الرئيسية » تحرر الكلام » “مؤتمر الشعوب السورية” فخر الصناعة الروسية

“مؤتمر الشعوب السورية” فخر الصناعة الروسية

الصناعات الروسية عبر القرن الماضي والحالي اشتهرت بسمعة الرداءة وغالباً ما كانت مثاراً للسخرية في الأفلام الهوليودية.

إلا أن الصناعة الروسية لمؤتمرات الأستانة ومنتجاتها الستة كانت أمراً فريداً فقد كانت ناجحة وسريعة وحاسمة ونافست ثم تفوقت على مؤتمرات جنيف غربية الصنع والمكان…

صناعة روسية تتفوق على الصناعة الغربية ولا يجادل في ذلك إلا الذين يرون أن أصل الأستانة إنما هو إرادة وصناعة أمريكية بأيدي عاملة روسية كشركة “أبل الالكترونية الأمريكية” التي تصنع أغلب منتجاتها في الصين, وبأيدي عاملة صينية.   

عندما صنع الروس الأستانة وبرمجوها حرصوا على التأكيد على أنها ليست بديلاً عن مؤتمرات جنيف, وأن الأستانة ذات اختصاص عسكري للتهدئة وخفض التصعيد و التوتر…  قالها رئيس الوفد الروسي إلى أستانا، ألكسندر لافرينتيف بعد أول جولة أستانية يوم 24-1 2017 وأكد أن: “الأستانة لم و لن تناقش أي أمر سياسي”, ولعله أوصى كل الأستانيين من ممثلي الفصائل أن يكرروا مفاد هذا القول.

فقد حرص الأستانيون فعلاً على قول ذلك قبل وبعد كل أستانة, وفي كل المشاركات الإعلامية لهم… خاصة تلك المشاركات “الثورية” الداخلية في الفيس بوك والواتس أب والتويتر, كانوا يؤكدون ويكررون ذلك.

وليؤكد رئيس الوفد الروسي لافرينتيف هزلية القول وبدون تأخير قال

“سلمنا المعارضة السورية مشروع الدستور السوري الجديد الذي أعده الخبراء الروس”، مشيراً إلى “أننا نحتاج إلى آلية ملموسة لتأسيس لجنة دستورية ستشمل جميع أطراف النزاع السوري”… قال ذلك في نفس ذلك المؤتمر الصحفي بعد الأستانة الأولى.

ومسألة الدستور هي من أعمق المسائل السياسية الصرفة وفيها ما هو الأبعد اختصاصاً عن الأمور العسكرية.

وعندما رجعنا مستفسرين مستنكرين إلى المستشارين المرافقين لوفد الأستانة الأولى قالوا: “نعم لقد قدم الروس مسودة للدستور ولكننا رفضنا مبدأ مناقشتها وألقيناها في اقرب سلة مهملات. وقلنا الوفد في الأستانة وفد عسكري يناقش أمور الهدن ووقف إطلاق النار وتخفيف التوتر”, وأضافوا:” لقد بينَّا لشعبنا تصرفات الروس و أغراضهم”.

وطُويّ ذكر الدستور بعد الجولة الأولى وظن الأستانيون أن موقفهم المبدئي الرافض قد أجبر الروس على العدول عنه.

ولكن الجميع  فوجئ أو هكذا أظهروا أنهم فوجئوا أن الروس وقبل الأستانة السادسة عادوا إلى طرح مسالة الدستور وأنهم يجهزون المسودة مرة أخرى لطرحها .

وعاد وزير الخارجية الروسي لافروف قبل أسبوعين تقريباً من الأستانة السادسة للحديث عن مشروع الدستور الروسي، وأنه سيعاد طرحه على الطاولة , ولكن اتفاق خفض التوتر في إدلب تقدم و طغى وأخذ الوقت كله في الأستانة السادسة واكتفى الروس بمكاسب الاتفاق وأجَّلوا الدستور إلى مؤتمر آخر.

وفي مؤتمر «فالداي» الحواري الدولي في سوتشي كشف بوتين فعلاً عن الإعداد لمؤتمر جديد حاسم وأسماه “مؤتمر الشعوب السورية”.

وبدأ الترويج المتصاعد للمؤتمر واختاروا له حميميم مكاناُ… ولأن حميميم  مكان عسكري وكئيب غير مشجع لممثلي الشعوب السورية فقد  اختاروا مكاناً آخر, و لم لا يكون في جزيرة “سوتشي” المنتجع الروسي القوقازي الحالم على البحر الأسود الذي أعلن منها بوتين فكرة المؤتمر.

ولأن اسم المؤتمر غير مناسب حتى للمنصات الأقرب للنظام وللأفراد الممانعين المقاومين الحريصين على مسميات القائد ومصطلحاته فقد أعلنت روسيا الاثنين عن تعديل الاسم الى مؤتمر الحوار السوري….وقد تكون روسيا قد أرادت من عبارة الشعوب أن تفي بتعهداتها للأحزاب الكردية الانفصالية على أنها تمثل شعباً في سوريا….ولكن تغيير الاسم لن يغير من الأمر المبيت شيئاً فالأحزاب الكردية الانفصالية مدعوة ومشاريعها حاضرة ومرعية.

وقد استخدم الروس بشكل حرفي مصطلح “كونغرس الشعوب السورية” ليجاوز معنى الاجتماع إلى معنى التأسيس والتشكيل لمجلس له صلاحيات فقد صرح  دميتري بيسكوف، المتحدث الرسمي باسم الكرملين، أن نقاشا جديا يدور حول فكرة تأسيس وتشكيل “كونغرس الشعوب السورية”.

إذن  الروس يريدون من المؤتمر القادم أن يُنتج مجلساً ينتخبه كل الذين قبلوا بالروس أباً و ضامناً ووسيطاً ,وأن يُنتج لجنة دستورية عليا لإقرار مسودة  الدستور الروسي.

وقد اتضح أن الروس قد سلموا  ومنذ 27-1-2017  مع مسودة الدستور التي أعدها خبراء روس وثيقة أخطر عن اللجنة الدستورية, و لم يعلم معظم المتابعين والناشطين عن تفاصيلها الكثير….وهي الوثيقة التي ورد فيها مصطلح “كونغرس الشعب السوري” لأول مرة.

وكانت الوثيقة بعنوان “بيان عن اللجنة الدستورية المختصة بوضع الدستور السوري”…وقد حددت هذه الوثيقة شروط اختيار أعضاء اللجنة كما يأتي:

– الأعضاء الدائمون في اللجنة يجب أن يكونوا من السوريين المقيمين الدائمين في أراضي الجمهورية السورية لمدة لا تقل عن خمسة عشر عاماً, وبهذا الشرط لا يشارك في كتابة الدستور كل السوريين الذين عارضوا النظام فعلاً و كل الذين لا يريدون بقاء النظام الأسدي وغادروا قسراً أو هربا ً من القتل أو الاعتقال.

حتى الرماديين الذين خرجوا لأنهم لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء لن يمثلهم أحد في الدستور…

كذلك معظم الذين “كانوا عايشين” وخرجوا إلى الدول القريبة والبعيدة ليبقوا عايشين ينتظرون لن ينفعهم عيشهم و انتظارهم…ولن يكون لهم رأي وهم أصلاً على ذلك من قبل: “لا يتدخلون فيما لا يعنيهم”.

من سيقرر دستور الحياة السورية القادمة هم فقط ممثلو الذين أيدوا النظام وقاتلوا مع النظام وركنوا إلى النظام.

        وتحدد الوثيقة عدد هؤلاء الأعضاء ب 24 شخصاً, اثنا عشر عضواً من النظام واثنا عشر عضواً من : “الأحزاب السياسية الغير ممولة من قبل الحكومة، ومنظمات المجتمع المدني، والجمعيات القبلية، والمجموعات من الناس”، دون أي إشارة للمعارضة, ولا حتى ما يسمى بالمعارضة الداخلية “الموالية”.

        و الجهة التي ستشكّل اللجنة وتختار الأعضاء الدائمين حسب الوثيقة هي جهة الضامنين والنص يقول “لاختيار الأعضاء الدائمين يجب تقديم طلب إلى المجموعة المشتركة من دول الضمان التي ستشكل اللجنة، وتعطي السلطة لها لمزيد من العمل”.

        والمجموعة الضامنة المشتركة ثلثيها من داعمي النظام وستحرص كل الحرص أن لا يكون هناك معقب واحد على أسس مسودة الدستور الروسي وفقراته الرئيسية.

        ولمزيد من الحرص على تفصيل الدستور على ما يريده الإيرانيون والروس أضافت الوثيقة أعضاءً أسمتهم بالأعضاء الخبراء وعددهم ستة, حصة كل دولة ضامنة اثنان لتكون حصة ضامني بقاء بشار أربعة وحصة تركية اثنان.

        وتذكر الوثيقة ثلاثة أعضاء آخرين بصفة مراقبين من الأمم المتحدة ولن يتأخر ديمستورا في تعيين أعضاء مخضرمين متعاونين متفهمين لبقاء بشار الأسد.

        و تتحدث الوثيقة عن شيء تسمّيه “خريطة للجمعيات القبلية ” تنشئها اللجنة الدستورية، وتمنح كل واحدة منها صوتاً للموافقة على الدستور.

وذكر ما سمي بالجمعيات القبلية هو أمر مفاجئ وغريب يذكرنا بمجلس ممثلي القبائل الأفغانية (لويا جيرغا) الذي نظمته و اعتمدته أميركا في أفغانستان بعد سيطرتها على كابل عام 2001.

        ولم تذكر الوثيقة مكوناً آخر للشعب السوري سوى عبارة عامة مبهمة هي “المجموعات الوطنية السورية”.

        وتعتبر الوثيقة عمل اللجنة منتهياً بعد الموافقة على المشروع من قبل “مؤتمر شعب سوريا”

        المؤتمر القادم قد يُختزل بعد إدخال المحاصصة القبلية والقومية والطائفية ليكون بعد المحاصصة هو “الكونغرس” المعتمد.

فمؤتمر شعب سوريا مكون حسب الوثيقة من “الجمعيات القبلية المسجلة” ومن “المجموعات الوطنية السورية”….وعليه يُعرض الدستور لإقراره, ولا يوجد أي ذكر لعرض الدستور على الاستفتاء الشعبي العام.

مسودة الدستور أعدت بأيدي خبراء روس, واللجنة الدستورية التي ستُكلف بإقرار ما كتبه الروس هي نفسها ستكون مختارة بموافقة علنية فعلية غير شكلية من قبل الروس والإيرانيين, وبموافقة غير مؤثرة من الأتراك وستقوم بعملها تحت إشراف وضبط غالبين للإيرانيين والروس.

إنه دستور يُغيِّب السوريين بجرأة عجيبة وعلنية مفرطة…مفرطة في الاستخفاف تجاه السوريين.

إنه دستور يفتقد لكل معاني الوطنية السورية التي تجلَّت حتى أثناء الاحتلال الفرنسي .

هذا الدستور في تأسيسه وطريقة كتابته يفتح الباب واسعاً لانتداب متعدد يضع سوريا تحت احتلال دولتين أو أكثر.

وفي مسودة الدستور الروسي لسوريا لا يضع الخبراء الروس أمام اللجنة الدستورية صعوبات كثيرة فهم في بعض المسائل وضعوا أكثر من خيار ليس بينهما اختلاف كبير ليتسنى للجنة الاختيار المحدود والمحصور لأبعد حد…

إنها عملية سريعة وسهلة وتصل إلى الإقرار بأسرع وقت.

          وفي مسودة الدستور الروسي لسوريا وفي الفقرة الأولى للمادة الأولى نُزعت كلمة العربية من اسم الجمهورية وأصبحت الجمهورية السورية أو سوريا “اسمان لهما نفس المعنى” كما ورد في نص الفقرة.

وفي مسودة الدستور الروسي لسوريا لا ذكر للإسلام بتاتاً… لا كدين للدولة ولا كمصدر من مصادر التشريع ولا كشرط للمرشح لرئاسة الدولة ولا ذكر في القسم لله العظيم.

        الدستور الروسي يفتح الباب واسعاً لبشار ليبقى دورتين بعد انتهاء ولايته عام 2021 وقد تعدل اللجنة في ذلك فتعطيه المزيد…وقد يتم التفاهم على انتخابات مبكرة عام 2018.

        الدستور الروسي لسوريا يكرّس السلطة “الديكتاتورية” شبه المطلقة للرئيس فالرئيس هو “القائد الأعلى للقوات المسلحة والتنظيمات المسلحة”، ويتولى “تسمية رئيس مجلس الوزراء ونوابه وتسمية الوزراء ونوابهم وقبول استقالاتهم وإعفائهم من مناصبهم”، ويحق له “إعلان الاستفتاء العام حول المواضيع المهمة، والتي تخصّ المصالح العليا للبلد، وتعد نتائج الاستفتاء إلزامية”.

دستور بلا وطنية ولا عروبة ولا إسلام…..يكرس الاستبداد ويحمي أجهزة الإجرام.

يحمي كل أجهزة القمع والمخابرات من المحاسبة عما سلف ويطلقها للمزيد بشرعية دستورية رئاسية يخطط الروس إلى إقرارها دولياً وأممياً.

دستور روسي إيراني يستدعي الروس له أكبر عدد ممكن من المشاركين في مؤتمر يفوق كل المؤتمرات السابقة. ويفرد له الروس مكاناً سياحياً خاصاً حالماً.

مؤتمرات كثيرة في القضية السورية: سبع مرات في “جنيف” وسبع مرات في الأستانة ومرتان في “فيينا” ومرة في لوزان وعدة مرات في القاهرة وما خفي غيرها كثير…كله قد يتوجه مؤتمر الشعوب السورية…

مؤتمر الشعوب السورية فخر الصناعة الروسية يرسخ لبشار الأسد عبر دستور مفصل وقد يُفضي إلى اتفاق الانتخابات المبكرة التي يطرحها ديمستورا بمشاركة بشار الأسد… ليكون له بالرعب فوز مشهود تحت رقابة أممية وليسجل التاريخ فوزاً باعتراف دولي لأكثر المستبدين إجراماً منذ بدء كتابة التاريخ.

ولا يبقى إلا سؤال :

هل سيختلط هذا المؤتمر ويخلط أم سيجمِّع الموالين بكل ألوانهم على صعيد واحد ويفصلهم تماماً عن كل الصادقين الذين يريدون التحرر والتحرير مهما كلف الأمر.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.