الرئيسية » تحرر الكلام » قراءة لأبعاد خارطة طريق دونالد ترامب

قراءة لأبعاد خارطة طريق دونالد ترامب

شكلت ظروف اعتلاء دونالد ترامب لسدة حكم الولايات المتحدة الأمريكية علامة فارقة في التاريخ القريب، ليس بسبب ما صاحب العملية الانتخابية من لغط حول أهلية ترامب السياسية واستحقاقه للرئاسة فحسب، بل وما أثير حول شخصيته وأمواله وشبكة علاقاته وصولا إلى تصريحاته النارية التي وصلت حد الشتائم أمام كاميرات الإعلام الذي كان ندا قويا لترامب على عكس كل الرؤساء السابقين الذين عرفوا حدودهم مع الآلة الإعلامية الأمريكية التي تمتلك القدرة على طحن أي رئيس لا تتوافق عليه الآراء.

ولعل من أبرز علامات التعجب التي طفت على السطح خلال الحملة الانتخابية هي تلك النتائج الخاطئة التي قدمتها مؤسسات استطلاعية وإعلامية مرموقة حول ضعف احتمالات انتخاب ترامب بالرغم من ضعف حظوظ غريمته هيلاري كلنتون بالفوز، الأمر الذي أثار الشكوك بمدى فاعلية المعايير التي تعتمد عليها في توقعات الفوز والخسارة، في حين وعلى ما يبدو إنها المرة الأولى التي لم تقترب فيها النتائج من حاجز أدنى الاحتماليات واقعية.

لذلك، وفي خضم التقاطعات والتجاذبات حول أهلية ترامب لقيادة أمريكا ومدى التوافق والاختلاف حوله، ونتكلم هنا أمريكيا، كان لا بد من الرجوع لمراحل سابقة من تاريخ الانتخابات الأمريكية، على الأقل منذ بداية القرن العشرين، ومحاولة الكشف عن أحداث مشابهة عصفت بأمريكا يمكن من خلالها المقارنة أو تقريب الأحداث قدر الإمكان للكشف عن خارطة طريق ترامب المحتملة.

جعل أمريكا عظيمة مرة اخرى

بداية ينبغي أن نتعرف على شعارات مرحلة ترامب وتطلعاته وخارطة الطريق التي رسمها وأقنع ناخبيه بها، والظروف التي مرت بها أمريكا قبل انتخابه، ومن ثم نعود إلى تاريخ رؤساء أمريكا السابقين من أجل البحث عن أوجه التشابه مع هذه الحقبة، لتكون دليلا يمكن أن يقودنا لتجربة سياسة أمريكية قادمة لم نعهدها من قبل.

رفع ترامب خلال حملته الانتخابية شعار (جعل أمريكا عظيمة مرة اخرى)، فـ لأي حقبة عظيمة يريد إعادة أمريكا حسب وجهة نظره؟ خاصة ونحن نتكلم عن عقل مشبع بالأفكار الاقتصادية!

من خلال بحث بسيط نجد بأن شعاره يقترب بدرجة كبيرة من حيث المعنى والهدف مع شعار آخر اعتمده الرئيس فرانكلين روزفلت حمل عنوان (العهد الجديد) وتعهد فيه بمعالجة الآثار الاقتصادية الخطيرة الناجمة عما أطلق عليه وقتذاك (الكساد الكبير)، وهنا يكمن وجه تشابه كبير لكن ببعض اختلاف، فقد كان فرانكلين روزفلت مرشحا ديموقراطيا للبيت الأبيض، على عكس دونالد ترامب الذي أصبح مرشحا جمهوريا بالصدفة إن صح التعبير.

بدأت سياسة روزفلت بالتأثير إيجابا على الاقتصاد المتدهور، ونصت سياسة العهد الجديد على وضع حلول للأزمة المصرفية عام 1933 وإعادة فتح المصارف السليمة، كما تضمنت خطته الاقتصادية إصدار القوانين التي ساهمت بشكل كبير في تجاوز أزمة الكساد الكبير، فما هي ظروف تلك الأزمة؟

الكساد الكبير

الكساد الكبير أو الانهيار الكبير (Great Depressionn) هي أزمة اقتصادية حدثت في عام 1929 ومروراً بالثلاثينيات وبداية الأربعينيات، وتعتبر أكبر وأشهر الأزمات الاقتصادية في القرن العشرين، وتم اعتبارها معيارا لما تبعها من أزمات، ومقياسا لمدى سوء الأزمة التي قد تحدث، وقد بدأت الأزمة بأمريكا مع بداية انهيار سوق الأسهم الأمريكية في 29 أكتوبر 1929 والمسمى بالثلاثاء الأسود.

لقد كان تأثير الأزمة مدمراً على كل الدول تقريباً الفقيرة منها والغنية، وانخفضت التجارة العالمية ما بين النصف والثلثين، كما أنخفض متوسط الدخل الفردي وعائدات الضرائب والأسعار والأرباح، وأكثر المتأثرين بالأزمة هي المدن وخاصة المعتمدة على الصناعات الثقيلة، كما توقفت أعمال البناء تقريباً في معظم الدول.

الحدث الأخطر والأهم الذي أعقب تلك المرحلة، والذي جاء كنتيجة منطقية لأفكار شيطانية وضعها الساسة الأميركان من أجل معالجة الأزمة الاقتصادية كان نشوب الحرب العالمية الثانية، فكان لا بد لأمريكا من إيجاد أو خلق سوق نشطة لاستهلاك منتجات الصناعات الثقيلة التي ضربها الكساد، وهو ما حصل بالفعل، عندما قامت الولايات المتحدة بإقراض دول الحلفاء التي كانت تمر بذات الأزمة الخانقة حينها بكل لوازم الحرب، لكن طريقة الدفع كانت مبتكرة، حيث لم تكن أوروبا قادرة على الوفاء بأثمان المعدات والآلات الحربية، فغرقت بالديون، وهنا بدأت أمريكا بالسيطرة الاقتصادية على العالم، وفرضت الدولار كعملة عالمية مقابل الذهب.

مقارنة تاريخية

وبالمقارنة التاريخية فإن ظروف الازمة الاقتصادية الحالية تحمل ذات دلالات الأحداث السابقة التي تشير إلى ذهاب العالم وبالتحديد الولايات المتحدة الامريكية نحو صراع محتمل، والتي تعتمد على الاعتقاد بان وراء كل أزمة اقتصادية عالمية هناك حرب واسعة النطاق، وربما تصل لحدود الحرب العالمية، خاصة بعد احتلال العراق وما تبعه من أخفاقات طالت السياسات الأمريكية في أكثر من دولة، فانعكس ذلك على الأمن والسلم العالمي في وقت ترتفع فيه وتيرة الحرب على الإرهاب الذي حمل أبعادا خطيرة من خلال استهداف ما يسمى الإسلام الراديكالي، والذي الذي جاء على لسان دونالد ترامب لمرات عديدة.

وبعيدا عن العداء المباشر بين المسيحية الأصولية وبين الإسلام وعنوانه الراديكالي الذي يتم الترويج له غربيا فإن بوادر الحرب على الإسلام يمكن ان تأخذ أشكال عدة بغض النظر عن الواجهات المعتمدة للحرب القادمة، فالأزمة الحالية نتيجة تراكم الديون في العقد الأول من الألفية الحالية، وما بعد الأزمة العالمية عام 2008 شكلت ذات التهديد لأمريكا ما قبل الحرب العالمية الثانية، وهو تهديد وجودي من وجهة نظر دونالد ترامب الذي هو بحاجة ماسة اليوم لخلق عدو افتراضي يتمثل بالإسلام الراديكالي.

ربما يسود الاعتقاد في إدارة ترامب المختارة بعناية تختلف عن سابقاتها من الإدارات الامريكية بأن الخطر الكامن بسياسة استقبال المهاجرين هو التحدي الحقيقي أمام تنفيذ شعاره (جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى)، وركز بالمقام الأول على المهاجرين المكسيكيين كتهديد للامن القومي الامريكي بسبب ارتفاع منسوب الجريمة المنظمة بينهم، في حين لم يخفي عداءه للمسلمين بوصفهم الخلايا النائمة للإرهاب الإسلامي، ومما يؤكد هذا الاعتقاد هو وجود تساهل كبير مع المهاجرين المسيحيين على عكس المسلمين.

سيحتاج ترامب لهدف جديد للانتقال للشرق الاوسط لتنفيذ تلك الحرب التي ستنقل أمريكا لحقبتها العظيمة، وبالتأكيد سيكون الإرهاب العنوان الأول لهذا الهدف، لكن وعلى ما يبدو إن هذا الهدف لن يكون متميزا لحملته بسبب استهلاكه دوليا وشعبيا دون نتائج حقيقية على الأرض، لذلك لابد من هدف آخر يمكن من خلاله ضرب عصفورين بحجر واحد، وهنا تصبح تصريحاته ضد إيران وتماديها في دول الشرق الاوسط منطقية، لأنه بذلك سيكسب دول الخليج لجانبه في الحرب التي تحتاج لتوفير قواعد ثابتة في المنطقة قبل أن يدخل حربه مع الإرهاب الذي يُرشّح ارتفاع منسوبه في الفترة القادمة.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.