الرئيسية » تحرر الكلام » الكاهن الأكبر خضر (فنحاس) صاحب الأعجوبة

الكاهن الأكبر خضر (فنحاس) صاحب الأعجوبة

في ما يلي ترجمة عربية لهذه القصّة بالعبرية، رواها بنياميم راضي صدقة (١٩٤٤- ) عن نعمه وأريئيل والكاهن الأكبر خضر ونُشرت  في الدورية السامرية أ. ب. – أخبار السامرة، العددين ١٢٢٦-١٢٢٧، ١٥ كانون ثان  ٢٠١٧، ص. ٥٩ -٦٤. الكاهن الأكبر، خضر بن توفيق بن خضر (فنحاس بن متصليح بن فنحاس، ١٨٩٨-١٩٨٤، كاهن أكبر ١٩٨٢-١٩٨٤) كان شمّاسًا ونسخ الكثير من الصلوات والتوراوات وفي العام ١٩٨٣ زاره في بيته على جبل جريزيم، رئيس دولة إسرائيل السادس، حاييم هرتسوغ، واستقبله بالخبز والملح.

هذه الدورية التي تصدر مرّتين شهريًا في مدينة حولون جنوبي تل أبيب، فريدة من نوعها: إنّها تستعمل أربع لغات بأربعة خطوط أو أربع أبجديات: العبرية أو الآرامية السامرية بالخطّ العبري القديم، المعروف اليوم بالحروف السامرية؛ العبرية الحديثة بالخطّ المربّع/الأشوري، أي الخطّ العبري الحالي؛ العربية بالرسم العربي؛ الإنجليزية (أحيانًا لغات أخرى مثل الفرنسية والألمانية والإسبانية) بالخطّ اللاتيني.

بدأت هذه الدورية السامرية في الصدور منذ أواخر العام ١٩٦٩، وما زالت تصدر بانتظام، تُوزَّع مجّانًا على كلّ بيت سامري في نابلس وحولون، قرابة الثمانمائة سامري، وهناك مشتركون فيها من الباحثين والمهتمّين بالدراسات السامرية، في شتّى دول العالم. هذه الدورية، ما زالت حيّة تُرزق، لا بل وتتطوّر بفضل إخلاص ومثابرة الشقيقين، بنياميم (الأمين)  ويفت (حسني)،  نجْلي المرحوم راضي صدقة الصباحي (رتسون صدقة الصفري، ٢٢ شباط ١٩٢٢ــ٢٠ كانون الثاني ١٩٩٠).

”أردتُ ضمّ هذه القصّة إلى سلسلة القصص في أيّام حياة الكاهن الأكبر، خضر بن توفيق اللاوي [١٨٩٨–١٩٨٤]، إلا أن السيّد الموت سبقني  عندما أخذ الله روحه الطاهرة على حين غرّة. لا أشكّ أنّ القصّة تشهد على صلاح الكاهن الأكبر خضر، رحمه الله، وعلى ميزاته الطيّبة وسلوكه نحو الخالق. ليرحم الله النفس السامية التي سكنت في المرحوم ويغمرها بواسع رحماته الممتدة كسحابة ويسكنها في جنته، جنة عدن بقدوم الوقت مع الصالحين والكاملين.

هذه القصّة لا تنتقل من فم لأذن في الطائفة، لأنّها حدثت منذ زمن غير بعيد، في عام ١٩٨٣ ولم يتسن لها ولوج وعي أبناء الطائفة المغرمين بالحكايات الجميلة، ولأنّ الكاهن الأكبر خضر رحمة الله عليه، كان شديد التواضع، ومن  كبار الأغنياء الراضين بما عندهم، شكر دائمًا في زمن الضيق كما في وقت الفرج.

عُرف عنه صمته الشديد، لم يشترك في أحاديث الضيافة والاجتماعات الطارئة، إلّا إذا طُلب منه ذلك. سلك الكاهن الأكبر خضر درب التواضع، لم يتباه بقصص شخصية، بل دأب على التقليل من نصيبه في كلّ موضوع. لذلك، إنّي على يقين أنّه لم يسمعِ منه القصّة التالية أحدٌ. هذه قصّة حقيقية، حدثت قبل الفسح بشهرين تقريبا. كان لي نصيب كساعي خير في هذا الحادث، وبسبب حساسية الموضوع النابض بقوّة في قلبي وقلوب ذوي الصلة به، سأذكر أبطال القصّة بأسماء مستعارة، وكذلك بالنسبة لأية علامات كاشفة، باستثناء نصيبي الضئيل في الموضوع، والنصيب  الكبير جدًّا للكاهن الأكبر خضر بن توفيق.

أريئيل تمار هو موظّف كبير في إحدى أكثر المؤسّسات احترامًا في إسرائيل. معيان أريه ذو جسم محبوب ومبتسم وكله نشاط وعمل من أجل توطين  اليهود في البلاد؛ إنّه رجل متعدّد الأفعال، وله قسط في بناء البلاد. هو وزوجته الطيّبة نعمه، ابنان لباني البلاد ويستضيفان في منزلهما خيرة أبناء البلاد. أريئيل رجل عمل، من أعلى رأسه وحتى أخمص قدميه. برنامجه اليومي يبدأ في ساعة مبكرة صباحًا وينتهي بعد عمل شاقّ في ساعة متأخرة مساء. هكذا مجبول هذا الشخص للجدّ والعمل. نعمه، زوجته أُنثى بكل روحها، كلُها روعة، ويرتاح إليها أصدقاؤهما. إنّها إنسانة مميّزة، يحكون عنها الأمور الطيّبة، حتّى بعد مغادرتها للغرفة.

وبمرور الزمن نما حبّ أريئيل لزوجته وهي امرأة يعوّل عليها. أمامها يُطرح ما ينغّص القلب ولديها دائمًا كلمة طيّبة تقولها فتغيّر الصورة، وتجعل الحياة أجمل بكثير. لم أتعرّف شخصيًّا على نعمه زوجة أريئيل؛ هكذا سمعت عنها من سكرتيرات زوجها؛ وإذا كنّ السكرتيرات يتحدّثن هكذا عن زوجة المدير فمن المفضّل تصديقهن.

لم نصل إلى بداية القصّة بعد، وهذا يذكّرني بقول الفيلسوف اليوناني توكيديدس [في الواقع Thucydides حوالي ٤٦٠-٤٠٠ ق.م، كان مؤرّخًا وجنرالا، دوّن تاريح حرب إسبارطة ضد أثينا]: تحدُث القصص  فقط للذين يُجيدون سردها، وهذا الفيلسوف كان حكيمًا كبيرا. ها هي قصّتي مع هذا الزوج الأصيل، نعمه وأريئيل.

إنّي أعرف أريئيل تمار معرفة شخصية، وأنا سعيد بها منذ اللحظة الأولى، إذ أنّها جلبت وتجلب وستجلب الخير العميم لأبناء طائفتي. ولأريئيل هذا معارف بين كهنة نابلس، على المستويين الشعبي والشخصي. ولكن في كلّ ما يتعلّق بعمله مع السامريين، فقد تمّ ذلك بواسطة كاتب هذه السطور [بنياميم راضي صدقة]. غالبًا ما كانت تطرأ في مخّه فكرة لمساعدة السامريين، وكان يستدعيني بسرعة لكي نتباحث في الموضوع بغية تطبيقه بأسرع ما يمكن.

من الصعب القول إنّه كان خبيرًا في الشؤون السامرية، لكنّه كان كافيًا بالنسبة له اعتبار السامريين طائفة خاصّة، لدرجة أنّ رائحة التاريخ تفوح منها ولذلك قال: يجب أن نساعدكم. ذات يوم، أو كما يقال عندنا، في صباح يوم خريفي، دخلتُ مكتبه للتسليم عليه ولإستيضاح موضوع قيد معالجته. اعتاد دائمًا في حديثه مع الجميع ومعي أن يكون لطيفًا، يربت على الكتف، ويضحك بصوت صاخب.

قُل يا بنياميم – قال مشيرًا لي بيده لإغلاق الباب، هل لديك علاقة مع الكاهن الأكبر عندكم؟ تعجّبتُ من سؤاله، ولكنّي عرفت أن أريئيل يعرف سامريين في نابلس. لدي علاقة معه، كما لكل فرد من أبناء الطائفة، لماذا تسأل؟ سألتُ. أنظر يا بنياميم، أجابني، بينما شدّد مبتسمًا على الميم النهائية في اسمي [لاحظ: اليهود يسمّون ’بنيامين‘ بالنون في آخر الاسم أمّا السامريون فيسمّون: ’بنياميم‘ بالميم في النهاية، أراد أريئيل أن يشير إلى لفظه اسم محدثه كما ينبغي]؛ جرّبتُ كل الوسائل، وتوجّهتُ إلى كل الربّانين. ولكن قبل أن أُفصح عن الهدف من سؤالي، دعني أسألك سؤالًا آخر. ما هو كاهنكم الأكبر بالنسبة لك؟

إزداد استغرابي، لم يتحدّث أريئيل إليّ بهذه الطريقة قطّ، ماذا جرى لهذا الرجل؟ ما معنى: ما هو كاهني الأكبر في نظري؟ من الواضح أن الكاهن الأكبر خضر في نظري، كما في نظر جميع أبناء طائفتي، هو مختار الله وممثله على الأرض، أجبته بشكل حاسم!

هذا ما وددتُ سماعَه منك، وهذا ما ظننته أيضا. في نظري إنّه الرجل الأقرب من الله. لا أدري لماذا بغبائي توجّهتُ إلى ربانينا، حاخاماتنا. ها كاهنكم الأكبر أقرب من الله، ثمّة على جبل جريزيم، قال أريئيل بنبرة مقنعة.

لا يسعُني إلا المصادقة على قولك، قلتُ ولكن في أيّ موضوع توجّهتَ نحو الرّبانين كما ذكرتَ؟ إسأل الكاهن الأكبر، فيما إذا كان بوسعه مساعدة زوجتي؟ ردّ أريئيل بنبرة غدتْ مترددة. الكلّ يعلم، أنّ أناسًا كثيرين، يتوجّهون إلى كهنتنا في نابلس طلبًا للإرشاد والنصيحة، أو أنّهم يطلبون شراء تعاويذ/أحجبة/تمائم منهم، لأنّهم يؤمنون أنّ ذلك يحقّق هدفهم ويحلّ مشكلتهم. أنا شخصيًّا لم أومن قطّ بهذا. أضف إلى ذلك أنّ طالبي النصائح والتعاويذ، الذين يدفعون مبالغ طائلة جدا، يبدون لي من صنف واحد، يؤمنون بالخرافات، ولا حول ولا قوّة لهم، لحلّ مشاكلهم بأنفسهم.  وأريئيل لا يندرج في هذه الخانة، مع ذلك أرى عدم الحكم على شخص ما حتّى التحقّق من حالته هو، وعليه وبدون حب استطلاع زائد قلتُ: بالتأكيد سيبحث الكاهن الأكبر عن طريقة لمساعدة زوجتك، سأسافر يوم الأجد القادم إلى نابلس، خذها وسنسافر إلى بيته.

صلاة من أجل شفاء نعمه

لا، يبدو أنّني لا أستطيع السفر معها إلى نابلس، قال أريئيل. إذا كان الأمر كذلك، سأطلب من الكاهن الأكبر خضر أن يعرّج على منزلكم في زيارته القادمة لطائفتنا في حولون، أجبتُ. لا، لا، لا أريد أن أضايق الكاهن الأكبر، إنّي أعرفه، ابن ستّ وثمانين سنة، لا أريد أن أكون عبئًا عليكم. ما أودّه منك هو أن تتّصل به وتطلب منه أن يصلّي من أجل زوجتي. قال أريئيل هذه الكلمات هامسًا ووازنًا كلّ كلمة. بالتأكيد، سألبّي طلبك، قلتُ، لكن اكتب اسمها واسم أمّها وسأُخبر الكاهن الأكبر بذلك، وسيذكرها بصلاته، وسيصلّي من أجل شفائها. قام أريئيل بما طلبتُ، صمت، صافح يدي الممدودة مودّعًا.

خرجت من الغرفة فاتحًا الباب للمنتظرين في الخارج. وبعد إغلاق الباب توجّهت إلى سكرتيرته وسألتها هامسًا: قولي لي يا ليئه، ماذا يوجد عند نعمه، زوجة أريئيل؟ ماذا؟ ألا تعرف؟ فكّرنا أنّك صديق مقرّب منه! ماذا جرى لها؟ سألتُ. أجابت ليئة عن سؤالي بقصّة مروّعة عن نعمه. في يوم من الأيام، حينما كانت مع أريئيل في زيارة عند الأصدقاء، شكت هامسة في أذن زوجها من دوخة ألمّت بها، وآلام شديدة جدًّا في الرأس.  قدّم لها أريئيل على الفور حبّة لتسكين الأوجاع. عندما وصلا بيتهما، شكت من ارتفاع درجة الحرارة وفجأة أحسّت بقشعريرة برد. على الفور، استدعى أريئيل سيارة إسعاف، وفي طريقها إلى المستشفى، فقدت نعمه الوعي، ومنذ ذلك الوقت وهي راقدة في المستشفى في تل هشومير، ولم يعد لها وعيها بعد.

يشخّص الأطباء حالتها بأنّها نبات. كل الفحوصات التي أُجريت لم تحدّد السبب، ورفع الأطبّاء أيديهم استسلاما. لم يبق شيء يمكن عملُه، قالوا لأريئيل، فُقد كلّ أمل في رجوع الوعي إليها. وأيّ تدهور في حالتها سيؤدّي إلى موتها، إنّها مسألة أيام معدودة.

هذا الحدث الأليم، حدث قبل ثلاثة شهور تقريبًا، تقصّ عليّ ليئه، ومنذ ذلك الوقت لم يعُد أريئيل إلى بيته. يُنهي عمله ويسافر إلى المستشفى، هناك يجلس بجانب سرير زوجته، يتوقّع أن تستفيق من غيبوبتها، جمودها. عيناها مُغمضَتان ولا تُصدر أيّ صوت إلا صوت تنفّسها. هناك، يقضي أريئيل الليل، وفي كل صباح يصل إلى مكتبه مباشرة من المستشفى. كيف يمكن تقبّل هذه الحقيقة بأنّ نعمة نبات، تسأني ليئه، لماذا ضربها المصير بهذا الشكل؟ إنّها امرأة طيّبة لحدّ كبير، تقول ليئه.

ذهبت إلى مكتبي وهاتفت من هناك توفيقًا ابن الكاهن الأكبر. شرحت له الموضوع، وأمليتُ عليه ما دوِّن على البطاقة. وعدني بتبليغ أبيه وهكذا كان.

اتّصلتُ ثانية بأريئيل وأبلغته بأنّني قمت بمهمّتي، وبأنّ الكاهن الأكبر سيُدرج في صلاته دعاءً لشفاء نعمه، واستطردتُ قائلًا بحذر: الكاهن الأكبر سيصلّي من أجلها، إلا أنّ كلّ شيء متوقّف على إرادة الله.

تحوّل مفاجىء

منذ ذلك اليوم، حرصت على عدم زيارة مكتب أريئيل، كنت أخشى أنّه ربّما ساءت حالتها أكثر وربّما، لا سمح الله، حلّ بها سيّد الموت. لم أشأ أن أسمع كلمات الذمّ والغضب نحو الكاهن الأكبر،  الذي أُبجّله كثيرًا من أناس حزانى. بعد مضي أسبوع، ولم أسمع أيّ خبر سار أو حزين عن نعمه، فغلبني حبّ الاستطلاع فزرت ثانية مكتب أريئيل. ترددت كثيرا في طريقي إليه. لذلك رحتُ أولًا إلى مكتب أحد موظّفيه وتجاذبنا الحديث، وبطريقة غير مباشرة استفسرتُ عن حالة نعمه، زوجة أريئيل، أمن تحسّن في حالتها.

ماذا، ألا تعلم؟ أُدخل مكتب أريئيل وصافحه؛ غدا أسعد إنسان في الدنيا. فجأة، قبل أسبوع شفيت زوجته كليا. لا أحد اليوم يصدّق أنّها كانت نباتًا في خلال ثلاثة شهور، قال الموظّف. لم أستطعِ المكوث أكثر هناك، أسرعتُ مهرولًا إلى مكتب أريئيل. لقد استغربنا لأنّك لم تأت وتقول: مبروك! همستِ السكرتيرات الواحدة في أذن الأخرى؛ نحن نتبارى مع رئيسنا من هو الأسعد حالًا. هو ونحن نعلم أنّ كلّ ذلك قد حصل بفضل صلاة كاهنك الأكبر، قالت ليئه.

غمرني الفرح والحبور، خرج أريئيل من مكتبه إلى غرفة السكرتيرات، صافحني ودعاني مبتسمًا ابتسامة مفعمة بالسعادة للدخول إلى مكتبه. هناك قصّ عليّ بالتفصيل قصّته الرائعة، وبعد ذلك أكملت السكرتيرة ليئه التفاصيل. فهمت من أقوالهم أنّّه في ذلك اليوم، الذي طلب فيه أريئيل منّي الاتّصال بالكاهن الأكبر، أنهى أريئيل عمله مبكرا. منذ أن مرضت نعمه قصّر أريئيل ساعات عمله، إذ أنّه كان يقضي جلّ ساعات النهار قاعدًا بجانب سرير زوجته الحبيبة، ويتوقع رجوع وعيها إليها.

أركن سيارته بجوار المستشفى وذهب في اتجاه البوابة. وقبل أن يصلها رأى فجأة الكاهن الأكير خضر خارجًا من جناح المستشفى، ومتوجهًا إلى الجناح المجاور. أحسّ أريئيل برجفة تسربّت إلى كل جسمه، إنّي قلت لبنياميم بألّا يُضايق الكاهن الأكبر في الإتيان إلى زوجتي، قال ذلك في نفسه. توجّه إلى الممرّضات وسألهن: ماذا طلب كاهن السامريين الأكبر، وهل سأل عن صحّة زوجته. هدّأت الممرضات أريئيل وقلن له، كلّ ما في الأمر، أنّ الكاهن الأكبر ضلّ الطريق ودخل الجناح الخطأ وهنّ أرشدنه إلى الجناح المجاور، حيث يعالَج أحد شبّان طائفته. خاب أمل أريئيل، إلّا أنّه مع ذلك، قال لنفسه، إنّ مشيئة الله استدعت الكاهن الأكبر مقابل الجناح، الذي ترقد فيه نعمه، في نفس اللحظة التي وصل فيها هو إلى الجناح. سأل الممرضات في ما إذا حصل أيّ تحسّن في حالة نعمه. كان الجواب نفسه بالنفي، للأسف الشديد.

ذهب أريئيل وجلس بجانب سرير زوجته. لم يطرأ شيء حتّى الصباح، تأمّل أن تتمخّض صلاة الكاهن عن مساعدة ما. في الصباح توجّه في طريقه إلى المكتب، وهو يتمتم بيأس كبير: صلاة الكاهن الأكبر أيضًا لم تُفد. لا أمل لزوجتي، من الأفضل لها أن تموت، من أن تبقى في حالتها هذه، هذا ما قاله وكرّره.

عند دخوله للمكتب انتظرته ليئه، سكرتيرته المخلصة وأخبرته: هناك من تبحث عنك في الخطّ المباشر، لديها خبر هامّ تودّ إيصاله لك، إنّّها تنتظر أكثر من خمس دقائق. قلتُ لها، اتّصلي فيما بعد إلّا أنّها أصرّت على الانتظار على الخطّ. إنّي لا أعرفها، ولكن يبدو أنّ صوتها معروف لي من مكان ما. حسنًا، حسنًا، أعطيني إياها، قال أريئيل وهو يتساءل حول ما قالته ليئه. هلو، قال في سماعة الهاتف، منِ المتحدّث، من فضلك؟ أريئيل، سمع صوتًا مألوفًا، هل نسيتَ صوتي؟ هل أنتَ مشغول لهذا الحدّ كالعادة؟ لا داعي للذعر، أنا زوجتك نعمه!

هكذا سمع أريئيل بجلاء والباقي قَصّته عليّ ليئه سكرتيرته. من خارج مكتب أريئيل سمعتْ ليئة والسكرتيرة الثانية صوت خبطة خافتًا وبعده لم يسمع صوت أريئيل. تقدّمتا مذعورتين نحو الباب، فتحتاه بعناية ووجدتا أريئيل متمدّدًا على الأرض مغميًا عليه. حاولتا إيقاظه من إغمائه بدون جدوى. بعد ذلك استعاد وعيه، وسمعتا منه تفاصيل المحادثة الغريبة.

في البداية ظنّوا أنّ امرأة ما ذات دعابة قاسية أرادت المزاح، اتّصلت ليئه بجناح المستشفى وردّت الممرضة الرئيسية وقالت مبشّرة أنّهم يحاولون منذ وقت طويل التحدّث مع أريئيل، ليتكلّم مع زوجته التي استفاقت فجأة، وبدأت تسأل ماذا تفعل هنا في جناح المستشفى؟

شرحتِ الممرّضات لها الوضع، وعندها أرادت التحدّث مع أريئيل وفوجئن أنّ الخط قد انقطع فورا. لم ينتظر أريئيل لسماع تقرير ليئه، أسرع، اشترى باقة زهور كبيرة وسافر مسرعًا إلى مستشفى شيبا في تل هشومير.

قُل للكاهن الأكبر بأنّني لن أنساه كلَّ حياتي، قال لي أريئيل، والآن لو سمحتَ، عليّ الوصول بسرعة إلى البيت، اليوم تصل نعمه من المستشفى إلى البيت، إنّنا سعداء، فرحون، أيّما فرح.

هذا ما فعلتُ، رويتُ للكاهن الأكبر خضر كلَّ القصّة، ابتسم قائلًا: إنّها شفيت ليس بسبب صلاتي، بل لأنّ الله قرّر أنّها تستحقّ الحياة. عندما قلت لأريئيل ما قاله الكاهن الأكبر عن زوجته ابتسم هو أيضًا وقال: فقط من يكون قريبًا من الله لهذا الحدّ يقول ذلك!.                                                                                     

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.