الرئيسية » تحرر الكلام » مسجد الروضة – جمعة دامية

مسجد الروضة – جمعة دامية

في واقعٍ كواقعنا العربي تتقاذفه الفتن والحروب وغلبت عليه رائحة البارود والدماء وشكّل صوره الدمار والخراب وجماعات اللاجئين  الهاربين من ديارهم بحثًا عن ملاذٍ آمن.. أصبح عاديًّا أن تسمع خبر قصفٍ هنا أو هناك أو تفجير انتحاري طال منشأة ما عسكرية أو مدنية أو أن ينفجر لغم في استهدافٍ مباشر لأشخاص ومقرات  أو حتى مساجد أو كنائس تتسبب بمجزرة أو كارثة إنسانية يندى لها كل جبين.

أصبحنا نسمع الأخبار دون الخوض بالتفاصيل.

كنت عدت للتّو من صلاة الجمعة إلى بيتي.. وكعادتي بدأت أقلب المحطات الإخبارية لاستطلاع آخر المستجدات  العربية والدولية وعيني وقلبي واهتمامي منصبٌّ على أخبار ما يخصني والأقربون  ومن ثم ما يليهم تراتبيًّا فلسطينيّا وعربيّا وإسلاميًّا ودوليًّا. وهذا إدمانٌ لا شفاء منه ولا براء.. في محاولة فهم ما يجري ويدور حولنا وتوخيّا لإدارك ما ستؤول إليه مصائرنا في هذا البحر الخضمّ الهائج العالي الموج المتلاطم الذي يأخذنا ويقلبنا ويلفظنا حيث يشاء دون حولٍ منّا ولا قوة.. لا شيء نملكه أكثر من انتظار الغد بما يحمل لنا من مفاجآت قد لا تأتينا في خاطر ولا يتوقعها عاقل.. وليس على لساننا سوى حسبنا الله ونعم الوكيل.

ليس هناك أجمل ولا أحلى..  ولا يبعث على الاطمئنان أكثر من التوكّل على الله  واحتساب ما نتعرض له من نكبات وأزمات وويلات في سبيله..  مع إنّي والله أشك  في أنّ الله سيقف معنا دون أن نكون من أهله.. فللاستجابة للدعاء شروطٌ  لم تكتمل لدينا.. ولينصرنا الله أسبابٌ لم تتوفرْ فينا.. وسيبقى دعاؤنا لا يرتقي لسماء.. ونصرنا لن يتحقّق ما بقينا على هذه السليقة التي نتّبع وتزيد في تشرذمنا ووهننا وتعمّق الفجوة التي فَصَمَتْ أواصرنا وجعلت من دمنا ماءً ومن ديننا أديانًا وفي جغرافيّتنا حدودا وسدودا.

بدأ خبر الهجوم الإرهابي (كما تعودنا أن نطلق عليه) على مسجد الروضة في شمال سيناء بالإعلان عن الحدث وسقوط عدد من القتلى والجرحى لم يحدد مباشرة.. وتوالت الأخبار العاجلة.. وتنقلت بدوري من قناة إخبارية إلى أخرى ومن فضائية إلى أرضية. أصبح عدد القتلى 55 قتيلا و85 جريحا..

يا إلهي.. أية جريمة نكراء هذه..

وتساءلت لماذا كل هذا الإجرام والألم يعتصرني حرقة وغضبا وحزنا على أبرياء سقطوا  في بيت الله دون  أن يراعي مرتكبو هذه الجريمة حدوده.

فتحت صفحتي في الفيس بوك وأنزلت منشوري  حول هذه الجريمة النكراء معلنا عن الخبر بـ 55 قتيلا و85 جريحا.. متسائلا (على شان إيه).

استمر تواتر الأخبار وورودها وبدأ البث المباشر من مكان الحدث وصور إسعاف الجرحى ونقل القتلى..   وأعداد الضحايا تزداد وقد وصل  حسب التلفزيون المصري الرسمي إلى 120 قتيلا و90 جريحا.

صدمة الحدث أبقتني بلا حراك سوى انتقالي بين محطة تلفزيونية وأخرى إلى أن  أذّن المؤذن لصلاة العصر.

قمت للصلاة.. وما أن انتهت الركعة الأخيرة وسلمت.. قلت لزوجتي مقاطعًا  دعاءها

– أن نسمع خبر تفجير مسجد  أو كنيسة أو أي منشأة عسكرية أو مدنية خبرٌ عادي

ولو تحدثنا عن القتلى والجرحى كأرقام..  الأمر يبدو أكثر من عادي والأعداد قليلة نظرا لحجم القتل الحاصل في منطقتنا العربية   في حروب سورية وليبيا واليمن والعراق.

ولكن لو دخلنا لتفصيل ما حدث

المسجد.. أي مسجد .. من الذي يذهب إليه للصلاة يوم الجمعة؟

قالت زوجتي .. يذهب إليه كل من أراد الصلاة.

قلت نعم .. هذا أكيد؟ ولكن ليس هذا سؤالي

ألا يذهب للمسجد من يقيمون بجواره على الأغلب.. إلاّ من يقصده لغاية أخرى كعابر سبيل أو متقربا من إمام وخطيب المسجد أو استحسانا لجماعة

قالت نعم.

قلت إذا مسجد الروضة الذي حصل عليه الهجوم الإرهابي في شمال سيناء.. مثله كمثل كل المساجد.. يصلي فيه المقيمون حوله وفي الأحياء المجاورة.

قالت نعم

قلت تخيلي الآن 120 قتيلا و90 جريحا من منطقة  سكنية واحدة

ربما كانوا أقارب أو جيران أو أصحاب

ربما فقدت كل أسرة في المنطقة المحاذية للمسجد أحد أبنائها أو أكثر

وإذا دخلنا في تفاصيل كل عائلة

ربما فقدت عائلة ولدها الوحيد أو أكثر… أو فقدت معيلها الوحيد

أو فقدت  فتاة خطيبها

تخيلي من قُتلوا ماذا كانوا يخططون لمستقبلهم وكم من  جهد وعرق بذلوه لأجله..  ذهب بومضة لغم.. أو جراء رصاصة.

اليوم.. ستكون في كل بيت حكاية ورواية..

حكاية انتهت مع الموت.. ورواية تبدأ بعده

وستكون هذه الجمعة اليوم فاصلة عن ما قبلها.

اليوم كم سالت من دماء.. وكم سالت من دموع

اليوم تيتم أطفال.. وترملت نساء وتحطمت طموحات وآمال وأحلام.

تخيّلي لو دخلنا هذا المساء إلى تلك الحواري  المجاورة للمسجد.. ماذا سنسمع من البيوت من أنين وآهات وأصداء الأرواح المحلقة في الأجواء.

تأسفت وزوجتي على هذه الأرواح التي أُزهقت وهذه الجراح التي فُتقت وهذا الألم الذي ستعاني منه كل الأسر المكلومة ببنيها.

عدت إلى التلفاز لمتابعة الحدث.. وهالني أن ارتفع عدد القتلى إلى 235 قتيلا وعشرات الجرحى ما يعني عمق ما تحدثت به مع زوجتي وزيادة في الروايات والقصص التي ستبقى من آثار هذه الكارثة الكبرى التي حلّت بمصر العربية والعرب والمسلمين.. وبكل صاحب حس من هذا العالم المترامي.

الجريمة نكراء مروّعة.. والحدث مدوّي قضّ مضاجعنا مثله مثل كل ما يحصل في وطننا العربي.. في سورية والعراق واليمن وليبيا.. ناهيك عن  ما يفعله الكيان الصهيوني في فلسطين والفلسطينيين.

يكاد لا يمر يوم دون أن تُسجل فيه كارثة  أو مأساة جديدة.. لو دخلنا إلى تفاصيلها وما تركت من نتائج على ضحاياها الأحياء.. لعلمنا فظاعة ما يفعل فينا هذا الإجرام المرسوم الخطى والمتعمد والمقصود في بلادنا وعِظَم البلاء الذي يقع على شعوبنا وبلادنا.

نحن في هذا الخضم الخطير قد تهنا وتاهت بنا الحقائق وتورطنا في البحث متسائلين مجبرين غير مخيّرين عن المسؤول.. هل هو النّظام المهمل المفرّط..  أم المجرم المنفذ أم المخدوع بعقيدته.. المتورّط ؟؟

لا يمكن أن يكون كل هذا الذي يحصل إلا مدبّرا ومبرّرا لدى فاعليه

وما يبدو لنا من مجرياته وتبعاته وتتالي أحداثة وتنوع البلاد التي يضربها أنه سيعمم الدمار والخراب وسينقل الحروب من بلد عربي إلى آخر.. ولن  تنتهي هذه المخططات إلاّ بعد أن تأتي أكلها في إكمال تدمير البلاد وتشريد العباد وجعلهم شراذم لا يقوون على حماية أنفسهم أو إعادة لحمتهم ودولهم التي كانت أصلا مقسمة بغير إرادتهم.

هلاّ نعي ونرعوي قبل يومٍ لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون؟؟؟؟

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.