الرئيسية » أرشيف - فضاء واسع » حكاية الرجل الذي (انشق) نصفين

حكاية الرجل الذي (انشق) نصفين

 

مع بداية الثورة.. استخدم الضباطُ والأفراد الذين تركوا الجيش العربي السوري- احتجاجاً على جرائمه الكبرى بحق الشعب السوري- مصطلح (الانشقاق) ظانين أنه من اختراعهم..
 
والحقيقة أن الانشقاق هو مصطلح (معرتمصريني) قديم. ذلك أن الرجل (المعرتمصريني) حينما يغتاظ من تصرف أرعن يصدر عن شخص ما، يقول:
 
فلان (شقني) بهذه العَمْلة (شَق)..
 
أو يقول: شقني بهذا الحكي نصفين!
وعلى ما يبدو فإن الأحزاب اليسارية عموماً، والأحزاب الشيوعية خصوصاً، تنحدر من أصول (معرتمصرينية) صافية! ذلك أننا نسمع، مذ وعينا على الحياة، بأن الحزب اليساري الفلاني (انشق)، والحزب التقدمي العلاني تعرض لـ (الانشقاق)..إلخ.. لا بل إن من يتحدث ويذكر في سياق حديثه الحزب الشيوعي السوري لا بد له أنْ يوضح أنَّ الفصيل أو (الشق) الذي يقصده هو: من جماعة خالد بكداش- أو: جماعة رياض الترك- أو: جماعة مراد يوسف- أو: جماعة يوسف نمر- أو: جماعة يوسف فيصل- أو: جماعة قدري جميل (وبالله المستعان).. وثمة أحداث يضطر الراوي لأن يحدد تاريخها فيقول: حصل ذلك (قبل الانشقاق) بسنتين، أو (بعد الانشقاق) بستة أشهر، مثلاً!
 
وللانشقاق، في هذه الأحزاب، أسباب يصعب حصرُها و(تفقيطُها).. ولعله من الطريف أن نذكر أن بعض الأحزاب التي زَرَبَها محروقُ النَّفَس حافظُ الأسد في مدجنة الجبهة الوطنية التقدمية كانت تنشق لأسباب غريبة، كأن يختلف القادة، ضمن حزب تقدمي ما، مع بعضهم البعض، حول تسمية شخص لـ (تعيينه) عضواً في مجلس الشعب، أو تسليمه مقعداً وزارياً، فيذهب الفصيل المنشق أو (المشقوق) ليطالب مخابرات القصر الجمهوري بتخصيص حصة له، ضمن أعطيات القائد، في مجال التعيينات والمخصصات من السيارات والمكاتب.. حتى إن المسؤولين في بعض المحافظات السورية كانوا يلجؤون إلى (الدور) من أجل إرضاء الفصائل (المشقشقة)، فيعطون مقعد (مجلس المحافظة)، في هذه الدورة، مثلاً، لجماعة يوسف فيصل، وفي الدورة اللاحقة، بعد أربع سنوات، لجماعة وصال فرحة وولدها الغالي عمار بكداش.
 
ولأن أرشيف الأحزاب التقدمية (التَكَلُّطية)- في العالم كله- هو هو، نفسه، فقد كان الشيوعيون السوريون يتندرون، في جلساتهم الخاصة، بقصة يقال إنها حدثت في إحدى دول المعسكر الاشتراكي.. ملخصُها هو التالي:
 
يوجد في تلك الدولة حزب عريق يقوده رجل أزلي، لا يعرف أعضاءُ الحزب قائداً غيره مذ تأسس حزبُهم قبل عشرات السنين.
 
وكان في الحزب رجل ظريف، دائم المزاح والتنكيت إلى درجة أن بعض أصدقائه ورفاقه لقبوه بـ (الهزلي).
وفي يوم من الأيام.. حصل، كالعادة، (انشقاق) في الحزب.
 
أعلن قائدُ الجناح المنشق أن الانشقاق كان أمراً لا مندوحة عنه، بسبب غياب الديمقراطية في الحزب، وترهل القيادة، وتفشي روح البيروقراطية.. إلخ.
 
وأما جناحُ القائد الأزلي فأصدر بياناً اتهم فيه المنشقين بأنهم ذوو عقلية مناورة، انفصاليون، متخاذلون، تحريفيون، ماوتسيون، ساقطون على دروب النضال، يخدمون بقصد أو دون قصد المصالح الاستعمارية الإمبريالية..
 
لم يتمكن الناس في تلك الدولة، ولا حتى في قاعدة الحزب، من الوصول إلى حقيقة الانشقاق، بسبب تضارب التصريحات. فذهبوا إلى الرجل (الهزلي)، عسى أن يكون لديه تفسير مقنع لما جرى.
 
حينما سألوا (الهزليَّ) عن رأيه بالانشقاق، اكتسى وجهه بأمارات الجد، وقال بلغة العارف الواثق:
 
– في الواقع أن أحد الرفاق قد أشاع في صفوف الحزب أن القائد التاريخي يعاني، منذ زمن طويل، من التهاب وضخامة في غدة "البروستات"، وهو يعالجُها بإشراف أفضل الأطباء العالميين، ولكن وضع البروستات عنده قد تفاقم كثيراً في الآونة الأخيرة، وأصبح الآن غير قادر على التبول من خلال مجرى البول الطبيعي. وهذا- برأي المنشقين- أمر لا يمكن السكوت عنه.
 
والشيء الطبيعي أن يتصدى المسؤولون في القيادة لهذه التخرصات، فردوا على الشائعة بالبيانات والأدلة الدامغة التي تؤكد أن سيادته قادر على التبول من خلال مجرى البول الطبيعي! حتى إن أحد الأعضاء، وهو طبيب مختص بالأمراض البولية، أرفق تقريراً طبياً لا يخر الماء يؤكد على ذلك.
 
تقول الحكاية: أي سيدي.. يا مرحوم البي،.. وما يزال الموضوع بين أخذ ورد.. حتى دخلت الحالة في طريق مسدود، وحصل الانشقاق!
 
 خطيب بدلة

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.