الرئيسية » تحرر الكلام » “سيف العجلة” .. إنسان في سجون “بن زايد”

“سيف العجلة” .. إنسان في سجون “بن زايد”

للدكتور “سيف محمد علي العجلة آل علي”، أو “سيف العجلة”، كما يُعرف في أوساط الإعلام ومحبيه في الإمارات، مع صاحب هذه الكلمات موقف لا يحسب أنه ينساه؛ والأمر يتعلق يتعدى اللقاء القدري غير المُرتب الأثر إلى أرواح تلتقي وتتشابه وتتعانق .. تتحاب وتتآلف، بحسب الحديث الشريف: “الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها آتلف؛ وما تناكر منها اختلف” (رواه البخاري ومسلم).

    في 24 من يوليو/تموز 2012م ألقت الشرطة الإماراتية القبض على الدكتور “سيف العجلة” واقتادته إلى مكان غير معروف، حتى تم عرضه على المحكمة الاتحادية العليا في 2 من يوليو/تموز 2013م ليتم الحكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات، مع المراقبة لمدة 3 سنوات من تاريخ الإفراج عنه، وذلك ضمن 56 إماراتي تم الحكم عليهم حضوريًا، وغيابيًا لـ15 آخرين بالسجن لمدة 15 سنوات.

    أما التهمة فهي أقرب لسخرية الراحل “نجيب محفوظ” من أنظمة الحكم الفاسدة في بلادنا، التهمة هي نفسها عنوان مجموعة قصصية لـ”محفوظ”: “التنظيم السري” .. أو ما يمكن تفهمه بصعوبة على أنه محاولة إنشاء تنظيم سري في الدولة.

    أما الدكتور “سيف العجلة”، المتهم بإحياء التنظيم ضمن 71 من خيرة رجال الإمارات، فهو واحد من أرقى  أبناء الدولة والذين لقيتُهم في حياتي، حتى أن الرجل ليعلق في الذهن، ويسيطر على العقل مرات، فرّج الله عنه.

   ربعة (لا طويل ولا قصير)، أبيض الوجه، مبتسم المحيا، يصافحك للمرة الأولى وكأنه يعرفك منذ سنوات، لقيتُه في ظهيرة صيفية من عام 2007م لإجراء حوار صحفي لواحدة من أكبر صحف البلاد، حيث عملتُ لسنوات، وعلى الهاتف قبلها سألني في لطف:

ـ كم يستغرق الحوار؟

   فأجبتُه على البديهة:

ـ قرابة الساعة.

   وحدد الرجل، وكان يدير صندوق الزوج في أبو ظبي بالإنابة، حدد لي الساعة الأخيرة قبل انصرافه من العمل، ذهبتُ في الموعد فبادرني بالقول:

ـ أنت مصري نادر .. تأتي في الموعد..

    فلما قلتُ له:

ـ تلك عادة عربية يا دكتور .. ونحن أمة واحدة في الأساس ..

   ضحك من قلبه وقال:

ـ نعم عادة واحدة من فترة في تاريخ أمة واحدة.

    كان الحوار طويلًا، حكى لي عن نشأته وصباه في بيئة أميل إلى البساطة، وكيف راقب التحول إلى الغنى ووفرة الأموال في الدولة مع تقدم العمر به؛ ورأيه في أن الغنى والفقر لا علاقة لهما بالخير والشر .. فقط يستطيع الإنسان الاستفادة منهما؛ دون حنق أو تضرر مع الأول ولا فخر أو غرور مع الثاني، ثم أخبرني أنه كان ضمن الدفعة الأولى من جامعة الإمارات من كلية الآداب قسم التاريخ عام 1981م، ثم حدثني عن الدكتوراة التي نالها في السلوك القيادي لمديري المدارس من جامعة “ويلز” البريطانية عام 1999م، وأراني صورته وسط الخريجين .. فسألتُه في تلطف:

ـ تقف وسط الجميلات بشعرك الطويل وابتسامتك الزاهية .. أفلم يكن ذلك ليضايق زوجتك؟!

    وكان حكى لي أنه سافر إلى البعثة وهو متزوج .. فابتسم قائلًا:

ـ زوجتي كانت معي في البعثة والصورة .. فكيف تغار؟!

وأشار إلى صورة الدكتورة “جميلة الطريفي” الخبيرة التربوية.

   كان الرجل رئيس اتحاد طلاب الدولة، ولم يخبرني أنه كان أحد رواد “مشروع زايد” لتحفيظ القرآن في عقد الثمانينيات، وفيما نال بعد عضو بلجنة تحكيم جائزة رئيس الدولة للمعلم السنوات، ثم إنه حائز جائزة رئيس الدولة للمعلم خبير التدريب.

    بعد كل هذا التاريخ المضيء يتم سجن الرجل .. ويعاني أوضاعًا سيئة تتعلق بمجرد زيارة ورؤية أبنائه له، وذلك وضع بالغ المرارة من فترة زمنية مضنية من حياة الأمة، يُكرم فيها الفسدة عديمو الإنتاج والخلق ويُسجن المجيدون في العمل الصالحون في الأخلاق.

   أما ما لا أنساه للدكتور “سيف العجلة”، فك الله أسره وصبّر أهله، فإن اللقاء الذي كان مقدارًا له ساعة طال أكثر من ساعة أخرى، تجاذبنا فيها أطراف الحديث عن مصر والأمة، فأشار له العامل الآسيوي أثناء الحوار من بعيد بما لم أفهم، فلما أردنا الانصراف فوجئتُ بالدكتور “سيف العجلة” يغلق باب مقر العمل الداخلي الذي يرأسه  بيده، والأصعب كان إغلاقه الباب الخارجي أيضًا .. ولما استفسرتُ عن السبب قال لي:

ـ امتد لقاؤنا أكثر مما كان مقررًا له .. والعامل انتهى وقت عمله .. وهو إنسان من حقه أن يرتاح .. بخاصة ألَّا بدل مادي مخصص له إن بقي في انتظارنا أكثر من ساعة ونصف الساعة..!

   وكان العامل من جنسية آسيوية يراه كثيرون أقل من البشر، والعياذ بالله، وفي طريق عودتي إلى العمل استضافني الدكتور في سيارته فسألته:

ـ أأنت طيب هكذا على الدوام يا أفندم؟

فابتسم قائلًا:

ـ إنني كذلك .. أحب أن أكون دائمًا كما يُرضي الله.

ـ ومَنْ لا يفهمك؟!

ـ من فهمني اقتربتُ أكثر منه .. ومَنْ لم يفهمني ابتعدتُ عنه.

     لم أتشرف بلقاء الدكتور “سيف العجلة” بعدها، لإنه انتقل بعد أشهر قليلة إلى رئاسة هيئة خيرية في إمارة الشارقة ..، فيما غادرت الإمارات بعد فترة غير طويلة لألحق بركب الثورة في مصر، الذي ظهر واعدًا حينها، لكني لما رأيتُ صورته في حملة للتذكرة بمعتقلي “بن زايد” منذ أيام قفزتْ محبته إلى خاطري، بخاصة كلماته الأخيرة التي لا أنساها.

   اللهم فرّج عنه وعن الأخيار من أمثاله .. واقدر المخلصين من الأمة على البناء ومن ثم مواجهة الأعداء سواء من ذوي الأسماء العربية الإسلامية أو من المحتلين البغاة الظلمة.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.