الرئيسية » الهدهد » الطبيب القطري “محمود الجيدة” سجنته الإمارات وعذبته عامين: ” هددوا بخلع أظافري ودفن رأسي بالرمال”

الطبيب القطري “محمود الجيدة” سجنته الإمارات وعذبته عامين: ” هددوا بخلع أظافري ودفن رأسي بالرمال”

في واقعة قديمة جديدة وتعكس الوجه القمعي لنظام أبو ظبي الدكتاتوري، رفع الطبيب القطري محمود الجيدة الستار عن وقائع التعذيب التي عاناها في السجون الإماراتية، بعد أن اعتقلته السلطات في مطار دبي خلال عودته من تايلاند إلى بلاده، على إثر “مشكلة سياسية” بين الدوحة وأبو ظبي.

 

وشرح “الجيدة” في مقابلة حصرية مع موقع “ميدل إيست آي” البريطاني كيف تعرض للضرب المبرح على أماكن متفرقة من جسده، فضلاً عن التعذيب النفسي والعقلي، والذي وصل حد دس المخدرات في الماء الذي يشربه.

 

في بيته بالدوحة، وفي جو مُكيف لطيف بعيد عن حرارة الصيف القائظة، بدأ محمود الجيدة حديثه واصفاً محنته التي استمرت عامين، والتي وقع فيها بين رحى صراع دول الخليج على السلطة الإقليمية، فقد عانى من التعذيب والعزل والترهيب العقلي على يد السلطات في دبي.

 

وقال “الجيدة” الذي يعمل طبيباً في شركة قطر للبترول، أنه اُعتقل في دبي في شهر فبراير/شباط من عام 2013 أثناء عودته من زيارة شقيقه في تايلاند، والذي كان يعاني من سكتة دماغية، بعد أن علم أن زوجته لابد أن تخضع لعملية جراحية في البحرين، ما اضطره للعودة سريعاً إلى الخليج للاطمئنان عليها.

 

وكشف أنه أثناء مروره على مطار دبي خلال رحلته الطويلة، ذهب إلى صلاة المغرب في المسجد. وعند عودته إلى المطار، أوقفه ضباط أمن المطار في إدارة مراقبة الهجرة.

 

وأوضح انه بعد التحري عنه واستجوابه، طُلب من جيدة التوجه إلى مركز الشرطة للتوقيع على بعض وثائق تحقيق السلطات معه.

 

وروى “الجيدة” تفاصيل ما حدث حيث قال لهم “لا، لن أذهب إلى أي مكان، أريد سفارة بلدي أن تتحدث معهم، وأريد محامياً”، مضيفا “قال لي مسؤول المطار: حسناً، أنت على حق، فلتأت معنا إلى قسم الشرطة، وسوف نسمح لك بالتواصل مع سفارة بلدك هناك”.

 

وبين أنه تم نقله إلى سيارة، حيث فوجئ بيديه مصفدتين وعينيه معصوبتين. ثم أُخذ إلى مبنى في مكان مجهول، حيث أُجبر على تغيير ثوبه التقليدي، وارتداء البيجامة.

 

وكشف أنه اقتيد بعد ذلك إلى آخر الممر، معصوب العينين مرة أخرى، ومن ثم خضع من جديد للعديد من الاستجوابات، تتمحور معظمها حول الحكومة القطرية، وعلاقتها بالإخوان المسلمين، وحركة المقاومة الإسلامية حماس.

 

يقول الجيدة “بدأ المُحقق بسؤالي، لماذا تتدخل قطر في كل شيء؟”، فأجاب: “قلت له لا أعلم، لا أستطيع الإجابة على ذلك. فلتسأل الحكومة القطرية”.

 

وأكد على أنه تم سؤاله عن مدى معرفته برجل إماراتي يعيش في الإمارات العربية المتحدة،  مشيرا إلى انه اعترف بأنه قابل ذلك الرجل، إلا أنه لا يعرفه بصفة شخصية، موضحا انه لم يكن يريد الإفصاح عن شخصيته للأمن الإماراتي، مضيفا “قلت لهم بعد ذلك، إنني لا أعرفه. فجاءتني صفعة مباغتة على وجهي. صُدمت من ذلك. فلم أتعرض لمثل هذه الصفعة منذ أن كنت طفلاً”.

 

سأله الحراس بعد ذلك ما إن كان أحضر أموالاً إلى الإمارات، متهمينه بإحضار 100 ألف درهم، أي حوالي 27 ألف دولار.

 

“قلت لهم، لم أُحضر أية أموال. ومن ثم بدأوا يضربونني بالعصي”.

 

وأكد الجيدة على أنه تعرض لعمليات ضرب متكررة من قبل الحراس، ما تسبب في حدوث كدمات متعددة في ظهره ورقبته ورجليه. وعلى مدار الأيام الثلاثة التالية، ظل الجيدة حبيس زنزانة صغيرة، بالإضافة إلى الاستجواب المتكرر، دون نوم.

 

في مرحلة ما، يقول الجيدة إنه أُعطي مياهاً مُخدرة، ما جعله “يضحك دون سبب”، وأصبح كثير الكلام.

 

وكشف أنه تعرض أيضاً للكم في البطن، ما تسبب له في آلام داخلية، كما ضربه الحراس على باطن قدميه بالعصي لمدة دقائق كل فترة، مبينا بأن الحراس هددوه بالتعذيب بالكهرباء، وبخلع أظافره، وبدفن جسده حتى عنقه في الرمال.

 

وأضاف إن “الحراس قالوا لي، لا تقلق، نحن مصرح لنا فعل أي شيء، حتى إن اقتضى الأمر قتلك”.

 

وقالوا “سوف نقتلك، ولن يعرف عنك أحد أي شيء. لدينا قبر مخصص لك، سوف نقتلك، ولن يعرف أحد بذلك”.

 

وأوضح الجيدة انه في إطار حملة الإمارات على جماعة الإخوان المسلمين، اعتقد أن اعتقاله كان بسبب هذه الحملة على الرغم من أنه مواطن لدولة مجاورة، قائلا: “أعتقد أن الإمارات تريد جر منطقة الخليج بأسرها إلى هذه المشكلة”. وأضاف “إنهم يريدون إرسال رسالة إلى دول مجلس التعاون الخليجي مفادها: يجب أن تسيروا على دربنا في كل ما نفعل”.

 

واوضح “الجيدة” أنه أنكر أي علاقة له بجمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي، أو بجماعة الإخوان المسلمين، على الرغم من إقراره بأنه كان من المعجبين بهم، وبمُنظرهم الشيخ يوسف القرضاوي، والذي يقيم في الدوحة أيضاً.

 

يقول الجيدة “أنا شخص متدين وصاحب توجه إسلامي، أحب الشيخ يوسف القرضاوي بالفعل، وأحب كتبه، ولكن لا تربطني به أي علاقة”.

 

ويضيف “إنني أعرفه، فهو شخص مشهور، من الذي لا يعرفه؟ لقد رأيته، وحضرت العديد من محاضراته. لكنني لم أزره أبداً، ولم تكن لي علاقة به إطلاقاً، ولم أتلق توجيهات منه كما يزعمون”.

 

في النهاية، قال الجيدة أنه “نُسي”، واستمر اعتقاله في مقر الاحتجاز لستة أسابيع دون استجواب.

 

بعد مرور الأسابيع الست، نُقل الجيدة إلى مقر النيابة العامة، حيث سُمح له أخيراً بمقابلة السفير القطري، واثنين من أبنائه، حسن وعبد الرحمن.

 

على الرغم من سعادته البالغة برؤية عائلته، وتلقيه تطمينات من السفير القطري، أعيد إلى زنزانته مرة أخرى بعد 10 دقائق من انتهاء هذه الزيارة.

 

قضى الجيدة قرابة الثمانية أشهر في مركز الاعتقال قبل عرضه على المحكمة. خلال تلك الفترة، تبنت منظمة العفو الدولية حالة الجيدة “كسجين ضمير”. فقد طُلب منه ذات مرة التوقيع على 35 صفحة من الاعترافات، والتي لم يستطع قراءتها بسبب عينيه المعصوبتين.

 

على أية حال، لم يكن لدى الجيدة سوى نسخة من القرآن. ويقول الجيدة “لم يكن لدي ما أفعله سوى قراءة القرآن والبكاء والصلاة”.

 

خلال فترة احتجازه، تدهورت العلاقة بين قطر والإمارات بشكل كبير، فقد أُطيح بالحكومة التي تدعمها جماعة الإخوان المسلمين في مصر عن طريق انقلاب عسكري مدعوم من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، والتي قامت كل منهما بسحب سفيرها من قطر في مارس/آذار من عام 2014.

 

وفي نفس الشهر، مَثَلَ جيدة أخيراً أمام المحكمة في دبي، إذ وُجه له رسمياً اتهامٌ بدعم جماعة الإخوان المسلمين لوجستياً ومالياً.

 

وقبل فترةٍ وجيزةٍ من بدء المحاكمة، أرسل إلى سجن الرزين سيئ السمعة في الإمارات، حيث احتُجز العديد من سجناء الرأي الآخرون.

 

وعلى الرغم من أن الظروف هناك كانت أفضل مما كانت عليه في احتجازه السابق، إلا أنه ما زال مقيّداً بشدة فيما يتعلّق بخروجه إلى الهواء الطلق، وحضور صلاة الجمعة.

 

كما بات مدمناً على مضادّات الاكتئاب أثناء الاحتجاز. وبعد نقله إلى الرزين، حيث لا يمكنه توفير الدواء، عانى الكثير من الأرق بالليل، ومن أعراض الانقطاع عن مضادات الاكتئاب.

 

في وقتٍ لاحق، كان عليه أن يخضع لعمليةٍ جراحية لإزالة ورم، استغرق 52 يوماً لعلاجه على حدّ قوله.

 

واستمرت المحاكمة لمدة عام، وخلال تلك الفترة أبلغ النائب العام جيدة بأنّ قضيته “مشكلة سياسية”.

 

حيث قال “ليس لدينا شيءٌ ضدّك، ولكن إذا تحسنت العلاقات الآن بين الشيخ تميم والإمارات، فسوف يُفرج عنك”.

 

وبالرغم من كلّ شيء، قال جيدة إنّه يعتقد أنّ المحكمة ستبرّئه.

 

“لذا، عندما سمعتُ القاضي ينطق بالحكم سبع سنوات، لم أصدّق ذلك. لكنني كنت أبتسم حقاً، لم تصبني الصدمة، قلت لنفسي، أعتقد أنّ ثمّة يوم قضاء عادلٍ واحد، وسأواجهه هناك”، في إشارة إلى “يوم القيامة”

 

في نهاية المطاف، في أحد أيام مايو/أيار 2015، أُخرج جيدة من السجن، وعُصبت عيناه واقتيد إلى سيارة سوداء حيث سار لمدة ساعة.

 

في البداية، كان يخشى من أنه سيعود إلى زنزانته الأصلية في مركز الاحتجاز. ثمّ في مكانٍ ما، وكان لا يزال معصوب العينين، توقفت السيارة وغادر سائقوها لفترةٍ وجيزة.

 

يقول جيدة “فجأة، عندما خرجوا من السيارة، تركوا المذياع مفتوحاً، وكان ثمّة خبر قصير يعلن الإفراج عن اثنين من القطريين، من سجون الإمارات العربية المتحدة”.

 

كان البثّ الإخباري هو أوّل إشارة يتلقّاها جيدة، بأنّه سيتمّ إطلاق سراحه في النهاية، يقول “ثمّ هتفتُ الله أكبر، ركضوا نحوي وسألوني عمّا أفعل، فقلتُ لا شيء، أنا فقط أقول الله أكبر”.

 

نُقل جيدة إلى مطار دبي، حيث وُضع على متن طائرة ركاب مع سجينٍ قطري آخر. وقبل أن يُترك على متن الطائرة، طلب منه حارسه الإماراتي ألّا يغرّد عن محنته.

 

“قلتُ له أنّني لستُ نشطاً على تويتر، ولكنّي سأشكوكم إلى ربي. فأجاب: الله، لا مشكلة. ولكن لا تغرّد”.

 

سيكون ثمّة ندوب

بعد إطلاق سراحه، تمكّن جيدة من استعادة وظيفته القديمة في قطر للبترول. على الرغم من محنته، كان مرحاً وبشوشاً، واعترف أنّ أقاربه تفاجأوا بروحه المرحة، وهو الأمر الذي يعزيه جيدة إلى إيمانه القويّ، واعتقاده أنّ كلّ الأمور تسير بقدر الله.

 

ومع ذلك، فقد عانى من أرق في النوم بعد الإفراج عنه. وبينما كان مسروراً إزاء جهود الحكومة القطرية لضمان الإفراج عنه، فقد أدى انحسار العلاقات بين قطر وجيرانها إلى طلب عدم الإعلان عن الوقت الذي قضاه في السجن.

 

ولكن في عام 2017، وصلت العلاقات بين قطر والإمارات العربية المتحدة إلى أدنى مستوياتها، حيث قطعت العلاقات مع قطر، وانضمت إلى الحصار مع السعودية والبحرين ضدّها في يونيو/حزيران، وكان السبب الظاهري مرة أخرى، هو دعم قطر لمجموعات مثل جماعة الإخوان المسلمين.

 

يقول جيدة “لم أتوقّع أبداً أن يصل الوضع إلى ما هو عليه في دول مجلس التعاون الخليجي، فثمّة الكثير من العلاقات بين تلك الدول. أنا لديّ أخوات في البحرين، عمّتي في الكويت، ولديّ بعض الأقارب في السعوديّة”.

 

وقال جيدة إن قطر تتلقّى الآن على المستوى الوطني، ذات المعاملة التي عانى منها على يد دولة الإمارات.

 

يقول جيدة “أنا مجرّد شخص، من السهل تأليف القصص المفبركة وقول الأكاذيب عنّي. ولكن هم يفعلون الأشياء ذاتها ضدّ الدول”.

 

ومع ذلك، قال جيده أنّه متفائل بأنّ المشاكل بين قطر وجيرانها، بما في ذلك مشاكله الخاصّة، ستحل في نهاية المطاف.

 

“أظنّ أنّها ستحلّ أخيراً، ولكن بعض الجروح، حتى لو شُفيت، فسوف تترك ندوباً”.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.