الرئيسية » تحرر الكلام » بحجارك نرميك “مثل شعبي فلسطيني”

بحجارك نرميك “مثل شعبي فلسطيني”

كدت أرمي التلفاز  بفنجان القهوة الذي كان بيدي وأنا أستمع لمندوبي الدول العظمى في اجتماعهم الليلة حول مأساة حلب، كنت أعلم ما سيقولون وبما يصرّحون وأحفظ ذلك عن ظهر قلب، لا شيء جديد البتّة، جميعهم  يدّعي ملائكيّة مجتباه ويتحدّث بطهرٍ  يفوق طهر ملائكة الرحمن في تبيان موقفه من المجازر والخراب والدمار والمآسي التي ألمّت بحلب، وكلّ يدّعي بأنّه حامي الحمى المخلص المنتظر الذي  يتألم للدم النازف من الأبرياء ويبكي الطفولة والإنسانية التي عقرت كرامتها وشرفها. ورغم ذلك كنت أتابع الجلسة  لأزداد يقينا بمدى ما يفعل بنا وببلادنا هؤلاء أولاد الرذيلة وكيف يتم خداع الأمم والشعوب وتجهيلها محقّقين لمصالحهم  ولجبروتهم وسطوتهم وسيطرتهم على بلادنا ومقدراتنا ضامنين عمانا وانشغالنا بأنفسنا وبدفن كرامتنا وعزّتنا ونخوتنا وإنسانيّتنا مع قتلانا الذين ذهبوا إلى بارئهم بلا ذنبٍ أو أسيّة سوا أنهم عاشوا في بلادٍ سطى عليها حكامها بتدبير ٍ  منهم، وأقصد هؤلاء  مدّعي الملائكية  الأعداء.

المندوب الفرنسي لدى الأمم المتحدة، فرنسوا ديلاتر، قال إن حلب تشهد “أسوأ مأساة إنسانية في القرن الـ21” وقال إن بلاده “تجدد الدعوة إلى المجتمع الدولي للحفاظ على القيم والمبادئ الإنسانية. وضعوا معي خطّا  تحت هذه العبارة الأخيرة.

المندوب البريطاني ماثيو رايكروفت، لم يذهب بعيدا عن ما قاله المندوب الفرنسي،  منتقدا استخدام روسيا للفيتو لتعطيل قرارات مجلس الأمن.

مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية سامانثا باور، ذهبت إلى نفس الاتجاه وأسهبت في الحديث عن المجازر التي يرتكبها نظام الأسد وعن المآسي الإنسانية التي لا ينبغي السكوت عنها، واتهمت روسيا وإيران والنظام السوري بكل الجرائم الوحشية التي تُرتكب بحق المدنيين  وبالتالي هم  مسؤولون عن الانهيار الكامل للإنسانية في حلب. وضعوا  معي أيها القراء الأعزاء  خطًّا تحت الانهيار الكامل للإنسانية في حلب.

المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة  فيتالي تشوركين، سخر من ادعاءات من سبقه من متحدثين قائلا أن الحديث عن جرائم ترتكب في حلب محض تلفيق  وترويج غير دقيق، متهكّما على  كلمة المندوبة الأمريكية بالقول سمعتها وكأني أستمع للأم تيريزا، متهما أمريكا برعايتها للإرهاب ووقوفها خلف صناعة داعش.

بعد هذه المقدّمة، لن أتحدّث بعد عن كلمة الأمين العام للأمم المتحدة بانكي مون وعن قلقه ومخاوفه،  ولا عن ما قاله المندوب السعودي عبدالله المعلمي قبل الجلسة ،كلّنا حلب، مهدّدًا بعاصفة حزمٍ تشنها المملكة على سورية، ولا عن كلمة المندوب السوري  بشار الجعفري واتهامه لـ (إسرئيل) بوقوفها وراء الإرهاب ودعم الإرهابيين  في بلاده، ودفاعه عن حق  جيشه بالدفاع عن وطنه، وحديثه عن إنسانية جنوده. ولا عن استهزاء المندوب الإسرائيلي داني دانون في وقت سابق  باللغة العربية على بشار الجعفري  متحدثا عن الجرائم التي يرتكبها النظام السوري ضد شعبه واستخدامه البراميل المتفجرة، رافضًا المقارنة بين الجولان وسورية باعتبار أن الجولان قبل وبعد الحرب كانت واحة للاستقرار والطمئنية والحياة الرغيدة لمواطنيها،  مضيفا أنّ الأسد يقتل، و (إسرائيل) تأوي وتعالج المدنيين والمصابين الأبرياء، مختتمًا  بـ (اللي استحوا ماتوا) ،  ولن أذكر حديث المندوب المصري عمرو عبداللطيف من أن أجتماعات الأمم المتحدة حول سورية غير مجدية، إلى آخر ما كان في المسرحية الدولية على مسرح مجلس الأمن.

أنا  سوف أحاول أن أضع معاكم نقاطا على الحروف، ولن آتي على ذكر المعايير المختلة في مواقف الدول الكبرى إذا ما كان الحديث عن (إسرائيل) وجرائم  (إسرائيل) وكيف يختلف الكلام  مع أن القتل والتدمير والإجرام  يتشابه، وحتى عندما يكون الحديث عن اليمن، تُنتقى المفردات وتتبدل المواقف بحسابات ومعايير أخرى، مع أن القتل هو القتل والتدمير هو التمير والأسباب هي الأسباب، في كلتا حالتي الصراع السوري واليمني شرعية تدافع عن الوطن في وجه معارضين، طبعا حسب المعلن والمُشاع.

غير أن الواقع هو ما سيلي من كلام من وجهة نظر غيور .

الثورات العربية المزعومة المسمّاة بالربيع العربي كشفت عن علل وأمراض وخبث كثير يعشعش في قلوب وعقول الشعوب العربية قبل حكامها، وأثبتت بالدليل القاطع أنّ دولنا المصطنعة ما هي إلاّ كيانات وهمية لا حول لها وقوة، ولمن أوجدها  – الخمسة الكبار في مجلس الأمن الدولي- على هذه الشاكلة  أهداف تتحقق عبر برامج ترسمها مصالحهم  في بلادنا، ويحافظون عليها بتأكيد سطوتهم وسيطرتهم على حكوماتنا وشعوبنا، وبالتالي هم يتقاسمون هذه المصالح والأدوار بينهم،  فهم اقتسموا مناطق النفوذ ونوع المصالح وولاءات دول المنطقة، وتبعيتها بحكوماتها وجيوشها وشعوبها  ومقدراتها.

قبل الثورات العربية المزعومة بسنين، كان أول مثالٍ صارخ على أنّ  دولنا أوهى من بيت العنكبوت، بعد أن أدخلوا العراق وإيران بحربٍ صُرفت فيها المليارات  من الدولارات على السلاح والعتاد الحربي، وقتل فيها مئات الألوف من البشر، لتنتهي على  لا شيء، وبقرار ، لم تُعرف كيفيته وماهيته ومن أصدره،  ادعى كل طرف كسبه لهذه الحرب، بينما  هم فقدوا خيرة جنودهم ورجالهم، فكانت أزمة الذكور المخفية التي لم يتكلم بها أو عنها أحد، وكثرة الأرامل والعوانس  والفحش الناتج عنها، وهذا ليس بحثنا.

لم يقتصر الأمر هنا.  بعد بضع سنين، أوهمت أمريكا صدام  حسين، بأن لا بأس من دخول العراق للكويت لتأديبها جراء  خلافات كان أهم أسبابها إغراق الكويت الأسواق بالنفط لتهبط الأسعار  بشكل كبير وخطير بعكس رغبة العراق  الخارج من حربٍ مدمرة وحاجته للمال لتثبيت دعائم النظام والدولة، لتدخل المنطقة العربية عموما والخليج العربي خصوصا في واقع جديد جلب الغرب كله بجنوده وعتاده الحربي إليها وجنّدوا الدول العربية كلّها لحرب تدميرية على العراق أخرجته ليس فقط من الكويت ولكن حطمّت جيشه الخارج من حربٍ سابقة مع  إيران. وفرضوا على العراق حصارا خانقا راح ضحيته بصمت، مليون طفل عراقي حسب الإحصائيات الرسمية  بسبب النقص بالدواء وحليب الأطفال  والمعدات الطبية اللازمة.

ولم ينته الحصار على العراق إلاّ بتنازل القيادة العراقية عن الكثير من الشعارات  والثوابت المرفوعة، فسمحت بدخول لجان التفتيش الدولية، التي كان معظمها  يتبع لمخابرات صهيونية وغربية،  إلى منشآته ومؤسساته المدنية والعسكرية، وحتّى قصور الرئيس صدّام حسين نفسه،  للبحث عن سلاح نووي وكيماوي مزعوم ادعت المسماة  المنظومة الدولية متمثلة بأمريكا وفرنسا وبريطانيا امتلاك العراق لها واصفةً العراق بالدولة التي تمتلك  رابع أقوى جيشٍ بالعالم. ولما لم تتمكن هذه اللجان من العثور على شيءٍ اتهموا العراق بدعمه للإرهاب وعلاقته بتنظيم القاعدة وأسامة ين لادن بعد مسرحية  الهجمات التي وقعت  على برجي التجارة العالمي في أمريكا، قامت على أثرها الأمريكا هذه وبمساندة كل الدول الكبرى في العالم بحرب ثانية على العراق أسقطوا فيها نطام صدّام في عشية وضحاها وقضوا على جيش العراق قضاءً مبرحا بين  قتيلٍ أو خائنٍ مستسلمٍ  أو مسرّحٍ أو فار، وكبّدوا العراق خسائر إضافية لم يزل إلى يومنا هذا يدفع فاتوراتها  ويعاني تبعاتها وتستفيد منها الدول الكبرى التي شاركت بالحرب.

ولأنّ الحديث في مجلس الأمن اليوم عن سورية،  فليكن حديثي  أنا أيضًا عن  هذا البلد الذي عدّ نفسه دولة ممانعة ومعادية للكيان الصهيوني في فلسطين. وعلى مدار تاريخ سورية الحديث كان الاعتقاد السائد أن سورية قوية بجيشها واستقرارها وبمواقفها العربية وحاملة رسالة الوحدة الخالدة، إلى أن  وقع الفأس في الرأس، وثبت أنها دولة لا تقل هشاشة عن العراق، فلا قوة الجيش العربي السوري قوة حقيقية كما آمنا دائما،  ولا كانت الوحدة بين أبناء سورية أساسها عقيدة ثابتة،  أو  أنّ لها عمقًا  عربيًّا وإسلاميًّا، فوقف الكل في حربٍ معها، ولم يكن الاستقرار إلا بعامل رعب المواطن من الدولة.

كان يكفي سورية سقوط هيبة البعبع بخروج أول مظاهرة معارضة للنظام، لينكسر عامل الرعب ويخرج إلينا إلى العلن كل  هذا الذي رشح من إجرام وعنف ودمار ودماء وتشريد بالملايين، سواء قام به النظام أو معارضيه.

أحيانًا أقف لأتساءل بيني وبين نفسي، وتراودني أسئلة مثل:

لو كان النظام والدولة والجيش قويًّا  ومسيطرًا على الدولة، فكيف استطاع عشرات الألوف من غير السوريين الدخول إلى سورية بكل هذا العتاد الحربي الذي تعجز عنه الدول؟؟ ألا يعني هذا أنّ هذه الدولة ليست إلا كيانًا ضعيفا؟؟؟

ولو كان من يحارب النظام سوريون، فكيف خرج على النظام هذا الكم من المقاتلين الرافضين لحكم آل الأسد؟؟

في كلتا الحالتين، فإن  الانهيار الذي طال الجيش السوري يؤكد  أن هذه الدولة كالعراق دولة واهية ووقوفها السابق على هيئة الدول القوية هو أكذوبة كبرى  آمنا بها واعتقدنا بها لرغبتنا في وجود دول عربية قوية حقًّا قادرة على صيانة أراضيها وحدودها. أستطيع الآن أن أفهم امتناع سورية الدولة من الرد على كل الغارات الإسرائيلية التي قام بها الكيان  الصهيوني في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، وأستطيع أن أفهم سبب شعارهم نحن من يختار زمن المعركة ومكانها مع الكيان الصهيوني، ولن نقبل أن تفرض علينا (إسرائيل) الحرب.

ما كان للرئيس بشار الأسد ونظامه أن يستمر كل هذه السنين في حربه مع معارضيه سواء كانوا سوريين أو أجانب غرباء،  إلاّ بعد تدخل حزب الله  اللبناني والحرس الثوري الإيراني والميليشيات الشيعية العراقية، ومؤخرًا تدخّل  روسيا بشكل مباشر وعلني بطيرانها وآلتها العسكرية لتقلب المعادلة كلها رأسًا على عقب ، وليصنع هذا التدخل مناخًا طائفيًّا،   في حربٍ لم يخفِ فيها أهل السنة من عربٍ وترك دعمهم بالسلاح والعتاد والمال لمعارضي النظام السوري وتجنيد آلياتهم الإعلامية  لكسره وكسر أتباعه من الشيعة، لتكون هذه الحرب المدمرة أساسا لفتنة كبرى عصفت بالمنطقة وأشعلت نارها، ولن يستطيع أحد إطفاءها، إلا صانيعوها، وهذا هو بيت القصيد، ويا خيل الله اركبي وإلى الله ارغبي.

المُخطّطون لهذا الدوري من الحروب  التاريخية حول العالم، هم هم نفس الكبار الذين يشغلون مقاعد مجلس الأمن الدولي.

واهم من اعتقد أن حاكما عربيًّا   بمفرده ونظامه، حرّا في أن يكون على  كرسيه كما يشاء، دون أن يؤدي فروض الولاء والطاعة وأن ينفذ ما شاء  في حدود بلاده دون ضوءٍ أخضر  من الكبار. بمعنى أن بشار الأسد،  كصدام،  يسقط بقرار  من هؤلاء ويبقى بقرار، وهو حارب بقرار واستمر في حربه إلى اليوم بقرار. وأنّ معارضيه خرجوا عليه بقرار  واستمروا بحربه بدعم من الأتراك  ودول الخليج بقرار. يعني يكفي  أن يُعلن اليوم الروس والأمريكان عن مخطط في سورية يتخلى فيه بشار الأسد عن الحكم في سورية، ليغادر بشار إلى غير رجعة، ولو كان القرار مغادرة مع محاكمة، سيغادر ويخضع للمحاكمة. هي اللعبة الكبرى، التي يجب أن نعيها ونفهمها

وإن الفتنة والطائفية المصطنعة بالمنطقة هي أيضا بقرار كمحرك ودينامو لاستمرارية الحرب  إلى ما شاءوا لها من وقت، وحتى يتحقق لهم مبتغاهم ، خلاصة القول، كل بلاد العرب خاسرة والكيان الصهيوني في فلسطين هو الرابح الوحيد.

كما النظام السوري، فإن كل الأنظمة التي دعمت معارضيه هي على نفس القدر من مشاركتها في سيناريوهات ما يُرسم للمنطقة،  لإن الاعتقاد بملائكية أنظمة السعودية وقطر والإمارات وباقي الدول العربية المتورطة بالحرب ، واستقلاليتها  بقرارها  كالإعتقاد بدخول إبليس الجنة، فالكل مأمور لتنفيذ أجندات الكبار، صاغرين غير مخيّرين.

أخيرا  أقول، أن دولنا جميعها كيانات واهية مصطنعه، أوجدوها لتؤدي دورا  بهدفٍ وغاية، وهي باقية ما أرادوا لها ذلك، ونصّبوا عليها حكّاما أعداء لشعوبهم  فكانوا شر من يقسوا ويظلم ويخيف ويرعب هذه الشعوب، ليصنعوا من أجيالها أجيالا مهزوزة لا تدري خلاصا ولا تعلم  حياة غير ما تعيش.

ضربوا الحاكم بالشعب والشعب بالحاكم بثورات  قالوا عنها من أجل الحرية، فكانت لهم الحرية فوضى والخلاص انحلال  وتشظي والاختلاف مع الآخر المواطن فتنة، والوطن انتماء للطائفة والعرق.  إنّه السقوط الذي لا يأتي بعده نهوض، وما زالوا يرموننا بحجارتنا.

يلزمنا الكثير من الوعي ليغسلنا من المس الذي طالنا بلعنة الغرب علينا ووجود كيانٍ صهيوني  كإسرائيل معادي بين ظهرانينا ليكون  أداة هذا الغرب وكرباجه على ظهورنا، والواحة الآمنة الوحيدة في المنطقة، بينما باقي كياناتنا بمهب الريح.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.