الرئيسية » أرشيف - فضاء واسع » محنة الديمقراطية في العراق الجديد

محنة الديمقراطية في العراق الجديد

 

( لتكن إنتفاضة الأنبار فوق أي إعتبار)
بعد أن تبين التزييف والدجل من قبل الولايات المتحدة بشأن تبرير الغزو الغاشم على العراق، وظهر للجميع إكذوبة امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل، وبعد أن ثبت بالدليل واليقين عدم وجود علاقة بين النظام الوطني السابق وتنظيم القاعدة رغم كثافة التحري والتدقيق في هذا الأمر. علما أن وثائق جهاز المخابرات كانت بمعية إدارة الغزو وعملائها كأحمد الجلبي وكنعان مكية وعبد العزيز الحكيم وقد فشلوا في إيجاد وثيقة واحدة تشير الى وجود علاقة بين الطرفين. علما ان الشيخ بن لادن كان ناقما على النظام الوطني السابق في العراق منذ معركة الخليج الثانية، عندما عرض على السعودية مشاركة تنظيمه في الحرب على العراق. 
لذلك سحبت إدارة الغزو هذه الإسطوانه المشروخة التي صدعت بها الرأي العام، واستبدلتها باسطوانه أخري لا تقل عنها مللا وسخافة وهي إحلال الديمقراطية محل الدكتاتورية، والتبشير بالحريات الأساسية على الطريقة الامريكية. وإشاعة حقوق الإنسان في العراق. وقد وعد الرئيس بوش العالم والعراقيين بشكل خاص بأن العراق الجديد سيكون مصدر إشعاع ديمقراطي على دول الجوار، فإذا به مصدر ظلام وارهاب على شعبه أولا وعلى دول الجوار ثانيا.
وكم كان بودي لو قامت حكومة اوباما او البنتاغون او الصحافة الحرة كما يطلقون عليها في بلاد العم سام(فعلا سام كسٌم الأفعى) بأخراج الرئيس بوش من سباته العميق، ليتحدث عن رأيه بصراحة فيما آل اليه حال العراق الجديد؟ وهل تكلفة الحرب(2 تريليون و200 مليار دولار) ومئات الألوف من القتل والجرحى الامريكان قد حققت الغاية من الفتح الديمقراطي كما زعم؟ وهل أرضى بجريمته النكراء رسالة السماء؟ – حيث إدعى بأنه تلقى هاتف سماوي لغزو العراق- 
وهل رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي قد أنتخب بطريقة ديمقراطية على طريقة إنتخاب بوش نفسه؟ وهل يمتلك المالكي فعلا مواصفات الرئيس الديمقراطي أم الدكتاتوري؟ وهل النظام الحاكم في العراق بشكل عام نظام ديمقراطي؟ علما بإن من يقوده هو حزب اسلامي متطرف لا يؤمن بالديمقراطية كما مثبت في أدبياته. وله تأريخ إرهابي مشهود له في المنطقة. ثم ما هي محصلة الغزو النهائية؟ تنامي الإرهاب والعنف والجوع والفقر والمرض والبطالة، وتفاقم الأزمات والنكبات، وإنتعاش الميليشيات ودولة العصابات. وإزدهار النزعات المذهبية والعشائرية والإقليمية والعنصرية والتبعية. الا تف عليك بوش وعلى ديمقراطيتك وألف تف! 
إن حديث الديمقراطية في أرض السواد يحز في نفوس العباد، حديث ذو شجون ومواجع، لقد تقيأها الأمريكان في وجوه العراقيين فعابت نفوسهم منها ومن كل ما يتعلق بها. والعيب ليس في الديمقراطية نفسها بل في من جاء بها. ومن زرعها في غير تربتها فلم يخضر عودها ويبست بسرعة. ومن يظن اإن العراق بلد ديمقراطي أو سار خطوة واحدة نحو الديمقراطية فهو كاذب أو جاهل أوعميل. لأن الديمقراطية لا تعيش في مجتمع فيه(8) مليون أمي لا يعرفون القراءة والكتابة ويشاركون في صنع مصير بلادهم من خلال الإنتخابات. 
الديمقراطية لا تعيش في ظل نظام تحكمه الميليشيات الإرهابية والعصابات الرسمية! ولا في أجواء حكم الطائفة الواحدة والحزب الأوحد. ولا بحكم العملاء والجواسيس والمزورين والفاسدين. 
الديمقراطية لا تُحي الفساد الحكومي بل هي الوسيلة الناجعة لقطع دابره. وفي بلد يعلن فيه رئيس البرلمان بلا حياء عن ضياع (40) مليار دولار من خزينة الدولة! فهو ينفي بإعترافه هذا أي سمة للديمقراطية في بلد مبتلى بآفة الفساد في جميع مؤساسته التشريعية والتنفيذية والقضائية. 
الديمقراطية نقيض الدكتاتورية. وتعني تداول وإنتقال السلطة بشكل سلمي مع توفر حسن النية بين الزعيم السابق واللاحق، وليس الإلتفاف على نتائج الإنتخابات ببدعة حزب الدعوة(الكتلة البرلمانية الأكبر) والتي باركتها سلطة مدحت المحمود مقابل ثمن باهض دفعه المالكي من جيب الشعب الفقير للقضاء- النزيه جدا- لينصب رئيسا للوزراء رغم أنف القائمة العراقية الفائزة. 
الديمقراطية لا تتحقق من خلال قوائم مغلقة(حظ يانصيب) لا يعرف الناخب ما بداخلها، ويفاجأ بوجود شخصيات لا تحظى برضائه، لكن بعد خراب البصرة! فجهله وغفلته جعلته ينتخب القائمة! والقانون كما هو معروف لا يحمي الحمقى والمغفلين. 
الديمقراطية لا تعيش في أجواء نفوذ المرجعيات الدينية المجيرة للسياسيين. فبين السياسة والدين بون شاسع، تعارض وليس تناغم. وعلى إعتبار الإنتخابات اول درجة في سلم الديمقراطية، فمن غير المنطقي أن يكون عمادها فتاوى دينية عفنة تحرض على إنتخاب قوائم الطائفة الواحدة، وليس على أسس الكفاءة والنزاهة والمواطنة والمصلحة العامة. فتاوى دعائية مستمدة من بلاوي القرن الأول الهجري، يضحكون بها على عقول الناخبين، والكارثة انها بعد اربعة عشر قرنا لا تزال الدعاية الدينية نافذة المفعول بحكم الجهل وقلة الوعي وضعف الإيمان بالله تعالى.
في بلد يحتل المرتبة الثالثة دوليا في الفساد الحكومي ويحافظ على مكانته هذه سنة بعد أخرى، وعاصمة تعد الأوسخ في العالم، وبلد يأكل شعبه من القمامة وحكامه يجمعون المليارت. بلد 35% من ابناءه تحت خط الفقر و40% منهم يعانون من البطالة رغم المليارات التي تتدفق عليه، بلد الوقود الذي يعاني شعبه منذ الغزو أزمة وقود. بلد يشرب شعبه ماء ملوث غير صالح للشرب، ويفتقدون الكهرباء والخدمات الصحية والتربوية. فهل هذه بيئة صالحة لنمو الديمقراطية؟
الديمقراطية لا تتحق بالسيادة الناقصة ولا بتنفيذ أجندة أجنبية، ولا بتدخل دول الجوار في الشأن الداخلي، ولا بحكومة توجهها دولة مجاورة بالأمس كانت من الد الأعداء واليوم من أعز الأصدقاء رغم ان اطماعها هيٌ هيٌ.
أما حديث الحريات الأساسية فيكفي إن العراق يحتل المرتبة (150) في التصنيف العالمي لحرية الصحافة وقد وصل عدد القتلى من العاملين في وسائل الاعلام إلى(373) شخصا. وبلغت حالات الإعتداء على الصحفيين خلال عام ما يزيد عن(31) حالة. وبلغ عدد المعتقلين من الصحفيين(65) شخصا، وحالات منع التصوير وتحطيم الكامرات(84) حالة، وبلغ عدد المختطفين(64) صحفيا، وعدد المفقودين(14) صحفيا، رغم صدور قانون حقوق الصحفيين الذي تمت المصادقة عليه العام الماضي. 
كل هذه النوائب الإعلامية التي جرت في دولة القانون، ولم تتمكن اجهزة الدولة الأمنية المليونية من القاء القبض على مجرم واحد فقط! إنها شهادة سوء كفاءة لأمن الدولة والوزراء المعنيين والقائد العام للقطعان المسلحة. لكن المحير في الأمر هو كيفية تعليل فشل تلك الأجهزة في كشف الجناة؟ سيما ان الجرائم حدثت وسط النهار وفي العاصمة المكبلة بالخراسانات الكونكريتية والشوارع المغلقة، ونقاط التفتيش المملة، فما بين نقاط تفتيش واخرى نقطة تفتيش! علاوة على عشرات الألوف من كاميرات الشوارع؟ نترك الجواب للقاريء اللبيب ليستنتج بنفسه. 
اما موقف( نقابة صحفيي اللامي وشريكه المالكي) التي تلبس لجام الحكومة في مسيرتها الإعلامية الفاشلة. فإنها غاليا ما تطرق برأسها الذليل أرضا طمعا بالمزايا لقاء سكوتها. واحيانا تطالب بتأمين حماية لأعضائها ممن غير قادر على حماية نفسه. ومؤخرا عبر فارس الإعلام مؤيد اللامي الهمام بعد الهجوم المليشياوي نهارا على مقرات أربع صحف في وسط بغداد هي البرلمان والدستور والناس والمستقبل بحديث صاعق" إننا نجري اتصالات مع مسئولين دينيين" بشأن الحوادث! أي ليس مع أجهزة أمنية! بل مع  مراجع دينية! أية خيبة كهذه؟
أما حرية التعبير فهي مكفولة دستورية لكنها غير مكفولة حكوميا وقضائيا! كما إن طريقة تعامل حكومة المالكي مع انتفاضة أهل السنة والكلمات البذيئة التي أسهل بها المالكي من فمه. وأوامره لقطعانه المسلحة بإطلاق النار على المتظاهرين العزل، وتحصين الجناة من دعاوى القضاء والحيلولة دون محاسبتهم على جرائمهم، بل تكريمهم كما حصل مع قاتل ابن أخ ريئس البرلمان. واعتقال المئات من المتظاهرين من قبل عناصر الجيش والشرطة والميليشيات التابعة للأحزاب الحاكمة والإعتداء عليهم. كل هذه الممارسات توضح لنا مستوى الحريات العامة في العراق الجديد. الحرية في العراق مخنوقة كشوارعه المخنوقة بالخراسانات العالية. والمحطات التلفازية الحكومية مهمتها تزيين النظام الفاسد بمواد تجميل عديمة المفعول. علاوة على التحريض على الفتنة الطائفية لا غير. انظر الى موقف تلك المحطات من انتفاضة أهم محافظات العراق ستجد إنها اللامبالاة أو الإساءة، كأنها تجري في جيبوتي او مقاديشو وليس في العاصمة وجوارها! أو كأن المتظاهرين ليسوا بعراقيين.
اما حقوق الإنسان فحدث ولا حرج، فقد شهدنا آثارها أولا على أيدي الفاتحين الجدد في (سجن أبو غريب) وما أدراك ما (سجن ابو غريب) الذي جعل سجن الباستيل يبكي وينوح على بلواه! لم يكن الغزاة دعاة ديمقراطية مطلقا، بل دعاة همجية وبربرية. وحوش ضارية تعمل بشريعة الغاب من قتل وتعذيب واغتصاب ونهب وسلب وبذاءة. لقد جعلونا ندرك حقيقة الولايات المتحدة ومدى حضارة شعبها . ذئاب مريعة في لباس حملان وديعة. إن مجرمي الحرب العالمية الثانية من غيلان هيروشيما تركوا لنا خلفا أشد همجية ودموية منهم. والفرق إن هيرشما العراق كانت أشد قوة وبطشا من هيروشيما اليابان بثلاثة أضعاف. ساهموا الطغاة في بناء اليابان وكفوا أيديهم عن بناء العراق.
نشرت صحيفة الغارديان في مطلع الشهر الحالي نقلا عن شهود عيان مجندين وموظفين بأن المشتبه بهم من العراقيين كانوا يُساقون الى سجن سري في مطار بغداد الدولي( يدعى كامب ناما- حاليا تحولت عائديته الى منظمة بدر) حيث يستوجبهم ضباط امريكان ومحققون مدنيون وإن" أساليب الإستجواب كانت وحشية جدا". ويصف شاهد عيان بريطاني كيف نزع المتحضرون الامريكان الأطراف الإصطناعية عن مشتبه به معوق وانهالوا بها على رأسه. المشتبه هو متهم بمعنى إنه بريء حتى تثبت إدانته، هكذا تتحدث دساتيرهم التي وضعوها تحت بساطيلهم في تعاملهم مع العراقيين!
سَلمت القوات الغازية السجون وأدوات التعذيب المتحضرة بكامل عُدتها للقطائها في الأجهزة الأمنية العراقية بعد ان انتزعوا منهم الضمير والشرف والدين والرحمة، ليكونوا دمويين كمدربيهم، ففاقوا أسيادهم جرما وسفالة وكفرا بقيم السماء والأرض، وبرعوا في فنون القتل والتعذيب والإغتصاب وتعاطي الرشاوي وتناول المخدرات حتى بتنا عندما نسمع عن استهدافهم نقول الى جهنم وبئس المصير! عندما تصل العلاقة بين الشعب واجهزته الأمنية الى هذا المستوى المؤلم. إقرأ سورة الفاتحة عليها، وواريها التراب.
وحالات الإعدام تتنافس في المرتبة الأولى عليهادولتان هما ايران وربيبها العراق، متفوقين بذلك على الصين التي يبلغ عدد سكانها(مليار و336 مليون نسمة) فقد أعدم العراق عام 2012 (123) شخصا ويبدو إن عام 2013 سيشهد عددا اكبر من المعدومين. فخلال الإسبوع الأول من شهر نيسان الجاري اعدمت وزارة الشمري(30) معتقلا من ضحايا المخبرين السريين. وسبق أن عبرت(كاترين آشتون) المفوضة الأوربية العليا للشئون الخارجية والأمن عن قلقها من نهج حكومة المالكي في مجال الإعدامات. ويبدو ان المالكي ووزيره الشمري يستعجلان اعدام المتهمين من أهل السنة لتبيض السجون و تسويد وجوههم.
ما تحدثت به تقارير لجنة حقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية ومراقب حقوق الإنسان والمنظمة العربية لحقوق الإنسان تكشف أوضاع حقوق الأنسان في العراق، تقارير موثقة تلطم وزراء العدل وحقوق الإنسان والدفاع والداخلية بمداس على أفواهم عندما يتشدقون بتعزيز حقوق الإنسان. انها ليست حقوق بل عقوق.
نرجو الإطلاع على الرابط المذكور في أدناه لمعرفة حقيقة الحكومة العراقية. ولماذا نطلق عليها وصف( صفوية)؟ وهل المنتفضين من أهل السنة على حق أم لا في مطالبهم؟ ننصح بعدم مشاهدة الأطفال للفيلم رجاءا.
           علي الكاش
محنة الديمقراطية في العراق الجديد
الرابط
http://www.youtube.com/watch?v=HWSPnkUxakg&feature=youtu.be
 

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.