الرئيسية » تحرر الكلام » ما ورثه العسكر والإخوان من “حسني مبارك”!

ما ورثه العسكر والإخوان من “حسني مبارك”!

لم تضع ثلاثين عامًا من حكمه مصر هدرًا أو كانت هباءً منثورًا،  حتى أن الفاصل الديمقراطي الوحيد في تاريخ مصر الحديث والمعاصر، أو فترة حكم الدكتور “محمد مرسي” إنما أرادها الجيش حدًّا لآمال المخلوع من الجيش “حسني مبارك” في البقاء إلى أبد الدهر في الحكم عبر توريثه ابنه من بعده وابنه لابنه وهلم جرًا، لولا أن الإخوان لم يستوعبوا أو حتى يفهموا ولا أحسب أنهم مهيأون للفهم السياسي الصحيح حتى اليوم!

    فالعسكريون لعبوا بالجميع فتوقعوا انتفاضة أو حركة شعبية محدودة ضد الغلاء وتردي الأوضاع في مصر، هؤلاء بقيادة مدير المخابرات الحربية في عهد “مبارك” الفريق “عبد الفتاح السيسي”، والمشير “محمد حسين طنطاوي” (راجع على سبيل المثال حوار المشير طنطاوي مع موقع البوابة في 26 من يناير/كانون أول 2016)، والأخيران (السيسي وطنطاوي) أجادا اللعب بالمشهد المصري بجدارة، وبمساعدة مخابرات دول أجنبية، وللأسف الشديد بغباء سياسي مُتناهي النظر من أغلب الثوار بالإضافة إلى جماعة الإخوان المسلمين التي كان لها الدور الأخطر في إعادة تأهيل وتثبيت نظام “حسني مبارك” بدون رأسه الحاكم أو بإضافة “السيسي” ، رغم ادعاء الأخير ومن بعده الإخوان قيام ثورة اتفقا عليها (25 يناير)، وأخرى اتفق العسكر عليها واعترض الإخوان (30 يونيو).

   نهاية الطعم الذي ابتلعه الإخوان بالنزول إلى انتخابات الرئاسة في 2012 رغم تأكيدهم الكامل و(المرير) من قبل ومنذ نجاح الثورة المدعاة الأولى بأنهم لن (يفعلوها)، واختلفت المبررات في تفسير كلام الدكتور “محمد بديع”، فك الله أسره، في أن الإخوان لن يترشحوا للرئاسة ثم ترشحهم، فمن قائل إن الوقت لم يكن مناسبًا لإعلان ذلك، ومن قائل آخر إن العسكر كادوا يبتلعون الثورة الوليدة فتصدى لهم (كعادتهم في التصدي) الإخوان.. وهلم جرًا من التبريرات.

    ولكن الحقيقية التي تظهر برأسها يومًا بعد آخر أن اللجاج والأسباب والمبررات التي أبداها الإخوان بداية من تفسير تصديهم للانتخابات الرئاسية في 2012م بعد عزوفهم عنها، وبالتالي بداية مسلسل إفناء قواهم وإهلاك كوادرهم ومحاربتهم طواحين الهواء في مصر والتسبب في ازدياد أزمة الأمة كلها، اللجاج والجدال حول أسباب تصديهم للرئاسة دون امتلاك مقومات الحفاظ عليها على جميع الأصعدة.. ثم خداعهم أنصارهم متعمدين بالقول بإنهم عائدين إليها خلال أيام بعد الانقلاب العسكري ومذابح رابعة والنهضة وبقية ميادين مصر.. واستمرار قولهم لليوم بأن النصر قادم.. ولو تم إعدام الدكتورين “مرسي” و”بديع”، بل تفسير مقولة الدكتور “إبراهيم منير” السابقة بأن الجماعة تحتسب أكبر رأسين بها.

  الحقيقة أن كل هذا “الطوفان” من المبررات يساوي نفس الجدال واللجاج الذي ورثوه عن عصر “حسني مبارك”، وورثه الأخير عن بيزنطة وأرسطو وتاريخ المداورات، فالثلاثون عامًا من عهد وحكم “مبارك” من المحال أن تذهب تداعياتها ودروسها عبثًا، والإخوان أحد مكونات الشعب المصري الذي وقع عليه ظلم “حسني مبارك” ووصل بهم التأثر به حتى النخاع، وفق مقولة “بن خلدون” إن أسوأ ما يورثه الطغاة للمظلومين حب تقليدهم، حتى إن الإخوان ليتعلموا من “مبارك” فن التبرير والجدال ومحاولات الإقناع بدون حجة أو شبهة دليل، وليت ذلك كان عن خطة أو رؤية أو هدف، وإنما يبررون لإثبات أنهم على صواب والسلام، فيما العسكر يبررون ويعلنون تبريرهم ويعملون ولو في الباطل وفق خطط وأهداف وبلايا (ّ!)، وللأسف فهذا الفن ليس أول ما تعلمه الإخوان من “مبارك”، الذي قبل ووافق في نهاية حياته الوظيفية أن يُحاكم ويهان ويكذب ويدعي أنه غير مدان، بل يضع قدميه في وجه القاضي والشعب الذي يراه عبر التلفزيون أيام محاكمته، كل ذلك من أجل أن يخرج بريئًا سالمًا معافًا.

     وعلى طريق عقود “مبارك” الثلاثة وسنواته العجاف الطوال سار العسكر فقبلوا أن تجرى انتخابات نزيهة، بل جرجوا إليها الإخوان بتأكيدات خارجية وداخلية مريبة أنهم لن ينقلبوا عليهم، وهو ما حذر منه الراحل “عمر سليمان” قبل الانتخابات في حوار مع “جهاد الخازن” نشره في عموده بـ”الحياة” “عيون وآذان”، فرغم مساوئه، رحمه، الله أدرك أن الجيش يقود الإخوان وبقايا الحياة المدنية في مصر إلى فخ الانقلاب والعسكرة الكاملة، وتوقع أن يكون الإخوان حرسًا ثوريًا لحماية أنفسهم، ولم ينتبه الإخوان إلى كل هذا، بل لتلمس موضع اقدامهم ليخطوا واثقين ولا يزاحموا على رئاسة تفنيهم ولا يبقون عليها من أجل لا شيء، بل تركت الجماعة رسميًا الثوار بداية من “محمد محمود 1، “2 إلى مصيرهم وقبلت بانتخابات مجلس الشعب والشورى، ورغم نزول شباب ومخلصي الإخوان لـ” محمد محمود” إلا أن العسكر في النهاية كانوا للجماعة بالمرصاد فأوقعوا بينها وبين القوى الثورية ليسهل عليهم ابتلاع الجميع من بعد!

    ومثلما ضحى العسكر بعام من أعوام حكمهم لمصر من اجل استمراره وبقاء نظام “مبارك”، ومن أجل نتيجة مضمونة وهي جلب شهية الإخوان المضمونة بخاصة من القيادات، إلى الحكم، وجريان لعابهم المشهور في 1954، جاء فخ 2013م وليس للتاريخ أثر لدى هؤلاء ولا للتجارب، ومثلما أن للعسكر أتباع لا يرون إلا استمرار القوي في الحكم، ويقبلون بالظلم، فإن للإخوان هم الآخرون أتباع يسمعون ويطيعون باسم الله والدين إلى ما لا نهاية، ومع اختلاف توجه الفريقين فليس من أراد الحق فأخطأه كمن أراد الباطل فأصابه، فإن الفريقين كانا من تأثير زمن “مبارك”، وكان كبار العسكر ينجحون في جر الجميع لمصيرهم البائس. . وما يزالون، والطرفان سبب في ازدياد تأخر مصر وأحد روافد موقف الأمة المنحدر الحالي!

    بقي من زمن “مبارك” نفس دولاب الدولة الذي وافق الإخوان وقبلوا أن يحكموا به، والذي مناهم العسكر به ونجحوا في مد بساط الأماني لهم، وسلم من نظام “مبارك” رموزه وقيادته تحت حكم “السيسي” الانقلابي، فيما يلقى الذين خرجوا على “مبارك” من صفوف الثوار والإخوان معًا أصناف الهوان حتى اليوم من السجن والإصابة والمطاردة حتى الإعدام.

     لكن القيادات الإخوانية التي نجت من السجن إما بالهرب وإما لأنها مدسوسة ـ في بعضها رغم رفيع مكانتهم من الجماعةـ من الأساس على الإخوان وهي تابعة لعسكر “مبارك” و”السيسي”، أي بحسن نية أو بسوء، وهؤلاء لهم أتباع سيتبعونهم ولو قالوا إن الشمس تغرب في الشرق، ويكفي حسن النية إثمًا في هذا السياق، ولكن قيادات الإخوان ما يزالون متشبثين بأماكنهم في قيادة التنظيم، والبعض منهم قفز إلى أعلى في خضم المأساة ونالوا مكانًا أكثر علوًا وربما بادعاء التجديد، والجميع باق في منصبه منعمًا في الغربة، ولو تم إعدام الدكتور “محمد مرسي” و”محمد بديع” والعشرات، فهو كفاح في سبيل الله مدعىً يأتي لهم بالأموال والمناصب وأحيانًا بجنسية دولة أخرى .. فلبئس القيادات ولبئس الإرث ولبئس الرفد المرفود، إلا من رحم ربي من المُجبرين الصغار على نيل الجنسية وتداعياتها بعد تقطع السبل بهم وبصغارهم وزوجاتهم، ثم لبئس التبريرات من بعد.. والمشهد العبثي الذي أبقاه وأورثه “مبارك” والعسكر باقتدار!

قد يعجبك أيضاً

رأي واحد حول “ما ورثه العسكر والإخوان من “حسني مبارك”!”

  1. السذاجة السياسية هي من أسوأ صفات الجماعات أو الأحزاب التي تزعم أنها تسعى لتغيير حال الأمة نحو الأفضل . من ضمن هذه السذاجة ، عدم إدراك وجود “الدولة العميقة” المستترة وعدم فهم أهمية “الوسط” البارز في دعم النظام القائم. بعد حصول انقلاب 23 يوليو “تموز” 1952 ، حرصت المخابرات الأجنبية التي دبَرته على نسف الدولة العميقة و الوسط و استبدلتهما بتشكيلة جديدة مستمرة منذ ذلك الوقت و حتى اليوم و تتمحور حول العسكر و الأمن و الأقليات.
    تبدو مصر و كأنها محكومة من قصر الرئيس لكن مركز الحكم ليس هناك و إنما هو في تلك السفارة التي تحوَلت إلى قلعة شديدة الحراسة و التحصين. من خلال متابعتها لتفاصيل التفاصيل ، تقوم بتجنيد الأدوات و رسم الخطط و تدبير المكائد بما يضمن إبقاء الهيمنة الاستعمارية و إخضاع الشعب و جعله يقبل بالذل و الهوان و تردي الأوضاع في كافة مجالات الحياة.
    الأحزاب الإسلامية نوعان : النوع الأول أهمل الفهم السياسي و اعتبر أن “السياسة تياسة” و أنه لا شأن للدين بالسياسة أو العكس . النوع الثاني كان لديه فهم سياسي رفيع ثم انحدر فأصبح يعطي تحليلات سياسية هابطة لا تمت للواقع بصلة. كلا النوعين ، بلاؤهما شديد على الأمة لأن قلة الفهم تقود إلى مسارات عبثية إما مآلها إلى الدوران في حلقة مفرغة أو تبديد الطاقات و بالنهاية يتم نحر آمال الأمة في التحرر من سيطرة الاستعمار.
    كان يجب على الجماعات الإسلامية إدراك أن مظاهرات يناير “حتى لو كانت مليونية” هي ليست ثورة بمعنى الكلمة و إنما “فضفضة شعبية” جرى إنهاؤها بإعلان مسرحي أن محمد حسنى مبارك قرر التخلي عن منصب رئيس الجمهورية . لكن الأخطر أنه عهد بتسليم إدارة شئون البلاد للمجلس الأعلى للعسكر. أي “مكانك سر” و تمَ قطع الطريق على التغيير الصحيح .
    بعد ذلك ، دخلت الجماعة على الخط و انخرطت بالانتخابات الرئاسية من دون أن تدرك أن المشهد لم يتغير بشكل جوهري و أن كل ما حصل هو إحالة مبارك على التقاعد. ارتضت الجماعة ، بسذاجة، أن من يصل منها إلى رئاسة الجمهورية لا صلاحيات له على 3 أشياء: الأمن و الإعلام و القضاء . بعبارة أخرى ، قبلوا أن يكون “الرئيس” منهم طرطوراً “أو كما يقول إخواننا المصريين أراغوز”.
    جميع التداعيات التي جرت بعد ذلك في مصر كانت تبرهن أن السذاجة السياسية تسببت بأضرار بالغة للأمة ، و هي مؤشر خطير على أن الجماعات الإسلامية القائمة ليست مؤهلة لقيادة الأمة نحو التغيير الحقيقي. الأمل بالله أن يمنَ علينا بجماعة جديدة تتجاوز الأخطاء و السلبيات و تسير بالأمة على بصيرة نحو النصر.

    رد

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.