الرئيسية » تحرر الكلام » فتوى تحريم خطف الأجانب

فتوى تحريم خطف الأجانب

 

الشيخ محمد أبو الهدى اليعقوبي

سؤال: هل يجوز خطف الأجانب في سورية وأخذ فدية لإطلاق سراحهم؟

خلاصة الجواب:

بعد حمد الله تعالى والصلاة والسلام على خير خلقه سيدنا محمد وآله فإن خطفَ الأجانب لا يجوز قطعًا لا في سورية ولا في غيرها ، وهو حرام : الخطفُ حرام ، ومالُ الفدية حرام ، وهو سُحْتٌ ، وهذا العمل تَعَدٍ على الآمنين المعاهدين ، والله لا يحب المعتدين ، والإساءة إلى الذمي والمعاهد من كبائر الذنوب ، ومن فعل هذا فقد ارتكب إثما ، وعصى الله تعالى ، وخاصمَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم . وكلُّ من دخل دارنا بعهد وأمان وجبَ علينا الوفاءُ له به ، بل يجب علينا حمايته ما دام في بلادنا . وذمّةُ المسلمين واحدة ، وأمانُ الواحد كأمان الجماعة ، والغدرُ من صفات المنافقين ، ويُنصَبُ للغادر لواءٌ يوم القيامة ، ومثلُ هذا العمل يضر بالثورة وينفر من الإسلام فالحكم فيه أنه حرام.

تفصيل الجواب:

السؤال عن مثل هذا عجيب ، لأن من البداهة في الشريعة الإسلامية أن القتل والحبس والخطف والتخويف والتهديد والإرهاب وسلب الأموال والابتزاز للآمنين كل ذلك حرام ، ويستوي في هذا الحكم جميع الناس من المسلمين وغير المسلمين . والذي يقوم بشيئ من ذلك آثم شرعا لقيامه بالغدر ونقض العهد ، سوى ما يترتب على ذلك من ضرر للشخص المخطوف أيا كان دينه.

أخرج البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “من قتلَ معاهِدًا لم يرِحْ رائحةَ الجنّة ، وإن ريحَها توجد من مسيرة أربعينَ عاما” ، وترجم البخاري للباب بعنوان: “باب إثم من قتل ذِمّيًّا بغير جُرْم” ، وفي كتاب الجزية “من قتل معاهِدا” .

قال الحافظ أبو الفضل العسقلاني في فتح الباري : “والمراد به  من له عهدٌ مع المسلمين سواء كان بعقد جزية ، أو هدنة من سلطان ، أو أمان من مسلم” . ومن دخل بلادنا من غير المسلمين دخل في أماننا وعهدنا ، له ما لنا وعليه ما علينا ، والمسلم لا يغدر.

والوفاء بالعهد من أخص صفات المؤمنين قال الله تعالى : {وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون آية ٨] . وقد أمر الله تعالى بالوفاء بالعهد فقال سبحانه: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ العَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً} [الإسراء آية ٣٤] .

وضد الوفاء بالعهد الغدرُ ، وهو من علامات المنافقين كما في عدة أحاديث . وقد نهى النبي عليه  الصلاة والسلام عن الغدر وحذّر منه أشد تحذير ، وتوعّد عليه بأشد الوعيد، وهو من كبائر المعاصي والذنوب . أخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “إذا جمع الله الأولين والآخِرين يوم القيامة يُرفَع لكلّ غادر لواءٌ يقال : هذه غَدرة فلان بن فلان” . وأخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  “ثلاثة أنا خصمُهم يوم القيامة” وعد أول واحد منهم: “رجل أعطَى بي ثم غدر” .

ولا يُشترط لإعطاء الأمان وجودُ الإمام ، فإن ذمةَ المسلمين واحدةٌ كما ورد في الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري ومسلم : “ذمة المسلمين واحدة ومن أخفر مسلما فعليه مثل ذلك” أي لعنة الله والملائكة والناس أجمعين كما في أول الحديث ، ومعنى أخفر أي غدر ولم يف بالعهد ، قال النووي في شرح صحيح مسلم : “المراد بالذمة هنا الأمان، معناه أن أمان المسلمين للكافر صحيح ، فإذا أمنه أحد المسلمين حرم على غيره التعرض له ما دام في أمان المسلم”.

ومن أحكام الذمي في الإسلام مما يغيب عن كثير من الناس أنه يحرم التعرض له بشيئ من الأذى ولا يجوز إتلاف ما يملكه من الخمر والخنزير،  بل قال الإمام كمال الدين ابن الهمام في فتح القدير : “فتحرم غِيبتُه كما تحرم غِيبة المسلم” ، واعتمده التمَرْتاشيُّ في تنوير الأبصار وعلاء الدين الحَصْكَفي في الدر المختار شرح تنوير الأبصار وابن عابدين صاحب الحاشية”. ونص عليه ابن حجر الهيتمي في الزواجر.

وكما يحرم الغدر بالمعاهد في ديار الإسلام فكذلك يحرم على المسلم الذي يدخل بلاد المعاهدين أن يغدِر أو يخون أو يتعرض لأحد بسوء . قال الحصكفي في الدر المختار في باب المستأمِن : “دخل مسلم دار الحرب بأمان حرُم تعرضُه لشيء من دم ومال وفرج منهم ، إذ المسلمون عند شروطهم”.

فإذا تجاوز الأجنبي في بلادنا الحد وخالف قوانين البلد الذي دخل إليه كان للسلطات إنذاره بحسب خطورة المخالفة أو أن تطلب منه الرحيل . وفي ذلك أعراف بين الدول وقوانين جرى العمل بها ، ومعظم هذه الأعراف والمعاهدات في معاملة الأجانب مما لا يخالف أحكام الإسلام .  ثم إن الأجانب الذين يدخلون بلادنا من صحافيين وإعلاميين ومصورين يؤدون خدمات للشعب السوري بإيصال صوت الحق إلى العالم . وواجبنا نحن أن نبتعد عن كل ما يسيئ إلينا من التصرفات خصوصًا حين نعلم أن أعين العالم تتوجه إلينا ، وشاشات الفضائيات تنقل أفعالنا ، فكيف والله تعالى شهيد علينا وهو سبحانه يقول في سورة يونس : {وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلّا كُنّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيه} ويقول سبحانه في سورة الزخرف: {أمْ يَحْسَبُونَ أَنّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونْ}.

والنظر في تصرفات هؤلاء الأجانب يرجع إلى قيادة الجيش الحر ، وفي غياب أي سلطة سوى سلطة العسكر ، فإن قيادة هذا الجيش هي التي تحدد قواعد تحركات الأجانب داخل سورية  لتغطية أخبار المعارك والقصف  ونقل معاناة الشعب  وتوثيق جرائم النظام . وإذا ما شعرت هذه القيادة بأن بعض الأجانب يتعاونون مع النظام  ويشكلون خطرا على الثورة  من خلال التجسس على الثوار ، فإن القيادة تقوم بإنذاره أو طلب الرحيل منه ، حسب خطورة الأمر ، وطبقا للأعراف الدولية وقواعد المعاملات الإنسانية وأحكام المستأمن ، وكل ذلك مفصل في كتب الفقه.

واللجوء إلى الخطف لطلب الفدية أو للضغط على الدول التي ينتمي إليها المخطوفون هو مظهر ضعف ، وسوء تدبير ، وإساءة إلى الإسلام ، وتشويه لصورة العرب ، وهم الذين عرفوا بالوفاء بالعهد وإكرام الضيف وحماية الجار . كما أن هذا الفعل يعود على الثورة بالضرر في تأليب العالم ضد شعبنا الذي صار الملايين منه لاجئين مشردين وضيوفا غرباء ، لا ترغب فيهم معظم البلاد التي يحِلّون فيها.

ونقترح على قيادة الجيش الحر إصدار كتيب بالتعلميات الخاصة التي يجب على الصحافيين الأجانب الذين يرغبون بتغطية أخبار الثورة السورية الالتزام بها ، نحو عدم تصوير المواقع العسكرية ، والالتزام بالحشمة ، وترك التهتك ، واحترام خصوصيات الناس ، وغير ذلك مما يحتاج إلى بيان.

يجب على الثائر والمقاتل الذي يدافع عن نفسه وأهله وعرضه وأرضه ضد إجرام نظام الأسد أن يَحذر من أن يتبع طريق النظام في الظلم ويرتكب ما يرتكب النظام من الإجرام ، ويجب عليه أن يجتهد في أن لا يعامل الخصم بأساليب النظام في الخطف والقتل والتعذيب وسلب الأموال وقتل الأسرى وإساءة معاملة الناس مما هو دَيدَنُ النظام ، فشعبنا لم يقم بالثورة على هذا النظام إلا لإزالة الحَيف ، ورفع الظلم ، وإحقاق الحق ، ونشر العدل ، وينبغي لنا كلما ازداد النظام إمعانا في الإجرام أن نزداد نفورا من الإجرام وكراهيةً للظلم ، ورغبة في إقامة العدل ، فما بالُنا نَفِرُّ من جور إلى جور ونضع أنفسنا بمصاف عدونا ، ونساوي أنفسنا بحثالة من المجرمين ليصير الثوار قطاع طرق ولصوصا بدل أن يكونوا طلابا  للكرامة وأنصارا للحق وشداة للحرية ! أجل هذا هو ما يحدث حين نجعل الغضب قائدنا والانتقام دليلنا ، وكل إناء بالذي فيه ينضحُ.

نؤكد على أن المقاتل يجب أن يتحلى بأحسن الأخلاق وأجمل الآداب ، وأن الثائر مؤتمن على السلاح ، لا يجوز له أن يستعمله إلا في وجه حق أمام عدو واحد هو النظام الذي ثار الشعب عليه ، ولا يتجاوز في استعماله حدود أحكام الشرع ومبادئ الأخلاق وقوانين الحرب.

والحرب ليست صنعة ولا تجارة ، وإنما هي ضرورة ألجأ إليها ما قام به النظام من اضطهاد . ويجب على كل مقاتل أن يعلم أن الغاية من حمل السلاح إنما هي الوصول إلى الأمن  وإحلال السلم  في ربوع بلادنا الحبيبة لتعود المحبة إلى كل قلب ، والبسمة إلى كل وجه ، والأمان إلى كل بيت.

وأرجو أن يتأمل كل مجاهد في وصية النبي عليه الصلاة والسلام للجيش الذي خرج إلى مؤتة : “لا تغدِروا ، ولا تَغُلّوا ، ولا تقتلوا وليدًا ، ولا امرأةً ، ولا كبيرًا فانيًا ، ولا منعزلاً بصَومعة ، ولا تقرَبوا نخلا ، ولا تقطعوا شجرًا ، ولا تهدموا بناء” .  وكل من تجاوز هذا الحد فقد اعتدى ، والله عز وجل لا يحب المعتدين ، قال سبحانه وتعالى : {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} [البقرة ١٩٠].

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.