الرئيسية » تحرر الكلام » 10 من رمضان أم 5 من يونيو؟!

10 من رمضان أم 5 من يونيو؟!

تواريخ الأيام المُنقضية تحمل ذكريات للفرد والأمة المُجتهدين إما ذكريات “بالغة المرارة” تدفعهما إلى محاولة تجاوز أسبابها والصبر على تخطيها، أو أخرى “ناصعة الكفاح” استطاعا فيها خدمة أهدافهما.

    و”الاثنين الماضي” كان الوطن العربي بل الأمة الإسلامية على موعد مع ذكرتين مهمتين في تاريخها الحديث، نادرًا جدًا ما تجتمعان؛ إذ حمل اليوم تاريخ العاشر من رمضان بالتقويم الهجري، ذكرى “المعركة الحربية” التي ألجمت بعضًا من الغرور الإسرائيلي، وإن لم تحقق أهدافها كاملة .. وفي المقابل حمل اليوم، بالتقويم الميلادي ذكرى مريرة على كل عربي مخلص .. الذكرى الخمسين لهزيمة 5 من يونيو/حزيران 1967م، وهو اليوم الذي أفاقت الأمة فيه على كابوس بالغ المرارة ما زالت آثاره مستمرة إلى اليوم بضياع أراضٍ عربية عزيزة جديدة منها الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، بالإضافة إلى مساحات هائلة من هضبة الجولان، وشبه جزيرة سيناء واستشهاد من 15 إلى 25 ألفًا من الجنود العرب، هذا غير الأسرى، ومئات الآلاف من المُهجرين من القدس والضفة بالإضافة إلى مدن القناة والجولان، واستيلاء إسرائيل على ثلاثة أضعاف ونصف الضعف من مساحتها قبل 4 من يونيو/حزيران 1967م.

    ورغم أن مرارة حرب الأيام الستة أصابت عشرات الملايين من العرب بنوع من خيبة الأمل في الأنظمة العربية الحاكمة آنذاك، وعلى رأسها النظام المصري الذي طالما تغنى بإفناء إسرائيل، حتى أن المطربة الراحلة “أم كلثوم” وقفت في حفل الخميس الأول من مايو/أيار 1967م لتقول على خشبة المسرح الذي تغني عليه من القاهرة فتسمعها الملايين في ربوع الوطن العربي: “إنني سأغني في الخميس الأول من الشهر المقبل (يونيو/حزيران) للأمة العربية من أكبر مسارح تل أبيب”، ليرد عليها “موشى ديان”، وزير الدفاع الإسرائيلي قائلًا: “أتحداك إن غنيت في القاهرة”، وقد كان ..

   رغم مرارة الحرب إلا أن الإعلام المصري استطاع أن يلوي عنان الهزيمة المُرة غير المسبوقة ليسميها (نكسة)، كما استطاع الرئيس المصري آنذاك “جمال عبد الناصر” البقاء في منصبه، بعدما خرجت الجماهير المصرية فيما قيل إنه مسرحية مرتب لها بعناية لتستبقيه كما قيل بقوة إنه قال رغم ذلك: “هي الناس بتعمل معانا كده ليه .. ده إحنا نستحق الحرق”؟!

    صباح الاثنين الماضي احتار المرء كيف ستحتفل مصر والأمة بالذكرتين؟

    هل تتذكران 5 من يونيو/حزيران، التاريخ الميلادي، وذكرى نصف القرن على المرارة العربية التي تلف الأرجاء من القدس والضفة حتى الجولان وشبه جزيرة سيناء، وكلها مناطق ما تزال تعاني حتى النخاع بسبب الهزيمة أو تداعياتها من تغلغل النفوذ الإسرائيلي، مثلما تعاني الأمة كلها؟

   أم تتذكران يوم العاشر من رمضان يوم أن أنعم الله على هذه الأمة ببعض من “بوارق الكرامة”، وإن لم يحسن الرئيس الراحل “السادات” استغلالها فلم يكن تأثيرها على النحو المرجو فضلًا عن المطلوب؟

   ولئلا تشتعل الأماني في النفس، وغالبًا ما تتبعها آلام يعلمها الله، تذكرتُ أننا في شهر رمضان، وأن مصر احتفلت بذكرى أكتوبر/تشرين الأول لمرات بعد 1973م في العاشر من رمضان، ثم حولت الدفة بالكلية إلى يوم 6 من أكتوبر، وأن الاحتفالات اكتفت بعرض أفلام تكرس لقصص حب واهية مع إقحام أحداث حرب أكتوبر/تشرين الثاني عليها كما في “بدور”، من بطولة “محمود ياسين” عام 1974م، “الرصاصة ما تزال في جيبي”، “الوفاء العظيم”، وأن مصر العام الماضي احتفلت بالذكرى بعرض فيلم “حائط البطولات”، من بطولة “محمود ياسين” أيضًا، والذي كان الرئيس المخلوع “حسني مبارك” يمنع عرضه، رغم إنتاجه الحكومي المصري الذي كلف البلاد 16 مليون جنيه في عام 1997م لمجرد أنه يمجد جهود “الدفاع الجوي” في المعركة، وهو لا يريد إبراز إلا جهود “القوات الجوية” التي كان يرأسها.. أي ضعف الطالب والمطلوب..!

     وفجر الاثنين الماضي جاءت الإجابة المُحزنة بل المدمية للنفس، فكما قامت إسرائيل مع بزوغ نهار ذلك اليوم من خمسين عامًا بقصف المطارات المصرية، وقامت قواتها البرية بما فيها المدفعية بالتحرك وقصف سوريا والأردن والتوغل داخل حدود عربية في فلسطين ومصر وسوريا .. قامت السعودية والإمارات والبحرين بالإضافة إلى مصر، في فجر ذكرى الهزيمة المريرة، بقطع العلاقات مع قطر، وتعددت الأسباب، ومنها غير المعروف حتى الآن، فقيل في البداية، إن السبب هو دعمها الإرهاب، ثم قال وزير الخارجية السعودي “عادل الجبير”، الثلاثاء الماضي، من العاصمة باريس، فيما نقلته وكالتا “الفرنسية ورويترز” للأنباء: “لقد طفح الكيل، وعلى قطر أن توقف دعمها لجماعات مثل حماس والإخوان المسلمين”، مضيفًا: “لا نهدف إلى الإضرار بقطر ولكن عليها أن تختار طريقها”.

    وهكذا ففي اليوم التالي على ذكرى الهزيمة في 1967م قال وزير الخارجية السعودي أن قطع العلاقات مع قطر نتيجة لدعمها حركة المقاومة الفلسطينية “حماس” التي تحافظ على نقطة الكرامة في جبين أمة لا تسعى لتحرير واستعادة آلاف الكيلومترات المحتلة من أرضها، بما فيها القدس، بل تتهم مَنْ يدافع عن شرفها هناك، وتقاطع وتعامل معاملة الأعداء قطر التي تحاول مد يد العون..!

   أما رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” فقد رد على طريقته، الهمجية على ما يفعله العرب ببعضهم البعض واختار الاحتفال بنفس الطريقة الثلاثاء الماضي، أيضًا، بأن زار هضبة الجولان العربية قبل السورية المحتلة زاعمًا إن بلاده: “لا تعتزم الانسحاب من هضبة الجولان السورية، وإنها ستبقيها تحت سيادتها إلى الأبد”.

   واستمر مدعيًا ومكررًا، دون سند من قانون أو منطق سوى “منطق الغاب” الذي جعل بلاده تعلن ضم المرتفعات إليها عام 1981م :” لن ننزل من هضبة الجولان، هذه الأرض لنا”. وكان “نتنياهو” أبلغ مؤخرًا روسيا والولايات المتحدة ، أنه يعتزم إبقاء السيطرة الإسرائيلية على الجولان.

   وجاءت تصريحات “نتنياهو” هذه، بعد ساعات من تصريحات مشابهة، قال فيها إنه يتمسك بالسيطرة الأمنية على كل أراضي الضفة الغربية، وبضرورة اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة يهودية، كشرط لصنع السلام، بحسب الأناضول.

   ويبقى سؤالان:

   تُرى أي سلام الذي تريد السعودية والإمارات والبحرين ومصر والأردن لاحقًا صنعه في وطن عربي يرزح تحت نير التوغل الإسرائيلي بتكبيلهم المقاومة الفلسطينية أكثر، ومحاولتهم التخلص من أشرف مَنْ في الأمة حماس والإخوان المسلمين، وإن كانت لنا ملاحظات على الأخيرين من باب تمني الخير لهم واستطاعة التغلب على المواقف المضنية التي يواجهونها؟

   أما السؤال الأخير:

بأي الذكرتين (10 من رمضان، 5 من يوينو/حزيران) انحازت سياسات قادة دول في الأمة؟

   كل ما أعرفه أن غدًا لناظره قريب .. وأننا قريبًا ستكتحل أعيننا بالمساهمة ورؤية مواقف مشرفة تغنينا عن الآم الموحلة في التقدم في دمائنا الآن بمثل هذه المواقف المخزية في شهر رمضان وفي حق أراضي الأمة وعلى رأسها القدس الشريفة ..

وإن غدًا لناظره قريب .. وما ذلك على الله بعزيز ما اختار شرفاء الأمة العمل والاجتهاد رغم أنف مَنْ أبى ورفض بل قاوم وانحاز إلى الباطل!

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.