الرئيسية » تحرر الكلام » موسوعة الدرر الزاهرة في الأصالة المعاصِرة

موسوعة الدرر الزاهرة في الأصالة المعاصِرة

منهج الترقي بكلية الوجود الإنساني

تأليف الأستاذ الدكتور بسيوني الخولي

الطبعة الرابعة منقّحة وموسّعة 

المجلد الثاني

حضــــــــــــــــــارة الإســــــــــــــــــــــــــــــــــــــلام

(الذات الحضارية للإسلام)

الجـــــــــــــــــــــزء الخامـــــــــــــــــــــس

الجيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــش

10

حضــــــــــــــــــارة الإســــــــــــــــــــــــــــــــــــــلام

(الذات الحضارية للإسلام)

الجيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــش

10

بالرغم من أن الحضارة كمدرك يعطي دلالة مباشرة على المدنية والعمران والقيم والرقى والتطور ، إلا أن لكل هذه المظاهر والأشكال المبهجة المبهرة جانباً آخر ذا طبيعة عنيفة ، وقد تكون بغيضة تتعلق بالصراع ، الذي يبدأ عادةً بالخلاف الفكري والاختلاف النظري ، وينتهي دائماً ـ إذا لم يُفضُّ مبكراً ـ بالصراع العضوي ، الذي يعني عدم قبول وجود الآخر، والرغبة في إنهاء ذلك الوجود ، ومن النادر أن نجد حضارة لا تحمل في عناصرها ومفرداتها هذا الجانب العنيف . 

والحضارة  ترى في القوة ضرورة ، ليس لاستعمالها للعدوان دائماً ، ولكن للتحصن بها ، والدفاع عن القيم والمكتسبات والمنجزات التي حققتها ، كما ترى في إعداد تلك القوة وترتيبها وتنظيمها في جيوش واستراتيجيات ضرباً من ضروب الحضارة وشكلاً من أشكالها .

ولم تكن حضارة الإسلام في ذلك بدعاً ، فقد لجأت لتأسيس الجيش ، واعتباره مؤسسة تنظيمية محكمة لأسباب كثيرة ، وتجد هذه الأسباب جذورها في أصوليات مرجعية ، تستند إليها تلك الحضارة في تأسيس المؤسسة العسكرية .

وقد تطور الجيش في حضارة الإسلام تطوراً سريعاً ، واكتسب ذلك التطور من الخبرة المتراكمة من الفتوحات المتواصلة في كافة الاتجاهات ، ووصل به الأمر إلى أن أصبح أقوى جيش في العالم في عهد الخلفاء الراشدين والعهد الأموي .

وتعرض ذلك التطور الذي وصل إلى مداه في عهد بني أمية إلى انكسار حاد على أثر الاجتياح المغولي للشرق الإسلامي ، وتدميره للحضارة والخلافة العباسية في بغداد ، حيث انتهى وجود الجيش الإسلامي الموحد ، وحلت محله الجيوش المتعددة للدويلات والأقاليم الإسلامية ، وكان أقواها وأكثرها تنظيماً الجيش المملوكي في مصر والشام .

ثم دخل الجيش الإسلامي طوراً جديداً من القوة والإحكام على يد الأتراك العثمانيين ، حيث أسسوا جيشاً قوياً ومنظماً ، ولكنه اتصف بالعنصرية حيث اعتمد على العنصر التركي فقط ، واستهدف تحقيق المجد والمآرب الشخصية لآل عثمان ، فكان من الصعب تسميته بالجيش الإسلامي ، بل كان جيشاً تركياً أو عثمانياً مسلماً .

ومرة أخرى يتعرض الجيش العثماني المسلم لانتكاسة ، ارتبطت بضعف الدولة العثمانية ، وأفول نجمها وانفلات الولايات الإسلامية من سيطرتها واحدة تلو الأخرى ، وعاد الجيش مرة أخرى إلى التعدد ، حيث سعت كل دويلة إسلامية إلى تكوين جيش خاص بها ، وقد أُضعفت هذه الجيوش المتعددة ، وأُنهكت بفعل السيطرة الأوروبية على الدويلات الإسلامية .

وبعد حصول الدول الإسلامية على استقلالها عن السيطرة الأوربية ظهرت الجيوش الوطنية التي ارتبطت بالدولة ذات العنصر المعين والإقليم المحدد ، ولم يعد من الممكن الحديث عن الجيش الإسلامي ، أو الحديث عن الجيش كأحد مقومات حضارة الإسلام . 

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.