخرجها عن سياقها الطبيعي، فالمحلل لا ينسى أنه كان موظفاً في البلاط، ولهذا فهو يعيد إنتاج مبارك لنا من جديد ليقدم للمشاهد مبررات عمله معه، مع أني اعتقد أنه لم يكن سيغادر ‘الميري’ ولو كان القابع في القصر الجمهوري هو أبرهة الأشرم، وكل ميسر لما خلق له.
روى ‘حكاء’ فضائية ‘النهار’ كيف تدخل لدى المخلوع لزيادة رواتب القضاة، وأرجع سرعة الاستجابة لذلك إلى الاحترام الذي يكنه لهم، وباعتبار أن والده كان يعمل موظفاً بسيطاً في القضاء. ولست معه في ذلك، لأن احترام مبارك لوالده نفسه ليس مؤكداً لدينا، وما فعله كان ضمن خطة لتطويع القضاء لخدمة عرشه، والانتقام من خصومه، وتصفية من يسعون للانقلاب على حكمه، وتأميم النقابات بعد أن فاز فيها الإخوان، ورأينا كيف كان يستغل أحكام التصفية والانتقام في تعامله مع الغرب، فعندما كان يحتج عليه لتنكيله بأيمن نور، وسعد الدين إبراهيم، كان رده هذه أحكام القضاء ‘المستقل والشامخ’!
وكانت الحلقة التي أرهق الفقي فيها نفسه وأرهقنا معشر المشاهدين، هي الخاصة بتعامل مبارك مع قادة دول الخليج، فهو يقول عن السادات انه عاملهم بتعال، في حين أن مبارك كان يحترمهم، وعاملهم بندية. وحرص الفقي غلب عليه فهو لا يريد أن يقول لفظاً قد يغضب أصحاب الفخامة، والضخامة، والسمو، وبالتالي لم يكيف الأمر التكييف السليم، فـ (ندية) يكون لائقاً إذا كان في وصف علاقته بسكان البيت الأبيض مثلاً، وباعتبار أن الطرف الآخر هو الأعلى مقاماً، لكن الفقي خشي أن يقول انه عاملهم بتواضع، فيمثل هذا انتقاصاً من حجم أصحاب الضخامة!
لقد رهن مبارك القرار المصري لدي الرياض، وجعل السعودية الشقيقة الكبرى، وخاض معارك بالنيابة عنها، وذلك لسبب بسيط هو أن مبارك كان شخصاً يمكن تأجيره كل الوقت أو بعض الوقت بمقابل. هذا هو كل الموضوع!.
لا بأس، فلا أنكر أن حواديت مصطفى الفقي مسلية لشخص مثلي يأخذ المعلومة ولا يحتاج إلى تحليل صاحبها، الذي ثبت أنه ‘محلل’ متواضع الموهبة، ومحاط بالغرض الذي هو مرض!
سليم عزوز
صحافي من مصر

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.