الرئيسية » تحرر الكلام » رابعة .. جناية الطغاة والأغبياء (1ـ2)

رابعة .. جناية الطغاة والأغبياء (1ـ2)

لا تتكشف أسرار اعتصامرابعة العدوية” دفعة واحدة؛ ولا حتى عبر دفعات متتالية، وإنما تبقى كتابًا لا يبلى رغم مرور الأزمان ولا ينتهي رغم كثرة القراء وتعدد اتجاهاتهم ومشاربهم وقناعاتهم، فما حدث صباح الأربعاء 14 من أغسطس/أب 2013م لم يكن وليد اللحظة، ولا حتى الانقلاب العسكري الذي سبق المذبحة بقرابة شهر وعشرة أيام، وإنما تعود جذور المذبحة الأبرز في “رابعة العدوية” في مثل هذا اليوم إلى أسس وموروثات حكم المصريين؛ وأساليب الطغاة في سياستهم منذ فجر التاريخ .. وتمتد هذه الأسس إلى العصر الحديث إلى الألباني “محمد علي” ومن بعده حفيده من الجيل الثالث من نسله “توفيق بن إسماعيل بن إبراهيم” ومن بعدهما إلى “جمال عبد الناصر” .. ولكن كتاب الحياة السياسية المصرية لم يقرأه الإخوان بدقة .. ولو فعلوا لجنبوا أنفسهم الويلات في رابعة وغيرها.

   في أوج انتشار مصطلح “عَلمانية” في القرن الماضي كان المخلصون من أبناء التيار الإسلامي ينطقون الكلمة “عِلمانية” فكتب الراحل “زكي نجيب محمود” في “الأهرام” مقالًا شهيرًا عنونه بـ”عين فاتحة عَ .. عين كسرة عِ” افتتحها بالقول إن على الإسلاميين أن ينطقوا كلمة عَلمانية بشكل جيد حتى نستطيع الدفاع عن منطلقاتنا لا عن أخرى!

  ومع الفارق فإن خاء خيانة (من العسكر والدولة العميقة والجهات الأجنبية) لم يكن لها أن تنجح مجهوداتها في مصر لولا غين غباء (الخاصة بالإخوان المسلمين الذين قدموا مصر على طبق من ذهب لأعدائها في الداخل والخارج).

    في الذكرى الرابعة لمذبحة “رابعة العدوية” لا يراجع طرفان في مصر أنفسهما؛ على المستوى اللائق إنسانيًا قبل سياسيًا: العسكر بقيادة المجرم الأكبر وريث الفراعنة و”محمد علي” و”توفيق” و”جمال عبد الناصر”؛ وفي المقابل كثير من قادة الإخوان في خارج السجون؛ من السادة الباقين بعد الاعتقال والاستشهاد والإصابة .. أولئك الذين هبطت قيادة الجماعة على رؤسهم مثل “التفاحة قبل أن تعرف نيوتن” فلم يتعبوا فيها، ولم يراعوا الله في الأمانات التي بين أيديهم من المسئولية عن مئات الآلاف من الشباب في مصر، وأكثر قيادات الإخوان، للأسف الشديد لا يراعي إلا مصلحته وسلامة جيبه وأهل بيته، وبالتالي لم يفهموا لماذا هبطت التفاحة على رؤسهم!

    في أبجديات حكم المصريين؛ التي لم يكلف السادة من الإخوان أنفسهم عناء دراستها أو حتى مجرد التوقف العارض أمامها؛ من أبجديات حكم المصريين ضرورة المذابح، فعلها الفراعنة بهم مرات؛ وفهمها “محمد علي” في العصر الحديث في مارس/أذار 1811م، ومن بعده شعر الخديوي “توفيق” بأن أركان حكمه للمصريين ومهابة نظامه الظالم تهتز أسفل قدميه فصارع إلى استدعاء الإنجليز وإلى مؤلم الأحداث التي أسالت أنهارًا من دماء الإنجليز؛ بعد سبعين عامًا من مذبحة “محمد علي”، ولم تكن المذبحتين كافيتين لتعليم إخوان مصر بعد محاولة الثورة في 2011م أن الأمور في الكنانة لا تُدار اعتباطًا، وأن الباب الوهمي المفتوح أمامهم لحكم مصر، آنذاك، ما هو إلا خدعة كبرى يتم جرهم إليها لتصفيتهم والعصف بقوتهم، بطريقة مختلفة  متطورة تصل إلى نفس النتيجة .. عما فعل “محمد علي” مع المماليك والمشايخ الذين ولوه عرش مصر، وعما فعل الخديوي “توفيق” مع الراحل الثائر “أحمد عرابي” وآلاف المخلصين من المصريين.

    وإن تغاضى الإخوان عن هذه المجزرة وتلك فكيف يتغاضون عن “أزمة مارس 1954م”، وقد جرت وقائعها معهم أنفسهم، مع آباء وأجداد الجيل الحالي الذي كرر الموقف في 2013م؛ فبعد 70 عامًا من “مذبحة المماليك” كانت مذابح “ثورة عرابي”، وبعد قرابة 70 عامًا أخرى كانت “مذبحة المنشية” لما اجتمع الإخوان على “جمال عبد الناصر” بعد قبضه على مرشدهم وتنحية “محمد نجيب”؛ وعوضًا عن أن يصروا على موقفهم حتى النهاية استجابوا لوعود “عبد الناصر” بإجراء انتخابات في خلال أشهر .. وكانت مذابح الإخوان المتتالية والإعدامات هي نتيجة انسحاب عشرات الآلاف من الإخوان من أمام قصر عابدين في 28 من مارس/أذار 1954م.

   لا يتعب الإخوان أنفسهم في التفكير خارج الإطار الذي يرسمه أعداؤهم لهم بدقة، وإن وعدوا بذلك؛ كما في تصريحات المرشد الدكتور “محمد بديع” قبل أسابيع قليلة من الترشح للرئاسة بعدم الترشح، كما لم تردع تفكيرهم مجازر “الحرس الجمهوري 1، 2، والمنصة، ورمسيس 1؛ والنهضة 1، 2” وكلها سبقت مذبحة رابعة بأيام؛ وكانت المقدمات الواضحة تؤكد أن النتيجة واحدة ووحيدة واضحة، وسيناريو تجمعهم في 1954م لم يعقبه انصراف من الميدان في 2013م بل بقاء حتى الاستئصال، وليس لدى السادة سيناريو آخر يمكنهم من البقاء في مصر حفاظًا على أنفسهم ولحمة وألتئام المجتمع؛ وثقل قوى الخير في مقابل الشر محليًا وعالميًا .. ليس لديهم فرصة لتحقيق هذا إلا بالتعجل وعدم الدراسة والقراءة الجيدة للأحداث منذ ترعرعت الجماعة واستوت على سوقها، وعلى خلاف أدبياتهم فالحل الدائم لديهم هو التصدي لحكم مصر دون أدنى دراسة أو رؤية أو روية أو حتى مجرد فهم للشعب الذين يريدون حكمه والعسكر الذين سبقوهم إليه منذ عشرات السنوات ..

    وللحديث بقية ما دام في العمر بقية.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.