الرئيسية » تحرر الكلام » استدعي الى مهام أخرى

استدعي الى مهام أخرى

و أخيرا وجد ت نفسي في مكان مخملي جميل ، وجوه مبتسمة و منتشية طربا و سعادة ، هنا يتداول كبار القوم الوضع العام للبلاد و هنا يلتقي كل المتخاصمون عبر وسائل الإعلام.

صديق رجل الأعمال الكبير ، كان بطاقة دخولي لهذا الوكر الإستثنائي فقد وعدني بمنصب هام ، يجعلني بمنأى عن كل المشاكل اليومية التي يعيشها المواطن العادي.

أخبرني بأن كل من يجلس في هذا المكان سوف تتاح له الفرصة ليصبح سفيرا أو وزيرا أو تسند له مهمة في الخارج في أي هيئة دولية ، و هنا ايضا توزع المغانم و المكاسب و يتم تبادل الأدوار من منطقة لأخرى ، انه عالم عجيب و مذهل ، الوجوه التي تظهر في المشهد السياسي و تحكم في الغالب تكون نتاج لهذه الكواليس التي لا يعرفها احد.

– طبعا ليس الدخول هنا فقط من يضمن المناصب بل لابد من مقابل قد يكون اموالا او عقارات و امتيازات … هذا ما قاله صديقي و هو يوزع الإبتسامات في كل الإتجاهات..

. لكنك تعرف بأنني لا املك اي شيء مما ذكرته –

– إطمئن سأدفع عنك كل المستحقات ، و أنت بالتأكيد سوف ترجعها لي لما تصبح في منصب مرموق في شكل مشاريع و غيرها من الصفقات الحكومية.

و فجأة دخل رجل رفقة حاشيته يبدو من خلال تهافت الجميع عليه بأنه شخصية هامة جدا و يمسك بكل الخيوط التي تحكم دواليب السلطة و بعد دقائق تسنى لنا الجلوس معه.

– سيدي هذا هو صديقي الذي أخبرتك عنه ، أفنى سنوات عمره على مقاعد الدراسة لديه شهادة جامعية و شهادة الميلاد طبعا و يرغب في خدمة الوطن من خلال منصب مرموق زيادة على أنه من مدينة داخلية لا يوجد لها أي تمثيل في هرم السلطة.

تناول الرجل المهم جدا كوب عصير و إرتشفه بكل تركيز …..

– منصب مهم في هذا الظرف الصعب شبه مستحيل و لكن يمكن ان اتدبر له وظيفة سامية بإمتيازات هامة ، تعرف الحكومة تم تشكيلها منذ فترة قريبة و السفراء تم اعتمادهم في الخارج و البرلمان كما تعرف لم يعد بنفس البريق السابق بل أضحى مجرد واجهة سياسية بلهاء لتصفية المعارضة.

تاملت صديقي بكل دهشة و انا استمع الى الناطق الرسمي للعلبة السوداء ، فعلا كان الرجل يدرك ما يقوله و يعرف ما سيفعله و فيما كنت افكر في طبيعة المنصب الموعود ، نهض صديقي من مكانه و اقترب أكثر من فارس أحلامي.

– و ماهي المناصب المتوفرة في الوقت الحالي سيدي ؟

و قبل ان يتكلم الرجل تخيلت ان الأمر يتعلق بما يطلبه المرء حين يدخل اي مطعم حول الأطباق المتوفرة او تلك التي يتم اعدادها خصيصا للزبون.

– لدينا القدرة على انشاء مناصب و مهام جديدة للأحبة و لكن دوما اي مرفق جديد يكون مرتبط بفكرة جديدة ، هناك مناصب هامة بعيدة عن الأضواء خاصة تلك المرتبطة بديوان ما او هيئة حكومية ليس لها أي تعامل مع المواطنين.

فعلا وجدت نفسي مندهشا و ما كنت أفكر فيه أسمعه على المباشر أي يمكن اعداد طبق خاص للزبون أو بالأحرى احداث منصب او هيئة حسب الطلب ، على كل فرصة العمر بدأت تتحقق و الرجل يبدو مصدر لكل القرارات المهمة.

تركت صديقي مع صانع المناصب حتى يتسنى لهما التفكير و التفاهم حول مستقبلي في هذا النسق الذي يحكم البلد.

كان المكان يعج بالمتسلقين و الإنتهازيين ، فضاء إستثنائي للعرض و الطلب ، سوق سياسي بإمتياز ، عشنا سنوات في حلم صنعه اصحاب القرار، اعطونا حب الوطن و أخدوا الوطن ، قالوا لنا ان القناعة كنز لا يفنى ، تركوا لنا القناعة و أخذوا الكنز.

أمضينا سنوات عمرنا في الطرقات و على الأرصفة و المقاهي و المخابز و الأسواق في حين كانوا يعيشون حياة أخرى بكل رفاهية و بذخ ، لا يعرفون عن الأوطان سوى مطاراتها و حساباتها البنكية.

موعود انا بمنصب هام و مازلت أتحدث بإسم المواطن المغلوب على أمره ، يجب ان اعيد ترتيب أوراقي ، فرصة العمر تأتي مرة واحدة.

و فيما كنت افكر في مستقبلي الرائع ، اقترب مني صديقي مبتسما و ملامحه تدل على انه يحمل أنباءا سارة.

– و أخيرا سيتحقق حلمك ، لقد عثرنا لك على منصب هام و مميز و هكذا سوف تصبح من رموز الطبقة المخملية التي ستحكم البلد.

– شكرا صديقي كنت على اليقين بأنك سوف تنجح في الأمر و لكن ممكن تخبرني عن طبيعة هذا المنصب.

– لا هذا الأمر ليس من اختصاصي ، سوف يخبرك الزعيم الآن و هو في انتظارك.

تنقلنا بسرعة الى الطاولة التي يجلس عليها الزعيم كما سماه صديقي الرجل المهم جدا الذي يصنع المناصب و الهيئات و الفرص الجميلة.

كان يجري اتصالا هاتفيا مهما فقد بدى منزعج قليلا و في الأخير أنهى حديثه بتعليمات سريعة ، ثم إلتفت نحونا مبتسما……

-انت محظوظ لقد عثرت لك على منصب هام ، في الحقيقة هي فكرة جديدة راودتني و انا اطل من شرفة هذا المكان الجميل

تبدو المدينة مظلمة في هذه الضاحية ، غالبية مدننا تعيش الظلام و عليه قررت انشاء هيئة جديدة و كما اخبرتك اي فكرة جديدة قد تتيح لنا احداث مناصب و مؤسسات.

وجدت نفسي مضطرا للتدخل و بكل دهشة……

– لكن سيدي لم افهم شيئا ، المدينة مظلمة و هل سأكون مديرا للظلام الدامس ؟

– العكس تماما صديقي ، سوف نقوم بإنشاء الديوان الوطني للإنارة العمومية ، و ستكون المدير العام و طبعا يعتبر منصب سامي و سيتم تعيينك بمرسوم رئاسي.

مدير عام للضوء أو مدير عام لمناهضة الظلام تبدو فكرة رائعة فعلا الرجل صانع افكار و مناصب و هيئات و هو جدير بجائزة تقديرية للإبداع ، و فيما كنت اتخيل مهامي المختلفة واصل الرجل كلامه المقنع و المنطقي…..

– سوف نقوم بإنشاء الديوان بمرسوم بسرعة البرق ، فهناك نموذج واحد نعمل عليه دائما يتضمن مواد معروفة متداولة تتحدث عن مقر الديوان و مجلس إدارته و ميزانيته.

– شكرا جزيلا على كرمك سيدي اعدك بأن اجعل هذه المدينة و المدن الأخرى تعيش الليل نهارا ، سيكون شعاري عمود إنارة في كل مكان ، سأهزم الظلام قريبا.

في اليوم الموالي قمت بجولة مسائية عبر كل أحياء المدينة حتى اطلع عن كثب عن واقعها و مدى نقص أعمدة الإنارة ، فعلا وجدت الوضع كارثي ، التغطية مرتبطة فقط بالمقرات الرسمية و بعض الأحياء الراقية ، و لكن الظلام الدامس يتم توزيعه بكل عدالة على الأحياء الشعبية و الضواحي المعزولة.

حين إلتقيت صديقي اخبرته عن حصيلة جولتي الميدانية و أبديت له مدى تذمري من الرداءة السائدة و ان المنصب الذي وعدت به يعتبر بمثابة هدية ملغومة.

نظر لي بكل استغراب و ضحك كثيرا ثم تمالك نفسه و صرخ في وجهي …

– هل انت مجنون أم آخر الرجال المحترمون ؟

… ماذا تقصد بكلامك هذا ؟ سألته بكل دهشة –

– أولا انت ستكون مدير عام يعني انت ستشرف على الإنارة العمومية عبر كل مدن البلاد ، و ليست هذه المدينة التي اخبرتني عن واقعها ، ثانيا سيكون لك فريق عمل كبير منتشر عبر كل أنحاء البلاد ، و أخيرا المنصب المرموق الذي سوف تحصل عليه هو فرصة للسعادة و الفرح و ليس للقلق و الأحزان.

– فعلا انا احب الفرح و السعادة و لكن يهمني أيضا ان اقوم بالمهمة المسندة لي و النجاح فيها ….أجبته بكل ثقة.

– يبدو انك ما زلت مسكون بداء المواطنة ، الحياة تسير عادية بدون وجود الهيئة التي ستنشئ من أجلك ، تذكر ان الأمر كان مجرد فكرة عابرة من طرف صانع المناصب ، و عليه لا تزعج نفسك و قريبا سيكون لك كل الصلاحيات سيادة المدير العام.

مرت أيام و الخبر السعيد لم يصل بعد ، أصبحت مدمنا على متابعة كل ما يتعلق بالإنارة العمومية و اتابع بكل اهتمام مشاكل المواطنين و معاناتهم مع إنقطاعات الكهرباء او انعدام الإنارة في أحياءهم ، حتى انني اصبحت افكر في ضرورة توفير عمود إنارة لكل مواطن ، و من حين لآخر اعيش دور المدير العام بكل ما فيه من بريق السلطة و هالة الإمتيازات و النفوذ.

كنت اشاهد صانع المناصب من حين لآخر في نشرات الأخبار الحكومية يظهر في كل مكان ، تارة يستقبل الوفود الرسمية و أخرى يفتتح الملتقيات و المهرجانات ، و احيانا يدشن بعض المرافق و الهيئات الجديدة ، فعلا اكتشفت بأنه رقم لا يمكن تجاوزه في معادلة السلطة.

كنت مستلقيا في المساء كعادتي اتابع نشرات الأخبار المختلفة عبر كل القنوات الوطنية ، ما أثار انتباهي الغياب التام للرجل الذي سيغير مسار حياتي للأفضل عن المشهد السياسي و الحكومي.

و فجأة رن هاتفي النقال ، صديقي على الخط ، كنت متلهفا للخبر الذي طال إنتظاره.

. للأسف صديقي لن يتحقق حلمك الكبير –

كدت افقد توازني و لكنني تمالكت نفسي و سألته:

– و لكن ماذا حصل ؟ هل رحل الرجل عن عالمنا ؟

– ابدا لقد رحل من منصبه منذ ساعات ، فقد وقع تغيير كبير في هرم السلطة و قد كان محسوب على جناح غير مرغوب فيه في ظل التوزانات الحالية ، صدر بيان عاجل عن الرئاسة مفاده أنه استدعي لمهام أخرى.

انهيت المكالمة بكل قلق و عدت الى عوالمي الحزينة فعلا ليس لي حظ في هذا البلد ، أغلقت كل اضواء المنزل و قررت ان اعيش في الظلام ، من يدري قد ألتقي مستقبلا بصانع أحلام جديد يمنحني منصب مدير عام للعتمة.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.