الرئيسية » تحرر الكلام » ترمب هذا المفضوح.. رئيس إدارة

ترمب هذا المفضوح.. رئيس إدارة

المتابع  للشأن السياسي الدولي العام.. يلحظ المدى الذي وصل إليه الجدل حول حقيقة ترامب والكيفية التي وصل فيها إلى سدّة الإدارة التي تحكم أمريكا.

ويبدو أنّ هذا الجدل خلّف آراءً مختلفة حول الرّجل والطريقة التي سيدير فيها الاتحاد الأمريكي والسياسة الخارجية المتبعة والتعامل مع باقي العالم، لدرجة أن هذه الآراء أصبحت تشكل دعاية قويّة وإعلام يظهر على أنّه نتيجة وليس فعلاً مدبّرا وتضليلا مقصودًا يساعده على  التفريق الواضح بين معسكر الأصدقاء ومعسكر الأعداء. وأنا كقارئ للحدث  لا أستطيع  أن أصدّق هذا الكم الهائل من الاعتراض على ما عزم عليه من سياسات سيتبعها في ولايته ولا تلك الهجمات  التي  تشنها  وسائل الإعلام الأمريكية والدولية والتي تظهره قد خرج عن المنظومة التي تحكم العالم وتدير دفته شرقًا وغربا، شمالا وجنوبا. منها ما وصل حد تشبيهه بجون كينيدي  (رئيس أمريكي سابق)  الذي اغتيل بسبب خروجه عن هذه المنظومة كما زُعمَ وقيل بالرغم من  كل الغموض الذي اكتنف عملية اغتياله التي استمرت إلى أجيال.

ولكي نستطيع  تسليط الضوء على هذه القضية، وحتى يكون فهمنا أقرب إلى المعقول والمنطق الذي نقرأه في الواقع السائد في أمريكا والعالم، علينا أن نرى ترامب ترأمبا، كما هو  يقدّم نفسه، وكما أعلن من خطط وسياسات وبرامج سيتّبعها وينوي تنفيذها في الداخل الأمريكي وفي علاقاته مع العالم الخارجي، وليس في وضعه كما يفعل كثيرون ضمن إطار عام  متعمّد إظهاره على أنّه خلاف ما هو سائد ومعروف وخلاف التطور الطبيعي في  أدوات المنظومة التي تحكم العالم.

ترامب  بمواصفاته التي نعلم وثرائه الباذخ، علامة تجاريّة مسجّلة وأيقونة لا يمكن لها أن تنمو وتنجح وتستمر  دون أن تنضوي أو تحقق المبادئ التي تحكم العلاقة بين مجموعات المال والسلطة المتحكمة  وفي مقدّمتها مجموعة بلدر بيرغ . وإن كنّا نعلم علم اليقين أنّ هيلاري كلينتون وزوجها الرئيس السابق بيل مثّلا مجموعة بلدر بيرغ  في الإدارات الأمريكية السابقة وعبدين صغيرين عند آل بوش، فإن ترامب لن يتمكن من الفوز واستلام  رئاسة أمريكا إلاّ إذا كان كجمهوري مستجد عضوًا في هذه المجموعة وممثلاً لها، أو على الأقل متعاقدا معها على تنفيذ كل ما يمكن أن يحقق أهدافها ويؤكد سلطتها وتسيدها على الاقتصاد الأمريكي والعالمي والتّحكم في مجريات السياسة الدولية وتحكمها بمراكز القوة والقرار الاقتصادي العالمي.. فلا يقبل الواقع ولا المنطق السائد أن يكون ترامب ومن خلال الأكذوبة الكبرى المسماة انتخابات وديمقراطية أمريكية أن يتغلب على مرشحة كهيلاري كلينتون مرشحة  مجموعة بلدر بيرغ  التي تسيطر على مفاصل كثيرة في أمريكا والعالم، إلاّ إذا كان ترامب هذا هو  أيضًا مرشح المجموعة وينطبق عليه  في الأداء الوظيفي كرئيس للإدارة الأمريكية ما ينطبق على هيلاري كلينتون فيما لو فازت  في هذا المنصب، وأن كليهما سينفذ برنامج المجموعة السياسي والاقتصادي  والعسكري في أمريكا والعالم. أما أن يكون ترامب فعلا يغرد خارج السرب وأنّه يعمل لمصلحة منظمة ترامب  الاقتصادية الإطار  المحيط  بكل أملاكه  من مؤسسات ووسائل ومكائن  إعلامية  وجامعة علمية ونوادي رياضية وعقارات في أمريكا والعالم، وهذا ما هو مستبعد تماما ولا  يساند هذا الرأي دليل منطقي ومقبول، لأنه والحالة كذلك  سيقف في مواجهة عتاة الاقتصاد العالمي المتحكمين بمفاصله وأدواته والمسيطرين على مراكزه وسلطة القرارات الاستراتيجية فيه،ما يعني أنه  سيضع نفسه في مواجهة مفتوحة وعلنية مع  الأباطرة  عائلة روتشيلد وعائلة روكفيلر وعائلة مورغان وعائلة  دوبونت وعائلة  بوش.

ونحن كمراقبين ومن خلال متابعاتنا لماكينته الدعائية في حملته الانتخابية  وتصريحاته الاستعراضية الواضحة والصريحة قبل الفوز ومعرفتنا برجالاته الذين اختارهم لإدارته المقبلة للبيت الأبيض ومن خلال المراسيم  المثيرة للجدل التي بدأ يوقّعها من اليوم الأول  لولايته كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية يتضّح لنا بما لا يدع مجالاً للشّك أن الرّجل يلبّي بشكل صريح وواضح ودون أي مواربة ما تسعى إليه مجموعة بلدربيرغ وغيرها من المجموعات المهيمنة على العالم ويحقق لها أطماعها وطموحاتها ومصالحها، وهذا دليل على أنّ التدبير والترتيب لرئاسة ترامب لأمريكا، هو نفس الترتيب لرئاسة هيلاري كلينتون لأمريكا  بطريقة ذر الرماد في العيون، لتبدو اللعبة الديمقراطية الأمريكية في أبهى حللها وصورها التي تبهر العالم النائم بأدائها وأخلاقياتها.

ولو أردنا الحديث بتفصيل أكثر دقة عن ترامب ومشروعه منذ أن رشح نفسه للانتخابات الأمريكية، نجد الرجل كان أكثر وضوحا في  مناصرته لحق الصهاينة في فلسطين ورغبته في نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس واقتراحه  في نقل الفلسطينيين ليبنوا لهم وطنا في مجموعة جزر بورتوريكو  في شمال شرق الكاريبي  ذات الطبيعة البركانية  الاستوائية والتي تعتبر عرضة  لأعاصير المحيط الأطلسي، وهذا الأرخبيل من الجزر بالرغم من تبعيته لأمريكا، إلا أنه غارق في الديون وفيه كثافة سكانية عالية معظمهم  من الأفلرقة والإسبان وقليل من السكلن الأصليين. وهذا الاقتراح على هزليته واستخفافه بعقول البشر، إلاّ أنه يعكس المدى الذي يذهب إليه ترامب في  الولاء والتبعية لنفس الأهداف  والشعارات التي تنادي بها مجموعة بلدر بيرغ   وصهيونيتها في الاستحواذ على العالم والحفاظ على ربيبتها دولة الكيان الصهيوني في فلسطين.  ولم يُخفِ ترامب أفكاره ورغباته في هدم كل الكيانات  التي  ما زالت  تنادي وإن كانت بخجل في حق الفلسطيني بأرضه.

على نفس الصعيد، صعّد ترامب بشكل غير مسبوق وبأسلوبٍ دعائيّ فظ وغريب الوضوح والشفافية رغبته في استعباد دول الشرق الأوسط ودول الخليج منها وتحدّث جهارا نهارا وبدون لفّ أو مواربة عن استهجانه لعدم استيلاء أمريكا على نفط الكويت والعراق و السعودية واستغرب عدم إلزام  هذه الدول بدفع تكاليف حمايتها وخوض الحروب لأجلها، وظهر  وهو يقصد أن  يستغبينا  وكأنّ هذه الدول التي ذكر لم تدفع فعلا كل تكاليف حروب أمريكا والغرب في المنطقة وكأنّ  أمريكا لم تستحوذ فعلاً على نفط الخليج  وعلى إرادة أبنائه ولم يتم تطويعهم في منظومة ما يُرسم للمنطقة من خراب.

أمّا هجومه على الإسلام والمسلمين لعلمه بأن هذا الدين سيكون حجر عثرة فيما لو عاد إليه أبناؤه والتزموا مبادئه ومعاييره  في وجه كل المشاريع والمخططات التي ترسمها  مجموعة بلدر بيرغ  ومثيلاتها في سيطرتها على مقدّرات الأمم والشعوب، لأن عودة المسلمين إلى دينهم والالتزام بتعاليمه الحقّة سيجعل منهم قوة غير قابلة للكسر أو الخضوع، فكان ما كان ونخروا جسد أمة المسلمين من الداخل وصنعوا من الدين الواحد جماعات متناحرة  وملل وطوائف كلّها تدّعي الدين السليم والحق في قيادة الأمة، فتفرّقت وأصبحت في  أرذل ما يمكن أن تكون عليه أمة.

إذن فإنّ ترامب يغنّي نفس الأغنية  التي غنّاها سابقوه ولكن بألحانٍ جديدة أكثر وضوحا ودقّة وأكثر إمعانًا في أن تكون هذه الأغنية بحروفٍ بعيدة عن أي تشفير أو تفسير لشرح الغاية والقصد والهدف. لذلك  فإنّ منظمة ترامب  وصاحبها ترامب الرئيس لم يُرد أن تقود منظمته فقط الولايات المتحدة الأمريكية وحدها فأشرك معه شركة إكسون موبيل، وهي شركة  أمريكية مسجلة في أمريكا، متعدّدة الجنسيات  من أكبر الشركات العالمية المتخصصة بالنفط  ولها مئات الفروع على مستوى العالم للنفط الإمبراطوري المحدود. وقد عيّن ترامب رئيسها التنفيذي ريكس تيليرسون وزيرا للخارجية الأمريكية خلفا لجون كيري.

كما أشرك ترامب  أشهر المؤسسات المالية والمصرفية في الولايات المتحدة الأمريكية والعالم في حكم الإدارة الأمريكية، مؤسسة غولدمان ساكس وهي مؤسسة  أمريكية متعددة الجنسيات  وتعمل في أكثر من 30 دولة حول العالم ولديها 6 فروع إقليمية وأكثر من 100 مكتب حول العالم، فعيّن مديرها التنفيذي  غاري كوهين في منصب مدير المجلس الاقتصادي الرئيسي لتنسيق القضايا الاقتصادية المحلية والدولية، وهو أعلى منصب اقتصادي في أمريكا بيده الحل والعقد. كما عيّن الملياردير ستيفن منوتشيه الخبير المالي  المخضرم  والشريك الكبير في مؤسسة غولدمان ساكس  وزيرا للخزانة الأمريكية. وعيّن الملياردير ويلبر روس  المعروف بملك الإفلاس لاستحواذه على كل الشركات الأمريكية الآيلة للانهيار  ومثيلاتها في معظم دول العالم التي تعاني من أزمات مالية تؤدي بها إلى الإفلاس،  وزيرًا للتجارة.

واتجه ترامب في تعييناته بعد أن  أختار رجالات الاقتصاد والمؤسسات والشركات الكبرى لفريقه، ليشرك عسكريين متطرفين شاركوا في حروب العراق ومؤامرات كبرى حول العالم، فعيّن مايكل فلين الجنرال المتقاعد في منصب مدير الأمن القومي الأمريكي، وعيّن الجنرال المتقاعد الشهير في الحرب على العراق جون كيلي وزيرًا للأمن الداخلي، وعيّن الجنرال المتقاعد من البحرية الأمريكية والمشارك في الحرب على العراق  جيمس ماتيس وزيرًا للدفاع الأمريكي.  وهؤلاء الجنرالات الثلاثة اعتبروا من المتطرفين اليمينيين في الإدارة الأمريكية الجديدة وداعمين أقوياء لسياسات ترامب القادمة.

ولإثبات أن ترامب  قد جاء ليكمل ما بدأه أسلافه من سياسات وإكمال الشوط في سيطرة من وراء ترامب على الولايات المتحدة الأمريكية نستكمل القراءة في تعيينات ترامب في إداراته الجديدة  التي ستقود الولايات المتحدة الأمريكية والعالم لأربع سنوات قادمة. فهو اختار بنفس الكيفية وعلى نفس المبادئ والأهداف  مايك بنس  الجمهوري  الإنجيلي المحافظ ، حاكم ولاية أنديانا  نائبًا له. والمعروف عن مايك بنس أنه داعم قوي لدولة الكيان الصهيوني (إسرائيل) وأكثر رجالات ترامب  تطرفًا  وكان يدعم رغبة هذا الكيان الصهيوني  في شن هجمات عسكرية على  إيران لتدمير مفاعلها النووي.

كذلك عيّن ترامب بينجامين سولومون كارسون وزيرًا للإسكان. وكارسون هذا عنصري كاره للإسلام والمسلمين وللاجئين في أمريكا، وقد أثارت تصريحاته يومًا حول اللاجئين السوريين ضجة كبيرة لقوله “إذا  كان هناك كلب مسعور يركض في منطقتكم، فمن المحتمل أن تبعدوا أولادكم عن طريقه، هذا لا يعني أنكم تكرهون الكلاب، بل تفكرون في طريقة حماية أطفالكم” وهذا بالطبع غريب وكريه وغير مبرر خصوصًا أنه  المنحدر من أصول إفريقية  وصاحب بشرة داكنة والمولود في غيتو فصل في ظروف عائلية قاسية ومريرة، الطالب الفاشل والهُزؤ الذي أصبح فيما بعد أشهَرَ جرّاحي الأعصاب على مستوى العالم.

طبعا يطول الحديث فيما لو أبحرنا كثيرا في تناول رجالات ترامب  وحياتهم وما يحملون في صدورهم من حقد وكراهية وما في رؤوسهم من أفكار وتدابير سيطالون بها مرافق الحياة كلها على مستوى أمريكا والعالم، والتي بدأها منذ اليوم الأول الرئيس المعتلي عرش أمريكا توقيعه على مراسيم وقرارات واجبة التنفيذ ليؤكد أنّه على عهده ووعده الانتخابي وأنه سوف ينفّذ كل ما أعلن عنه في حملته، رضي من رضي ورفض من رفض.

خلاصة القول، أنّ السياسة الأمريكية واحدة لم تتغيّر وإن اختلفت صورها وألوانها، وما سنشهده من تغيير، إن صحّ القول أن تغييرا سيحصل في فترة ترامب الرئاسية،  ما هو إلاّ مرحلة جديدة من سلطة أهل  المال على العالم تستوجب خطوات كبيرة إلى الأمام للإحاطة أكثر بكل ما تحت أيديهم من مقدّرات والحفاظ على ما تيسّر لديهم حتى الآن من نفوذ. ومنظمة ترامب واحدة  من تلك المؤسسات اللاعبة  في مجموعة بلدر بيرغ بمصير ومستقبل العالم، مثلها في ذلك مثل إكسون  موبيل وغولدمان ساكس وغيرهما من الشركات الكبرى المؤثرة. هو دور يؤديه ترامب على أكمل وجه، بينما  الحكومات والشعوب خصوصًا العربية منها تعيش حالة من الانتظار لما ستكون عليه تصرفات ترامب نحوها.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.