الرئيسية » أرشيف - هدهد وطن » فورين آفيرس: ماذا تعني العودة السياسية الجديدة لمقتدى الصدر؟

فورين آفيرس: ماذا تعني العودة السياسية الجديدة لمقتدى الصدر؟

ديمقراطية العراق الوليدة تواجه معضلة جديدة: هل ستحتضن العودة السياسية لقائد ميليشيات سابق. أطلق مقتدى الصدر، رجل الدين الشيعي المتشدد، حملة علاقات عامة، وصف نفسه أنه صوت الوئام الطائفي. هل ينبغي على العراقيين أن يرحبوا بعودة الصدر بأذرع مفتوحة، أم عليهم أن يكونوا حذرين من شخصيته الجديدة؟
صنع الصدر لنفسه عند ظهوره السياسي لأول مرة، صورة الغوغائي الفوضوي، الذي أثار الاقتتال الطائفي، وأعاق العملية الديمقراطية الوليدة في العراق. تولى في الفترة من العام 2003 إلى 2008، قيادة جيش المهدي وحمل السلاح ضد الحكومات العراقية المتعاقبة، وارتكب الفظائع على نطاق واسع ضد السنة في البلاد، بالإضافة إلى استهداف منشآت الولايات المتحدة وجنود القوات الأمريكية حتى غادروا العراق في نهاية عام 2011.
 ثم غير مساره بشكل مفاجئ، في الربيع الماضي، وقضى العام الماضي في إصلاح صورته والعمل كصوت للاعتدال في العراق. وأصبح الصدر الآن يندد علنا ​بالعنف، ويدعو إلى الحل السلمي للنزاعات السياسية في العراق، ويصلي مع الزعماء الدينيين من الأديان والطوائف الأخرى.
من جهة، يمكن أن تعكس النغمة الجديدة للصدر نضجا حقيقيا ورغبة للعب دور إيجابي في النظام السياسي العراقي المختل، ومن ناحية أخرى، يمكن أن يكون مجرد “تكتيك” جديد لاستعادة نفوذه وقوته.
وفي كلتا الحالتين، فإنه بقدر ما يتمكن الصدر من إقناع العراقيين -الشيعة والأكراد والسنة على حد سواء- أنه شريك موثوق ومعتدل، بقدر ما سيكسب مزيدا من التأثير على حساب رئيس الوزراء نوري المالكي، وهو شيعي أيضا.
سنة العراق من العرب والأكراد يواجهون خيارا صعبا، وذلك لأن العمل مع الصدر يمكن أن يؤدي إلى نتيجتين مختلفتين جدا: إذ يمكن الانضمام إليه لتحدي المالكي وربما تطوير عملية سياسية أكثر شمولا، ولكنه يمكن أيضا إعادة تمكين سيادة الميليشيات الطائفية. والمفتاح بالنسبة للعراقيين هو فحص والتثبت من الصدر الجديد بعناية والتمسك بضرورة أن يكون خطابه مقرونا باتخاذ إجراءات ملموسة.
* عودة الابن الضال:
الصدر ينحدر من عائلة علم ودين مميزة مع تاريخ طويل من النشاط السياسي. وقُتل كل من عمه محمد باقر الصدر، الفيلسوف البارز، وكان والده آية الله محمد صادق الصدر، وهو عالم شيعي بارز، في عهد صدام حسين. الصدر نفسه ظهر للمرة الأولى على المسرح السياسي في صيف عام 2003.
أحاديثه التي استندت لخطاب الكراهية ونظريات المؤامرة، أثرت في المحرومين الشيعة بشكل كبير، وسرعان ما أصبحت قاعدة دعمه.
ميليشيات الصدر، جيش المهدي، كان مسؤولا عن الكثير من جرائم القتل الطائفي الذي ابتلي بها العراق في ظل الاحتلال من 2005 إلى 2008. ذلك أن جيش المهدي أرهب أجزاء كبيرة من وسط العراق وجنوبه، وتابعت عمليات التطهير الدموية للأحياء السنية في أنحاء بغداد.
خلال هذه الفترة، لم يكن الصدر يُخفي وجهات نظره أو أعماله. في الواقع، تم تسجيله مرة واحدة وهو يفاخر بقدرته على قتل السنة تحت غطاء ديني كما يعرضه رجال الدين الشيعة. بين عامي 2006 و2008، تحدى علنا ​​حكومة المالكي بالسيطرة على البصرة، كربلاء، ميسان، وعدة أحياء في بغداد، مما عجل في مواجهة عسكرية واسعة النطاق مع الحكومة. وقد فشل هجومه في نهاية المطاف.
توقع الهزيمة بعد تنفيذ الولايات المتحدة لإستراتيجية “الزيادة” (في عدد الجنود) في عام 2007، ثم غادر الصدر لإيران وبقي هناك لمدة أربع سنوات في منفى اختياري.
وقد تأرجحت علاقاته مع المالكي بين المواجهة العسكرية المباشرة والتعاون السياسي الوثيق. وعاد إلى العراق في أوائل عام 2011، مع ثقة جديدة بتياره في أعقاب الانتخابات التي فاز حزبه (وبشكل مثير) بـ40 مقعدا في البرلمان الجديد.
عند عودته، حافظ الصدر على لهجة التحدي وسعى للاستفادة من نفوذه في البرلمان لإجبار تعيين رئيس وزراء ضعيف وطيع. ولكن مقاومة المالكي، إلى جانب خوف إيران تمزيق التحالف الشيعي في العراق، اضطراه في الأخير، لمساعدة المالكي على مضض الفوز بولاية ثانية في منصبه. ومن دون دعم الصدر، فإن المالكي كان سيفقد كرسي رئاسة الوزراء. ومن ثمَ شرع الصدر في تحويل حزبه إلى محور وعصب حكومة المالكي الائتلافية، مما شكل تحديا للأحزاب الكردية، باعتبارها صانعة الملوك في بغداد.
لكن لم يكن سهلا على الصدر للتأثير في المالكي. على العكس من ذلك، استخدم المالكي فترة ولايته الجديدة لكسر المعارضة السنية وتهميش الأكراد وتوطيد سلطته.
وللقيام بذلك، جمع رئيس الوزراء بين التهديدات والتطبيق الانتقائي للقانون ضد معارضيه، بما في ذلك محاكمة صورية ذات دوافع سياسية ضد نائب الرئيس العراقي السابق طارق الهاشمي، وهو سني، لاتهامات بالإرهاب. وفي الوقت نفسه، نحى المالكي جانبا الصدر والأحزاب الشيعية المختلفة. وولدت كل هذه التطورات رد فعل عنيف ضد رئيس الوزراء وعززت المخاوف من دكتاتورية جديدة تترسخ في بغداد.
* التحول إلى الاعتدال:
وإزاء هذه الخلفية، بدأ الصدر في تغيير مشاربه. في عام 2012، بدأ ينأى بنفسه عن إيران، ويحمل الجماعات المدعومة من إيران، وخاصة عصائب أهل الحق، التي انفصلت عن جيش المهدي ودعمت المالكي، المسؤولية عن العنف الطائفي السابق.
في شهر أبريل الماضي، انضم الصدر علنا ​​إلى رئيس الحكومة الإقليمية في كردستان، مسعود بارزاني، والقيادي في ائتلاف العراقية التي يدعمها السنة، إياد علاوي، للتنديد بسياسات المالكي، باعتبارها استبدادية، وطالبوا بحجب الثقة عن رئيس الوزراء. وكان صريحا حول الأسباب التي دعته للقيام بذلك، قائلا: “التهميش. . . وتسييس القضاء. . . يؤديان إلى الديكتاتورية، كما إن استخدام القوات المسلحة والقضاء للتخلص من لمعارضين وجهان لعملة واحدة”.
في ديسمبر 2012، أظهر الصدر مرة أخرى موقفه الجديد. في ذلك الشهر، خرجت عدة محافظات، ذات الأغلبية السنية، في مظاهرات شعبية احتجاجا على المظالم المعروفة والمشهودة التي سببتها حكومة المالكي. وقد سارع الصدر لتقديم دعمه للمحتجين -الذي أتى من المجتمعات نفسها التي كانت قد ذُبحت على يد الميليشيات التابعة له في السنوات السابقة- وأيد جميع مطالبهم، تقريبا.
وذهب أبعد من ذلك، حيث ظهر في مشهد نادر جدا أمام العامة، يصلي جنبا إلى جنب مع رجال الدين السنة في أحد مساجد السنة في بغداد، كما زار في وقت لاحق واحدة من الكنائس في بغداد التي استُهدفت في هجوم مميت في العام 2010.
وكثيرا ما يصدر الآن بيانات أكثر تسامحا تجاه المكونات العراقية من غير الشيعة، ويمكن القول إنها معقولة جدا. “لا يمكن محاربة الطائفية بمزيد من التوترات الطائفية”، كما كتب إلى المتظاهرين السنة في ديسمبر 2012. هذه الكلمات تشير إلى وجود التزام (ظاهري) بتجاوز الطائفية واللاعنف، ولكنها تأتي من الرجل نفسه الذي قتل أتباعه، قبل سنوات قليلة، ونهبوا “أعداءهم” من الطوائف الأخرى.
الآن وقد انسحبت الولايات المتحدة من العراق، تم تهميش أهل السنة سياسيا وعسكريا، والأكراد حريصون على العثور على شريك شيعي آخر من غير المالكي، يرى الصدر في هذا وذاك فرصة للعودة إلى الساحة السياسية والنجاح فيما فشل فيه سابقا.
وثمة عدة عوامل تدفع باتجاه هذا النهج المعتدل الجديد: أولا: القوات العسكرية للصدر ضعيفة ولا تستطيع الدخول في مواجهة أخرى مفتوحة مع الحكومة العراقية، حيث إن ميزان القوى قد تحول إلى حد كبير ضد الصدر، ولهذا، لا بد له الآن من الفوز في معركة التأثير في القلوب وعقول الآن إذا كان يريد السلطة السياسية. رسالته المنقحة من الاعتدال والاندماج تسعى للاستفادة من الشعور العام بخيبة الأمل من حكومة المالكي.
ثانيا: تعرضت حركة الصدر السياسية للانقسام والتفتيت خلال السنوات الخمس الماضية. مخاوف الصدر من تهميش المالكي له كما فعل مع العرب السنة. وفي الوقت نفسه، فإن عصائب أهل الحق، المجموعة التي انشقت عن جيش المهدي بزعامة الصدر، شكلت حزبها السياسي الخاص لتحديه ومنافسته في كسب دعم قاعدته الأساسية. ولذلك، فإن التحدي الأكبر بالنسبة للصدر الآن، هو العثور على طريقة للاحتفاظ على دعم قاعدته، وكذا جذب أتباع جدد أيضا في الوقت المناسب مع قرب إجراء انتخابات المحافظات والعامة، في أبريل عام 2013 وأوائل 2014، على التوالي.
وفي النهاية، من المحتمل أن الصدر يرى نفسه خليفة محتملا لرجل الدين الشيعي في العراق الأكثر نفوذا، آية الله العظمى علي السيستاني. وحتى يتطلع إلى هذا المنصب، يحتاج إلى التخلص من إرث صورته العنيفة وسمعته السيئة. وتأمين مثل هذا الموقع، سيمكنه من النفوذ بشكل أكبر في السياسة وفرض مزيد من الرقابة الدينية على المشهد السياسي العراقي.
* الطريق إلى الخلاص:
من وجهة نظر خصوم المالكي، فإن شخصية الصدر الجديدة تشكل معضلة، فإذا احتضنوا الصدر الجديد، فإنهم يخاطرون بتمكين عدو سابق بيديه الملطختين بدماء الأبرياء. وإذا رفضوه، فمن الممكن أنه سيعود إلى أساليبه القديمة العنيفة….
وسيكون من الحكمة أن يرحب العراقيون برسالة الصدر الجديدة، ولكن بحذر، ويجب الضغط عليه لإثبات صدقه من خلال إجراءات ملموسة، وليس مجرد كلمات.
(Eli Sugarman and Omar Al-Nidawi) / مجلة “فورين آفيرس”
خدمة العصر

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.