الرئيسية » تحرر الكلام » الملحدون بين وهم المعرفة وفخ الحريّة

الملحدون بين وهم المعرفة وفخ الحريّة

الحديث عن الإلحاد لا يمكن أن يحيط به مقال في عدة صفحات، لأنّ الإلحاد قضية متشعّبة الخطوط والدّوائر والتفصيل فيها يحتاج إلى مجلّد. وأنا هنا سوف أحاول تجميع أفكاري وأسردها باختصار شديد ولكن موسّع حتى يتسنى لنا الإضاءة على هذه القضية من كافة جوانبها.

كنت قرأت الكثير من الكتب وشاهدت العديد من الأفلام الوثائقية والعلمية في وقت كانت تشدني فيه  مسألة الإعجاز في القرآن الكريم، وهو بلا شك فيه من الإعجاز ما يدعونا للتفكّر والتدبّر واليقين بالخلق وعظمته، وبالخالق وقدرته وعلمه الذي وضعه في خلقه، وبحثت طويلا  في هذه المسألة وقد كتبت في ذلك  كثيرا من الصفحات،  عمدت فيها ربط بعض المكتشفات العلمية الحديثة المؤكدة  والتي استوقفتني في قراءاتي وبحثي، بآيات من القرآن الكريم، ما لبثت أن توقفت بعدها عن الكتابة التي لم أنشرها وبقيت حبيسة لدي، حين شكّلتْ عندي بعض الفتاوى الدينية وغيرها من التفاسير لآيات وأحاديث يقال إنها نبوية، لظواهر طبيعية في الخلق والكون، ما يشبه الصدمة  مخالفتها لحقائق علمية أصبحت ثابتا، كحقيقة دوران الأرض حول نفسها، ودورانها حول الشمس، وحقيقة كرويتها. وقد قدّم  هذه الفتاوى والتفاسير والروايات عن الخلق علماء كبار وشيوخ أجلاّء. وهالني أكثر أنّ هؤلاء ومثلهم من صغار الشيوخ والمُفتين حرّموا القول بغير ما يقولون وكفّروا من ينكر رواياتهم وتفاسيرهم.

بالطبع لم أتوقف عن البحث والمتابعة لغاية في نفسي،  وليقيني بأن أمرًا ما لا بُدّ أن يكون فيه التباس،  دون شكي ولو لثانية بوجود الله الخالق وبعظمة خلقه وعلمه، وبأنّ القرآن هو كتابه ورسالته إلينا عبر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، تماما كما أرسل إلينا رُسلَه وأنبياءَه قبل محمد، ليقينٍ ثابت بأنّ الله لم يخلق هذا الملكوت، ولم يخلقنا عبثًا،  وأنّ هناك غاية وهدف من ما خلق يعلمه هو، نستطيع معرفته والاهتداء إليه في كتابه، وفي بحثنا وتفكّرنا وتأمّلنا وتدبّرنا في خلقه وملكوته كما أشار إلينا في كثير من الآيات الكريمة، والثابت من الأحاديث النبوية الصحيحة، لنتعرف على نظامه وعلمه،  وأنّه ما كان ليخلقنا هكذا ويتركنا دون توجيه ورعاية.

المفاجأة أني ومن خلال بحثي، اكتشفت أن لا رواية تعتبر إسلامية حقًّا، سليمة وحقيقية تشرح لنا كيفية الخلق وبدايته، وأن الرّوايات التي بين أيدينا جميعها تقريبا استُخلصت من سفر التكوين في العهد القديم، والتوراة اليهودية، وأنّ معظم التفسيرات التي أفتى بها علماء المسلمين، والطريقة التي اعتمدوها في شروحاتهم وفتاويهم عن بداية الخلق، اعتمدت على الروايات اليهودية (الإسرائيليات) لعدم وجود ما يماثلها في تاريخنا الإسلامي، وعليه تم لَيُّ عنق الآيات والأحاديث النبوية الواردة إلينا عن الرسول الكريم محمد عليه أفضل الصلاة والسّلام، بتفسيرات لها وجاهَة لتتناسب مع تلك الروايات، بدلاً من أن يعتمدوا منهجًا علميًّا يعتمد على العلم المادي والثابت منه في رواياتهم وتفاسيرهم، وهذه أعتبرها نقيصة تم إلصاقها بغير قصد بديننا الإسلامي الحنيف، لثقتي بحسن نوايا هؤلاء الأئمة وغيرتهم على إسلامهم.

هذه واحدة من الإشكاليات التي أسهمت بشكل كبير لإنكار البعض للدّين، وبالتالي إنكارهم للخالق،  حيث أن الوقوف هنا عند الاختلاف بالروايتين الدّينية والعلمية طبيعي، وطبيعي أيضا، أن ينكر من توقّف هنا إحدى الروايتين، فمنهم من أنكر الدين جملة وتفصيلا بإنكاره الرواية التي يقول عنها خطأً دينية، دون أن يلجأ للتمحيص بالمسألة، ومنهم من أسدل ستارا على عقله وأنكر الرواية العلمية، وراح يدافع دون دراية عن الرواية الدينية، التي لا يمكن تفسيرها ولا تفسير لماذا اصطدمت شروحاتها مع الحقائق العلمية.

ولمّا كنت أنا عند هذه النقطة ووقفت هذه الوقفة، كان لا بد لي من رأي وجدته عند كثيرين، وقد أكون أميل إلى حدٍّ كبير نحو ما جاء في كتاب الدكتور الجرّاح عمرو شريف رئيس أقسام الجراحة بكليّة الطب في جامعة عين شمس في كتابه (كيف بدأ الخلق) وأرى فيه وجاهة وتبريرا منطقيا للموقف السليم، ألا وهو ثباتي على إيماني ويقيني بالله الواحد الأحد خالق هذا الكون بعلمه، وإيماني بكتبه ورسله، منكرا كل التفسيرات المسماة  بالدينية التي شرحت مسائل علمية بشكل مغلوط، حول الكون ونشأته وظواهر كونية أخرى، اعتمَدَتْ فيها رواية سفر التكوين، والرواية اليهودية. وقبلت في نفس الوقت كل الروايات العلمية الثابتة قطعًا،  بتحفظ شديد لأسباب عقلية لها علاقة بالإيمان بالله الخالق، الواحد الأحد، وفي ذلك شرح يطول سأتناوله باختصار بعد قليل فيما سيأتي بعد في هذا المقال.

قبل أن أسترسل بالحديث، لا بد لي أن أذكر السبب الذي استدعاني أن أبدأ في كتابة هذا المقال، خصوصا أني لم أنشر كل كتاباتي حول الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، وأعتبر، بل أعترف أن أكثر ما جاء في هذه الكتابات غير مناسب ولا يرتقي في أن يكون دالاّ على إعجاز القرآن، لأنّي أصبحت الآن على يقين أكثر بأن القرآن كلّه إعجاز من أول حرفٍ فيه إلى آخر حرف، وهو ليس بحاجة لتفسيراتي ورواياتي ولا تفسيرات ولا روايات غيري لإثبات أنه كلام الله وانه مُعجز. يكفي القرآن إعجازًا لغته وصياغته التي لم يستطع كل علماء اللغة على مر العصور والأزمان منذ نزوله إلى هذه اللحظة أن يأتوا بمثله ولو اجتمعوا، في تحدٍّ قائم، ما قدر عليه أحد،  كما جاء في سورة الإسراء، الآية 88:

(قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا).

يكفيه إعجازًا أنّه منذ نزوله على سيّدنا محمد عليه الصلاة وأفضل السلام، لم يتغيّر ولم يتبدّل في تحدٍّ آخر في الآية 9 من سورة الحجر:

(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)

لم يستطع حتى الآن أحدٌ العبث به وبسوره وآياته وترتيبه ونجح في ذلك.

ويكفي محمد صلّى الله عليه وسلم تأكيدًا لنبوته، إعلانه أنّه خاتم الأنبياء والرسل وقد أتانا بختام الكتب السماوية، وأن لا نبيّ بعده ولا كتاب بعد القرآن،  وها نحن بعد مرور ما يقرب على 1450 عام على نبوته، لم يدّعِ سواه أنّه نبيّ بعد محمد مرسل من الله بكتاب بعد القرآن وثبت ادّعاؤه.

لذلك كله، لم يتزعزع إيماني بالله ولا بكتابه القرآن، ولا بنبوة نبيّه محمد عليه أفضل الصلاة والسّلام،  وأصبحت على قناعة أكثر أن شروحات وتفسيرات كهذه التي تشرح ظواهر علمية قد تكون عرضة لأهواء أو لشروحات غير ذوي الاختصاص، أو أن يحصل لَيٌّ في تفسير وتجيير بعض الآيات لتتناسب مع تلك الظواهر، تؤثر تأثيرا سلبيا على مفهوم الدّين بشكل عام.  لذلك أنا أرى من الأجدى أن يبقى الدّين والتفسيرات الدّينية للآيات والأحاديث النبوية مقتصرة على العبادات والقيم والأخلاق، والمسائل غير الخلافية، والروحيّة والعلاقات بين الناس وقضايا التنظيم السليم للمجتمعات على أساس عادل يساوي بين الناس. أما المسائل العلمية فليترك الأمر لأهله من العلماء كلّ حسب اختصاصه  واهتمامه وبحثه، مع اعتبار أن كل الإشارات التي يكون ملمحها علمي في القرآن ليست أكثر من خارطة لرموز توجيهية للحثّ على البحث والتقصّي والتفكير والتّدبر في خلق الله، ابتداء من الخلق الأول للكون، وليس انتهاءً بأنفسنا وما يعتمر في دواخلنا، لاكتشاف كل ما سخّره الله لنا من الأسرار والنظم والنظريات العلمية التي خلق الله على أساسها هذا الكون. وأنا لا أظن هذه الإشارات إلاّ دليلا على دعوة من الله، بل هي  فرض، كما صرح بذلك عباس محمود العقاد  في كتابه (التفكير فريضة إسلامية) وأمرٌ لنا للتعرف على ملكوته، كما جاء في الآية 22 من سورة العنكبوت:

(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ).

وما لجوئي للكتابة عن الإلحاد إلاّ بعد أن  صُدمت بكثرة الشباب العربي المسلم الذين كفروا بالله الواحد الأحد وبالأديان وبالرسل لاعتقادهم  أن

العلم قد هدم الدين من أساسه، ومنهم كثير من أنكر القيم والاخلاق والعادات وبرد دمه، فراح يبرّر العلاقات الجنسية العشوائية خارج إطار الزوجية ومنهم من أصبح مِثليَّ الجنس يفاخر علنا جهارا نهارا على الملأ بكفره ومِثليته. صدمت وأنا أتابع صفحات هؤلاء في الفيس بوك، وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي،  بأسمائهم الحقيقية وصورهم  وقصصهم بدون خجل أو وجل، وبمدى الجهل الذي يعيشون تحت مسمى حرية الإنسان المطلقة بنفسه وجسده، طالما أنها لا تسبب أذى للآخرين كما يدّعون، دون أنْ يعوا أنَّ شذوذهم والفحش الذي يقومون به هو تشويه لصورة المجتمع السليم.

وإنْ ذهبتَ لمناقشتهم، تراهم يُشحنون سريعا على الله، والدّين، وعلى رسله، وينهالون على أتباعه استهزاءً وتحقيرا وشتما. ويبدأ جاهلهم ومثقفهم سواء بالتفاخر والحديث عن ثوابت علمية  أثبتها علماء مُلحدون يُنكرون وجود الخالق، بأسلوب بشع يدل على  غباء مستفحل، احتل مكانة في عقولهم، واستخدام أخرق لهذه الاكتشافات،  مستشهدين بمُفتيهم وشيوخهم أو قل أنبيائهم، أمثال ريتشارد دوكينز صاحب كتاب (وهم الإله) وكريستيان هوجينز ومايك  ويليام سالفورد المعروف بـ (بيل ناي) وأنطوني فلو الذي تراجع مؤخرا عن إلحاده واعترف بوجود الخالق  في كتابه (يوجد إله).  وتأتي  معظم استشهادات البعض عشوائية بعبارات غير مترابطة، وفهم غير دقيق لما يقولون، يرددون ما لُقّنوا به كالببغاوات،  ما يفضح اضمحلال ثقافتهم ومعرفتهم.  وهذه مسألة في غاية الخطورة حين تصادف هذا الكم من الناس غالبيتهم من الشباب وحتى الأطفال ما دون الثامنة عشرة من أعمارهم، يأخذون هذا المنحى في تغييب ملحوظ وتجهيل مفتعل لشبابنا وبناتنا، في ظاهرة لافتة للإنتباه وباستغراب شديد، أن لا نجد في بلادنا من أضاء إشارة حمراء تدل على خطورة الموقف،  ولا حتى تلميح يجعل منها قضية رأي عام يجب معالجتها بشكل منهجي علمي سليم،  يؤمِّن لهذا السباب احتياجاته ويساهم في  إعادة الوعي الغائب عن هذه الجموع الهاربة من الدين إلى حضيض الثقافات الغربية، التي تهدم مع الدين كل القيم والأخلاق. بدعوى الحريّة المزعومة.

نفرح كثيرا عندما نجد أن أحدا غير مسلم، خصوصا من الشخصيات المعروفة يعلن إسلامه، ونجعل منه قضية تتحدث عنها كل وسائل الإعلام، في حين لا أحد يتكلم، ولم تؤرق المسألةُ أحدا، خروج عدد غفير كل يوم من شبابنا المسلم ومن التائهين على الإسلام،  ومحاربتهم له والاستهزاء به وبأتباعه أمثالنا من المسلمين.

هناك عيبان خطيران مهمّان يشكلان معا  جدارا  كبيرًا، بين الحقيقة العلمية صنعهما، كل من المفتين الإسلاميين الذين تدخلوا في فتاوى تحريم وتكفير من أنكروا رواياتهم في مسائل علمية  والتي  اعتمدوا فيها بشكل كبير على سفر التكوين في العهد القديم، وبين الملحدين المادّيين الذين اعتقدوا أن الدّين يتناقض تماما مع البحث العلمي، والاكتشافات الحديثة التي تُستخلص من ظواهر طبيعية في الكون وحوله، وأنا هنا أعني بالدّين الإسلام، متّكئين في ظنّهم على الروايات المغلوطة التي ينشرها القائمون بالتفسير والفتوى للآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ومتّكئين أيضا على أوهام عقولهم وقدرتها على تفسير حقيقة الخلق دون المسلمين، منكرين على المسلم أنّه أهل للعلم والبحث والاكتشاف، مدّعين أنّهم أصحاب الفضل والمنّة في ذلك.

قد يتبادر عند البعض سؤال عن قناعاتي أنا في هذا الخصوص، وما هو رأيي، وعن سبب قبولي بتحفّظ للرواية العلمية بدلا عن تلك التي تُعتبر خطأً دينية؟؟

أجيب بالآتي:

تعتبر نظرية داروين في أصل الخلق النظرية الأولى التي أثارت إشكالية كبيرة.  وتتكون هذه النظرية من ثلاثة ركائز أرويها باختصار.

الركيزة الأولى يؤكد داروين أن هناك مشتركا بين الكائنات الحيّة كوجود خلية واحدة  أو خلايا متعددة ظهرت منها بالتّطور كل الكائنات الحية ومنها الإنسان بمعنى أن أصل كل الكائنات الحيّة من جذع واحد، وشجرة واحدة، فيها فروع على عدد أنواع هذه الكائنات الحية جميعها.

أنا أقبل هذا الطرح على هذا النحو، بمعنى أن كل شيء حي أصله واحد وخلق منه الله كل هذه المخلوقات على الأرض ومنها الإنسان.

ولا بأس أن أخوض في بعض تفصيل هنا لتوضيح رأيي أكثر خصوصا أن التعرف على الجينوم (خارطة تسلسل DNAعلى هيئة كروموزومات في نواة الخلية)  ومعرفة الخارطة الجينية لكثير من المخلوقات وعلاقاتها ببعضها البعض وتثبيت ذلك كحقيقة علمية ثابته اعتمدها الإتحاد الأمريكي لتقدّم العلوم (AAAS – The American Association for the Advancement of Science ) في العام 2006 وهو أكبر مجمع علمي في العالم يضم أكثر من 125 ألف عالم، بعد أن أتمّ أكثر من 2000 من العلماء رحلة طويلة استمرت من العام 1985 إلى العام 2003 الخارطة الكاملة لجينوم الإنسان وتشابهها مع المخلوقات الأخرى،  وهذه الخارطة متكوّنة من حوالي 3 مليار من القواعد الهيدروجينية الموزعة على كروموزوماته وأطلقوا عليها (DNA).

وأنا هنا أقبل أن أصل الأنواع واحد وجذرها واحد ولكن لكل مخلوق فرع خاص به ولا يمكن أن يكون الإنسان مخلوقا آخر، كالقرد كما يدّعون، إلا كما أنشأه الله وطوّره من الخلية الأولى حتى وصل إلى هذه الصورة التي نعلم. والتطوير بدل التطوّر أراها الكلمة الأصح كما أطلق عليها د. مصطفى محمود، المفكر الإسلامي المعروف.

ودليلي على أنّ الإنسان أصله إنسان بعد أن طوّره الله من الخلية الأولى، هو ما يلي:

1- عدم وجود أحافير ولا مستحاثات تؤكد حقيقة تشابه الإنسان الحالي مع القرد، حتى القردة لوسي آخر ما اكتشف من القرود وقربوها من الإنسان تختلف بعمودها الفقري عن الإنسان فهو جاء عندها كحرف (C) بالإنجليزية بينما عند الإنسان الحالي هو كحرف (S).

2- يختلف الإنسان عن أقرب قرد تم تشبيهه بالإنسان بأكقر من 2 مليون من القواعد الهيدروجينية في الجينات.

3- عدد كروموزومات القرود 28 كروموزوم بينما الإنسان 26 ، في حين أن كروموزومات الأرنب هي 24، فلماذا اختير القرد كجد للإنسان ولم يتم اختيار الأرنب؟؟

والأغرب من ذلك، لو كانت الكروموزومات هي الوسيلة والدليل على أصول الإنسان في القرود، فلماذا لا تكون حبة بطاطا حلوة، وأعني ما أقول، هي أصل الإنسان، وهي تحتوي على عدد مماثل للإنسان من الكروموزومات 26. أو لماذا لا يكون الأخطبوط هو جد الإنسان وقد ثبت علميا أن عين الأخطبوط مماثلة تماما لعين الإنسان؟؟

4- لماذا يقال أن جد الإنسان قرد ولا يقال إنسان آخر؟

وقد أثبت العلم أن جنس الإنسان الحالي عمره لا يزيد عن 150 ألف سنة.؟؟

وقد أثبت العلم أيضًا، أن هناك أجناس بشرية منقرضة عاشت قبل نصف مليون سنة كإنسان النياندرتال الذي عاش في العصر الجليدي وقد وجدت له آثار في فرنسا وشبه الجزيرة الإيبيرية (إسبانيا) وفي فلسطين وليبيا. وهذا الإنسان لا تربط إنسان هذا الزمان أي صلة جينية به، ولكنه كان إنسانا ناطقا ذكيّا، كان خارق القوة عاش في مكان واحد مع الحيوانات المفترسة والضخمة وتمتع بحضارة متطورة أُبيدت وانقرضت معه.

وهناك الإنسان الكرومانيوني وهو أيضا عاش في العصر الجليدي، في المغاور والكهوف،  وجدت آثار له في جنوب فرنسا. وهذا الإنسان كان أيضا قوي البنية، ولديه حضارة، وذكاء كبير، وقد اقرض هو أيضا وحضارته.

أما الركيزة الثانية للنظرية تقول بحدوث طفرات عشوائية للكائن الحي فيها يتطوّر.

وهذه أنا أرفضها تماما لأن لا عقل ولا علم ولا منطق يقبلها، وانتفاء القصد والترتيب والتنظيم والقواعد في الإنشاء والبناء مستحيلة، ووجود عناصر أي كائن في مكان واحد لا يمكن لها أن تجتمع لتشكل كائنا بوظائف محددة، لا بدّ من قاصد ومُرتّب ومُنظّم ومُنشئ وباني، وتلك الصّفات كلّها تدلُّ على الموجد والخالق الله.

عتاة الداروينية قديمها وحديثها أمثال دوكينز وهيجل وتشارلز رافن وأوكسنارد  لا إجابات لديهم على هذه المسألة سوى أن هناك قوة خارقة أو قوى حسب اعتقاد البعض لا يمكن إدراكها حتى الآن تفعل ذلك، ولا يقولون الله، إنكارا وجحودًا غير مبرّر.

  أمّا الركيزة الثالثة في النظرية الداروينية، فهي مسألة الانتخاب الطبيعي وتوريث الحمض النووي (DNA) إلى أجيال لاحقة للكائن الحي، فهي مقبولة لأنها أصبحت في علم البيولوجيا والجينوم حقيقة علمية ثابتة.

هنا ينبغي أن أضع إشارة إلى الملحدين المثليين من قول  مكتشف الجينوم البشري، الخارطة الجينية جيمس واتسون:

“في حال استطاعت التجارب إثبات أن الجنين في بطن أمه مثليّ الجنس، ينبغي إعطاء الأم الحق في إجهاضه”. وهذه دعوة صريحة لتصحيح المجتمعات وسلامتها من مدّعي الحرية المطلقة، والمثلية الدونيّة. أمّا شريك واتسون في علم الجينات الطبيب الشهير فرانسيس كولينز قام بعد أن كان ملحدًا وأبحر في في الجينوم البشري، الشيفرة الوراثية،  بكتابة كتاب أسماه (لغة الله) يثبت فيه  أن كل هذا النظام والعلم الموجود في الخلق لا بد له من خالق، ألا وهو الله. وهذه ضربة لكل الملحدين متّبعي عقولهم التعيسة، وقد أثبت العلم حقيقة وجود الله، لذلك لم يكن من الغرابة بمكان أن يشهر طبيب العيون الأشهر في أمريكا والعالم لورانس بي براون إسلامه بعد أن كان ملحدا عنيدا ومنكرا لوجود الخالق الله.

كخاتمة أقول، لا يمكن أبدا أن تتعارضَ أو تتناقضَ الحقائق العلمية السليمة الثابتة مع الصّحيح من الدّين. وأن قال  العلم بالتطور أو بالتطوير كما يقول المفكر الإسلامي مصطفى محمود،  أو بالخلق المباشر، سواء كان سيدنا آدم أول الناس، وسواء كان قبله بشر، كما يقول المفكر الإسلامي عبدالصبور شاهين في كتابه (أبي آدم، قصة الخليقة بين الأسطورة والحقيقة)  لا يمكن أن يؤثر على الدّين بشيء، سوف تجد في القرآن والسنة النبوية الصحيحة ما يدعم هذه الرؤية، والتفسير في المسألة يطول.

إنّ هذا التطرف الذي يتبعه الملحدون وخصوصا العرب منهم، تجاه الدّين وأهله يعبر عن مدى ضيق أفقهم ووعيهم وسعة اطلاعهم، ويؤشر إلى منحى غير عقلي  وغير أخلاقي، ولا يمت بِصِلة للعلم الذي يتبجحوون باتباعه ويعلنون أنهم يريدون رفع شأنه. وهذا انحدار إلى  مجاهيل الضياع العقلي وغياهب الحس الروحي.

الحقيقة العلمية حين تتجلى في مراكز البحث العلمي، سيتجلى من خلالها الله الواحد الأحد الفرد الصمد خالق كل شيء حي، رب العباد وما احتواه ملكوته.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.