الرئيسية » تحرر الكلام » معارضو الداخل بالجماعة بين قسوة الانقلاب واتهامات الإخوان

معارضو الداخل بالجماعة بين قسوة الانقلاب واتهامات الإخوان

حينما تطل الأزمات العنيفة برأسها في حياة الجماعات والأمم والأفراد تصبح المعاناة مضاعفة وبالتالي الفواتير المستحقة للسداد غزيرة؛ والأمر يزداد خطورة ومرارة إن لم تبدأ المراجعة على نحو مبكر إذ تتعقد الأمور وتأذن بالغياب للأسف الشديد.

   ومن أزمات موقف جماعة الإخوان المسلمين في مصر اليوم تراكم الفواتير المُستحقة للنظر والمُعاتبة إن لم يكن أكثر .. مع عدم وجود إمكانية حقيقية لمراجعة أي منها؛ إن لم يكن اتخاذ قرار فيها؛ ومن تلك الاستحقاقات الواجبة المراجعة قضايا بدأت شرارتها منذ وقت مبكر قبل الانقلاب وتستمر حتى اليوم في ظل عدم وجود أفق ولا نهاية للأزمة الحالية.

   في الإخوان شباب أو كهول من الجنسين ارتضوا الجماعة كبوابة لعودة شمس الحضارة العربية الإسلامية إلى العالم؛ وفيض نورها على البشرية، وهم رأوا أن هذه الهدف يُهذب أرواحهم، ويُنقي رغبات أنفسهم، ويجعلهم مُتلاحمين مع الخير والرغبة في رضا الله؛ على أن الجماعة بقيت لدى هؤلاء وسيلة لحسن إعمار الأرض ونشر الخير فيها؛ لا غاية يسبحون بحمدها طوال الوقت ويتغنون بفضلها .. وبالتالي فهم لم يمجدوا الجماعة ولم يروها فوق مستوى الخطأ أو الخطايا.

  وهؤلاء ظهروا في مسيرة الجماعة طوال سنوات ما قبل الانقلاب؛ وإن كان يخفيهم ويخفي أصواتهم علو أصوات أخرى أحيانًا؛ أو محاولة الإبعاد أحيانًا أخرى من جانب بعض قيادات .. ومن جهة أخرى رؤية أولئك المُعارضين بأنه ليس على الساحة في مصر تنظيم أقرب إلى الشرف والإخلاص والأمانة مع القدرة على استشفاف روح العصر أكثر من الإخوان.

   نتناول إذًا فريقًا من الإخوان عانى مثلما عاني شرفاء الإخوان جميعًا، ومن ثم تم إطلاق لقب “خرفان” عليهم من قائد الانقلاب “عبد الفتاح السيسي”؛ في ظل غفلة من قيادات سياسة افترضت في الأخير سلامة التوجه وإحسان النية رغم عدم وجود دليل أو برهان على صدق ظنونهم، وفي الوقت الذي كانت الجماعة تأنس إلى “السيسي” فيه، مثلما آنست من قبل “إلى جمال عبد الناصر”، وكلاهما كان كاذبًا يستعد للانقضاض على الجماعة وطعنها من الخلف ثم الأمام بعد توثيقها، في نفس الوقت كانت الجماعة وما تزال تضيق على كوادر مخلصة تنتمي إليها لأنهم يجهرون بالصدق دون تنميق أو مجاملة.

   والفئة التي رفضت الترشح للرئاسة في أبريل/نيسان 2012م في جميع محافظات مصر وحذرت من نتيجة ومغبة ذلك، ومنها مَنْ كتب ومَنْ أبلغ القيادات مشافهة وذكرهم بقرار عدم الترشح السابق .. هؤلاء لم تلتفت الجماعة لتحذيراتهم؛ وردتهم بإصرار إلى أن القرار إنما يتخذ في ظل الشورى وبآلية مباركة من رب السماوات والأرض؛ وتناسى الأخيرون أن الشورى لها آلية لا ينبغي العدول عنها أو التقصير فيها ثم القول بإنه تم إعمالها.

   وبعد الانقلاب واستشهاد وإصابة ومطاردة مئات الآلاف رأى أولئك المُختلفين مع الإخوان الخروج معترضين على المجازر؛ وفيهم الذين استشهدوا أو هاجروا ولم يراضوا بنزيف دماء إخوانهم .. ومؤخرًا صاروا يرون أن قرارات الإخوان في مصر صارت خطورتها تتجاوز الحد الطبيعي من الأخطار، بل تعصف بحياة وأمن ومستقبل وسلامة الآلاف دون رؤية أو روية أو إدراك للخطورة؛ بل إن الأمر تعدى الحد المصري للتأثير على مسلمين آخرين في أنحاء العالم .. من هنا أرتأت المجموعة المعارضة للجماعة تكثيف الجهر برأيها سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو في صورة مقالات .. ومن هنا جاءت مواجهة هؤلاء مع الجماعة بعد الانقلاب وأعوانه، وصارت الاتهامات بالتمرد توجه إليهم عيانًا بيانًا من طرفي الجماعة لمجرد جهرهم برأيهم ودعوة الآخرين للاستماع إليه ومناقشتهم فيه.

   شئنا أم أبينا فإنه ليس في راسخ أدبيات غير قليل من الإخوان أومستقرها اليوم تحديدًا .. القبول بالاعتراض بخاصة إذا ما صدر من شباب وكهول ليسوا من مصاف القيادات، وإن كان الأمر متقبلًا فيما سبق إلى حد ما فإن صدورًا ترى في استمرار الحال كما هو عليه؛ لا ترى فائدة من المعارضة اليوم من داخل الصف بحال من الأحوال، ونحن لا نتناول هنا قطاعًا طوليًا من جبهة أو أخرى في الجماعة وإنما نتناول قطاعات عرضية تعترض على قرارات الجماعة وحالتها المتردية، وهي (الفئة المعارضة) إذ تعبر عن آرائها وقناعاتها تسلك طريق دفع الحجة إن وُجدتْ إليه سبيلًا بالحجة .. والإقناع العقلي والمنطقي، وتلتزم ما أمكنها بآداب الحوار .. و لكنها تصطدم بعدم رغبة الجماعة لا في وجود معارضين من داخلها أو في استيعاب موقف مُغاير لما هي عليه فضلًا عن المطالب برؤية للخروج من الأزمة.

   كثيرون من هؤلاء المُعارضين غادروا الصف غير مأسوف عليهم منه .. وآثروا الناي بأنفسهم عن قرارات التجميد أو الفصل والاستمرار في إسداء النصح أملًا في يوم تستمع الجماعة فيه إلى الآراء المتباينة المختلفة على محمل الجد، وبالتالي تنتقي الأفضل منها عملًا على نصرة الأمة والأخذ بيدها نحو الرفعة التي أرادها الله لها لا حتى نصرة الجماعة في حد ذاتها!

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.