الرئيسية » تحرر الكلام » الرواد ..”عمرو خالد” وشريكاه في الغناء والإذاعة!

الرواد ..”عمرو خالد” وشريكاه في الغناء والإذاعة!

قبل نهاية التسعينيات لما بدأت ظاهرة انتشار الثلاثة الذين يحملون اسم “عمرو” في مجالات متقاربة؛ وإن اتسع البون بينهم إلا أنها في النهاية تصب في حيز إعلامي واحد؛ يجعل من المذيع “عمرو أديب” شريكًا للمطرب “عمرو دياب” ويجعل من السابقين شريكين مُماثلين للداعية الرائد لمنظومة الدعاة الجدد “عمرو خالد”،  في ذلك الحين كتب أحد أساتذة الطب النفسي، الدكتور “يحيي الرخاوي” مقالًا أوضح فيه أن “العمامير الثلاثة” بحسب قوله ما هم إلا دليل وعلامة على انهيار منظومة الإبداع المصرية، بداية من الإعلام حتى الطرب والغناء مرورًا بعلماء الدين.

   وجاءت الأيام بمصداق مقولة “الرخاوي”، بل اضطرتنا إلى الرجوع إلى الوراء للتدقيق في نتاج البعثات التعليمية التي أرسلها “محمد علي” إلى خارج مصر في تاريخها الحديث، فكان هؤلاء الذين أرسلهم حاكم مصر الألباني إلى الدول الأوروبية حملة مشاعل للنهضة لم يؤثروا في عصرهم فحسب، ولكن في منظومة الإبداع والعلم في أجيال متعاقبة.

   ولكن عسكريي 1952م استلموا مصر فوجدوا من نتاج البعثات التعليمية منظومة شبه متكاملة، فمن الأدب إلى الفن إلى الأساتذة الأكاديميين في فروع علمية مختلفة؛ حتى كانت مصر منارة للأمة العربية والإسلامية، فمنها كان الأدباء النابغون من “يحيي حقي”، “عباس محمود العقاد”، “نجيب محفوظ”، “إحسان عبد القدوس”، و”طه حسين”، وآخرين رحمهم الله جميعًا، كما كانت مصر متلألئة بالشعراء من “إبراهيم ناجي”، “محمود حسن إسماعيل”،  “أمل دنقل”، و”صلاح عبد الصبور” وغيرهم، وحتى المذيعين من مثل “أحمد فتحي”، كروان الإذاعة، “أحمد فراج،” وغيرهم العشرات، وصولًا إلى علماء الدين؛ وأطباء وأكاديمين .. كان الجميع يعد ويبشر بمستقبل للكنانة أكثر نصاعة ورقيًا وازدهارًا .. بل كانت الآمال رغم التحديات بأن تقود مصر مسيرة نهضة الأمة ومن ثم حضاراتها.

    والمسيرة المعتادة للحكم العسكري تحرص على ألَا يزدهر التعليم، وإن قال البعض أن حركة يوليو 1952م هي التي أثمرت مجانية التعليم المصرية دل الواقع على العسكر كان في وادٍ والتعليم في وادٍ؛ فالابتدائية التي كانت كفيلة بجعل “ألعقاد” قامة كبرى تبدع عشرات المؤلفات صارت مع الوقت تُخرج جهلة بامتياز، فبداية من الغش إلى تكدس الفصول بالتلاميذ، لعدم العناية بالمعلمين، للتسرب من المنظومة التعليمية .. حتى ضعف رواتب المعلمين والمعلمات والفوضى والتوسع في قبول أي خريج في مهنة التدريس .. حتى صارت الأمية في مصر تحمل أرقامًا قياسية تقارب نصف الشعب، وصار أغلبيته يحمل أمية ثقافية وإن كان البعض أستاذًا جامعيًا ..

   ومن التعليم إلى مداومة القهر والتسلط على رقاب العبار؛ إلى عدم استغلال الموارد الطبيعية والبشرية إلى جوار النهب والسرقة والتخريب المتعمد .. في النهاية قاربت العقول المصرية الاضمحلال اللهم إلا ما ينعم الخالق به من قدرات تتحدى الحياة الصعبة في مصر .. لا لشيء إلا كدليل على عظمة الخالق سبحانه.

   كان وقت ظهور “العمامير”، في أوج تحكم نظام المخلوع “حسني مبارك” في رقاب البلاد والعباد، وكان “التقرير الأمني” كفيل بإنهاء مسيرة حياة وكفاءة وإبداع إنسان، وبالتالي رفع آخر لمجرد مولاته إلى السلطات، وكان الضعف العام يغزو جميع مناحي الحياة المصرية .. ولكن العجيب الذي لم يخطر على بال أن يصير “العمامير” لا دليلًا على انحدار الحياة المصرية بجميع أطيافها الإبداعية، بل أن يصبحوا دليلًا على مقاربة نهر الحياة في الكنانة للجفاف بتحويلهم إلى أعلام يُشار إليها بالأصابع في مجالاتهم.

    ظاهرة “عمرو دياب” وريث الغناء المصري .. أو “الهضبة” ظاهرة تعيد للأذهان أن التحول السينمائي في هوليود إلى النجم الأسمر المجعد الشعر، والتي أفرزت الراحلين “أحمد زكي” و”عبد الحليم حافظ”، فإن ظاهرة النجم الأسمر في التمثيل والطرب لم تكن تعني إلا إتاحة الفرصة لمجيدين في تلك المجالات بالظهور أما ظاهرة “الهضبة” فإنها لـ”هضبة فنية” تم اجتيازها بجدارة باختصار .. إذ إن جمال الصوت مع “دياب” وشركاه .. انتقل من مواصفات الجمال والطلاوة والحلاوة وقوة الحنجرة إلى “فرد العضلات”، ووسامة الشكل، واللون الأشقر، والتمايع والاهتزاز مع نبضات الآلات الكهربائية، والأهم أن مهندس الصوت شريك للمطرب في أغانيه فإن غاب أو غنى المغني .. فلم يعد للمطرب وجود، فإن غنى “دياب” بلا موسيقى انكشف وظهرت عورته كمدرب لكمال الأجسام تاه في مصر .. فوجد نفسه على قمة عرش الآهات والنغمات، ويكمل عمل مهندس الصوت عمل فريق لا ينتهي من الشقراوات المزيفات اللون وفتيات الإعلانات يجدن الرقص إلى جواره، ولذلك لم يغني “الهضبة”، كما يحب أن يطلق عليه ولو لمرة واحدة بدون آلات موسيقية كهربائية على الأقل!

   وظاهرة “عمرو أديب” لا تقل “بجاحة” عن ظاهرة “الهضبة”، فالمذيع التلفزيوني مع “عمرو أديب” لم يعد ذلك الذي يقدم الضيف .. فإن نبغ الأخير عنه ترك له المكان كله وانصرف لبرنامج آخر يبدع فيه، كما فعل الراحل “أحمد فراج” مع الشيخ “الشعراوي”، رحمهما الله، إذ قدمه الأول في برنامجه المتألق “نور على نور” بعد صلاة الجمعة من كل أسبوع؛ ثم ما لبث أن ترك البرنامج كله ليصبح لقرابة ربع القرن “الخواطر الإيمانية للشيخ الشعراوي”، وبلا مذيع بالطبع..

   ولم يعد المذيع مع “أديب” هو البارع في مجال كما مع الراحل “جوهر” في “عالم الحيوان” وغيره .. .بل صار المذيع مع “أديب” خبيرًا في جميع مجالات الحياة ومحللًا استراتيجيًا في المقام الأول يستمد معلوماته من المخابرات .. فإن رأى أملًا خارجًا من باطن الأرض سبّه وصاح على الهواء “تجربتكم بنت ستين كلب” كما فعل “أديب” أو “عمورة الثاني” أيام حكم الإخوان المسلمين لمصر..!

    أما “آخر العمامير”، الذين ما كان لهم أن يظهروا في الحياة المصرية لولا ضعف الثقافة وانعدام مكوناتها لدى قطاع كبير من الشعب .. أما “عمرو خالد” فظاهرة عجيبة في حد ذاتها تستحق ان تكون عجيبة ثامنة أو قل عاشرة عجائب الدنيا، بعد إضافة “دياب” و”أديب”، فـ”خالد” لا يحفظ “القرآن الكريم” .. بل لا يُجيد نطق الآيات بشكل صحيح حتى أنه لما قدم برنامج “على خطى الحبيب” ساردًا سيرة المصطفى في بداية الألفية الثالثة، وكانت الكعبة المشرفة في خلفية الحلقات ..كانت تكتب له الآيات أمامه على الشاشة (المُونيتر) فينطقها مجزاة خوفًا من الخطأ الشنيع إن ذكرها كاملة، على الهواء ..

   كان “خالد” وما يزال مثالًا للداعية الذي لا يعرف من دينه إلا ما يتم تلقينه به من جانب فريق الإعداد .. ثم يقوم بالأداء التمثيلي العالي على الجماهير .. مع خلق أجواء قصصية إنسانية خاصة بشخصه حول تضييق السلطات المصرية عليه، ثم طردها له من مصر، ثم عودته .. وفي النهاية تكتشف الجماهير أن الداعية الجديد الذي لا يملك من مستوجبات الدعوة إلا التمثيل وأنه كان متماهٍ مع السلطات في مصر وخارجها، معًا، ويكفي أن الخارجية البريطانية أقرت مؤخرًا أنه وهبت “خالد” 47 مليون جنيه أسترليني لبرنامج “صناع الحياة” الذي كان واحدًا من أسباب شهرة “خالد” ومواصلة خداع الجماهير..

    ولما انزاحت أسباب الشهرة عن “العمورة الأخطر” الأخير عاد سيرته الأولى إلى التمثيل اللفظي والحركي ليقول إنه ضعيف ومتابع لتضخيم الأخطاء، على حد زعمه .. فضلًا عن فيديوهات الدعاء المُدعاة الخشوع من حول الحرم المكي .. في أمر يذكرنا بالكعبة المعظمة في خلفية برنامجه الأشهر .. ولا يعرف “عمورة الأخير” أن الأيام لن تعود سيرتها الأولى أبدًا .. وأن ما يكشفه رب العباد لا يستره بشر ..

   وقانا الله الشرور جميعها .. ومنها “العمامير الثلاثة”.. مع الاعتذار عن اللفظ وإن كان الأكثر دلالة على واقع ومعاناة مصر والأمة .. رزق الله مصر والأمة رموز إبداع حقيقي .. وإنا لله وإنا إليه راجعون!

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.